الفصل الثامن بعض الحقائق

مر يومين آخريين كان موسى يشعر بالراحة تجاه مارجريت أكثر وأكثر وهذا لم يعجب سليم أبدًا، قرر أنه سوف يتحدث إلى ابنه ويخبره بشكوكه تجاه تلك الجزيرة:

-تعالى يا موسى اقترب لتجلس بجواري.

تعجب موسى واقترب ليجلس بجوار والده داخل الكوخ:

-ما الأمر يا أبي ألم تشعر بالنعاس يا ترى؟

حرك سليم رأسه بنفي وتحدث بقلق حقيقي:

-أريد أن أخبرك أن هذه الجزيرة لديها قواعد خاصة تسيير عليها، لا يمكن لأحد تجاوزها، أنا أرى تقربك من مارجريت وهذه الصداقة التي لم أفهمها، لا يعجبني هذا الأمر، أخشى أن تعجب بك ووقتها سوف تجبرك على السير خلفها واتباع قواعدهم التي لا أعرفها وربما تكون الحقيقة البشعة خلف هذه الجزيرة.

نظر له موسى ولم يكن راضي عن حديث والده أبدًا:

أبي أنا أراك متوتر من اللاشيء، مارجريت ملكة على هدذه الجزيرة وهي تتعامل بالظريقة التي تتناسب مع الجميع، لا يوجد اعجاب أو شيء كهذا أنا لا أريدك أن تقلق باقي ستة أيام بالضبط وسوف تأتي المركب لتصطحبنا، سوف تكون مغامرة لا تنسى، المهم أن تترك القلق جانبًا ولا تتركه يسيطر عليك.

علم سليم أن موسى لم يفهمه، هو يراه أب قلق على ابنه وحسب، لا يدرك حجم المصيبة التي من الممكن أن تقع عليه، تحدث من جديد:

-لقد سمعت عن عادات لهم في الزواج يا موسى وعليك أن تبحث خلف هذا الأمر.

وقف موسى بانفعال واضح غير معهود عليه:

-أبي عن أي زواج تتحدث أنت؟ أنا ليس لي شأن بكل هذا، نحن في رحلة ولولا وجودك لم أكن لأذهب بهذه الرحلة التي بدأت أن تكون مملة بسبب حديثكم وأفعالكم.

كان سليم ينظر له بعدم استيعاب بينما موسى تركه وغادر، أوشك سليم على اللحاق به ولكن اوقفه في هذا الوقت صوت صقر الذي كان يتابع كل شيء بصمت تام:

-أنا لست معك في هذا يا سليم، هو يتصرف باتزان وعقل بينما أنت تضغط عليه كما لو كان طفل صغير، هو لا يفكر في الزواج من أي فتاة هنا ولكن مع اصرارك هذا أظن أنه سوف يفكر في الأمر.

نظر سليم إلى صقر صديقه وهو يشعر بالكثير من الضيق:

-لقد أتيت إلى هنا من أجل الإستمتاع لكن أنظر لي لا أعرف ما الذي تخطط له ملكة هذه الجزيرة لتترك الجميع وتتقرب من موسى، لست مرتاح وأشعر أن هناك أمر مريب.

حرك صقر رأسه باستنكار:

-لا تشغل عقلك وحاول أن تصلح الأمر مع ابنك حتى يتحدث معك إن حدث شيء معه.

أومأ سليم وهو يتمنى أن تنتهي هذه الأيام ليعود إلى حياته مع عائلته دون قلق، فكر في عايدة وللمرة الأولى يشعر بأنه يشتاق لها حقًا دون أي مبالغة.

كان موسى يسير في هذا الوقت وهو لا يعلم ما الذي جعل حال والده يتبدل ويصيبه القلق بتلك الطريقة؟! سمع في هذا الوقت صوت أنثوي يقترب ليقف خلفه وتتحدث صاحبته قائلة:

-غريبة هل تخرج في هذا الوقت من الليل؟

حرك موسى رأسه بنفي وهو يشعر أنه قد تعرف عليها:

-أنا لست معتاد على هذا، أنا أشعر أنني أعرفكي أنتِ ليديا أليس كذلك؟

اومأت له وقد ارتسم علة وجهها إبتسامة سعيدة:

-لم أتخيل أن تتذكرني بهذه السرعة ولكنني شعرت بالسعادة لهذا.

تذكر موسى طلبها للزواج منه وقد جعله هذا يشعر بالكثير من الحيرة، قرر أن يقوم بسؤالها:

-أنتِ تتذكرين الشيء الذي قولتيه لي من قبل أليس كذلك؟ أنا أقصد الزواج وطلبكِ الغريب هذا!

اومأت ليديا له على الفور وهي تشعر بالأمل قائلة:

-بالطبع أنا أتذكر هذا يا موسى، هل وافقت على هذا؟ّ

ابتلع موسى ما بحلقه وهو لا يعلم ما الذي يجب عليه قوله وهو يرى الأمل يلمع داخل عينيها:

-أنا متعجب من هذا الأمر هل من العادي هنا على هذه الجزيرة أن تطلب الفتيات الزواج من الرجال؟ لا أجد هذا الأمر طبيعي وليس مألوف في عالمي.

حركت ليديا رأسها بنفي وهي تنظر له، شعرت بالتشتت يصيبها، لكنها قررت أن تتحدث بالقليل فقط من الحقيقة لعله يقوم بمساعدتها:

-الفتيات هنا لا يطلبوا الزواج من الرجال، أما الرجال على هذه الجزيرة لا ينتظروا موافقة النساء، ربما تتعجب ولكنها القواعد هنا، يتزوج الرجل أي فتاة غير متزوجة دون رضاها وإن انجبوا أي طفل يجب تقديم هذا الطفل بعد فطامه إلى المسؤولون الكِبار على هذه الجزيرة، لا نعرف أين يذهبوا من بعدها وما الذي يحدث، في الحقيقة أنا أشعر بالرعب، لم يطلب أحد أن يتزوج بي، لا أحب أي شخص هنا وأريدك أن تأخذني معك.

تفاجأ موسى من طلبها ولكن الصدمة الأكبر كانت من نصيب حديثها وما قصته عليه، لا يعلم كيف يحدث هذا ولكنه لم يشك في حديثها، على كل حال هو لم يرى ولو طفل واحد على هذه الجزيرة حتى الآن:

-هل من المسموح خروج الفتاة إن تزوجت بشخص آخر يا ترى؟

ابتلعت ليديا ما بحلقها ومن ثم نظرا له وهي تشعر بالكثير من القلق:

-لا أعرف سوف تكون هذه أول محاولة يا موسى، ربما الملكة مارجريت تعرف هذا ولكن إن علمت أنني اخبرتك ربما سوف تعاقبني أو تقول لزوجها المستقبلي فهد وهو يمكنه أن يقتلني.

حرك موسى رأسه بنفي وهو يتحدث إليها بهدوء:

-أنا سوف أجد الحل، لا يوجد أي داعي للقلق.

ابتسمت له ومن جديد رأى الأمل يلمع داخل عينيها، تحدثت بصوت مرتجف:

-يجب أن أذهب الآن قبل أن يأتي أحد إلى هنا وتحدث مشكلة.

أومأ لها موسى وبالفعل ذهبت هي وتركته يفكر في كل شيء قالته، تذكر حديث سليم وعلم أن والده كان محق في القلق عليه، ربما سمع عن هذا الأمر ولم يقولها صراحة في وجهه، لا يعلم هل من الممكن أن تكون مارجريت من كبار المسؤولين هنا وتكون سيئة مثلهم؟ لا يعرف لماذا يفكر بتلك الطريقة ولكنه نهر نفسه سريعًا:

-لا هذا الأمر ليس معقول؛ فمارجريت تعرضت للمعاملة السيئة من قبل فهد واحتاجت لمساعدتي، إن كانت قادرة على ضر أحد لم تكن لتتعرض لمثل هذا الأمر!

أتى صباح اليوم التالي والحيرة لم تتركه، لم يذهب إلى الكوخ ولم يخلد إلى النوم، بات قلق بشأن كل ما يحدث، ذهب تجاه الكوخ وأحضر الدفتر الخاص به ليدون كل شيء سمعه من ليديا، لم يذكر اسمها ولم يهتم سوى بالشيء الذي سمعه، أخبر نفسه أنه لا يستطيع أن يجد مثل هذا الأمر حتى في خياله، مر الوقت عليه وشعر بيد على كتفه ليلتفت:

-هذه أنتِ؟

كانت تنظر له بحيرة وهي تسأله بجدية:

-لم تنام منذ ليلة أمس هل هذا معقول؟

نظر لها بحيرة وهو يحاول أن يبقى ثابتًا كأنه لا يعرف بشيء هنا:

-من أين عرفتي هذا يا ترى؟

اجابته بثقة وهي تتابع الشلال:

-ببساطة شديدة لا أحد يستيقظ مبكرًا في هذا الوقت غيريي؛ لهذا السبب توقعت أنك لم تنم.

أومأ لها وهو يجيبها بهدوء:

-أجل هذا صحيح لم استطيع النومن لا تشغلي بالكِ واذهبِ إلى عملكِ.

اقتربت لتجلس بجواره قائلة:

-اخبرتك للتو أن لا أحد يستيقظ مبكرًا هكذا غيري، لا يوجد عمل الآن أنا فقط أحب الاستيقاظ قبل الجميع.

أومأ ولم يتحدث بكلمة من بعدها، لا تعلم ما الذي عليها أن تقوله لكنها تحب حديثه وترغب في الاستماع إليه:

-لم تخبرني عن حبيبتك هل تركتها يا ترى؟

أومأ لها موسى ولم يتدث، كأنه يخبرها أن ترحل وتتركه يحتفظ بصمته، وقفت بكبرياء لم يتحمل مبادرتها ولكنها سمعت صوته وهو يتحدث بسرعة وفضول:

-أريد أن أعرف هل يمكن لشخص أن يتزوج بفتاة من هنا وتذهب معه إلى عالمه؟

نظرت مارجريت له لبعض الوقت وهي لا تعلم ما السبب خلف سؤاله هذا:

-بالطبع لا ولكن اخبرني لماذا تسأل أنت؟

وقف موسى واقترب ليقف أمامها وقد شعر بالكثير من الضيق:

-لماذا لا وهي سوف تكون زوجته؟

اجابته مارجريت بهدوء وهي تحاول أن تفهم ما الذي يريد أن يصل إليه:

-ببساطة يا موسى لأن هذه القواعد، اخبرني الآن هل وقعت في حب فتاة ما على هذه الجزيرة ياترى؟!

حرك موسى رأسه بنفي وهو يجيبها:

-مجرد فضول لا أكثر، أشعر أن هناك سر ما خلف هذه الجزيرة ولا أشعر بالراحة.

صدمته بسؤالها المفاجئ وبدى له أنها تعرف كل شيء دون أن يخبرها أحد:

-ما الذي قالته ليديا لك جعلك تتشتت هكذا؟

ابتلع ما بحلقه ونظر لها بأعين اشتعلت بهم نيران غضبه الدفين:

-لم أقل أن ليديا قالت لي شيء ما الذي تحاولي أن تصلي له أيتها الخبيثة؟

اتسعت عينيها بصدمة وهي تراه يتحدث بوقاحة معها وقد نسى أنها ملكة هذه الجزيرة ويجب عليه أن يحترمها:

-كيف تتجرأ وتنعتني بالخبيثة؟ هل نسيت أنني الملكة هنا وأن وجودك من أجل موسم التفاح كضيف وليس أكثر من هذا؟! 

حرك موسى رأسه بعدم استيعاب وهو ينظر لها وقد فقد أعصابه وزاد الأمر سوءً عدم نومه:

-هل هذا الشيء الذي يهمكي؟ أنتِ تتسببين في دمار الكثير من الفتيات هنا وتشردين الكثير من الأطفال وتشعرين الآن بعدم الرضا لأنني نعتكِ بالخبيثة؟ أنا لا أصدق كيف يكون شخص بكل هذا السوء، تمتلكين الوجه الحسن والقلب الأسود يا مارجريت.

تحدثت بانفعال وهي تحاول أن تبقى قوية على الأقل أمامه، رفعت السبابة أمام وجهه وهي تتحدث من بين أسنانها بتحذير:

-لا تتجرأ وتقل كلمة لا تعجبني أو تسب يا موسى أنا أحذرك.

حرك موسى رأسه بعدم استيعاب:

-كيف تكونين بتلك البشاعة لا أصدق حقًا، أنا أشعر بالتقزز لأنني سمحت لي بالتحدث معكِ وكنت معجب بقوتكِ وطريقة تفكيركِ العقيم، أنا حقًا أشعر بالتقزز من نفسي في المقام الأول يا مارجريت.

تساقطت دموعها للمرة الأولى وهي تبتلع ما بحلقها وقد اهانها حديثه بطريقة لم تتخيل أن تحدث لها يومًا، ابتسم موسى ساخرًا منها وهو يحرك رأسه بفقدان أمل:

-لا أعلم كيف تظنين أن دموع التماسيح هذه سوف تؤثر بي، أنا واثق كل الثقة أن القلب القاسي الذي يتسبب في أذية من حوله بتلك الطريقة لن تؤثر به بضع كلمات.

صرخت به وقد فقدت السيطرة على نفسها وقد تحول عينيها للون الأسود كما رآها في اليوم الأول من مجيئه إلى هنا:

-هل تظن أنني أختلف عنهم أيها الأحمق؟ أنا مثلهم تمامًا قد تحدد مصيري عن طريق هذا الرجل المدعو فهد، إن كنت أستطيع المساعدة على الأقل كنت ساعدت نفسي، هذه القواعد هنا ولا يمكن لأحد أن يتخطاها، ليس مسموح لأحد بالإنجاب أكثر من طفلين وإن حدث سوف يتم تقطيعه لأشلاء هو وأبويه، القانون قاسي ولا يمكن لأحد أن يعترض.

ابتلعت ما بحلقها عندما لاحظت صدمته وهو يعلم أن هناك الكثير من الأسرار تختبئ بينهم ولا يستطيع أن يعرف عنها أي شيء:

-لا أنكر أنني فكرت بشكل أناني لبعض الوقت عندما اعجبت بك وقررت أنني سوف أقنعك لتتزوج بي حتى لا يتم زواجي بفهد، لكنني علمت الآن أنك شخص سطحي لا يمكنني أن أجعله مسؤول عن حياتي.

------

نظرت هدى إلى مازن وهي تشعر بالكثير من التردد، بادر هو بسؤالها والحيرة تسيطر عليه:

-اخبريني ما الذي تفكرين به يا ترى يجعلكي غير راضية بهذا الشكل؟

ابتلعت هدى ما بحلقها وهي تشعر بالكثير من التشتت، لكنها قررت أن تسأله:

-هل تراني فتاة سيئة لأني أجلس معك هنا.

ضحك مازن وهو يحرك رأسه بنفي واستنكار:

-مؤكد لا يا هدى ما الذي تقوليه انتِ؟ نحن بمكان عام ولا يوجد داعي للقلقن نحن نجلس في الكافتريا والجميع يفعل هذا ليس بالأمر الغريب!

اومأت هدى بينما هو أشار على كوب العصي الخاص بها لتستجيب له وتبدأ في شربه، شعر بالسعادة الشديدة وهو يعلم أنه بدأ في التأثير عليها بينما هي بدأت في الاستجابة له، كان علاء يقوم بتصويرهم وهو يتابع كل شيء من بعيد قائلًا:

-لم أصدق أن تصل إليها بتلك السرعة ولكن دعنا نبدا في اللعب معًا يا صديقي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي