٢٣

كان المبنى يبدو مذهلا من الداخل هو مبنى زجاجي دائري مليء بالكريستالات.

بعد أن دخل رون وبدأ يشاهد المكان من حوله فوجد الطابق الارضي عبارة عن معارض للرسم، فقد كان مليء بالرسوم واللوحات الرائعة التي لم يرى مثلها من قبل.

سارا قليلاً بعدها فوجدوا غرف معدودة  يرسم فيها الناس مليئه باللوحات الفارغه والالوان من كل انواعها.

ابتسم رون  وقد شرد في جمال المكان من حوله ولكنه استفاق وتذكر السبب الرئيسي الذي جعله يأتي إلى المبنى هنا فعاد من الطريق الذي ساره واتجه نحو السلم الذي انتصف المبنى وبدعا يصعد درجاته ببطء.

وصل إلى الطابق الثاني فوجده مليء بالأدوات الموسيقية المقسمة على الغرف الموجودة، وكان كل نوع أنواع الموسيقى له غرف مخصصة يبقون فيها الأدوات الموسيقية التي قد يحتاجها العازف المتخصص في هذا الفن.

بدأ رون يحاول منع نفسه من التجول ببقية الطابق فعاد إلى السلم مرة أخرى وبدأ يصعد درجاته إلى أن وصل إلى  الطابق الثالث والذي كان عبارة عن مكتبة ضخمة.

كان مبهوراً بها فهو لم يرى مثلها من قبل لا من ناحية ديكوراتها الراقية ولا من حجمها الضخم.

بدأ يتجول بها، كانت مقسمة إلى أقسام كثيرة، وعند كل قسم، طاولة ضخمة وأمامها مقاعد للجلوس.

بدأ يتجول في الأقسام، شعر أنه اشتاق للقراءة بشكل غير طبيعي، تمنى لو كان يستطيع قراءة كل هذه الكتب الموجودة.

اتجه رون نحو مكتب جلست عليه إمرأة بوقار وبيدها كتاب تقرأ منه، فطن أنها المسؤولة عن المكان فقد كان أمامها دفاتر تسجل بها المعلومات، ويأتيها الناس بالكتب ومن ثم يرحلون.

اقترب منها فألقى التحية، ردتها بأدب وعادت تكمل قراءتها، شعر رون بالإحراج فلم يكن يدري أن هذه طبيعتها، سألها قائلا:

_كنت أود الاستفسار عن نظام القراءة هنا، إنها مرتي الأولى؛ لأنني لم أكن مهتماً بالقراءة من قبل.

كان يبرر تبريراً لم يطلبه أحد، فهي كانت ترى أنه ليس من حقها أن تعلم كل تلك المعلومات فلم تطلبها، كل ما كان يجب أن يحدث هو أن يسألها ببساطة عن نظام القراءة وكانت ستجيبه بكل وضوح واختصار.

ولكنها تعجبت من فتحه لمواضيع ثانوية ليس لها دخل بها، مع ذلك تجاهلت كل ما قاله وقالت:

_هنالك ثلاث أنظمة للقراءة هنا، الأول هو أن تقرأ في المكتبة، كل ما عليك فعله هو إختيار كتاب.

تنهدت هي وتابعت:

_الخطوة التالية هي أن تعطيني اسم الكتاب لأدونه عندي مع بياناتك الموجودة في البطاقة والخطوة الأخيرة هي القراءة حتى تمل، يمكنك المجيء وقتما تشاء فالمكتبة تعمل لمدة ٢٤ ساعة.

_كم هذا مذهل!

تجاهلت حديثه مرة أخرى وتابعت:

_الطريقة الثانية هي أن تعطيني بطاقتك المكتبية وستبقى معي إلى أن تعيد الكتاب حينها ستأخذها مجدداً.

_لا أملك واحدة.

_نصنعها نحن.

_فهمت، وماذا عن النظام الثالث؟

_هو الشراء، لكي تشتري كتاب عليك أن تقدم طلباً قبلها بعدة أيام، وتبقى النسخة الأصلية من الكتاب في المكتبة ونطبع لك نسخة ثانية منه وهذه ما تشتريها، اما عن التكلفه فلن تقل عن خمسمائة ديفيليا، ولا تزيد عن ألف وخمسمائة ديفيليا، إلا عدة كتب مميزة.

_حسناً فهمت، أود بطاقة مكتبية، وفي ذلك الحين سوف أقرأ قليلاً هنا، فور إختياري لكتاب سوف أعطيك اسمه.

_حسناً، أعطني بطاقتك الشخصية.

أعطته نازلي البطاقة وأخذتها السيدة المسؤولة وطلبت منه أن ينتظر قليلاً، وافق رون وبدأ  يتجول في أرجاء المكتبة، لاحظ قسماً مكتوب عليه"طبيات".

تذكر أن هيلين قد أخبرته أن والدتها كانت مريضة ووالدها كذلك مريض وتذكر أنها أخبرته أن هذه الأعشاب لمعالجة والدها المريض، لذلك قرر أن يبدأ البحث في هذا القسم عن مراد.

تجول كثيراً بين الكتب حتى وجد كتاباً مكتوب عليه "طب الأعشاب"، تهللت أسارير رون وأمسك الكتاب سريعاً، نظر في الفهرس ولكن لم يجد شيئاً يحكي عن عشب اللصف.

بدأ يفقد أمله سريعاً، ولكن نازلي نبهته فجأة عندما لمحت كتاباً مكتوب عليه "طب بالاعشاب الجزء الثاني" لاحظ إشارتها عليه فأخذه سريعا ونظر الى الفهرس الخاص به ووجد فيه كلمة "عشب اللصف".

هنا شعر حقاً بالسعادة، صرخ قائلاً:

_أخيراً.

نظر الجميع له بغضب وقال له أحدهم:

_هنا مكان للقراءة بتمعن يا فتى وليس مكاناً للعب.

اعتذر لهم رون، وذهب لمسؤولة المكتبة مرة أخرى وأعطاها اسم الكتاب الذي يقرأه واعطته هي البطاقة الخاصة بالقراءة التي صنعتها له.

  عاد مرة اخرى للمكان الذي اخذ منه الكتاب وسحب كرسياً وجلس عليه، وجلست نازلي على الطاوله بجانب الكتاب الذي وضعه عليه، فتحه بحماس وبدأ يبحث عن العشب الذي وكله الحاكم بالبحث عنه وإحضاره.

فتح رون الصفحة المكتوب رقمها في الفهرس بجانب كلمة اللصف وبدأ يقرأ، فهم مما قرأه العديد من الأشياء فقد كان مكتوباً أن هذا النبات له عدة أسماء مثل:
القبار أو الشفلح او اللصف او شرش القبار.

وكانت بعض فوائده كالتالي:
-منشط لأداء وظائف الطحال والكبد
- محسن لعملية الهضم
- منشط للدورة الدموية
-مسكن للآلام
- منشط ومقوي للاوعية الدموية
- مقوي للشعيرات الدموية

أما عن وصفه فقد وصفوه بأنه شجيرة تنتمي للفصيلة القبارية تنمو على الجدران وفي المناطق المحجرة وعلى جوانب الطرق وعند الشواطئ الصخرية.

انسجم  رون في القراءة  وجمع الكثير من المعلومات، حتى أنه رأى رسوم توضح شكل هذا العشب، ولكن ما كان مهماً بالنسبة له هو تلك الخريطة الموجودة في أسفل نفس الصفحة في الكتاب توضح أماكن وجود تلك الأعشاب في ألورا باكملها.

بدأ يحلل هذه الخريطة فوجد أن نبات اللصف موجود في الشمال، طلب من نازلي أن ترسم له نسخة من هذه الخريطة، وهذا بالفعل ما فعلته هي في ثوانٍ.

قرر الخروج ودراسة الخريطة في الكوخ، خرج بالفعل بصحبة نازلي وذهب إلى الغابة ومن ثم دخل إلى الكوخ.

كان يشعر بالقليل من الجوع، فتح حقيبة الطعام التي جلبها كارل منذ أيام وبدأ يأكل منها، مد يده بمزاح لنازلي وبها بعض من قطع الطعام وقال:

_أرجوكِ جربيها، إنها أفضل بكثير من الحشرات التي تتغذين عليها.

عبس وجهها بقرف وابعدت يده عنها وقالت:

_كم هذا مقرف، من المستحيل أن آكل من هذا الطعام.

ضحك رون وقال مشاكساً لنازلي:

_حسناً، إذاً استمتعي بتناول الحشرات أيتها المقرفة.

عاد رون ليكمل تناول طعامه وكانت هي تجمع له الأوراق ليبدأ في التخطيط والتحليل بمساعدتها.

في القصر الملكي بعد أن أنهي الحاكم بعض من أعماله، قرر أن يرتاح قليلاً فطلب حضور رئيس الخدم له ومدد جسده على الفراش قليلاً.

بعد عدة دقائق طرق رئيس الخدم الباب فأذن له الحاكم بالدخول عندما قال له:

_أدخل.

فتح رئيس الخدم الباب ودخل، انحنى الحاكم ثم قال:

_ هل طلبتني يا مولاي؟

_نعم، هل تناول البقية الغداء؟

_ليس بعد يا سيدي.

_لماذا؟

_كل من الآنسة هيلين والآنسة أوچين نائمتان، وجدتهما قالت أنها ليست جائعة، وأخت حضرتك تعتني ببشرتها في غرفة العناية وقالت لي أن أنتظر قليلاً حتى تتفرغ.

_حسناً، أحضر لي الطعام هنا في الغرفة وتعال بعدها بنصف ساعة لتأخذ الصحون الفارغة.

_أمرك يا مولاي.

_وفليجتمع الجميع على مائدة الطعام في غضون نصف ساعة، لا تخبرهم أنني لست قادماً إلا عند تجمعهم.

_كما تشاء يا مولاي، بعد إذنك.

_الإذن معك.

قالها الحاكم فخرج رئيس الخدم واتجه ركضاً نحو المطبخ وقال بأنفاس لاهثة:

_حضروا الطعام للسيد الحاكم بأقصى سرعة ممكنة.

_نهض الخدم بسرعة وحضروا طعام الحاكم وطلب رئيس الخدم من إحدى الخادمات أن تأخذه في صينية لغرفة الحاكم وهذا ما فعلته بالفعل.

أما عن رئيس الخدم فقد أمر بقية الخدم بتحضير الطعام لبقية الأسرة، ذهب هو لكل من هيلين وأوچين وأيقظهما ليتحضرا لطعام الغداء، لم تدرك أحداهما كيف مر الوقت بهذه السرعة ولم تدركا أيضاً كيف نامتا كل هذا الوقت.

اتجه بعدها إلى غرف جدتهما وعمتهما وأخبرهما بضرورة الحضور على مائدة الطعام قبل أن يأتي الحاكم.

نهضت كل من هيلين وأوچين وغسلتا وجههما وتوجهت كل منهما إلى غرفة الطعام واتخذت كل منهما مقعدها الحقيقي.

بدأ الخدم يضعون الأطباق على المائدة وفور إنتهائهم من وضعه خرجوا فدخل بعدهم رئيس الخدم الذي قال لهم:

_يمكنكم البدء في تناول الطعام، سيتناول الحاكم طعامه في غرفته فقد شعر ببعض التعب.

ظهرت ملامح القلق على قسمات وجههم جميعاً فسألت أوچين بقلق:

_هل هو بخير؟

_بخير يا آنسة أوچين إنه فقط مرهق.

اومأت أوچين إلى رئيس الخدم متفهمة ثم قالت:

_حسناً، فهمت.

خرج رئيس الخدم فبدأ الجميع يتناول طعامه، توجه إلى غرفة الحاكم وطرق الباب سأل الحاكم وقال:

_من؟

_إنه أنا يا سيدي.

_أدخل.

دخل رئيس الخدم وقال للحاكم:

_لقد نفذت ما أمرتني به يا سيدي.

_هل اجتمع الجميع على المائدة؟

_نعم وبدأوا في تناول الطعام حتى.

_هذا جيد.

سكت الحاكم لدقيقتين ولم يتحرك رئيس الخدم إنشاً واحداً بل انتظر أن يقول الحاكم شيئاً.

أعاد الحاكم الاطباق التي قدمتها الخادمة ممتلئلة للصينية مجدداً ولكن تلك المرة وهي فارغة، نطق قائلاً:

_خذ هذه الصينية وأعدها للمطبخ.

اقترب رئيس الخدم ببطء وأخذها في يديه، تابع الحاكم قائلاً:

_أحضر لي والد الفتاة بعدها ومعه كارل.

_أمرك سيدي.

خرج رئيس الخدم وترك الصينية في المطبخ، اتجه نحو غرفة الطعام الخاصة بالمائدة، وجه نظره لكارل، فطن كارل ما يرمي إليه، خرج رئيس الخدم ومن خلفه تبعه كارل.

ذهبا معاً واتجها نحو الغرفة السفلية فتحا الباب ليجدا الأب مستلقي على الحائط وابنته نائمة على قدميه.

اقترب كارل وربت على كتفيه ببعض من القوة محاولاً إيقاظه، فتح الأب عينيه بقلق كردة فعل، قال له كارل:

_الحاكم يريدك.

فرك الأب عينيه محاولاً أن يدرك ما يحدث، وجه له رئيس الخدم حديثه وقال:

_انهض بهدوء كي لا تلحظ ابنتك وتصنع جلبة كما حدث في الصباح.

اومأ له الأب موافقاً وقال:

_حسناً، معك حق.

رفع رأس ابنته بهدوء ووضعها على الأرض، حاول أن يقف على قدميه ولكنه لم يقدر ولم يقوى على هذا بل وقع على الأرض، اقترب منه كارل وساعده على الوقوف، استند عليه وسارا معاً إلى خارج الغرفة وتبعهم رئيس الخدم الذي أوصد الباب فور خروجه.

سار ثلاثتهم معاً ولكن الأب كان يسير بصعوبة، بل ان الأب كان يترنح في مشيته، سأله كارل متعجباً:

_متى آخر مرة أكلت فيها!

_منذ يومين.

خرجت منه الجملة بصعوبة، لم يكن قادراً على الحديث إطلاقاً.

_ماذا!

قالها كارل بصدمة، ألم يرسل لهما أحد الطعام منذ وصلا!

وجه السؤال لرئيس الخدم فرد عليه رئيس الخدم قائلاً بتوتر:

_لقد وكلت أحد بتلك المهمة ولكن يبدو أنه نسي.

_الفتاة! اذهب بسرعة للفتاة وضع أمامها الطعام، وأنا سأخذه إلى المطبخ وأطعمه قليلاً حتى يستعيد وعيه، لا يمكن أن نأخذه للحاكم بهذا الشكل.

_حسناً.

افترق الاثنين، أخذ رئيس الخدم الطعام للفتاة ووضعه بجانبها دون أن يوقظها، أما عن كارل فقد أخذ والدها وبدأ يطعمه في المطبخ.

أعطاه من مختلف الأصناف، خصوصاً السكريات لينشط قليلاً قبل أن يذهب إلى الحاكم، أنهى الأب ما قدمه له كارل وبدأ يشعر بالتحسن.

أخذه كارل وغسل له وجهه ومن ثم أخذه إلى الحاكم بسرعة فقد تأخرا كثيراً عليه.

بدأ كارل يصعد الدرجات وخلفه والد ألما، وصلا إلى غرفة الحاكم، طرق كارل باب الغرفة فنطق الحاكم قائلاً:

_تفضل.

_فتح كارل الباب ببطء، ونبه والد الفتاة بأن يبقى خارجاً ولا يدخل إلا عندما يستدعيه فوافق.

دخل كارل إلى الغرفة وانحنى كتحية واحتراماً لمقام الحاكم.

_أهلاً كارل.

_أهلا مولاي.

_لقد تأخرت في إستجابتك تلك المرة.

انحنى كارل بخفة وقال بأدب:

_أعتذر يا مولاى، سامحني لن تتكرر.

_هل تود أن تبرر سبب تأخرك؟

_لا، بل أرجو من حضرتك العفو فقط.

_وقد عفوت عنك، فأنا أثق بك تمام الثقة.

_أشكرك يا مولاي على تلك الثقة التي وهبتني إياها، آمل أن لا أخيبها أبداً.

_آمل ذلك أيضاً.

قالها الحاكم فغير كارل الموضوع قائلاً:

_سيدي لقد أحضرت لك الرجل، هو ينتظر إذنك للدخول على الباب.

_دعه يدخل.

خرج كارل وأخبر الأب بإذن الحاكم لدخوله فدخل وقلبه يكاد يتوقف.
كلما خطا خطوة كان التنفس لديه يصبح أصعب، كان يفكر هل استدعاه الحاكم ليخبره بموعد إعدامه؟

هل وجد حلاً وقرر مساعدته؟ هل أشفق عليه مثلاً؟

كانت لحظات قصيرة ولكن فيها سيطرت خمسون فكرة على عقله، دخلوا معاً إلى الغرفة، تنهد قبل دخوله للغرفة وظل يدعوا أن يكون القادم خير.

دخل والتوتر يزداد شيئاً فشيئاً، همس له كارل وقال:

_انحني احتراماً للحاكم.

فعل الأب ما أمره كارل بأن يفعله، فقال لهما الحاكم:

_تفضلا بالجلوس.

جلس كل منهما فقال الحاكم ليفتتح الحوار:

_تعلم أنك إما ستُعدم أو ستعاقب أليس كذلك؟

ازداد معدل ضربات قلبه فقال بتلعثم:

_أعلم يا سيدي.

_جيد، لقد حان الآن موعد أن أقول لك القرار النهائي.

_تفضل.

ابتسم كارل في الخفاء دون أن يلحظ الأب، لاحظ الحاكم ابتسامته فبادلها في السر أيضاً، تابع الحاكم قائلاً:

_سيكون إعلامك خبر مثل هذا صعب للغاية ولكن..

_قُل يا سيدي، وإن كان القرار هو إعدامي، مادام القرار نهائي فسوف أتأقلم معه.

_سيتم نفي ابنتك اليوم.

_ماذا! بهذه السرعة؟

_لولا كذبك لكانت نُفيت منذ مدة في الأساس.

_معك حق يا مولاي.

سكت لوهلة ثم تابع بقلق:

_وبالنسبة للعقاب؟

_بالنسبة للعقاب؟ أمازلت لديك الجرأة على أن تسأل عنه؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي