العاشر

كما هي عادة دائما مع أريوس، لا يستطيع ان ينسجم مع أي شيء آخر من حوله إلا الطبيعة، ربما لأنه أمضى بها وقت طويلا جدا من سنوات عمره، لا أحد يعلم عنه أي شيء فماضيه يلفه الكثير من الغموض من كل جانب .

لا يستطيع أي شخص في المملكة أن يعرف أين تربى، ولا كيف سيطر على قواه الهائلة تلك، ولا أحد يعرف كيف خضعت له كل تلك الوحوش الاسطورية وجعلوه ملكا عليهم، لا أحد يعلم فهو يبقي هذا الأمر سرا لنفسه فقط، فهو محاط بحفنة من الأعداء الذين يتربصون به ويجعلون حياته جحيما.

تنفس بغضب ساحق وأغمض عينيه الفريدة وهو يطلق من جسده الضخم ذاك، وابل من الطاقة الحمراء المتوهجة، لتتجه مباشرة نحو شجرة ضخمة أمامه ،لتصتدم بها وتدمرها تماما.

وقد أصدر صوت إرتطام تلك الشجرة على الأرض، صدا تردد في أرجاء كل الغابة.

على بعد أمتار منه وعلى شجرة الصنوبر الضخمة، كانت تجلس هنالك إمرأة هناك على أحد فروعها وهي تنظر إليه بإبتسامة سمجى، كان من الواضح أنها كبيره في السن بسبب ملامحها المجعدة ،وشعرها الذي غزاه الشيب من كل جانب.

كانت تنظر نحو إريوس بإبتسامة جانبية ساخرة للغاية، وهي تفكر بصمت .

من الواضح أن ملك الوحوش هناك شيء ما  يضايقه بشدة، فقد رأته منذ للحضة التي خرج فيها من قصره وحط هنا في وسط هذه الغابة الملعونة، لقد شاهدته يتحول في لحضات أمامها إلى هذا الوحش الذي يدمر كل شيء أمامه دون إهتمام بالأخضر أو اليابس.

مره اخرى كان أريوس يطلق جناحيه ويرتفع ليحلق نحو السماء، قبل أن يفجر طاقة هائلة من جسده ويطلق صرخة عضيمة، أجبرت كل من كان في المنطقة على أن ينحني ويصبح خاضع له تحت إمراته.

ربما كانت هذه هي الحاجة الوحيدة التي بها يستطيع أن يثبت لنفسه ولهم، أنه لا يزال يستحق العيش بينهم.

توقف أخيرا وأوقف ما كان يفعله، لينزل على الأرض وهو يعيد إخفاء اجنحته السوداء داخل ظهره، وهو يتنفس بإضطراب بينما ينظر أمامه بشرود شديد.
تنهدت تلك العجوز بياس شديد وهي تقترب منه، بعدما نزلت من أعلى الشجرة.


كانت تطوف في الهواء وهي ترتدي عبائة قديمة ورثة للغاية، بدأت تحلق حول رأسه كالذباب تماما، وهي تقول بإبتسامة مستفزة أغضبت ملك الوحوش الذي يقف هنالك بشموخ أمامها :

" ما الذي أغضب سيد الوحوش هذه المرة؟"

إقتربت منه لتقف أمامه ثم رفعت يدها أمام وجهه تسكته بلا تهذيب، قبل أن يفتح فمه وتكمل سؤالها السابق قائلة بإبتسامة جانبية :

" لا تخبرني دعني اخمن ..."

وضعت يدها على رأسها بتفكير قبل أن تفتح فمها، وهي تقول بحماس :

"هممم أضن أنني عرفت الموضوع الآن! من الواضح أن سبب غضبك هذا هو إمرأة أليس كذالك أيها الملك العضيم؟!"

رفع أحد حاجبيه بسخرية شديدة وتضر إليها بتهكم ، قطعا ليس هذا الأمر الذي اغضبه وإستفزه اليوم، زفر بسخط وهو يفكر.

احيانا يدهشه أن هذه المرأة التي تقف أمامه الآن معترف بها، على أنها اقوى ساحرة في العالم.

رغم ذلك فالغباء الذي تمتلكه لا يستطيع أن يمتلكه أي مخلوق آخر مهما كان، وقبل أن يجيبها كانت مرة أخرى تسكته بفضاضة وتقول بإبتسامة خبيثة:

" أليس من المفترض أن تكون سعيدا بأنك قد وجدت رفيقتك، وهو الأمر الذي لم يحدث أبدا مع من سبقوك من حاملي اللعنة"

توسعت عينيه ونظر إليها في غضب ، وفي اللحظة التالية كان يقف أمامها قاطعا المسافة التي بينهما بلمح البصر وهو ينظر إليها بعيون جاحضة:

"ما الذي تقصدينه برفيقتي؟"

نظرت إليه بإستغراب شديد،  فمن المفترض أن يعرف هو هذا الأمر قبل منها حتى، نظرت إليه وهي تحاول أن تعرف إن كان يمزح معها أم هو جاد.

ولكن كان من الواضح أنه يتحدث بجدية، فعيناه الفريدة متسعة بصدمة.

ضربت على رأسها بيأس وهي تقول :

" أيها الوحش الادابله، لا تخبرني أنك لم تنتبه إلى الخاتم الذي كسر على ظهرك، وسر زيادة قوتك "

إبتعد عنها وهو لا يزال يشعر بالتشويش، ليقول بينما هو يعقد حاجبيه:

" لا بطبيعة الحال إنتبهت له، ولكن لم أتوقع أن الأمر يجب أن يكون مع رفيقتي"

إبتسمت إبتسامة جانبية لتقلب عينيها:

" أجل الشخص الوحيد القادر على أن ينقذك من اللعنة هي رفيقتك"

نظر إليها وقد لمعت عينيه بسعادة شديدة لا يكاد يصدق الامر، أخيرا سوف يصبح إنسانا حقيقيا ويتخلص من هذه لعنة إلى الأبد.

تحدث بجدية كبيرة وهو يقول،ليقترب منها ويقول بحذر :

" هل إذا ما وجدتها سوف تكسر كل الخواتم على جسدي وتنتهي بذلك تلك اللعنة التي تلاحق سلالتنا؟".

حركت كتفيها بلا مبالات وعادت حتى تطفو حوله وهي تنظر بتسلية إلى حيرته، وهي تلعب بقدميها في الهواء كما لو أنها طفلة صغيرة لم تتعدى العاشرة من عمرها.

" أمر طبيعي جدا، فهي في النهاية من أصحاب الدم الملعون".

تجمد أريوس في مكانه حرفيا وقد تحول ذلك الفرح والسعادة التي كان يشعر بها قبل قليل، إلى ألم وغضب وحقد شديد.

إلتفت إلى الساحرة التي كانت لا تزال تحلق حول راسه، وبدون سابق إنذار كان يمد يده ويشد على رقبتها لتتوقف حركتها ويقربها إلى وجهه وهو يقول بغضب شديد:

" ما الذي تعنين بأنها من أصحاب  الدم الملعون؟
هل تعنين أن الرفيقة التي كنت انتظرها لأعوام تنتمي إلى تلك سلالة البغيضة؟
لم اكن أتوقع أبدا أنها سوف تظهر لا، والاسوء من كل هذا هو أن تكون من تلك السلالة اللعينة التي حولت حياتي وحياة اجدادي إلى جحيم؟"

نظرت إليه بإستغراب شديد في فكرة هذه التي تستحوذ على عقله الآن.

ثم ما الخطأ الذي إرتكبته في حقه حتى يعنفها بهذه الطريقة، في النهاية هي ليست من إختارت أن تكون تلك الفتاة هي رفيقة له، وإنما هو أمر إلهي لا دخل لها به.

إنطلقت هالة سوداوية من جسده لتضيء وشومه التي على عنقه وذراعيه، وهو يتحدث بسوداوية قاتمة ويقول:

" سوف ترفضها، وسوف أحول حياتها إلى جحيم، كما فعلت سليلتها من فينا "

ابعدت تلك العجوز يده التي كانت لا تزال تلتفت حول رقبتها، لتنظر إليه بهدوء شديد.

لم تكن تتوقع أنه يحمل في قلبه هذا النوع من الغضب والحقد إتجاه الشخص الوحيد، الذي من المفترض أن يأتيه حتى يخرجه من ظلمته.

ابتلعت ريقها برعب وهي تتخيل ماذا لو إكتشف الحقيقة التي كانت تخفيها عليه طوال هذه السنوات؟.

حاولت أن تتحكم في نفسها، وهي تقول بينما تضع يدها على رقبتها تمسدها بهدوء:

" أنت تعلم أنه لا ذنب لها، كما أنه لا ذنب لك أنت أيضا، هي لم تختر أن تكون رفيقتك لذلك عوض أن تستعمل عقلك فقط كالعادة، حاول هذه المرة أن تستعمل قلبك ".

نظر إليها نظرة اخرستها تماما وجعلتها تتمنى أن تلكةالفتاة لم تظهر، هي من المفترض أن تكون المقدرة لهذا الشخص الذي أمامها حقا يلا حظها البائس.

لم يسموه ملك الوحوش من لاشيء، من الواضح أن الحياة سوف تكون صعبة جدا على رفيقته، وخاصة مع تفكيره العقيم هذا.

أما بالنسبة إليه فهو فقط كان ينظر أمامه بغضب شديد ، وهنالك صراعات لا يستطيع أن يوقفها في داخل قلبه.

من ناحية هو يريدها وبشدة فهو كان ينتظرها منذ سنوات طويلة، ومن ناحية أخرى لا يستطيع أن يتقبل أن الفتاة هي من سلالة التي دمرت حياته وجعلت لعنة تلاحق نسلهم لأجيال وأجيال.

  صحيح أن الأمر متصل بالاجداد، ولكنها تبقى من تلك السلالة التي حولت حياته إلى جحيم حرفيا.

بينما في السجن كانت سيليا تجلس على السرير المهترئ وهي تنظر إلى السقف بشرود شديد، لم يأتي في عقلها أبدا أنها يوما ما سوف تندم على مساعدتها لإنسان كما فعلت الآن .

عفوا هو ليس إنسان إنما هو شيطان كما قال لها ذلك الحارس، ولكنها الغبية التي تصدق أي شخص امامها، ربما الأمر عائدا إلى كونها عاشت منعزلة طوال حياتها ربما الأمر أنها مجرد غبية فقط سهل خداعها.

ضربت الأرض بقدمها بغيض وهي تفكر ،لقد كانت تخطط لأن تعيش حياة سرية للغاية،  وتبتعد عن المشاكل حتى تتمكن من جمع بعض المال وتستاجر بعض الأشخاص حتى تنتقم من ذلك المدعو والدها وتستعيد عرشها المسلوب.

فالوريث الحقيقي للعرش تكون هي، لأن والدتها كانت الملكة وزوجها السابق كان الملك، قبل أن ترتكب الخطيئة مع اخيها وتنجبها هي.

وبما أن زوجها كان عقيما لا ينجب وكانت هي إبنة الملكة الشخص الذي يستحق العرش بالنسبة لها أن يكون جالسا على العرش هو هي، ولكن حقيقة الأمر أنه لم يكن يهمها لا العرش ولا السلطة ولا أي شيء آخر،
كل ما كان يهمها هو أن تنتقم من الشخص الذي دمر حياتها وجعلها تعيش سنوات طويلة في وسط الظلام.

كل هدفها هو أن تتمكن من أن تعيد القليل من كرامتها، التي تم تدميرها حرفيا بواسطة ذلك الرجل.

نظر إليها ذالك الطائر نظرة صمت ،وبالمناسبة هو أيضا كان مسجونا معها، وبما أنه طائر سحري فقد تم إتهامه بنفس الجريمة، وربما هو الأمر الذي جعل الجريمة تثبت عليها لكونها تتعاطى السحر، كما أن شكلها يوحي إلى أنها من طائفة السحرة، خاصة عندما رفضت كليا أن يتم نزع غطاء رأسها.

فتح غور فمه ليقول بضيق:

" لا تخبريني أنك لم تفكري إلى الآن في خطة حتى نهرب من هذا المكان".

نظرت إليه سيليا بطرف عينها، وهي تقول بغل:

" أنت طائر سحري، وبإمكانك أن تغير شكلك صحيح؟؟"

نظر إليها غور بإستغراب، قبل أن يقول بحذر وشك:

" بطبيعة الحال، ولكن ما دخل هذا في الأمر الأن؟"

نظرت إليه ببرود، وهي تشيح بوجهها عنه وتقول:

" مدام الأمر هكذا، لماذا لا تغادر من النافذة التي بجوارك وتريحني من تذمرك الذي لا ينتهي أبدا"

قالتها وهي ترفع أحد حاجبيها، وتستدير لتنظر إليه بابتسامة مستفزة جدا بالنسبة له.

ليلعنها غور آلاف المرات ثم يصمت، بينما هي عادت حتى تغرق في بحر ذكرياتها الذي لا يستطيع أن يتخيله إنسان، فهي لديها ذكريات مؤلمة لا تريد أن تتذكرها ولكن عندما يتم حبسها في مكان كهذا
تبدأ كل ذكريات الماضية في التدفق نحوها، لتغرق فيها وتكتئب بدون أن تشعر حتى.

في قلبي قصة مؤلمة، لم يعلم أحد عنها شيئاً.

دائما ما تكرر هذه الكلمة عندما تحزن ،فما مر بها لم يكون أبدا سهلا.

أكثر المشاكل التي نواجهها هي التعامل بشكل لطيف مع مجموعة من الحمقى كل يوم، مع عدم وجود الطاقة الكافية لتحمل ذلك.

استقلت على جانبها الأيمن لتضع يدها تحت خدها وهي تتذكر كلمات مربيتها عندما تواسيها.

لا تسجني نفسك في ماضيك، إنهض ضغيرتي، وقاومي، فهناك من يستحق العناء من أجله.


أغمضت عينيها وهي تبتسم بإنكسار.



يتبع....



أحبتي لا تنسوا الدعم والتعليق وتصويت ،قبلاتي للجميع احبكم جميعا على مروركم العطر.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي