خمسة وعشرون
صرخة هزت أركان ذلك القصر، أمل ذلك الكيان الضخم رأسه للجانب قبل أن يفتح راحة يده ويغلقها، ليضهر سوط من البرق في قبضته يده الرجولية ليرفعها عاليا في سماء، قبل أن ينزل بقوة بها على جلدها الرطب وناعم.
بدأ في جلدها مرة تلو الأخرى وعلى الرغم من الألم الذي كانت تشعر به، إلا انها لم تصرخ أو تقل حرفا واحدا، بينما هو يضربها كان يشعر بالألم نفسه على جسده ،نفض رأسه بقوة كوحش متجاهلا ذلك الألم الذي يشعر به ليكمل جلدها وجلد ذاته التي بدأت تميل لها .
وكما هي العادة دائما بعد كل التعذيب الذي يمارسه على جسدها، كان يتركها في غرفتها مرمية على الارض غارقه في دمائها .
فتح باب تلك الحجرة القديمة ليخرج منها ويجد تلك الساحرة العجوز تقف عند عتبة الباب، تنتظره حتى ينتهي، لتقول بالانكسار:
" سوف تندم كثيرا أيها الملك، وعندها لن ينفعك الندم في ذلك الوقت"
أنهت كلامها لتتجاوز وتدخل إليها وهي تغلق الباب خلفها، بينما هو بقي واقفا في مكانه مدة ينظر إلى الحائط الذي أمامه بشرود، قبل أن يحرك كتفيه ورأسه إلى الجانبين بغضب ثم يرحل من هناك.
أما بالنسبة لكتبوس لم يكن راضيا ابدا على ما فعله سيده، بالإضافة إلى ذلك كان واثقا أن تلك الفتاة الطيبة من المستحيل أن تتصرف هذا التصرف الوحشي، وأن تقتل إنسان أمامها بمجرد أنه أغضبها أكيد هنالك شيء خفي لا يعرفه.
وقف بصمت بعدما تفحص تلك الجثة التي كانت متصنمة أمامه، ولسوء الحظ لقد خابت ظنونه بالكامل
كان يتوقع أنها من الممكن أن تكون إحدى الخدع التي تستعملها جويا حتى توقف بتلك المسكينة، ولكنه تفاجأ بأن هذه الطاقة الهائلة التي حولت هذه الخادمة إلى هذا المجسم الجصي ليست موجودة في القصر على الإطلاق.
لقد سبق وإستشعر مثل هذه القوة مرة واحدة من قبل، وذلك عندما إستعملتها سيليا حتى توقف جويا عن أذيتهاوفي أحد الأيام، ولكن يستحيل أن تكون هي من فعلت ذلك فهالة تلك القوة كانت كبيرة جدا.
بينما كان كايوس واقفا هناك يضع يده على فكه بتفكير ،سمع صوتا مألوف يأتي من خلفه وهو يقول بسخرية لاذعة:
" أرى أنك قلق جدا بشأن سيدتك الجديدة "
تحدثت جويا وهي تقف خلفه لتنظر إليه بإبتسامة هادئة.
بينما هو أخذ نفسا عميق محاولا أن يتحكم في نفسه، قبل أن يستدير ويقف أمامها وهو يمسك بيديه طرف ذلك الرداء الحرير الطويل الذي كان يرتديه، لينحني لها بخفة في حركة معناها الإحترام والتقدير، ولكن في الحقيقة هو يشمئز من هذه الفتاة التي تقف أمامه، أكثر مما يشمئز من أي شيء في هذا العالم فرائحة الموت والدم التي تنبعث منها تثير تقززه.
رفع رأسه لينظر إليها وهو يقول بإبتسامة خبيثة :
" بطبيعة الحال علي القلق بشأن سيدتي ومولاتي، ففي النهاية هي الملكة المستقبلية لهذه البلاد وبين يديها سوف يكمن الخلاص يا جويا".
نظرت إليه هذه الأخيرة بغضب وقرف شديد، شدت على يدها بغيض حقيقي، ليبتسم لها كايوس يسماجة وهو يشعر بذلك الحاجزولا مرئي الذي كان يتشكل وبدأ يطوقهما ،ولكنه كان سريعا جدا وحساسا جدا ،فقد فرقع إصبعه معا مدمرا كله تلك الهالة التي كانت تحاول أن تفتعلها جويا حتى تأذيه.
رفع حاجبه بزاوية مثالية قبل أن ينظر إليها وهو يقول:
" كل الحيل التي تقومين بها هو شيء قديم جدا بالنسبة لي، لا تنسي من أكون أيتها السيدة النبيلة فأنا وزير الملك وذراعه اليمنى وحكيم المملكة كلها يا جويا"
توسعتو عينيها بغضب قبل أن تنظر إليه بإستخفاف وهي تلتفت لترحل من المكان، بينما نظراته كانت تلاحقها، وهو على وشك أن يطلق طاقته الهائلة حتى يقتلها ويرتاح منها ومن غرورها.
في مكان آخر وبعيدا عن قصر كوركانس كان ذلك الرجل يشد على رأسه في غضب شديد، قبل أن يلتفت الى ذلك الشخص الذي كان يقف امامه، وقد أصبحت عيناه حمراء من شده الغضب الذي يشعر به ليقول بصوت جوهري قوي:
" هل تريد أن تقنعني أن أميرة ما من وراء هذا العالم ،هي الآن أسيرة في يد سيدي الوحوش؟"
هز ذلك الرجل المنحي على ركبته على الأرض رأسه بتأكيد وهو يقول بخضوع شديد:
" أنا حقا آسف يا سيدي، ولكنني لم أستطيع أن أفعل شيئا أكثر من إحضار هذه المعلومات لك، والسبب أن سيد الوحوش ركز طاقة هائلة جدا وفعلها من أجل حمايتها".
إبتسم ذلك الرجل الضخم الذي كان ينظر إليه بغضب إبتسامة جانبية مرعبة، وفي لحظة واحدة كان ذلك الذي ينحني بخضوع أمامه يتحول إلى كتله من النار قبل ان يصبح رمادا يتناثر في الهواء في ثواني معدودة، وذلك بفعل الطاقة التي ادأخرجها ذلك الوحش من يده اليمنى وأطلقها نحو مخبره.
نظر إلى مساعده وذراعه الأيمن الذي كان يقف خلفه وهو ينظر إلى ما يجري أمامه بلا مبالات، ليقول بينما هو يقف من على عرشه الأسود:
" نظف هذه الفوضى بسرعة، أنا أجمل من أنظر إلى مثل هذه الفوضى والحشرات في قصري"
أخرج ذلك الشخص طاقة الملونة من يده، لتنظف المكان في ثواني، بينما الآخر ينظر إليه في هدوء مريب، قبل أن يلتفت ناحية الرجل الآخر الذي كان على يفق بجانبه الأيسر ليقول:
" نحن لا نستطيع أن نخرجها من ذلك المكان بسهولة، بمجرد أن نفعل ذلك سوف نجلب لأنفسنا مشاكل كبيرة مع سيد الوحوش نحن في غنى عنها جد طريقة مناسبة حتى تحضرها إلي"
إنحنى ذلك الرجل بإحترام شديد، قبل أن يلتفت ليخرج منفذا أوامر سيده، الذي إلتفت ناحيه مساعده الآخر وهو يقول بغرور رجولي:
" أتصدق أشعر بمال شديد، هل تريد أن تبارزني يا ايوز ؟!"
توسعت عيون هذا الأخير برعب شديد وتراجع للخلف، على الرغم من ذلك البرود الذي كان يسيطر على ملامح وجهه إلا أنه مستعد أن يموت ألف مرة، على أن يقاتل هذا الوحش الذي يقف أمامه، إنحنى أمامه بالإحترام وهو يقول :
" آسف جدا يا سيدي، ولكن لدي مهمة علي إتمامها قبل غروب الشمس".
عقد ذلك الرجل صاحب ذلك الجسد الرجولي الضخم حاجبيه بإستغراب، ونظر إليه بغير فهم ولكن قبل أن يتمكن من سؤاله عن أي شيء وجد أن مساعده قد غادر المكان وتبخر في الهواء كسراب منذ زمن طويل.
عض على شفتيه بغضب قبل أن يتحول إلى تنين طائر، ثم يقتحم النافدة الضخمة المطلة على الغابة ويخرج منها وهو بزأر بإسمه.
كان ليام لا يزال يشد رحاله في إتجاه عاصمة كوركانس، توقف بعد مسيرة أربعة أيام متتالية في إحدى القرى، ولقد كان التعب والإرهاق الذي شعر به طوال الأيام الماضيه قد زاد عن حده ،دخل إلى أحد الحانات الموجودة هناك وأخذ لنفسه طاولة في الجانب بعيدا عن الكل عن الناس، وطلب لنفسه قطعة من الخبز المحمص مع قطعة لحم ضان مشوية مع كأس من الشراب ،بعد مغادرة النادل أخذ ينظر إلى الطاولة التي أمامه وهو يفكر في ذلك الألم الذي أصابه قبل أيام لقد شعر بها وكأنها تموت.
أغمض عينيه بألم وهو لا يريد أن يتذكر ذلك الإحساس المرعب، حرفيا كان على وشك أن يفقد صوابه لم يخطر في باله أبدا أنه من الممكن أن يعيش ذلك الألم في يوم من الأيام.
لقد كان ليام دائما ما يعيش على أنه الشخص البارد اللامبالي ,حتى في تلك اللحظة التي إكتشف فيها أن سيليا هي رفيقته لم يهتم للأمر، كان يتوقع أن أمر الرفيق شيء تافه وأنه يمكنه أن يأخذ أي فتاة يريدها، ولكن بمجرد أن أخبره الملك أنها سوف تتزوج شخصا أخر، ومنذ ذلك اليوم وقد أصبح شخصا مختلفا معها، لقد كان يعاقبها لأنه يريد أن يخرج ذلك الغضب الذي يشعر به، كما لو أنها هي من كانت سبب في الغضب الذي يشعر به.
إقترب منه أحد الرجال الذي كان يضع على رأسه قلنسوة هو الآخر قبل ان يقول:
" أرجو المعذرة يا سيد، ولكن هل يمكنني أن أشارك معك هذه الطاولة، جميع طاولات المطعم محجوزة؟"
لم يحرك ليام ساكنا وبقيا يجلس في مكانه، ليعتبر الرجل هذا الأمر موافقة منه، فجلس هو الآخر على الطرف الذي يقابله وأخرج لنفسه من حقيبته رغيف خبز يابس، وصب لنفسه كاس من الماء بينما هو يقول :
"رغم أنها وجبة بسيطة جدا، إلى أنها المفضلة لدي هل تعرف ذلك؟"
تجاهله ليام تماما ولم يقل أي كلمة وقد بقي يفكر في كل تلك الأمور الذي حدث معه في الأيام الماضية.
بينما إبتسم ذلك الرجل إبتسامة جانبية خبيثة، قبل أن ينظر إليه مره واحدة وهو يقول بدون مقدمات وبدون أي اعتبار لمن أمامه:
" أنت لن تستطيع النجاح في مهمتك بسهولة "
نظر إليه ليام من خلف عبائته السوداء المهترئة ،وقد كان يضع قلنسوته على رأسه وهي تخفي معضم ملامح وجهه.
كان ليام مستغربا في البداية من هذا الرجل الغريب الذي يتحدث معه بهذه الطريقة، إبتسم الآخر إبتسامة مريرة إلا ان ذلك الذي كان يجلس أمامه لم يستطع أن يفهم حرفا واحدا أو يلاحظ ذلك الألم الذي إرتسم على وجهه، ربما لانه كان يخفي معالم وجهه بقلنسوته تلك.
مر دقيقة صمت رهيبة بينهما، قبل ان يقول ذلك الرجل مجددا برجاء غريب:
" أرجوك لا تذهب إلى هناك ،عد من حيث أتيت حفاضا على حياتك، فما ينتظرك ليس بالأمر السهل "
نظر إليه ليام ببرود شديد، قبل ان يزم فمه بغيض ويضرب طاولة بأطراف أصابعه وهو يقول بالإنفعال:
" أعتقد أنني سمحت لك بأن تجلس معي هنا على نفس الطاولة حتى تتخلص من التعب الذي كان يلاحقك، وليس أن تتدخل في أمور بعيدة عنك أيها الغريب"
توسعت عيون ذلك الذي كان يجلس أمامه، لكن سرعان ما عادت لطبيعتها قبل أن يقف وهو يقول معتذرا :
" أنا حقا آسف يا سيد، ولكنني كنت أحاول أن أقدم لك نصيحة فقط ،أتمنى لك التوفيق والحظ الجيد دمت سالما"
نظر إليه ليام نظرة ساخرة قبل أن يقول بلا مبالات وهو يشرب كأس العصير الذي جاء به النادل دفعة واحدة :
" تقدم الي نصيحة! يستحسن لك أن تذهب وتهتم بأمورك، والنصيحة التي تقدمها لي قدمها لنفسك".
انهى كلامه ببرود شديد،قبل أن يأخذ سيفه الذي كان معلقا على الكرسي الذي بجانبه، ويحمل حقيبته وحاجياته ويتحرك ناحية الخارج، متوجها إلى الإسطبل الذي ترك به حصانه، ليركبه ويغادر المكان تحت نظرات ذلك الرجل الذي بقي برقبه من بعيد ،وهو يفكر ويقول:
كان الأمر يستحق المجازفة فلا بأس بالذي كان يجلس معه قبل قليل ففي الحقيقة كان يستحق التقييم .
أما بالنسبة لليام فلقد كان ينظر أمامه بتركيز، وهو يفكر أنه عندما يجد سيليا هذه المرة يستحيل أن يسمح لها بالهروب منه، حقيقة هو كان قد جاء إلى هنا حتى يقتلها ولكن بعدما حدث معه تبا!
يستحيل أن يسمح لذلك الشعور المؤلم أن يهاجمه مرة أخرى. فهو الآن مستعد للموت قبلها على أن يعيش ذالك الألم من جديد..
مد يده ليمسك بتلك القلادة الذهبية التي كان يعلقها على رقبته، ليضعط عليها وكأنه يستمد منها طاقته لكي يكمل، قد أعطته له سيليا كهدية منذ سنوات طويل عندما كانت مجردة طفلة مراهقة.
إرتسمت إبتسامة حزينة على وجهه الأبيض الوسيم، وهو يتذكر تلك لحظة.
عندها كان يبلغ من العمر تسع عشرة سنة، بينما هي كانت مجرد طفلة صغيرة لم يتجاوز عمرها الثانية او الثالثة عشرة من عمرها.
لقد كانت منبوذة من طرف الجميع ولم يكن أحد يقبل باللعب معها أو ادخالها إلى التجمعات أو الحفلات البسيطة التي كان يقيمها سكان القصر، حتى عائلتها الثرية وذلك لكونها كانت منبوذة من طرف الجميع وصاحبه الدم الملعون، في تلك الأوقات قام بحمايتها دون معرفتها حتى.
تنهد بعمق وهو يفكر بجدية ويقول في نفسه .
( نتسائل دائما عن الفظائع التي يمكن للبشر ارتكابها. غالبية الذين تم إيذاؤهم من طرف عائلتهم أو أشخاص قريبن منهم، أصبحوا مجرد جسد بلا روح ،في بعض الأحيان يدهشوني أن المنبوذين في هذه الحياة البائسة ،لا يقلون تمسكا بها عن أولئك المرفهين والمترفين الذين يعيشون فيها ).
سيليا ورغم كل معاناتها إلى أنها كانت تدهش ليام بقدرتها على تمسك بحياتها ،رغم كل الظروف الصعبة التى كانت تعيش فيها.
لطالما اراد ان يعرف معنى هذه الكلمة الاخيرة التي سمع كثيرا من سكان قصر والدها، وحتى والدها نفسه سمعه ينعته بها.
( صاحبة الدم الملعون )
أراد ان يعرف معناه ولما هو مرتبط بها ،لكن الأسف لم يستطع فعل ذلك ،في النهاية وقف القدر حائلا بينهما وفرقهما، قبل أن يعرف الحقيقة وراء هذا اللقب الغريب.
يتبع....
بدأ في جلدها مرة تلو الأخرى وعلى الرغم من الألم الذي كانت تشعر به، إلا انها لم تصرخ أو تقل حرفا واحدا، بينما هو يضربها كان يشعر بالألم نفسه على جسده ،نفض رأسه بقوة كوحش متجاهلا ذلك الألم الذي يشعر به ليكمل جلدها وجلد ذاته التي بدأت تميل لها .
وكما هي العادة دائما بعد كل التعذيب الذي يمارسه على جسدها، كان يتركها في غرفتها مرمية على الارض غارقه في دمائها .
فتح باب تلك الحجرة القديمة ليخرج منها ويجد تلك الساحرة العجوز تقف عند عتبة الباب، تنتظره حتى ينتهي، لتقول بالانكسار:
" سوف تندم كثيرا أيها الملك، وعندها لن ينفعك الندم في ذلك الوقت"
أنهت كلامها لتتجاوز وتدخل إليها وهي تغلق الباب خلفها، بينما هو بقي واقفا في مكانه مدة ينظر إلى الحائط الذي أمامه بشرود، قبل أن يحرك كتفيه ورأسه إلى الجانبين بغضب ثم يرحل من هناك.
أما بالنسبة لكتبوس لم يكن راضيا ابدا على ما فعله سيده، بالإضافة إلى ذلك كان واثقا أن تلك الفتاة الطيبة من المستحيل أن تتصرف هذا التصرف الوحشي، وأن تقتل إنسان أمامها بمجرد أنه أغضبها أكيد هنالك شيء خفي لا يعرفه.
وقف بصمت بعدما تفحص تلك الجثة التي كانت متصنمة أمامه، ولسوء الحظ لقد خابت ظنونه بالكامل
كان يتوقع أنها من الممكن أن تكون إحدى الخدع التي تستعملها جويا حتى توقف بتلك المسكينة، ولكنه تفاجأ بأن هذه الطاقة الهائلة التي حولت هذه الخادمة إلى هذا المجسم الجصي ليست موجودة في القصر على الإطلاق.
لقد سبق وإستشعر مثل هذه القوة مرة واحدة من قبل، وذلك عندما إستعملتها سيليا حتى توقف جويا عن أذيتهاوفي أحد الأيام، ولكن يستحيل أن تكون هي من فعلت ذلك فهالة تلك القوة كانت كبيرة جدا.
بينما كان كايوس واقفا هناك يضع يده على فكه بتفكير ،سمع صوتا مألوف يأتي من خلفه وهو يقول بسخرية لاذعة:
" أرى أنك قلق جدا بشأن سيدتك الجديدة "
تحدثت جويا وهي تقف خلفه لتنظر إليه بإبتسامة هادئة.
بينما هو أخذ نفسا عميق محاولا أن يتحكم في نفسه، قبل أن يستدير ويقف أمامها وهو يمسك بيديه طرف ذلك الرداء الحرير الطويل الذي كان يرتديه، لينحني لها بخفة في حركة معناها الإحترام والتقدير، ولكن في الحقيقة هو يشمئز من هذه الفتاة التي تقف أمامه، أكثر مما يشمئز من أي شيء في هذا العالم فرائحة الموت والدم التي تنبعث منها تثير تقززه.
رفع رأسه لينظر إليها وهو يقول بإبتسامة خبيثة :
" بطبيعة الحال علي القلق بشأن سيدتي ومولاتي، ففي النهاية هي الملكة المستقبلية لهذه البلاد وبين يديها سوف يكمن الخلاص يا جويا".
نظرت إليه هذه الأخيرة بغضب وقرف شديد، شدت على يدها بغيض حقيقي، ليبتسم لها كايوس يسماجة وهو يشعر بذلك الحاجزولا مرئي الذي كان يتشكل وبدأ يطوقهما ،ولكنه كان سريعا جدا وحساسا جدا ،فقد فرقع إصبعه معا مدمرا كله تلك الهالة التي كانت تحاول أن تفتعلها جويا حتى تأذيه.
رفع حاجبه بزاوية مثالية قبل أن ينظر إليها وهو يقول:
" كل الحيل التي تقومين بها هو شيء قديم جدا بالنسبة لي، لا تنسي من أكون أيتها السيدة النبيلة فأنا وزير الملك وذراعه اليمنى وحكيم المملكة كلها يا جويا"
توسعتو عينيها بغضب قبل أن تنظر إليه بإستخفاف وهي تلتفت لترحل من المكان، بينما نظراته كانت تلاحقها، وهو على وشك أن يطلق طاقته الهائلة حتى يقتلها ويرتاح منها ومن غرورها.
في مكان آخر وبعيدا عن قصر كوركانس كان ذلك الرجل يشد على رأسه في غضب شديد، قبل أن يلتفت الى ذلك الشخص الذي كان يقف امامه، وقد أصبحت عيناه حمراء من شده الغضب الذي يشعر به ليقول بصوت جوهري قوي:
" هل تريد أن تقنعني أن أميرة ما من وراء هذا العالم ،هي الآن أسيرة في يد سيدي الوحوش؟"
هز ذلك الرجل المنحي على ركبته على الأرض رأسه بتأكيد وهو يقول بخضوع شديد:
" أنا حقا آسف يا سيدي، ولكنني لم أستطيع أن أفعل شيئا أكثر من إحضار هذه المعلومات لك، والسبب أن سيد الوحوش ركز طاقة هائلة جدا وفعلها من أجل حمايتها".
إبتسم ذلك الرجل الضخم الذي كان ينظر إليه بغضب إبتسامة جانبية مرعبة، وفي لحظة واحدة كان ذلك الذي ينحني بخضوع أمامه يتحول إلى كتله من النار قبل ان يصبح رمادا يتناثر في الهواء في ثواني معدودة، وذلك بفعل الطاقة التي ادأخرجها ذلك الوحش من يده اليمنى وأطلقها نحو مخبره.
نظر إلى مساعده وذراعه الأيمن الذي كان يقف خلفه وهو ينظر إلى ما يجري أمامه بلا مبالات، ليقول بينما هو يقف من على عرشه الأسود:
" نظف هذه الفوضى بسرعة، أنا أجمل من أنظر إلى مثل هذه الفوضى والحشرات في قصري"
أخرج ذلك الشخص طاقة الملونة من يده، لتنظف المكان في ثواني، بينما الآخر ينظر إليه في هدوء مريب، قبل أن يلتفت ناحية الرجل الآخر الذي كان على يفق بجانبه الأيسر ليقول:
" نحن لا نستطيع أن نخرجها من ذلك المكان بسهولة، بمجرد أن نفعل ذلك سوف نجلب لأنفسنا مشاكل كبيرة مع سيد الوحوش نحن في غنى عنها جد طريقة مناسبة حتى تحضرها إلي"
إنحنى ذلك الرجل بإحترام شديد، قبل أن يلتفت ليخرج منفذا أوامر سيده، الذي إلتفت ناحيه مساعده الآخر وهو يقول بغرور رجولي:
" أتصدق أشعر بمال شديد، هل تريد أن تبارزني يا ايوز ؟!"
توسعت عيون هذا الأخير برعب شديد وتراجع للخلف، على الرغم من ذلك البرود الذي كان يسيطر على ملامح وجهه إلا أنه مستعد أن يموت ألف مرة، على أن يقاتل هذا الوحش الذي يقف أمامه، إنحنى أمامه بالإحترام وهو يقول :
" آسف جدا يا سيدي، ولكن لدي مهمة علي إتمامها قبل غروب الشمس".
عقد ذلك الرجل صاحب ذلك الجسد الرجولي الضخم حاجبيه بإستغراب، ونظر إليه بغير فهم ولكن قبل أن يتمكن من سؤاله عن أي شيء وجد أن مساعده قد غادر المكان وتبخر في الهواء كسراب منذ زمن طويل.
عض على شفتيه بغضب قبل أن يتحول إلى تنين طائر، ثم يقتحم النافدة الضخمة المطلة على الغابة ويخرج منها وهو بزأر بإسمه.
كان ليام لا يزال يشد رحاله في إتجاه عاصمة كوركانس، توقف بعد مسيرة أربعة أيام متتالية في إحدى القرى، ولقد كان التعب والإرهاق الذي شعر به طوال الأيام الماضيه قد زاد عن حده ،دخل إلى أحد الحانات الموجودة هناك وأخذ لنفسه طاولة في الجانب بعيدا عن الكل عن الناس، وطلب لنفسه قطعة من الخبز المحمص مع قطعة لحم ضان مشوية مع كأس من الشراب ،بعد مغادرة النادل أخذ ينظر إلى الطاولة التي أمامه وهو يفكر في ذلك الألم الذي أصابه قبل أيام لقد شعر بها وكأنها تموت.
أغمض عينيه بألم وهو لا يريد أن يتذكر ذلك الإحساس المرعب، حرفيا كان على وشك أن يفقد صوابه لم يخطر في باله أبدا أنه من الممكن أن يعيش ذلك الألم في يوم من الأيام.
لقد كان ليام دائما ما يعيش على أنه الشخص البارد اللامبالي ,حتى في تلك اللحظة التي إكتشف فيها أن سيليا هي رفيقته لم يهتم للأمر، كان يتوقع أن أمر الرفيق شيء تافه وأنه يمكنه أن يأخذ أي فتاة يريدها، ولكن بمجرد أن أخبره الملك أنها سوف تتزوج شخصا أخر، ومنذ ذلك اليوم وقد أصبح شخصا مختلفا معها، لقد كان يعاقبها لأنه يريد أن يخرج ذلك الغضب الذي يشعر به، كما لو أنها هي من كانت سبب في الغضب الذي يشعر به.
إقترب منه أحد الرجال الذي كان يضع على رأسه قلنسوة هو الآخر قبل ان يقول:
" أرجو المعذرة يا سيد، ولكن هل يمكنني أن أشارك معك هذه الطاولة، جميع طاولات المطعم محجوزة؟"
لم يحرك ليام ساكنا وبقيا يجلس في مكانه، ليعتبر الرجل هذا الأمر موافقة منه، فجلس هو الآخر على الطرف الذي يقابله وأخرج لنفسه من حقيبته رغيف خبز يابس، وصب لنفسه كاس من الماء بينما هو يقول :
"رغم أنها وجبة بسيطة جدا، إلى أنها المفضلة لدي هل تعرف ذلك؟"
تجاهله ليام تماما ولم يقل أي كلمة وقد بقي يفكر في كل تلك الأمور الذي حدث معه في الأيام الماضية.
بينما إبتسم ذلك الرجل إبتسامة جانبية خبيثة، قبل أن ينظر إليه مره واحدة وهو يقول بدون مقدمات وبدون أي اعتبار لمن أمامه:
" أنت لن تستطيع النجاح في مهمتك بسهولة "
نظر إليه ليام من خلف عبائته السوداء المهترئة ،وقد كان يضع قلنسوته على رأسه وهي تخفي معضم ملامح وجهه.
كان ليام مستغربا في البداية من هذا الرجل الغريب الذي يتحدث معه بهذه الطريقة، إبتسم الآخر إبتسامة مريرة إلا ان ذلك الذي كان يجلس أمامه لم يستطع أن يفهم حرفا واحدا أو يلاحظ ذلك الألم الذي إرتسم على وجهه، ربما لانه كان يخفي معالم وجهه بقلنسوته تلك.
مر دقيقة صمت رهيبة بينهما، قبل ان يقول ذلك الرجل مجددا برجاء غريب:
" أرجوك لا تذهب إلى هناك ،عد من حيث أتيت حفاضا على حياتك، فما ينتظرك ليس بالأمر السهل "
نظر إليه ليام ببرود شديد، قبل ان يزم فمه بغيض ويضرب طاولة بأطراف أصابعه وهو يقول بالإنفعال:
" أعتقد أنني سمحت لك بأن تجلس معي هنا على نفس الطاولة حتى تتخلص من التعب الذي كان يلاحقك، وليس أن تتدخل في أمور بعيدة عنك أيها الغريب"
توسعت عيون ذلك الذي كان يجلس أمامه، لكن سرعان ما عادت لطبيعتها قبل أن يقف وهو يقول معتذرا :
" أنا حقا آسف يا سيد، ولكنني كنت أحاول أن أقدم لك نصيحة فقط ،أتمنى لك التوفيق والحظ الجيد دمت سالما"
نظر إليه ليام نظرة ساخرة قبل أن يقول بلا مبالات وهو يشرب كأس العصير الذي جاء به النادل دفعة واحدة :
" تقدم الي نصيحة! يستحسن لك أن تذهب وتهتم بأمورك، والنصيحة التي تقدمها لي قدمها لنفسك".
انهى كلامه ببرود شديد،قبل أن يأخذ سيفه الذي كان معلقا على الكرسي الذي بجانبه، ويحمل حقيبته وحاجياته ويتحرك ناحية الخارج، متوجها إلى الإسطبل الذي ترك به حصانه، ليركبه ويغادر المكان تحت نظرات ذلك الرجل الذي بقي برقبه من بعيد ،وهو يفكر ويقول:
كان الأمر يستحق المجازفة فلا بأس بالذي كان يجلس معه قبل قليل ففي الحقيقة كان يستحق التقييم .
أما بالنسبة لليام فلقد كان ينظر أمامه بتركيز، وهو يفكر أنه عندما يجد سيليا هذه المرة يستحيل أن يسمح لها بالهروب منه، حقيقة هو كان قد جاء إلى هنا حتى يقتلها ولكن بعدما حدث معه تبا!
يستحيل أن يسمح لذلك الشعور المؤلم أن يهاجمه مرة أخرى. فهو الآن مستعد للموت قبلها على أن يعيش ذالك الألم من جديد..
مد يده ليمسك بتلك القلادة الذهبية التي كان يعلقها على رقبته، ليضعط عليها وكأنه يستمد منها طاقته لكي يكمل، قد أعطته له سيليا كهدية منذ سنوات طويل عندما كانت مجردة طفلة مراهقة.
إرتسمت إبتسامة حزينة على وجهه الأبيض الوسيم، وهو يتذكر تلك لحظة.
عندها كان يبلغ من العمر تسع عشرة سنة، بينما هي كانت مجرد طفلة صغيرة لم يتجاوز عمرها الثانية او الثالثة عشرة من عمرها.
لقد كانت منبوذة من طرف الجميع ولم يكن أحد يقبل باللعب معها أو ادخالها إلى التجمعات أو الحفلات البسيطة التي كان يقيمها سكان القصر، حتى عائلتها الثرية وذلك لكونها كانت منبوذة من طرف الجميع وصاحبه الدم الملعون، في تلك الأوقات قام بحمايتها دون معرفتها حتى.
تنهد بعمق وهو يفكر بجدية ويقول في نفسه .
( نتسائل دائما عن الفظائع التي يمكن للبشر ارتكابها. غالبية الذين تم إيذاؤهم من طرف عائلتهم أو أشخاص قريبن منهم، أصبحوا مجرد جسد بلا روح ،في بعض الأحيان يدهشوني أن المنبوذين في هذه الحياة البائسة ،لا يقلون تمسكا بها عن أولئك المرفهين والمترفين الذين يعيشون فيها ).
سيليا ورغم كل معاناتها إلى أنها كانت تدهش ليام بقدرتها على تمسك بحياتها ،رغم كل الظروف الصعبة التى كانت تعيش فيها.
لطالما اراد ان يعرف معنى هذه الكلمة الاخيرة التي سمع كثيرا من سكان قصر والدها، وحتى والدها نفسه سمعه ينعته بها.
( صاحبة الدم الملعون )
أراد ان يعرف معناه ولما هو مرتبط بها ،لكن الأسف لم يستطع فعل ذلك ،في النهاية وقف القدر حائلا بينهما وفرقهما، قبل أن يعرف الحقيقة وراء هذا اللقب الغريب.
يتبع....