أربعة وعشرين

.


في مكان آخر بعيد بعيدا جدا عن المملكة كوركانس، كانت تلك الساحرة العجوز تقف عند حافة جبل الضخم وهي تنظر أمامها بشرود، ثواتي قبل أن تشعر بطاقة سوداء تلتف حولها، لتحاوطها من كل جانب سقطت على ركبتيها وهي تحاول أن لا تخضع ولكنها في النهاية فشلت ووقعت أرضا لتفتح فمها، وهي تقول بالألم:

" أنا حقا آسفة للغاية سيدي، أرجوك سامحني"

إلا أن تلك الطاقة قد تغلغلت داخل جسدها، ودخلت إلى قلبها وبدأت تستخرج طاقتها، إلى أن إهارت تماما على ذالك الجبل وهي تحاول أخذ أنفاسها بصعوبة شديدة ،كانت على وشك أن يقضى عليها، ولكنها أحست بذلك الضعط يخف قليلا على قلبها ثم بعدها سمعت صوتا يقول بتهديد حقيقي:

" سوف أعود عما قريب، وعندها سوف أنتقم منكم جميعا، لن أبقي على واحد منكم، سوف أقضي عليكم واحدا تلوى الأخر"

نزلت دموعها على خدها المجعدة لتجلس بالإنهيار على ركبتيها، وهي تنظر أمامها وهي تلهث بتعب، لتبقى على ذالك الحال مدة طويلة جدا ،حتى إستطاعت أخيرا أن تستعيد قليلا من طاقتها الروحية وقوتها.


لتبكي بالإنهيار وهي تضرب الأرض بكلتا يدها، لتشكل فيها فجوة كبيرة وذلك بعدما ٱستعادت جزءا من طاقتها المسلوبة، لتقول بحرقة بينما هي ترفع رأسها للسماء وتصرخ بكل قوتها :

" إيزيس أين أنتي؟ العالم سوف يتذمر من دونك سيدتي، ما كان يجب أن تتركي وحشا مثله طليقا"

قالتها بحرقة وقد نزلت دموعها بقوة على يديها المدمات وهي تتأطء برأسها نحو الأرض، وتنظر إلى يديها بحزن حقيقي غير قادرة على أن توقف شيئا مما يحدث الآن من حولها.


دمار وخراب العالم قد إقترب، وهي ليست قادرة على مواجهة كل هذا الشر الذي يترصد لهذا العالم لوحدها.

ليس هناك طريقة مشرفة للقتل، ولا طرق لطيفة للتدمير ولا يوجد خير فى الحروب إلا نهايتها.


الغضب والحقد والتخطيط للمؤامرات كلها مشاعر إجتمعت داخل ذلك القصر الكبير الخاص بدولة كوركانس، رغم كل هذه المكائد والحروب الباردة التي تجري داخل جانبته سرا.


إلى أن وسط تلك العاصمة الكبيرة، كان ناس جميعا ودون إستثناء يتمنون لو كان بمقدورهم أن يعيشو داخله، ولكن بطبيعة الحال لم يكن أحدا منهم يخطر في باله أبدا تلك الأمور التي تجري في الداخل، لم يكن أحد منهم يعرف ما الذي يقاسيه ويعيشه كل فرد يعيش داخل ذلك المكان الجميل والفخم.


‏⁧‫حقيقة يجب علينا كلنا إدراكها‬⁩، ليس كل ما يلمع ذهب، ولا تحسن الظن حد الغباء ولا تسيء الظن حد الوسوس، وليكن حسن ظنك ثقة وسوء ظنك وقاية لك من كل شر.

كل شيء كان هادئا وجميلا جدا من الخارج، ولكن في الداخل كان كل شيء يموج في الجنون ،الكل كان في صراع خاص به ،لم يكن أحد من الموجودين في ذلك المكان يعرف معنى للراحة أو هناء البال، مقدار الألم الذي يعانونه في ذلك القصر كان كبيرا ومرهقا للعقل والجسد،ومع ذلك كله كان هنالك وسط كل هذه الفوضى ضوء أمل صغير متمثل في تلك الفتاة الفاتنة صاحبة الشعر الأشقر.


والتي تقف هناك وسط ذلك المطبخ الضخم، هي تحمل قطعة ثوب في يدها شديدة البياض وتمسح بها ذلك الكاس الكريستالي الذي كان بين أناملها الرقيقة، على الرغم من كل تلك الضوضاء وتلك الفوضى التي كانت تحيط بها وتلك الخادمات التي ينتشرن حولها في ذلك المطبخ الضخم يقمن بأعمالهن ومهامهن وكأنهن خلية نحل، إلى أن سيليا كانت بعيدة كل البعد عنهن.

أنزلت تلك القطعة القماشية من يدها لتضعها على تلك الطاولة الزجاجية التي أمامها ،قبل أن تجعد أنفها وهي تنظر بقرف إلى الملابس المتسخة والبالية التي كانت ترتديها، لم يخطر في بالها يوما أنها في يوم من الأيام من الممكن أن تكون على هذه الحال.

كانت تظن أن حياتها في قصر والدها سيئة للغاية، ولكن لم تتوقع أنها من الممكن أن تسوء أكثر،وتعيش الحرمان إلى هذه الدرجة.

كانت شاردة الذهن تنظر إلى الخارج، بينما تجلس على طرف الشرفة بعدما أنتهت من تنظيف المكان الذي أخبرتها به رئيسة الخدم، لم تنتبه أبدا الى تلك السيدة العجوز صاحبة النظرة الخبيثة التي كانت تراقبها من بعيد وعلامات السخط وعدم الرضى واضحة على معالم وجهها البغيض.

إقتربت منها لتلكز كتفها بقوة أذاتها قبل أن تصرخ بها بغضب وهي تهز قدمها بالإنفعال:

"هاي أنت هل تظنين نفسك في قصر والدك؟، قومي وأتممي أعمالك قبل أن أمر حاجب القصر بجلدك "

إلتفتت إليها سيليا لتنظر إليها ببرود شديد، قبل أن ان تفتح فمها وتقول بغرور لاق بها:

" قصر والدي أجمل ألف مرة من هذا المستنقع الذي تعيشين به حضرتك "

نظرت إليها تلك المرأة بسخرية، قبل ان ترفع حاجبها الرقيق وتقول بتهكم ساخر :

" لو أن قصر والدك كان جميلا حقا مثل ما تقولين، فلماذا أتيتي إلى هنا أيتها الخادمة البائسة هااا أخبرني ؟؟!"

وقفت سيليا من مكانها لتستدير وتنظر إليها ببرود قائلة :

" أنا لم أتي إلى هنا رغبة مني، وإنما سيدك العاهر ذاك المسمى بسيد الوحوش هو من أحضرني إلى هنا، وأرغمني على أن اكون أسيرة له"

توسعت عيون جميع الخادمات اللواتي كنا هنالك بجوارها، ولم تصدق ولا واحدة منهم أنها من الممكن أن تنطق مثل هذا الكلام، وأمام من رئيسة الحرملك القاسية هذه، بينما كل من حولها يضع يده على فمه بدهشة.

رفعت سيليا أحد حاجبيها بسخرية، خاصة عندما رأت ذلك الرجل كبير الخادم الذي يكون عادتا ما يكون مرافقا لذلك اللعين الذي دمر حياتها وإغتصبها، يمشي في إتجاههم ويتجاوزهم دون كلمة.

ضنت وبلا شك في أن الملك سوف يأتي خلفه الأن، إلا أن أمنيتها كانت بعيدة المنال جدا، فقد تفاجأت به سيليا يغادر المكان رفقا حاشيه ولا يقيم إعتبار لمن حوله.

ما لم تنتبه له سيليا في خضام مراقبتها لكبير الخدم هو أن تلك المرأة العجوز اللعينة قد تركتها وهي تمشي ناحية دلو ماء القذر الذي كانت تنظف به المكان من قبل، ثم ترفعه لتتقدم نحوها وترميه على وجهها وتبللها بالكامل من رأسها حتى أخمص قدميها.

هنا شعرت سيليا بالإهانة وبدء الغضب يشتعل في داخلها ولم تشعر بنفسها إلا وتلك المرأة التي أمامها تصرخ بقوة كبيرة، وهي تشعر بشيء ما يحترق داخلها ،قبل أن تحول أمامهم جميعا في لحضة واحدة إلى تمثال من الإسمنت.

توسعت عيني سيليا بصدمة قوية، بينما نظرت إليها جميع الخادمات اللواتي كن يحيطن بها برعب شديد، وهن يتراجعن إلى الخلف بخوف حقيقي.


إنسحبت إحدى الخادمات التي كنا هناك وبدأت بركض إلى سيدها حتى تخبره ما حدث الآن أمام عينيها، أما بالنسبة لسيليا فلقد لحظت تلك الخادمة وهي تغادر المكان بتسلل، ولكنها لم تعر الأمر أي لعنة فقد كان آخر همها هو معرفة ذلك اللعين لما حدث الآن....



لكن ما يدهشها ويصدمها الآن حقا هو كيف حدث هذا؟
هي واثقة أنها لم تستعمل مثل هذه القوة من قبل في حياتها؟؟ كيف يعقل أنها يمكن أن يكون ما حدث قبل ثواني أمامها حقيقيا؟.


ولكن قبل أن تتمكن من شرح الأمر لنفسها، وجدت ذلك اللعين اريوس يقف أمامها وهو ينظر إلى تلك الجثة المتصنمة أمامه بالإستغراب، وقد تحولت عينيه هذه المره إلى اللون الأخضر الغامق وكأنه العشب تماما.



نظرت نحوه سيليا مطولا قبل أن ترفع أحد حاجبيها، وهي تقول:

" هل سوف تنتظر مني تفسيرا عن هذا ،أم أنك سوف تحكم علي كعادتك عما تراه عينيك أيها الملك ؟"

ساد الصمت رهيبا بعد سؤالها هذا وقد كانت أجابت ايريوس هي عبارة عن صفعة قوية وجهها نحو خدها، وجعلتها تفقد توازنها من قوتها وتسقط على الأرض تحت قدميه، لترفع يدها وتمسح خط الدم الذي نزف من شفتيها الحمراء المتوهجة، قبل أن تبتسم إبتسامة هادئة وهي تمسح طرف فمها بإغراء جعله يفقد عقله وتنظر إليه بسخرية لتقول :

"هذا واضح جدا همجي مثلك لا يعرف عن المشاعر الإنسانية شيئا، بطبيعة الحال سوف تكون هذه هي ردت فعله ببساطة "

آفاق من شروده في شفتيها المغرية ليرفع عينيه نحوها وينظر إليها ببرود شديد، قبل أن يتحرك إليها ويسحب شعرها الأشقر الذي كان قد قطع نصفه بيده ،ولكن رغم ذلك فهو لا يزال طويلا نسبيا، أخذها إلى تلك الغرفة التي كان يحبسها بها من قبل.


وهذه المرة لم تصرخ ولم تقاوم أو تخرج كلمة واحدة من جوفها، على الرغم من ذلك الألم الذي كانت يفتك بها في كل أنحاء جسدها ،مإن يسحبها خلفه كنعجة تساق إلى المسلخة رغم الألم الذي تشعر به، ولكنها ظلت صامدة إلى أن رماها داخل تلك الغرفة القذرو وأقفل الباب عليهما.



نظره إليها اريوس بسخرية وهو يقول بينما يدور حولها ويتربص بها كالفهد على وشك الإنقضاض على فريسته:

" من تعتقدين نفسك لتتحدثي معي بتلك الطريقة أمام حاشيتي وخدمي أيتها الخادمة الوضعية ؟!"


رفعت سيليا رأسها بكبرياء كبير، لتقول بينما هي تبتسم بالإستفزاز:

" أنا... سيدتك ولست عبدة عندك أيها الحثالة،أنت وحش بلا قلب بلا رحمة انا أكرهه".

كلمة واحدة هذا ما خرج من جوفها وهي تنظر إليه بتحدي وكبرياء ،بينما هو توسعت عينيه بصدمة شديدة ولم يصدق إلى الآن ما سمعه منها.


كان هذا آخر شيء يتوقع أن تتفوه به هذه المجنونة المختلة، لكن كان صابرا عليها ولكن الآن طفح الكيل...

صك على أسنانه بغضب لدرجة أن عروق رقبته بدت نافرة للغاية، بينما هي إبتسمت حزينة وأغمضت عينيها الفريدة منتظرة منه أن يبدأ عمله الذي يقوم به في كل مرة تغضبه فيها، وفعلا مرة لحضات قليلة وجدته يزمجز كالوحش تماما، خرج صوته جوهري قوي جدا لدرجة أنه هز جنبات ذلك القصر وقد سمع الكل، وبمجرد سماعهم لصوته ذلك عرفوا أن ملك الوحوش غاضب حد الحجيم ويمكن أن يقتل أي شخص يضهر في طريقه، لذلك وبمجرد أن سمعوا تلك الزمجرة الوحشية إختفى كل الخدم من الأروقة وهم يكادون أن يموتوا خوفا في مكانهم.





يتبع......





لا تنسوا الدعم وتعليق وتصويت احبتي احبكم فيه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي