٢٤

_يا سيدي، أنا حقاً أعرف أنني مخطئ وقد اعترفت بالخطأ الذي ارتكبته.

_عن ماذا تتحدث أيها الكاذب! كم أنت وقح، ألا تزال تكذب؟ لو لم أرسل من يتتبعك لما كنت اعترفت، بل كنت سوف تستمر في كذبتك، وتمثل أنت وعائلتك دور الضحية!

_للمرة الألف، أعتذر جداً يا سيدي أنا فعلاً نادم، ومستعد أن أفعل أي شيء للتكفير عن كذبي وخداعي.

_على كل حال، قررت أننا لن نعدمك، ولكن هذا لا يعني أنك لن تعاقب، لن تُفلت أبداً من عقوبتك.

_كما تشاء يا مولاي، لن أعترض على أي عقوبة، كل ما يهمني هو أن لا أترك عائلتي دون دعم.

_لا تخف نحن ذوي رحمة قبل كل شيء وقبل أي قرار نأخذه نفكر في نتائجه، لن نعاقب شخصاً عقاب قد يضر أي أحد من السكان أبداً.

اقترب الأب بدموع وقال وهو يحاول تقبيل يد الحاكم:

_أشكرك سيدي جزيل الشكر، شخص آخر كان من الممكن أن يقتلني على الفور، شكراً على فرصة الحياة التي منحتني إياها، أعدك لن أخذلك مجدداً ولن أخفي عنك شيئاً بعد الآن، وسأنفذ ما تأمرني به دون جدال بالتأكيد.

أبعد الحاكم يده باشمئزاز وقال:

_هيا أخرج لا أريد أن أرى وجهك الآن أبداً.

حرك الأب رأسه مع دموع الحماس ثم قال:

_أمرك يا سيدي، كما تشاء.

_كارل، فليبتعد عن ابنته اليوم، افصلهما عن بعضهما اليوم ، فهذا الأفضل من أجل الاثنين.

_بالطبع.

انحنى كارل وتبعه الرجل، سحبه من ذراعه وأخذه في غرفة أخرى.

اتجه كارل نحو الغرفة التي كانت ألما فيها، وجد صحون الطعام الفارغة على الأرض وهي أيضاً مستلقية عليها وعيونها مغلقة، لاحظ الدموع التي لم تجف من على وجنتيها، حينها تأكد أنها استيقظت وأكلت وعادت للتو لنومها.

كاد الليل يقترب، انتهت وردية حراسة كارل فعاد إلى غرفته، قرر النوم قليلاً فهو يعلم أن أحداثاً صعبة تنتظره بعد ساعات.

دخل إلى فراشه بعد أن غير ثيابه لثياب أكثر راحة تتناسب مع ما هو مقبل على فعله، سحب الغطاء واحتضن الوسادة وغفى.

عند رون في الكوخ، كانت نازلي قد حضرت بعض الأوراق الفارغة لرون كي يستعين بهم في التخطيط إلى ما هو قادم وتحليله.

أمسك رون الخريطة المرسومة وبدأ ينظر إليها بتمعن مفكراً فيما عليه أن يفعله، بدأ يقطع كل جزء من خريطة ألورا على حدة.

ترك الشمال أمامه، وبدأ يتمعن فيها، فقد كانت مقسمة لأربع غابات على الحدود، وقصر الحاكم القريب من إحدى الغابات.

أدرك على الفور أن الكوخ يقبع في الغابة القريبة من القصر، ثم رأى بقية المدينة في المنتصف حيث يوجد البيوت والأسواق وغيرها.

تأكد رون أنه لن يجد اللصف في المدينة، فهو يقع عند الصخور والجبال وما شابه، حينها استبعد منتصف الشمال بأكمله وركز على الغابات.

تذكر أنه في غابة سكيلتون كان قد رأى عدة جبال، فقرر الاتجاه إليه كبداية لمهمته في صباح الغد.

تنهد رون وطوى خريطته التي وضعها في الحقيبة الذي أخذها له كارل وأغلقها، وقف ومدد جسده بكسل، ومن بعدها تثاءب ووضع كفه الأيمن على فمه.

نظر إلى نازلي وقال لها:

_سأخلد إلى النوم، وأنت أيضاً عليك فعل ذلك، بداية رحلتنا ستكون من الغد.

_معك حق هيا إذاً، سأوقظك في الصباح الباكر كي نستعد.

_اتفقنا.

قالها رون وسحب غطاءً كي يحميه من صقيع موسم الغيث، اتجه إلى سريره وتمدد عليه وبدأ يفكر فيما سوف يصيبه في الغد، محاولاً تخمين ما سيحدث.

في القصر مجدداً وبعد مرور ساعات، استيقظ كارل مبكراً عن موعد استيقاظه قليلاً، غسل وجهه وجلس على فراشه في غرفته الضيقة قليل من الوقت إلى أن يستطيع التركيز.

ذهب إلى مطبخ الخدم وبدأ يتناول القليل من الطعام كي يُشبع بطنه، فهو لم يتغذى بشكل جيد اليوم.

جلس على الطاولة في المطبخ الخاص بالخدم إلى أن دخل عليه رئيس الخادم وقال:

_هل استيقظت.

_نعم، أنتظر حلول الثانية عشر.

_هذا جيد، استعد فقد تبقى خمسة وعشرون دقيقة على موعد بدء المهمة.

_حسناً.

خرج رئيس الخدم من غرفة الطعام، وأكمل كارل طعامه بسرعة وترك الصحون في مكان غسلها ومن ثم غسل يديه وفمه، نظر بعدها إلى الساعة؛ فوجد أن الوقت المتبقي هو عشر دقائق فقط، اتجه نحو غرفة الحاكم وطرق الباب فقال الحاكم:

_ تفضل.

في الداخل، حيث كان  الحاكم يجلس على المكتب وبجانبه يقف رئيس الخدم ، جلس كارل على الكرسي فوجه الحاكم حديثه إلى رئيس الخدم:

_استدعي لي ماريا في الحال، وأحضر الفتاة أيضاً بعدها.

أجابه رئيس الخدم بطاعة:

_كما تأمرني يا سيدي.

خرج من الغرفة بهدوء واتجه نحو إحدى غرف القصر وطرق الباب ثلاث طرقات متتابعة ثم  استقام ووقف منتظراً الرد.

سمع صوت يقول من داخل الغرفة:

_من على الباب؟

_إنه أنا رئيس الخدم موراي يا سيدتي.

_ماذا تريد يا موراي؟

_السيد الحاكم يود رؤيتك بشكل عاجل في غرفته.

ردت ماريا وقالت:

_سوف آتي في الحال.

توجه رئيس الخدم نحو الغرفة التي كانت تبقى فيها الفتاة آلما وحدها، فتح الباب بالمفتاح فركضت هي نحو الباب وبدأت تصرخ قائلة:

_أين أبي؟ دعه معي لا أود أن أبقى وحيدة.

_عذراً آنستي، لا يمكنني فعل شيء حيال ذلك الأمر.

اقترب منها وأمسك ذراعها وسحبها نحو الباب بهدوء، بدأت تقاوم وتحاول السير في عكس الاتجاه، ولكن عندما لاحظ موراي عنادها فاضطر لسحبها بقوة، بدأت تصرخ وتقول:

_إلى أين تأخذني، اتركني أرجوك.

_آسف، ليس هذا بيدي، أنا فقط أنفذ أوامر الحاكم.

بدأت الدموع تتجمع في عيونه؛ فقد تذكرت مصيرها لوهلة، قالت بنبرة ضيق:

_اترك ذراعي وأعدك أنني لن أهرب، سوف أسير معك، أقسم لك، ولكنك تؤلم يدي بهذا الشكل.

أفلت ذراعها فور أن أخبرته أنه يؤلمها وبدأ يمشي بشكل أبطأ كي يطمئن من سيرها معه وأنها لن تهرب كما قالت، لم يكن يثق بها، فقد كان الانطباع الأول الذي أخذه عن تلك العائلة أنهم مخادعون ومحتالون.

كانت ألما تسير بجانب رئيس الخدم بروح منطفئة وقد كانت تشعر بالضيق، قلبها منقبض وتشعر بالاختناق فالتنفس بات أصعب.

سارا معاً ووصلا إلى غرفة الحاكم، طرقا الباب ودخلا معاً.

في مكان آخر في القصر، كانت كل من هيلين وأوچين تستعدان للخلود إلى النوم، طرقت أوچين باب غرفة هيلين، فتحت هيلين الباب لها ودخلت أوچين بطبيعة الحال، فقالت لها هيلين:

_ليس من طبيعتك أن تأتي في وقت كهذا، آمل أن يكون الأمر خير.

_لا شيء يا هيلين، فقد لم أشعر أنني قادرة على النوم فجئت لأراكِ إن كنت مستيقظة.

_إنني مستيقظة حتى الآن كما ترين ولكنني كنت أستعد للنوم، هل حدث شيء ما أو ما شابه؟

مطت أوچين شفتيها وقالت:

_لا لم يحدث أي شيء.

اقتربت من أختها وعانقتها عناق طويل دام لدقائق وفي نفس الوقت كانت هيلين في صدمة، لم تكن تفهم سبب عناق أوچين المفاجئ، فكل ما في الأمر أنهما ذاهبتان للنوم.

_تصبحين على خير يا هيلين.

_تصبحين على خير يا أوچيني، ولكن ما هذه الدراما هل سنفترق للأبد أم ماذا؟ كل ما في الأمر أننا سنخلد إلى النوم.

_لا تهتمي، فقط لقد أتى من داخلي وودت أن أفعل ذلك ففعلته، لا شيء مهم على الإطلاق.

_على كل حال، هيا إلى سريرك، فنلتقي غداً.

ابتسمت لها أوچين وودعتها بيديها وخرجت من غرفة هيلين متجهة إلى غرفتها، أما عن هيلين فقد استلقت على الفراش، كان كل من قلبها وعقلها منشغلين بأختها.

فقد شعرت أن أوچين لم تكن على طبيعتها اليوم، بل أنها تخفي شيئاً، وهذا ليس من طبع أوچين فقد اعتادا على أن يرويا كل شيء لبعضهما البعض.

غفت هيلين ولكنها لم تنعم بنومها فقد باتت تحلم بالكوابيس المتعلقة بأختها، فعقلها الباطن قد صور لها أنها في خطر.

أما عن أوچين فبعد أن ذهبت إلى غرفتها باتت تفكر بما سوف تفعله في الصباح ومغامرتها مع رون، كانت تشعر بخليط من الحماس والخوف بدأت معدتها تؤلمها من القلق.

لم تود أن تخبر لا أختها ولا كارل عما سوف تفعله، فبالتأكيد سيلحظ الجميع اختفائها الغير مبرر، فإن علما سوف يعاقبهم والدها إن اكتشف ذلك.

أجبرت أوچين نفسها على النوم لكي تستيقظ مبكراً وتذهب في السر إلى كوخ رون.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي