١٦

_إنها لي.

_ماذا؟ كيف!

قالتها هيلين بصدمة، ذلك الحدث فاق قدرات إستيعابها، لو كان رون صادقاً فمن المستحيل أن تكون له جنية، كيف له أن يملك واحدة بعد مرور تلك السنوات!

بدأ القلق يسيطر على مشاعرها حتى بات ينهش في أوصالها، فأصبحت تتسائل بينها و بين نفسها "أيعقل أنه خدعني؟"

هل هو انسان جيد أم لا، هل يمكنه أذيتها بصورة أو بأخرى؟ ماذا لو لم يكن ما قصه عليها حقيقي؟

كانت كل تلك التساؤلات تدور في عقلها لا تسطيع أن تجد لها إجابة و لكنها كانت تتمنى صورة واحدة لتلك الإجابة، صورة واحدة فقط!، أما عن كارل فبدأ يدرك القليل رويداً رويداً، سأل ليتأكد من شكوكه:

_هل تأخرت هي عن موعد خروجها إلى هنا؟

أومأ رون إيجاباً بعد أن تذكر حديثها له عندما أخبرته أنها انتظرت تلك اللحظة كثيراً وما شابه فقال كارل:

_لقد فهمت.

نظر الجميع نحوه فقال مفسراً:

_تولد الجنية مع مولد الطفل، ظن الجميع أن عدم ظهور رون للعلن أي أنه لن يحصل على واحدة، ولكن عندما ظهر للعالم حينها ظهرت خاصته.

مطت هيلين شفتيها وقالت:

_ربما، على كل حال، هل اخترت لها اسماً؟

هز رون رأسه وقال بابتسامة:

_نازلي.

_نازلي؟

قالها كارل بتعجب ثم تابع بعد أن أومأ رون برأسه:

_من أين تأتون بهذه الاسماء الغريبة عائلياً.

ابتسم رون فقد قرر اعتبارها مزحة ثم قال:

_ما رأيكما في الاسم؟

_يبدو لطيف ومميز فهو يختلف كثيرا عن اسمائنا كما تعلم.

قالها كارل فعاود رون الرد عليه وقال:

_هذا ما تراه نازلي أيضاً، فهي أحبت اسمها ذاك كثيرا.

أخرج كارل الطعام من حقيبته وقال:

_طعام اليوم، وهكذا أكون قد وفيت بوعد الحاكم لك، يوجد فيه ثلاث وجبات، واحدة للإفطار والثانية للغداء والأخيرة للعشاء.

حرك رون رأسه متفهماً وقال:

_أشكرك على كل ما قدمته لأجلي.

_لا شكر على واجب، أنا أنفذ ما وعد الحاكم به فقط، فأنت تعلم لا يمكن لأحد أن يخالف أوامره قط، و إلا رأى وجها آخر لذلك الحاكم اللطيف.

نهض كارل من مكانه، فقد كان على عجلة من أمره، وتابع قائلاً:

_الآن سأترككما وحدكما قليلاً؛ فقد كلفني الحاكم بمهمة وعلي إنجازها.

_خذ حذرك.

قالتها هيلين محذرة إياه فقال مجيبا على قولها ليطمئنها:

_حسناً، عندما أنهيها سأمر لأخذك، اتفقنا؟

_اتفقنا.

خرج كارل من الكوخ وقرر التجول قليلاً، بينما نازلي جلست على كتف رون، التزمت هيلين الصمت لدقيقة كي يبتعد كارل.

التفتت هي نحو رون بغضب وقالت:

_هل كذبت علي؟

_أي كذب يا هيلين، أنا لم أكذب عليكِ في أي شيء.

_أنا لا أصدقك، لا أصدقك أبدا، لابد أنك مجرد كاذب مخادع، لقد خدعت فيك، لم أكن أظنك هكذا أبدا، لماذا فعلت ذلك، لماذا؟

كانت هيلين تتسائل بإنهيار، فهي لم تتوقع كذبه عليها ابدا، بل لم تعط له إحتمال حتى!

_هل جننتي؟ لم أفعل لك أي شيء فلما هذا التحول العجيب؟ صدقيني أنا رون الذي عرفته بالفعل، انا لم أقم بخداعك أبدا.

_إذاً فسر لي كيف تكون هذه الجنية لك خصوصاً بعد مرور تلك السنوات؟ فهذا غير ممكن على الإطلاق، لم نشهد لما تقول مثيلا أبدا!

سكت رون عن الحديث، فكيف له أن يعرف!  إلا أن صمته قد زاد الشك في قلب هيلين أكثر و أكثر فقالت مندفعة:

_أرأيت؟ لقد صمتت لتأخذ وقتا كافيا تحاول فيه أن تختلق كذبة في عقلك لترويها لي أليس كذلك؟ لن تستطيع خداعي مرة أخرى أيها الغريب.

_أقسم لك يا هيلين أنا لا أعرف، كيف أجعلك تصدقيني و أنا نفسي لا أدري حتى ما الذي يحدث معي!

تسائلت هيلين حينها:

_كيف أصدقك!

قالتها بدموع، فهي لم ترغب أبدا أن يكون مخادعاً، إنها تتمنى من صميم قلبها أن يكون صادقا في كلماته معها، و لكن كيف؟

غير رون الموضوع و الفضول ينتابه فهو يريد أن يعرف حقيقة ذلك الأمر في أسرع وقت فقال:

_أخبريني الآن عن أوچين، طالما أن كارل ليس هنا.

ترددت هيلين كثيراً خصوصاً مع وجود نازلي،فكيف لها أن تروي موضوعاً حساساً بهذا الشكل، خصوصاً بعد أن تزعزعت ثقتها به ولم تعد مثل السابق.


نظر لها بهدوء آملاً أن توافق على أن تروي له، هي بدورها أخذت نفساً عميقاً وقالت بهدوء:

_سأحاول.

بدأت هيلين تتذكر ما حدث وقتها، تحديداً في القصر الملكي في عيد مولدهما الثاني عشر.

كان الخدم قد حضروا الكعك ومستلزمات الاحتفال ووضعوها في غرفة الطعام، خرجوا هم وبدأ الجميع يدخل، لم يدعو الحاكم أي مقربون أو أي شخص من العائلات النبيلة، فقط العائلة من حضرت و هذا كان من حسن حظهما بالتأكيد.

تبقى من الوقت ثوان حتى تحل الساعة الثانية عشر، مع مرور اثتني عشر ثانية أخرى بعدها هبطت جنية لطيفة على كتف هيلين، فبدأ الجميع يصفق بسعادة، أما عن أوچين فلم يظهر لها واحدة في الدقائق الأولى، بدأ التوتر يسود قلوب كل أفراد العائلة الذين كانوا حاضرين.

لكن أوچين نفسها كانت محافظة على ثباتها الإنفعالي ولم تتوتر، بدأت العائلة توجه أنظارها نحو أوچين فلم يجدوا شيئاً يدور حولها او يقف على كتفها.

بدأ القلق ينتاب الجميع، لم يعرف أحد ما عليه فعله، إقترب منها والدها وبدأ يربت على كتفها كي لا تتوتر وهمس لها قائلاً:

_لا تقلقي ستصلك واحدة لا محالة فأنت من العائلة الحاكمة.

حركت أوچين رأسها بإيماءة واستقامت بثقة دون قلق، بدأت تنظم أنفاسها، جلس الجميع على المقاعد، إلا هي كانت واقفة مغمضة عينيها تتنفس بهدوء وثبات.

امتلكت ثبات لم يمتلكه أحد من الموجودين حولها رغم كونها أكثر شخص يجب أن يكون متوتراً في هذه اللحظة.

كان الجميع ينظر لها، منهم من وضعت أناملها في فمها وبدأت تقضم أظافرها ومنهم من بدأ يحرك أقدامه بسرعة كسرعة تحريك النحلة لجناحيها، ومنهم بدأ استنشاقه للهواء يصبح أصعب.

حافظت هي على ثباتها حتى شعرت هي بشيء يحلق حولها ويستقر على كتفيها، ابتسمت بهدوء وفتحت عينيها فبدأ الجميع يرتاح ويصفق بصوت عالي ومنهم من أخرج صفيراً من بين شفتيه.

وقف الجميع وبدأوا يغنون باحتفال، اقترب التوأمان من بعضهما وأمسكت كل منهما بكف الأخرى وشبكتا الكفين في بعضهما، انحنيا قليلاً ونفخا في الشمعتين ذوات الإضاءة الخافتة.

انطفأت الأنوار بعد أن أطفأتا الشموع بزفيرهما همست في تلك اللحظة أوچين لتوأمها هيلين وقالت:

_ليت أمي معنا.

تجمعت الدموع في مقلتيهما وصارتا تلمعان، ردت عليها هيلين وقالت:

_لعلها الآن في مكان أفضل.

فتحت العمة الأضواء كي لا تتضايق الفتاتان من الظلام.

التفتت العمة بعد أن أشعلت الأضواء ووقع نظرها على أوچين،اتسعت حدقتي عينيها وتجمدت الدماء في عروقها.

لم تتحرك من مكانها مطلقاً فلفتت إنتباه الجميع، تعجب الجميع من وقوفها بهذا الشكل فالتفتوا ونظروا مكان نظرها ففعلوا جميعاً ما فعلته.

لاحظت هيلين نظراتهم فنظرت لهم ثم وجهت نظرها إلى أوچين، لم تتوقع أن ترى ما رأته الآن.

نظرت لها أوچين بتعجب، سألتها بنظراتها عما يحدث، أشارت هيلين إلى كتفها وقالت:

_إنظري إلى الجنية الخاصة بك.

التفتت أوچين نحو كتفها لترى ما رآه الجميع، رأت ما سبب للجميع الصدمة، بل وسببها لها كذلك.

رأت جنية بشعة تبتسم ابتسامة شريرة، ترتدي ملابس سوداء وتبدو ملامح وجهها مشوهة للغاية.

توسع بؤبؤها أيضاً ولكن تلك المرة من الصدمة، أبعدتها بكفها لتسقط الجنية أرضاً، بدأت أوچين تبتعد بخوف، كانت تسير إلى الوراء ولم تتوقف حتى اصطدمت بحائط فجلست على الأرض دون وعي منها.

بدأت تبكي وتقول:

_أبعدوها عني أرجوكم، لا أريد أن أراها أنا خائفة.

اقترب الحاكم من الجنية الملقاة على الأرض قبل أن تنهض، رفع قدميه ودهسها بحذائه لتنزف وتتوقف عن التنفس.

رفع قدميه وأنزلها بعيداً عنها واقترب من ابنته وعانقها فقالت هي بصدمة:

_هل قتلتها يا أبي!

_كان هذا هو الحل الأمثل.

بدأت هي تصرخ قائلة:

_أبي ماذا فعلت؟ هل أنت مدرك لما فعلته.

_صدقيني ستكونين بخير؟

_أكون بخير! كيف يمكنني أن أكون بخير، لن يتركني أحد حية بعد الآن سيقتلني السكان إن علموا ما حدث، سيردون لك ما فعلته بهم وبأبنائهم!

_سنقتلك نحن قبلهم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي