الفصل التاسع عيد ميلاده

كان موسى يقف في مكانه، يشعر بالكثير من الحيرة وهو لا يمكنه أن ينسى دموعها، قالت أنها لا تفرق عن واحدة من الفتيات، قالت الكثير من الكلمات التي جعلته يتشتت ويندم على الانجراف في الحديث، اقترب والده منه ولا يعلم ما الذي حدث جعل ابنه يتغير هكذا:

-اخبرني هل فكرت في شيء ضايقك يا حبيبي؟ أنا لا أعلم السبب خلف تغيرك المفاجئ هذا!

حرك موسى رأسه بنفي وهو يتحدث إلى والده بهدوء:

-أنا أسف لو كنت جعلتك تغضب مني يا أبي أنا فقط شعرت بالضيق؛ لأنني لم أفكر في الزواج من أي فتاة هنا، ووجدتك تصر على الأمر لا أعلم ماذا حدث ولكنني غضبت.

حرك سليم رأسه بنفي وهو يبتسم ويربت على كتفه:

-لا بأس لا تزعج نفسك، لا يجوز أن تغضب بهذا الشكل قبل يوم مولدك.

ابتسم موسى وهو ينظر إلى والده ومن ثم قام بضمه:

-أنا أحبك كثيرًا يا أبي لا أريدك أن تنزعج مني، أعلم جيدًا أنني لم أقصد مضايقتك يومًا.

ربت سليم على ظهره قائلًاك

-أعلم ولا يوجد داعي لتقول لي هذا الحديث الآن.

أومأ موسى ولا يعلم أن أحدهم اسمع إلى حديثهم في هذا الوقت.

مر اليوم وموسى لم يرى مارجريت بعدما تحدثت إليه وقد كانت في حالة من الإنهيار، لا يعلم إلى أين ذهبت وقد تحسنت حالة سامح ليخرج ويكتشف الكثيرمن الأماكن في جزيرة الزهور، لاحظ موسى أن الفتيات أسمائهم مشتقة من أسماء الزهور بينما الشباب تنسب أسمائهم إلى الحيوانات! يكاد موسى أن يفقد عقله من غرابتهم وغرابة هذه الجزيرة الذي تورط بها.

أتى اليوم التالي وقد كان يوم ميلاده، رغم عدم توافر المواد الكثيرة هنا على هذه الجزيرة أصر والده على إقامة إحتفال له، تقدم علي من موسى أثناء تجمعهم وهو يضحك ساخرًا:

-هل ستقوم بقطف التفاح المسموم حتى تطعمنا أم ماذا؟

نظر موسى له بغضب وهو يتحدث إليه محذرًا:

-دعك مني يا علي أنا لا أريد التشاجر اليوم.

اقترب سليم منه ليقوم بتحذير علي:

-لا تعكر صفو مزاجه لا أريد أن أقوم بضربك.

ضحك سامح وهو يومأ له:

-تستحق يا علي.

رمقه الآخر بغيظ شديد وهو يعلم أن والده ليس راضي عنه عندما تركه بمفرده وقت مرضه:

-سوف أصمت فقط لأنه يوم مولده وليس أكثر من هذا.

اقتربت نرجس في هذا الوقت وهي تحمل علبة ضخمة بعض الشيء، تعجب موسى من هذا الشيء وتحدثت هي باحراج:

-هذه الهدية مرسلة إلى موسى، أنا المختارة لتقديمها إليكم من الجيد أن يعلم المرء يوم ميلاده للإحتفال به، تفضل.

سلمتها له وهو أمسك بالعلبة وقد شعر بالكثير من التعجب كالجميع، علم أن مارجريت إلى خد كبير هي من ارسلتها له، لا يعلم ما الذي يجب عليه أن يفعله، أخذها قائلًا:

-أنا سوف أتي بشيء وأعود لن أتأخر.

تعجبوا واقترب سليم منه بحيرة:

-ما الأمر؟ هل حدث شيء ما لماذا تريد الذهاب؟!

اجابه موسى في هذا الوقت:

-سوف أذهب لدعوة الملكة مارجريت، لا اظن أنهم يقوموا بطقوس أعياد الميلاد كما نفعل نحن، نرجس هذا اسمك صحيح؟

اومأت له وقد ظهرت الإبتسامة على وجهها عندما شعرت أن موسى قد علم بأن مارجريت هي من قامت بارسالها مع الهدية:

-نعم صحيح هذا اسمي.

تابع موسى حديثه وهو يبتعد عنهم قائلًا:

-يمكنكي أن تحضري وتخبري أي شخص على هذه الجزيرة أن ياتي لا مشكلة لدينا.

نظر سامح إلى سليم بحيرة وهو يتساءل ما الذي يفعله موسى:

-هل فقد عقله يا ترى؟ ما الذي يحاول أن يفعله وكل من بالجزيرة فتيات.

حرك سليم رأسه بنفي وهو يتذكر الجروح التي لحقت بوجه موسى:

-لا يا سامح أنت مخطأ هناك رجال أيضًا، لكن في الحقيقة لا أظن أنهم جيدين في الطباع.

وصل موسى غلى الشلال وتعجب عندما وجد مارجريت تجلس في هذا المكان الذي سبق وتشاجروا به:

-لم أتخيل أن تُصيب توقعاتي إلى هذا الحد، يبدو أنني أمتلك قوة خارقة الآن.

تحدثت مارجريت دون أن تنظر له:

-ما الذي تريده يا موسى؟ لماذا أتيت إلى هنا الآن لو كنت أعلم أنك سوف تأتي إلى هنا لم أكن لأغامر وأتي.

ظهر الحزن على أعين موسى وهو يعلم أن هذا الحديث بسبب نقاشه القاسي معها في المرات الماضية:

-هل تكرهيني إلى هذا الحد؟

لم تجيبه بل اكتفت بابعاد عينيها متلاشية النظر إليه تمامًا:

-من الجيد أنك سوف ترحل مع عائلتك قريبًا جدًا أليس كذلك!

لا يعلم هل تتعمد معرفة متى سوف يذهب أم تخبره صدقًا أنها لا تريد رؤية وجهه؟ نظر إلى العلبة التي بين يديه وهو يشعر أنها من ارسلتها إلى حد كبير، تحدث إليها بمكر:

-في الحقيقة هناك سبب في مجيئي إلى هنا، لقد أرسل أحدهم هذه الهدية وأنا طوال حياتي لم أقبل شيء من شخص غريب، قولت ربما يكون من ارسلها هي أنتِن لكن لم أكن متأكد من هذا هل هذا الشخص هي أنتِ أم أقوم بالقاءها داخل الشلال؟

نظرت له وقد استطاع الحصول على انتباهها بشكل كامل:

-تلقيها في الشلال؟ هل تفعل مثل هذا الأمر إن أرسل أحدهم هدية لك؟

حاول موسى منع ضحكاته وتحدث بهدوء كعادته:

-الناس هنا غرباء ولا أعلم ما الذي من الممكن أن تحتوي عليه علبة ضخمة مثل هذه؟!

رمقته بغيظ شديد وهي تجيبه بعد أن وقفت ووجدته يضع العلبة فوق الأرضية:

-تحتوي على كعكة التفاح اللذيذة، قومت بتحضيرها من أجل يوم مولدك وليس من أجلك.

اوشكت على الذهاب ليقوم بسحبها حتى اصطدمت بصدره وشهقت بصدمة، ابتسم وهو يتأمل وجهها عن قرب:

-مازلتِ تشعرين بالحزن والضيق مني أليس كذلك؟

ابعدت عينيها عنه وهي تبتلع ما بحلقها بصعوبة، لاحظ ارتباكها الشديد ولا يعلم ما الذي حدث له، تسارعت أنفاسه وهو يقترب أكثر حتى قام بتقبيل وجنتها هامسًا:

-شكرًا لكِ.

انتفض جسدها وابتعدت عنه بسرعة واضعة يدهاعلى وجنتها وقد أحمر وجهها، بينما هو كان يسلط نظره على عينيها قائلًا:

-سوف أكون سعيد للغاية إن قبلتي أن تأتي معي، سوف أشعر بالسعادة إن كنتِ بالقرب مني.

ابتلعت مارجريت ما بحلقها ولم تستطيع أن تمنع نفسها من الإبتسام، شعر موسى بالسعادة وهو يتعجب من أمرها، يشعر أنها تمتلك الكثير من الصفات المضادة لبعضها البعضن ذهبت معه بالفعل وقد كان علي يتابع كل ما يحدث بابتسامة تهكمية ارتسمت على وجهه بمهارة:

-لا أصدق أن الملكة مارجريت تفضل رجل من الغرباء على الجميع.

نظرت مارجريت تجاهه وحذره موسى بعينيه:

-أصمت يا علي وتوقف عن هذا الحديث السخيف.

كان الكثير من الفتيات الموجودين على الجزيرة يلتفون حولهم أثناء فتح موسى العلبة: اقترب علي ليقف بجوار نرجس تلك الفتاة التي نالت اعجابه من النظرة الأولى عندما أتى إلى هنا في أول يوم، همس لها بخبث لم يتخلى عنه:

_ألا تلاحظي يا نرجس أن الملكة الخاصة بكم معجبة بهذا الشاب وكأنه حب من النظرة الأولى.

شعرت نرجس بالارتبك وهي لا ترتاح لوجوده بجوارها أبدًا، لا تعلم السبب لكنه يوترها كثيرًا.

وضعت مارجريت الكعك فوق أوراق من الشجر ضخمة بعض الشيء وبدأت تقدمها إلى الجميع؛ حتى تساعد موسى، لكنها تجاهلت اعطاءها إلى علي الذي اقترب ليقف أمامها:

-يبدو أنكِ لم تريني هل أنا شفاف إلى هذا الحد يا ترى؟ أم أنكِ تحاولين الدلال لتلفتي انتباهي يا ملكتي؟!

اتسعت أعين مارجريت وقد اصابه حديثها بالصدمة:

-ما الذي تقصده أنت؟ أنا لا أفهم ما الذي تعنيه؟!

كانت على وشك الاقتراب وقد تحولت عينيها للون الأسود بفعل الغضب، انتفض جسد علي بصدمة واقترب موسى ليقف أمامها وهو ينظر تجاه علي:

-حديثك الوقح  هذا لا يمكنك أن تتحدث به معها.

حرك علي رأسه بعدم استيعاب وهو ينظر تجاه موسى:

-عينيها انظروا إلى عينيها إنها تتحول.

أغمض موسى عينه بضيق وهو يدعي أن تكون طبيعية الهيئة ولا ياحظ أحد هذا حتى لا تسوء الأمور:

-ما الذي تقوله أنت يا علي، هل فقدت عقلك يا ترى؟!

حرك علي رأسه بنفي وهو ينظر إلى موسى والجميع حولهم:

-أنظر إلى وجهها الآن سوف تعلم الشيء الذي أقصده من المستحيل أن تكون إنسانة طبيعية.

التفت موسى ومازال يشعر بالكثير من القلق لكنه وجدها كما هي لا يوجد بها أي شيء غريب، ابتسم ونظر تجاه علي بحيرة:

-يبدو أنك تتوهم يا علي وتستمر بصنع الخرافات داخل عقلك، الملكة لا يصح أن تتعامل معها بتلك الطريقة، عليك أن تقدرها وتحترمها.

حرك علي رأسه بعد استيعاب وعينيه مسلطة على أعين مارجريت التي لم تتحرك ولم تتغير كما شاهدها منذ قليل، يعلم أنه لم يتخيل ولم يخترع شيء داخل عقله كما اخبره موسى، يعلم أن هناك سر خاص بتلك الفتاة المريبة وعليه أن يكتشفه ربما وقتها سوف يكون الوحيد الذي يفهم كل شيء يحدث من حوله.

نظر موسى إلى مارجريت باسمًا وهو يريد أن يشكرها أنها لم تخيب ظنونه لتبادله الإبتسامة هامسة:

-أفهمك جيدًا يا موسى.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي