الفصل السادس من جديد نتقابل

لا يعلم سليم ما الذي يحدث إلى ابنه، كان القلق ينال منه في كل لحظة، لم يمر سوا يوم وها هو يرى وجه موسى ينزف الدماء، تحدث موسى أثناء تناوله للطعام مع الجميع وهو يلاحظ ضيق والده الشديد:

-أبي لا أعلم لماذا أنت قلق إلى هذا الحد، لقد كانت الفتاة بحاجة إلى المساعدة، قام المدعو فهد بسحبها بقوة وكان على وشك أن يقوم بضربها، لم أكن أستطيع أن أتركها دون فعل شيء، كما أنني أشعر بالكثير من الحيرة ولا أعلم لماذا أنت غاضب هكذا!

حرك سليم رأسه بنفي وهو يرى اهتمام ابنه ومحاولته في معرفة الشيء الذي يضايقه:

-لا تشغل بالك يا موسى، أنا لست غاضب، من الطبيعي أن أشعر بالقلق وأنا أرى كل هذا الأذى الذي لحق بك.

ضحك علي في هذا الوقت وهو يقوم بالغمز إلى موسى:

-تريد أن تكون بطل في نظرها، لكن دعني أخبرك أنك سوف تفشل بجدارة، تلك الفتاة أكثر جدية عن باقي الفتيات، لا تنخدع بسهولة، لقد استطعت أن أرى هذا الشيء منذ أول مرة.

حرك موسى رأسه بفقدان أمل:

-أنا لا أعلم لماذا جميع الأفكار التي تدور في عقلك هي أفكار سيئة، جرب أن تحسن الظن لمرة واحدة وشاهد ما الذي سوف يحدث.

ضحك علي وهو يخبره بعدم اكتراث:

-أنا أقول الشيء الذي أراه صحيح وفي النهاية سوف يكون صحيح.

لم يجد موسى فائدة في التحدث معه، يعلم أن ابن عمه من الصعب أن يقوم بتغيير أفكاره بتلك السهولة، اقتربت الفتاة التي تدعو نرجس وهي أول فتاة رأوها عندما اقتربوا من الجزيرة:

-الملكة مارجريت تخبركم إن كنتم على استعداد لبدأ رحلتكم فالتأتوا معي.

لمس سامح بطنه وهو يشعر بالكثير من القلق، نظر تجاه سليم وهو يقول:

-لا أعلم ولكن أشعر أنني مازلت بحاجة إلى الراحة، ربما غدًا سوف أشارككم.

زفر علي بضيق شديد وهو يشير على والده:

-لقد جعلتني أجلس معك ليلة أمس هل ستحرمني من التنزه اليوم أيضًا؟

نظر سامح له وهو يحرك رأسه بخيبة أمس:

-أنا حقا أشعر أنني نادم لأنني انجبتك إلى الحياة!

تحدث موسى وهو يراهم على وشك أن يتشاجروا:

-لا يوجد داعي للشجار الآن، لا يمكننا أن نترك عمي بمفرده في هذا الوقت، أنا تركتكم ليلة أمس وسوف أبقى معه اليوم.

ابتسم علي وهو يومأ له وقد شعر بالكثير من الرضا:

-هذا جيد حتى لا يحدث له شيء في غيابنا، لا تجعله يتناول المزيد من التفاح لا أحد يعلم ما الذي من الممكن أن يحدث له هذه المرة.

رمقه سامح بغيظ وهو يراه يسخر منه ليومأ من بعدها:

-حسنا أيها السخيف ما إن يتم شفائي سوف أقوم بتربيتك من جديد.

ضحك علي ومن ثم غادر مع سليم وصقر، اقترب موسى ليجلس بجوار سامح ليتحدث الآخر:

-لا تبقى جالسًا طوال الوقت بجواري، أنا أنام كثيرًا ويبدو أن هذا بسبب السم، يمكنك أن تخرج وتأتي متى شئت.

اومأ موسى له ومازال يجلس بجواره:

لا تشغل نفسك بي، أنا على مايرام وأشعر بالراحة هكذا.

ابتسم سامح وهو يومأ له، لقد كان يعلم دائمًا أن سليم معه كل الحق في منع موسى منذ الصغر أن يختلط بهم؛ فهو يرى أن لدى موسى شخصية فريدة من نوعها لا يريده أن يخسرها ولا يريده أن يكون مثل علي!

تعجبت مارجريت عندما رأت كلًا من صقر ومعه سليم وعلي ولم ترى موسى، قررت أن تسألهم والحيرة تعلو وجهها:

-أين الباقي؟

اجابها علي بمراوغة وهو يريد أن يتأكل هل انتبهت لغياب موسى أم لا:

-أبي مازال مريض وقرر الجلوس اليوم داخل الكوخ.

لاحظت مارجريت نظراته لتومأ له في هدوء:

-حسنا لا يوجد مشكلة، هيا لتذهبوا مع نرجس هي سوف تكون مرشدتكم.

تعجب علي وهو ينظر لها ومن ثم تحدث بانفعال واضح:

-كيف هذا؟ ألن تكوني أنتِ مرشدتنا؟

كانت تلاحظ انفعاله ولكنها حركت رأسها بنفي قائلة:

-لدي الكثير من المهام لأقوم بها، أنا لست متفرغة.

تركتهم ومن ثم ذهبت، طالعها علي بغيظ  شديد وهو يهمس دون أن يسمع به أحد:

-يا لها من فتاة متكبرة، لكنني أعلم كيف سأتعامل معها وسوف تخضع لي في النهاية.
---------
دلفت عايدة إلى غرفة هدى لتطمئن عليها:

-كيف حالكِ اليوم؟

اومأت هدى لها وهي تبتسم:

-أنا بخير يا أمي أخذت الدواء الذي احضره لي مازن وأشعر بالراحة.

سمعوا طرقات على الباب وتعجبت عايدة:

-لقد ذهب حازم إلى الجامعة من سيكون هذا؟ انتظري سوف أذهب وأقوم بفتح الباب ومن بعدها أتي إليكِ.

ذهبت والدتها ومرت ثلاث دقائق قبل أن تأتي وهي ترتدي أسدال للصلاه:

-هدى لقد أتى هذا الشاب الذي يدعى مازن، هو يحمل باقة من الزهور ويقول أنه أتى للأطمئنان عليكِ.

اتسعت أعين هدى بعدم استيعاب وهي لا تصدق أنه قد تجرأ ليأتي إلى هنا:

-لم أكن أتخيل شيء كهذا يا أمي أنا لست مستعدة لرؤيته، اخبريه أنني خلدت إلى النوم بعد أن شعرت بالتعب ولا يمكنني أن أراه.

شعرت عايدة بالتردد ولكنها اومأت لها ومن ثم خرجت إلى مازن الذي يقف أمام باب الشقة باحترام في انتظارها:

-أسفة يا بني لقد تأخرت عليك ولكن وجدتها نائمة ولا تقوى على الأستيقاظ، يبدو هذا من أثار الدواء.

أومأ مازن لها في تفهم وهو يعقد حاجبيه بحيرة مصطنعة:

-ألا يوجد أحد هنا؟ والدها أو أخوتها؟

حركت عايدة رأسها بنفي ليتحدث مازن على الفور وهو يقدم لها الزهور:

-أنا حقا آسف لم أكن أعلم بغيابهم وإلا لم أكن لأتي إلى هنا، سوف أذهب الآن وأتمنى أن تكون بحال أفضل، أنا لا أصدق أنني تسببت في شيء كهذا، لكن دعيني أخبركي من جديد أنني على استعداد لتحمل نفقة العلاج.

حركت عايدة رأسها بنفي وقد اعجبت بطريقته الأكثر من لطيفة بالنسبة لها:

-لا يوجد داعي لهذا، هي سوف تكون بخير ويكفي أنك ساعدتها وأتيت بها الى المنزل، أنا أعرف ابنتي لم تكن لتتعامل بمفردها.

حرك مازن رأسه بنفي وهو يتحدث إليها بأدب مبالغ به:

-لا تشكريني، لقد ارتحت كثيرًا في حضوركِ كما لو كنت أتحدث مع والدتي رحمها الله، سوف أذهب الآن وابلغي هدى سلامي.

اومأت له عايدة ومن ثم رحل، لقد ارتاحت له لا تنكر هذا، تمنت لو قبلت ابنتها أن تراه ولا يوجد مشكلة في هذا طالما هي هنا!
-------
خرج موسى من الكوخ الخاص بعمه بعد أن تأكد أنه ذهب في النوم، تعجب كثيرًا عندما وجد الملكة مارجريت تجلس بالقرب من الكوخ وبجوارها سلة من التفاح الشهي، اقترب منها باسمًا:

-لقد ظننت أنكِ ذهبتِ مع عائلتي في الرحلة الاستكشافية!

حركت رأسها بنفي وهي تنظر له ومن ثم نقلت بصرها إلى الكوخ بحيرة:

-ألم تمل من الجلوس هنا؟

حرك موسى رأسه بنفي وفي يده الدفتر الخاص به ومعلق على حافته القلم:

-لست بمفردي عمي هنا وعندما نام خرجت حتى أبدء في الكتابة وأشغل وقتي بالشيء الذي أحبه.

رفعت حاجبيها بحيرة وهي تسأله:

-هل تحب الكتابة إلى هذا الحد؟

أومأ موسى لها قائلا وقد لمعت عينيه:

إنها عشقي، لقد حاولت الكتابة عدة مرات ولكن لم يحالفني الحظ حينها بدأت في ترك ما كتبت والبدء في كتابة شيء آخر أكثر روعة.

ابتسمت مارجريت وهي تراه يتحدث بحماس لم تعتاده:

-وما الذي تكتبه ويتسبب في سعادتك إلى هذا الحد يا ترى؟

ابتسم موسى وهو يجيبها:

-أعشق الروايات، أحب الخيال والكتابة عنه، أراه شيء أكثر من رائع، ربما كهذا المكان.

تبدلت ملامحها وقد ظهر الضيق عليها:

-أنت لم تعيش هنا بعد لتقول على هذا المكان أنه رائع، هناك الكثير أنت لم تعرفه بعد.

حاول أن يمحو الضيق الذي رآه  واضحا على وجهها:

-يكفي أنكِ به يا ملكة مارجريت.

نظرت له وهي لا تعلم ما الذي يحدث لها، ربما لأن هذا الشخص يجيد طريقة الحديث المفضلة لها نجح في اثارة انتباهها! لاحظ موسى نظراتها ليتساءل بحيرة:

-ما الأمر هل ازعجكِ حديثي؟

حركت مارجريت رأسها بنفي وهي تجيبه ببساطة:

-حديثك صحيح ولهذا السبب لن يزعجني.

ضحك موسى وهو يحرك رأسه بعدم استيعاب قائلا:

-دعيني أخبركي أنكِ حقًا مغرورة.

ابعدت عينيها عنه وبدأت في سحب تفاحة من السلة لتتناولها، اقترب هو ليجلس بجوارها قائلًا:

-هل لي بواحدة غير مسممة؟

ضحكت مارجريت وهي تضيق عينيها ناظرة له:

-لست شخص بسيط كما يبدو.

حرك موسى رأسه بنفي قائلا:

-بلى أنا شخص طيب للغاية، أنتِ من تسيئي فهمي.

مر بعض الوقت وعندما طال صمتهم قرر موسى الدخول لرؤية عمه:

-سوف أدخل لأطمئن على حالة عمي سامح، لا أريد أن يحدث له أي مضاعفات ولا أشعر به.

سألته مارجريت بشكل مفاجئ كما لو كانت تفكر في هذا السؤال منذ وقت طويل:

-هل سبق ووقعت في الحب يا موسى.

نظر موسى لها وقد تغير وجهه الهادئ لأخر منزعج، كان هذا دون ارادة منه وهو يفكر في تلك الفتاة الوحيدة التي دخلت إلى حياته لتجعله يشعر كما لو كان يطير في سماء سابعة وفي الحقيقة كانت تغرقه، تحدثت مارجريت من جديد:

-هل هذا السؤال صعب للغاية يا ترى؟

حرك موسى رأسه نافيًا وهو يريد أن يجعل عقله يتوقف عن تذكرها:

-ليس كذلك، لكن عقلي منشغل سوف أدخل وأرى عمي وكيف أصبح حاله.

بالفعل دلف إلى الكوخ وهي تعلم أنه تهرب من الإجابة على حديثها:

-يبدو أنه مر بتجربة لم تكن سهلة أبدًا.
-----
مروا يومين كاملين، قررت هدى أنها سوف تذهب إلى الجامعة وهي تتمنى أن لا تلتقي بمازن، لا تعلم سبب عدم رغبتها ولكنها ببساطة لا تريد! لم تنول رغبتها وكان الشخص الأول الذي أتى في طريقها وهو يرتدي حقيبة ظهر شبابية أنيقة والإبتسامة تعلو وجهه:

-من الجيد أنني رأيتكِ أيتها الفتاة القوية، لقد ظننت أنكِ سوف تأخذين المزيد من الوقت ربما تتدللين على دراستكِ.

لاحظت هدى أنه يتحدث معها بالكثير من العشم الزائد وهذا الشيء لم يعجبها، اجابته برسمية معهودة عليها:

-يجب أن أذهب لحضور المحاضرة الخاصة بي.

وقف مازن في طريقها وهو يحاول أن يجعلها توافق على الجلوس معه:

-أنا أرى أنها غير مهمة، ما رأيكِ أن نذهب إلى المكتبة ونجلب بعض الكتب ومن بعدها نشرب أو نأكل شيء سويًا؟

لاحظ مازن نظراتها وعلم أنه قد تسرع في عرضه وهو يحاول أن يصحح الأمر:

-أنا حقًا مازلت أشعر بالكثير من الذنب، أحاول تقديم شيء كهذا كأعتذار لكِ.

حركت هدى رأسها بنفي واجابته بوجه جاامد من جديد:

-أنا سبق واخبرتك أن الأمر قد انتهى، شكرًا لإهتمامك الشديد وأدبك معي، أيضًا شكرًا كثيرًا على باقة الزهور التي جلبتها إلى المنزل، لكن الحديث المتكرر في هذا الأمر يزعجني من الأفضل أن تتظاهر وكأنك لم تعرفني.

تركته من بعدها في حالة من عدم الإستيعاب ومن ثم غادرت! كاد أن يفقد عقله وهو يراها لا تكترث له كليًا، لقد خابت توقعاته هذه المرة ولم يستطيع أن يلفت أنتباهها بأي طريقة! أومأ في تحدي وهو يعلم جيدًا ما الذي يجب أن يفعله:

-سوف تكونين لي في النهاية، أعلم أنكِ من هؤلاء الفتيات الذين يحبون الزواج والأستقرار، لكنني لن أفكر حتى في الاقتراب من هذه الخطوة يا هدى، سوف أنتظر حتى تخرجين من محاضرتك ووقتها يمكننا التحدث كما أريد.

أخرج هاتفه وهم بالأتصال على رقم صديقه علاء وهو يخطط إلى كل شيء سوف يفعله ليتمكن من السيطرة على هدى التي تصر على ابعاده عنها:

-لنرى من سيكون الفائز في تلك اللعبة يا فتاتي العنيدة، أظن أن والدتكِ من الممكن أن تساعدني دون أن تعلم، يكفي أن أنال اعجابها واحترامها لتسلمكي لي.

اجابه علاء وبدأ مازن في التحدث معه وسرد عليه كل شيء يريده، ابتسم الآخر وهو يستمع إلى خطة صديقه:

-أنت حقًا تمتلك العقل الذهبي، لن أتأخر سوف أنتظركم بالقرب من الجامعة كما قولت.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي