التاسع عشر

.


الحقد والغضب هو كل ما كان يسيطر الآن على الأجواء في قصر مملكة الفينكس ، الكل كان يرتجف رعبا .

لقد كان الملك سيزار يعرف جيدا، أنه بمجرد هروب سيليا منه سوف تنقلب أحواله وتكون حياته في خطر شديد، طريقة معاملته لها جعلها تنفر منه ومن القصر بما فيه، وتهرب منه إلى أقصى العالم ،رغم يقينه أنها سوف تهرب في يوم ما، ولكنه لم يخطر في باله أبدا أنه من الممكن أن يكون الجحيم مصيره حرفيا بعد هروبها، لم يعد قادرا على مواجهة الملك العجوز ادوارد الذي وعده من قبل أن يزوجه سيليا في مقابل الحماية منه.


لكنه الآن يرفض فعل ذلك بل ويهدده بأخذ العرش منه ،وكل ذلك بسبب تلك اللعينة ذات الدم الملعون، لقد هربت منه وجعلته مسخرة لكل الشعب، في البداية كان يعتقد أن هروبها لن يشكل خطرا عليه، ولكن الآن تغيرت الأمور كثيرا، عرشه الآن مهدد، تبا لها وللجميع.


لقد أصبح الجميع يلاحقه، أولا الملك ادوارد ذلك العجوز الخرف الذي اخلف وعده له، وثانيا ذلك اللعين الذي كان يعتقد أنه قد نسي أمره، ولكن اتضح أن كل ما في الأمر أنه يبتعد عنه ويتجنبه لأن سيليا كانت معه طوال تلك السنوات، أما الآن تبا تبا لكل شئ بمجرد أن هربت منه أصبح يريد إنتقامه الذي طال لسنوات عديدة .


كان يدور في قاعة عرشه، وهو يمشي ويجيء بينما كل خلية في جسده ترتجف ،عليه الآن ان يعيد سيليا إليه بسرعة تحت أي ضرف وقبل فوات الأوان ، وإلا فإن كل شئ من حوله سوف يشتغل بالنار، وسوف يتحول عرشه إلى كومة من الركام، والمملكة التي افنى حياته وضحى بالغالي ونفيس من أجل أن يصبح ملكا عليها، سوف تصبح مجرد أنهار من الدم، واطلالا من جثث، عندما يعرف من يسكن في نهاية العالم الحقيقة ويأتي إليه طالبا بإنتقامه.


بينما الملك يذرف قاعة العرش مشية وجيئة بتوتر، كان ليام ذراعه الأيمن يقف أمامه وهو ينظر إلى الارض بخضوع شديد، ليرفع رأسه عندما سمع الملك سيزار يردد بنبرة صوت بارة للغاية:

"عليك أن تعيدها للقصر يا ليام مهما كان الثمن، إنها بطاقتنا لنجاة من هذه المصيبة، أعدها حية وإلى إنتهى كل شيء  "

إنحنى الآخر برأسه بطاعة شديدة وخضوع، وهو يقول بينما يضع يده على صدره بالإحترام :

"مثلما يامر مولاي الملك "

تحدث بخضوع كبير وهو ينحني أمام ملكه بإحترام شديد، قبل أن يتوجه مغادرا خارج القاعة بخطوات واثقة، وهو يرفع رأسه ويعقد حاجبيه بتفكير عميق.



مِن المؤلم أن تتظاهر بما ليس في داخلك كي تحافظ على بقاء صورتك جميلةً، وأن تصافح بحرارة يداً تدرك تماماً مدى تلوّثها، وأن تنحني لذلّ العاصفة كي لا تقتلعك من مكانك الذي تحرص على بقائك فيه، وأن تبتسم في وجه إنسان تتمنّى أن تبصق في وجهه وتمضي. صعب أن تقتل الحبّ في قلبك، والأصعب أن يحاول الآخرون قتله.

مشى في الرواق الطويل وهو ينظر إلى الامام بقوة وعزم، مصمما على أن ينفذ أوامر ملكه ويعيد أميرة القصر إلى سجنها ،هو مستعد تمام الإستعداد أن يقدم حياته فداءا لذلك، ولكنه توقف فجأة عندما وجد صديقه وأخاه التوؤم يقف أمامه، وهو ينظر إليه بإبتسامة جانبية ساخرة، لم ينطق بحرف واحد وإستمر ينظر له بصمت، ليقول الآخر بعدما مل الصمت الذي يحوم حولهما:

"لا تخبرني أنك سوف تذهب كي تعيدها إلى هذا الجحيم".

نظر إليه ليام ببرود شديد، ليشد على قبضة يده حتى إبيضت وهو يجيب أخاه تؤام :

"إنها أوامر الملك يا ليان "

شد الآخر على يده بغضب شديد ،ثم تحرك نحوه وهو يسرع خطوات ليلكمه بجنون.

إنقض عليه وهو يكيل له لكمات وضربات المبرحة، وهو يصرخ في وجهه بغضب شديد:

"أيها الوغد اللعين، ماذا عن مشاعرك ماذا عن  قلبك، هل ستضحي بالفتاة الوحيدة التي عشقها قلبك من أجل ارضاء الملك وجنونه ".

كان يصرخ ويلكم وليام لا يقوم باي رد فعل،توقف ليان عما كان يفعله عندما لاحظ الألم الذي كان مرتسما على وجهه أخيه.

علم في هذه اللحظة أنه يتألم أيضا، وأنه لا يريد أن يعيد حبييته ومعشوقته الوحيدة إلى هذا الجحيم، ولكنه لا يستطيع أن يقف في وجه الملك لأنه الشخص الذي أنقذ حياته من الموت.


تراجع ليان إلى الخلف بضع خطوات، وهو ينظر إلى توؤمه الذي وقع على الارض أمامه، فاتحا كلتا يده على جانبيه ينظر إلى سقف فوقه بضياع، كان  لا يزال مستلقي على الأرض ووجه مملوء بالكدمات.


شتم تحت انفاسها وإستدار مغادرا المكان ،تاركا إياه هناك وحيدا، إبتعد عن ذلك الرواق ورحل بسرعة، وهو يلعنه تحت انفاسه، يعلم  جيدا أن اخاه لا يستطيع أن يرفض أوامر الملك، ولكن هذا ليس حلا .


هي هربت من قسوة وجحود الكل من حولها، لا أحد كان يحبها إلى اخاه الغبي ذاك، لقد كان أخوه ليام واقعا في عشقها منذ الطفولة، كان هو الشخص الوحيد الذي عاملها كإنسان على الرغم من تلك المعاملة القاسية التي كان يتصرف بها معها ويضهرها لها في كل مناسبة ممكنة عندما يكون أمام الملك، إلا أنه كان يحميها ويدافع عنها سرا، فلاولا حمايته لها لكانت في عداد الأموات منذ سنوات طويلة .

طالما أحبها ليام وإعتبرها كالاخت بنسبة له، لأنها حبيبة ومعشوقة أخيه توؤم ،فكرة أنه  ذاهب الآن حتى يعيدها إلى هذا الجحيم تمزق نياط قلبه...


لايعرف أي قلب يمتلك أخاه حتى يقبل بوضع كهذا، هو يقسم لو أن سيليا كانت حبيبته فهو مستعد للموت، مستعد أن يحرق العالم من أحبها على أن يعيدها الى هذا الجحيم.

في رحلة هذه الحياة، نرى أصنافاً وأصنافاً من البشر وما ذلك بجديد، فمنهم ظالم لنفسه قبل أن يكون ظالماً لغيره وليان من هذا النوع .


توقف في منتصف طريق وهو يشتم تحت أنفاسه الغاضبة، لا يستطيع أن يلعن الملك فهو الشخص الذي أنقذ حياتهم في نهاية المطاف.

إستدار لينظر من نافذة الزجاجية الضخمة التي تطل على حديقة كبيرة جدا، ليهمس بهدوء وهو يقول بحب أخوي :

"سيليا أرجو أن تكوني بخير".


همس لنفسه وهو يقف أسفل ضوء ذلك القمر الذي يدخل من تلك نافذة، وهو ينظر لشقيقه الذي كان يسير بخطى ثابتة نحو مساعده الذي جهز له كل ما يحتاجه لكي يسافر.

أخذ منه لحام حصانه وركبه ليضرب بقدمه في سرجه، وينطلق ذلك الحصان البني الفاتح بسرعة رهيبة، ويشق طريق ويرحل بعيدا وصاحبه فوقه كي يعيد الأميرة الهاربة إلى القصر والدها، أو لنقول إلى جحيمها الأبدي .



العشق و الهيام وولهه، وصلت ببعض الناس الى حافة الجنون أو الموت، وليان مستعد ان يعيد الأميرة الصغيرة الهاربة لتكون أمام ناضره معذبة بهوس والدها، عله يشفي ولهت قلبه منها رغم حزنه وألمه.عليها، يفضل تسليمها لوالدها لكي تبقى تحت سطوت حبه وعشقه، وسحره الذي لا يقاوم، ما اصعب أن تحبّ شخصاً لا يحبّك، والأصعب من كل ذلك هو أن تستمرّ في حبّه رغم عدم إحساسه بك.






يتبع......
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي