٢٦

_ماذا وجدت؟

أظهر رون الوشاح المربع الذي وجده في الدرج، بدأ يثنيه فأصبح كالشريط العريض، اقترب منها وربطه على عنقها ليخفي الوشم الملكي.

ابتسم لها رون وقال:

_ لقد نسينا إخفاء الوشم الذي ما أن يراه أحد سيفهم على الفور أنك ابنة الحاكم.

_معك حق، من الجيد أنك تذكرت.

ابتعد قليلاً للوراء ثم قال:

_أرى أن تنكرك أصبح مثالياً.

_شكراً لك، هذا بفضلكما.

في مكان آخر وبالتحديد في القصر الملكي عندما حان موعد استيقاظ الجميع لتناول طعام الإفطار، اتجه رئيس الخدم الى الغرف واحدةً تلو الأخرى وبدأ يوقظ الجميع لكي يتجمعوا على المائدة قبل أن يأتي الحاكم.

اتجه في البداية إلى غرفة العمة ماريا وطرق الباب
فوصله صوت قادم من الغرفة يقول:

_لقد استيقظت بالفعل يا موراي، سوف آتي إلى المائدة في خلال خمسة دقائق.

_حسناً سيدتي، ننتظرك هناك.

اتجه بعدها إلى غرفة الجدة، طرق الباب عدة مرات ولكن لم يجبه أحد فطرقه مرة أخرى ولكن تلك المرة بصوت أعلى، أتاه صوتها تسأل:

_من على الباب؟

أجابها قائلاً:

_إنه أنا، مواري رئيس الخدم يا سيدتي، أتيت لأخبرك أن مائدة طعام الافطار جاهزة.

ردت عليه هي بإيجاز:

حسناً، حسناً لقد استيقظت سوف آتي على الفور.

_حسناً سيدتي.

قرر الذهاب لإيقاظ الفتاتين فاتجه أولاً إلى غرفة أوچين، بدأ يطرق الباب، طرقه كثيراً ولكن لا مجيب؛ فقرر الولوج إلى الغرفة.

دخلها بالفعل وبدأ يفتش في أركانها ولكنه لم يجد أوچين فيها، تعجب وقال لنفسه:

_لربما ذهبت لفعل أي شيء في احدى الغرف الأخرى، أو ربما هي في غرفة توأمها، سوف أذهب إلى غرفة الآنسة هيلين.

تحرك قليلاً فذهب إلى غرفة هيلين، طرق الباب ولم يجد من يجيبه مجدداً، تعجب كثيراً وقرر الدخول إلى الغرفة، فور أن دخلها وجد هيلين  ولكنها كانت نائمة، بدأ يحاول إيقاظها فوجد الجواب منها تقول:

_ماذا تريد مني، أريد أن أنام.

_لقد أصبح طعام الإفطار  جاهز يا آنستي، على الجميع أن يتجمع على المائدة قبل أن يأتي السيد الحاكم إليها.

اومأت برأسها ثم قالت:

_سوف آتى الآن.

خرج موراي من الغرفة وكاد يغلق الباب، ولكنه عاد مرة أخرى وسأل هيلين:

_آنسة هيلين، ألم تري الآنسة أوچين؟ إنها ليست في غرفتها.

حينها تيقظت جميع حواس هيلين وقالت بتوتر:

_لا اعلم، ولكنني أظنها ستكون في المكتبة أو ما شابه، اذهب أنت وتأكد من الافطار وغيره من الأمور وأنا سوف أبحث عنها وأخبرها.

_حسناً، ولكن أسرعي.

_حاضر.

خرج رئيس الخدم من الغرفة وتوجه نحو غرفة الطعام وبدأ يتأكد من تمام كل شيء كتحضير الإفطار أو أعمال الخدم، أما عن هيلين  فقد  اتجهت نحو چيلينا وسألتها:

_چيلينا، هل رأيت أوچين اليوم؟

_لا يا هيلين لم أرها، لماذا؟

_إنها ليست موجودة في غرفتها والبارحة تصرفت بشكل مقلق وغريب.

_لا أعلم في الحقيقة، ولكنني أرى أن تبحثي عن كارل وأن تسأليه، لربما هو يعلم أو ربما ذهبت معه إلى رون.

_معكِ حق، حسناً سوف أذهب وأبحث عنه.

بدأت هيلين تركض في أنحاء القصر فتوتر الجميع، فلم يكن أحد يفهم سبب ركضها بهذا الشكل.

كانت تبحث عن كارل، قررت أن تتجه نحو غرف الخدم، طرقت بابه عدة مرات ولكن لا مجيب.

قررت حينها أن تتوجه إلى مطبخ الخدم فوجدته في الداخل، نادته بصوت متوتر فبالتالي نظر لها بنظرات قلقة، فهو لم يعتد أن تناديه وسط البقية، نظر لها فرأى النظرات الخائفة في عيونها، تابعت هي قائلة:

_هلا تأتي إلي لثواني؟

نظر إليها بتعجب ثم قال:

_بالطبع يا سمو الأميرة سوف آتي في الحال.

خرجت هيلين من المطبخ وخرج هو وراءها، سحبته وذهبا  في جانب هادئ لا يأتي إليه أحد إلا نادراً، نطقت هيلين بتلعثم:

_ألم تذهب إلى رون اليوم؟

رد هو بتعجب من سؤالها:

_لم أذهب؛ فهو سيبدأ مهمته اليوم، كما أنني قد أحضرت له مسبقاً كل ما قد يحتاجه في مهمته فلماذا أذهب إليه!

تابع بخوف:

_هل حدث له شيء أو ما شابه؟

_لا أعلم، ولكنني لم أجد أوچين في غرفتها، ولا أعرف مكانها، ظننت أنها عند رون، علي أن أجدها قبل أن يبدأ رئيس الخدم في البحث عنها ويخبر والدي.

_ربما هي في مكان ما في أنحاء القصر، لا تقلقي.

_أعلم ولكن.

_ولكن ماذا!

_لكنها في الأمس كانت تتصرف تصرفات غير منطقية.

_كيف؟

_لا أدري ولكنني شعرت وكأنها تودعني، لقد عانقتني عناق طويل وكانت نبرة صوتها فيها حزن.

_هيلين، لا تقولي أن ما في بالي قد حدث، قلت لكم أن فعلتنا خطيرة ولم ينصت إلي أحد!

_لا أعلم، لا أعلم يا كارل، لكن حقاً هذا ليس الوقت المناسب للتأنيب، ماذا سوف نفعل؟

_اذهبي إلى چيلينا وأرسلي رسالة إلى رون عن طريق نازلي، وتأكدي ما إن كانت عنده، وأنا سوف أبحث عنها في أرجاء المكان.

_حسناً، سوف أفعل ما تقوله.

ركضت هيلين نحو غرفتها وذهبت إلى چيلينا وطلبت منها أن توصل رسالة إلى نازلي تقول فيها:

_أرجوك يا رون، أخبرني هل أوچين معك؟ إنني لا أجدها في القصر ولا أعرف مكانها، أنا حقاً قلقة عليها للغاية.

في نفس الحين كانت نازلي قد تجمدت في مكانها ولكن رون فهم ما يحدث تلك المرة وكذلك أوچين، نظرا إلى بعضهما وقالت نازلي بصوت آلي:

_لديك رسالة من چيلينا، هل تود أن أقرأها عليك؟

قال رون بصوت قلق بعد أن تبادل النظرات مع أوچين:

_إقرأيها.

كانت أوچين متوترة للغاية، وكذلك رون فكل ما كان يشغل بالهما هو هل اكتشفوا الأمر بهذا الوقت المبكر!

بدأت نازلي تقرأ الرسالة على رون، وبعد أن سمعها التفت إلى أوچين وقال لها:

_ماذا تودين أن نفعل؟ هل نخبرهم الحقيقة؟

_لا أعلم يا رون، لا أريد أن أقحمهما في مصيبة.

_لكنها أختك وهي قلقة عليكِ، يجب أن تخبريها عن قرارك.

_لا أعلم، هل ترى أن هذا هو القرار الصحيح؟

_في الحقيقة، نعم هو واجبك عليها، فقد ساعدتك كثيراً ومن حقها أن تطمئن عليك، على الأقل فلتعرف أنك بخير.

تنهت وقالت بروح متعبة:

_معك حق يا رون، حسناً يا نازلي أرسلي لها رسالة وقولي:

_اهلاً أختي، نعم أنا هنا لا تقلقي علي، ولكن إياك وإخبار أحد، فليكتشفوا وحدهم؛ لا أريد أن أقحمك في مصيبة، لا أنت ولا كارل، تصرفي وكأنك لا تعلمين شيئاً، سأخوض تلك الرحلة مع رون، وأعدك أننا سوف ننقذ والدنا.

نظر لها رون وقال:

_علينا أن نبدأ الرحلة على الفور، إن علموا أنك هنا فسوف نكون جميعا في بلاء عظيم.

اومأت أوچين برأسها وقالت:

_معك حق، يا رون.

وصلت الرسالة لهيلين عن طريق چيلينا، فور أن سمعتها شهقت وذهبت إلى كارل وقالت له بتوتر:

_كارل.

_ماذا، هل عرفتِ شيئاً جديداً؟ هل وصلك خبر عنها؟

_نعم، إن ظنوننا في محلها، أوچين عند رون.

تنفس كارل الصعداء وقال ببعضٍ من الراحة:

_على الأقل نعلم أنها بخير وأنه لم يصبها أي مكروه.

أومأت له هيلين وقالت:

_ماذا سنفعل الآن؟

_سأخبرك ماذا سنفعل، أولاً سوف تذهبين إلى الطعام وسوف تتصرفين وكأنك بخير وأن كل شيء على ما يرام، ولكن أوچين بالطبع لن تذهب إلى الطعام بحجة أنها مريضة.

_ولكن بالتأكيد سيذهب أبي لزيارتها كي يطمئن عليها.

_نعم بالطبع، ولذلك  سوف تنهين طعامك وتذهبين على الفور إلى غرفة اوچين وستتقمصين شخصيتها.

تابع مكملاً بعد أن التقط أنفاسه:

_وبالنسبة لاختفائك المفاجئ فستقولين أنني سآخذك معي إلى الغابة، لكنك ستمثلين شخصية أوچين، وفي ذلك الحين سوف أذهب أنا إلى الغابة حقاً، لإحضار أوچين محاولاً جعلها تتراجع عما تفعله.

_حسناً، إتفقنا فلنبدأ في ذلك الأمر حالاً.

تركته هيلين وذهبت إلى غرفة الطعام، حيث كان الجميع قد اتخذ مقعده عداها هي وأوچين حتى والدها الذي تبين على قسمات وجهه الغضب كان جالساً، فقال بحدة:

_أين كنتِ يا هيلين؟ وأين أختك؟

_أبي إن أوچين مريضة للغاية ولا تقوى على النهوض، كنت معها لم أكن أود أن أتركها بمفردها.

هدأ قلب الحاكم وقل غضبه قليلاً وقال محاولاً التحكم بأعصابه:

__حسناً إذاً، سوف أذهب كي أطمئن عليها بعد الطعام.

_حسناً يا أبي، كما تشاء.

قالتها هيلين بثبات ولكن قلبها كان مضطرباً مختلجاً، بدأت معدتها تؤلمها من التوتر فضغطت على ذراعها بقوة ثم بدأت تأكل بهدوء كما يفعل الجميع.

مر الوقت وأنهى والدها الطعام وخرج من الغرفة بهدوء، نهضت من المائدة فور خروج والدها وقالت:

_سوف يأخذني كارل إلى الغابة فقد نسيت عقدي الذي ورثته من أمي هناك.

خرجت من غرفة الطعام راكضة دون أن يشعر أحد وسبقت والدها دون أن يشعر ودخلت غرفة أوچين بهدوء.

غيرت ملابسها وكانت چيلينا بجانبها فطلبت منها أن تجعلها تبدو كمريضة وطلبت منها أن ترفع حرارة جسدها قليلاً وهذا بالفعل ما فعلته.

خرج كارل وحده واتجه إلى الغابه ركضاً قبل أن ينكشفا، وذهب منها إلى الكوخ الذي لم يطرق بابه كما اعتاد في كل مرة، بل دخل مسرعاً، ولكنه لم يجد أحد فيه، صرخ قائلاً:

_ سوف تصيبينني بالجنون يا أوچين على ماذا تنوين!

بدأ يضرب الأشياء في الكوخ ويسقطها على الارض، فقد كان كل من رون وأوچين تحركا لبدء المهمة.

وقف كارل في مكانه لا يدري ما عليه فعله، فإن تم اكتشاف الأمر، فسيعرف والدها أنه السبب وسوف يعاقبونه أشد العقاب،ولن يعود محل ثقة للحاكم بعد الآن بل سيخسر مكانته.

ولكن ما كان أسوء من هذا هو أنها إن تم اكتشاف أمرها من قبل أي شخص فستكون في مأزق، بل ستكون في خطر مهلك.

لم يكن بيده شيء فبدأ يعود أدراجه إلى القصر بعد أن  قرر الإستسلام لمصيره، قرر أن يتحمل جميع المسؤولية، فقد كان هو من أذن لها في البداية أن تذهب إلى رون.

قرر هو تحمل الخطأ بأكمله، فإن لم يأذن لها في البداية لما تمادت إلى هذا الحد.

في القصر، حيث كانت هيلين في غرفة أوچين تتظاهر بالمرض؛ فقد كانت تجلس على فراش أختها وكانت ممدة وتتظاهر أنها نائمة.

دخل والدها على الفور دون أن يطرق الباب، فهو قد توقع أنها نائمة، اقترب منها ووضع كفه على جبهتها التي كانت تشتعل.

ضمها قليلاً ثم قبل جبهتها وقال:

_أرجو أن تكوني بخير يا أوچيني.

لم يكن بيده فعل شيء، أمر حينها رئيس الخدم أن يعتني بها وأن يأتي اليها كل عدة دقائق ليطمئن أنها بخير وأنها لا تحتاج اي شيء.

ذهب الحاكم إلى غرفته ليكمل ما وراءه من أشغال ومسؤوليات، فور أن خرج، تتفست هيلين الصعداء وقالت براحة:

_ من الجيد أنه لم يشعر بشيء.

عاد كارل إلى القصر واتجه نحو غرفة أوچين، طرق الباب طرقة صغيرة ثم دخل على الفور وقال لها فور أن وجدها على السرير:

_لقد تحركا.

_ماذا، ماذا تقول يا كارل،  كيف هذا!

_ذهبت إلى الكوخ وبحثت عنهما ولكنني لم أستطع اللحاق بهما، حتى أنني لم أجدهما.

_وماذا سوف نفعل الآن؟

_ليس بيدنا فعل أي شيء؛ لذلك سوف أعترف أنني المخطئ وسوف اخبر والدك بكل شيء.

_كارل، هذا سوف يؤذيك، وهو في الأساس ليس هذا ذنبك.

_إنه خطأنا جميعاً، ولكنني الوحيد الذي يمكنني تحمل شيء كهذا.

_كارل، لا تحاول تقمص دور البطل، سوف نفعل كما قالت أوچين، سنتظاهر أننا لا نعرف شيئاً البتة.

_ولكنها سوف تصبح في خطر بالتأكيد، لقد ذهبت مع رون في مهمته التي سوف يخوضها وهي مليئة بالمخاطر، أشجع الرجال لم يستطيعوا ان يتموها.

_ولكنها ليست وحيدة، أنا أثق برون، سيفعل المستحيل لحمايتها، فهو فتى باسل، طالما هي معه فسيحميها ولو كلف الأمر حياته.

_حسناً إذاً، فلنقل أنها نجت من تلك المهمة، إن رآها أحد سوف نكون جميعنا في مصيبة، حتى والدك سوف يكون في مأزق.

_ولكن لا يمكننا أن نفعل شيئاً، لذلك كما قالت هي سوف نتظاهر أننا لا نعلم أي شيء.

_على كلٍ، سوف أذهب الآن كي لا يكتشف أحد الأمر، فليكن كل منا على حدة، كما أننا سنتجنب الحديث معاً في هذا اليوم.

_اتفقنا.

خرج كارل من غرفة أوچين التي كانت هيلين تجلس فيها وفي نفس الوقت خرجت هي منها بعد أن بدلت ثيابها طلبت من چيلينا أن تعيدها كما كانت.

اتجه كارل نحو غرفته واقترب منها ولكنه فوجئ برئيس الخدم يقف أمام بابها فقال له بتوتر حاول أن يخفيه ولو قليلاً:

_سيد موراي، هل كنت تبحث عني؟

التفت موراي إليه بعد أن تفاجأ من وجود كارل حوله:

_أين كنت، لقد بحثت عنك في جميع أرجاء القصر.

كاد كارل يختلق حجة ولكن موراي لم يترك له الفرصة فتابع دون نوقف:

_الحاكم يريد منا أن نستدعي له والد الفتاة آلما، كما أنه طلب مني أن آتي بعد أن أحضرك معي فهو يريدنا معاً في غرفته.

_حسناً، أنا قادم الآن.

تحرك رئيس الخدم ثم من بعده تحرك كارل وتبعه متجهاً نحو الغرفة التي يجلس فيها الرجل.

أخذوه من ذراعه وذهبوا إلى الحاكم فطرقوا الباب وقال الحاكم:

_ادخلوا.

فتح رئيس الخدم الباب ودخلوا جميعاً واحداً تلو الآخر، وآخرهم كان والد ألما.

اتخذ كل واحد منهم مقعداً بصمت عندما قال الحاكم:

_تفضلوا واجلسوا.

كسر الأب الصمت الذي ساد وقال:

_هل تم نفي ابنتي ام ليس بعد؟

لم يتحدث احد ولم يجبه، ظن أن لا أحد يعيره الاهتمام فبدأ يشعر يالخجل من ردود أفعالهم، فلا رئيس الخدم ولا كارل أجابا عليه، ولكن الحاكم قال:

_نعم، لقد تم نفيها بنجاح.

_آمل أن تكون بخير.

كان الرجل يتمنى الخير لابنته، فقال الحاكم مطمئناً اياه أنها بخير:

_لا تقلق، ستعيش ابنتك حياة كريمة.

حرك الرجل رأسه ايجاباً وسكت فقال له الحاكم:

_حان وقت إخبارك بعقوبتك.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي