الفصل الرابع والعشرون الصدمة

طرق موسى الباب وهو يتمنى أن لا تستيقظ مارجريت قبل حضوره؛ فهو يريد أن يخبرها بكل شيء قبل أن تقابل أحد ويتحدث  معها كما يحلو له أو فتاة تقوم باستفزازها فتسوء حالتها أكثر، أخيرًا فتحت نرجس بابها لتنتشله من شروده وهي ترحب به:

-تفضل يا موسى.

دلف إلى الكوخ وهو يقر في نفسه أن عليه التفكيرجيدًا قبل التحدث والنطق بكلمة واحدة أمام أي شخص؛ فهو لم يعد يضمن أي شخص وما ينوي على فعله، جلس على أول كرسي قابله وتحدثت نرجس ببعض القلق:

-هل الملكة مارجريت على ما يرام؟

ابتسم موسى ساخرًا وهو ينظر لها ويشعر بالغضب داخله:

-لم تعد الملكة هل نسيتِ؟ إن كنتم توريدونها لم يكن ليحدث كل هذا.

حركت نرجس رأسها بنفي وهي تخبره بصدق رأه بعينيها:

-الأمر ليس كما تظن أنت لقد استطاعت ياسمين أن تخبر الجميع ان مارجريت ليست بخير وأنا لا تستطيع أن تقرر حياتهم يا موسى، وظهرت ليديا في دور الفتاة المضحية وقالت أنها ستشرف على أمورهم، كانت خطة ذكية اقتنع بها الجميع.

أخذ موسى نفس عميق واخرجه بنفاذ صبر وهو يشعر بالكثير من التشتت:

-اخبريني الآن ما الذي سوف يحدث إلى مارجريت بالتفصيل، لقد اصبحت ضعيفة ولا يمكنها أن تفعل شيء و..

قاطعته نرجس بحزن حقيقي:

-مع الأسف هي فقدت قواها، انتقلت قوتها الخارقة التي تعرفها هي أكثر من أي أحد إلى ليديا الآن من الصعب أن يتقبل جسدها هذا، فمارجريت الملكة منذ مئتان عام.

اتسعت أعين موسى بصدمة وعدم استيعاب:

-ما الذي تقوليه؟

ابتلعت نرجس ما بحلقها وقد شعرت بالقلق من قول شيء خاطئ أو لا يصح:

-ما الأمر يا موسى؟ أنا أقول الحقيقة ولا أكذب.

ابتلع موسى ما بحلقه ووقف أمامها مباشرة ليسألها نفس السؤال التي امتنعت مارجريت عن الإجابة عنه في السابق:

-كم عمر مارجريت يا نرجس؟

اجابته بعفوية وتعجب من سؤاله:

-خمس وعشرون عامًا بعد المئتان.

علم موسى أن هناك شيء خاطئ، هذا العالم يفاجؤه دائمًا بما لا يتوقعه، لم يكن في حسبانه أن اليوم سوف يُصاب بمثل هذه الصدمة، ابتلع ما بحلقه وهم بالخروج دون كلمة، لم يعد يستطيع ترتيب جملة واحدة واستمع في هذا الوقت إلى صوت مارجريت المرتجف:

-ما الذي تقوليه أنتِ؟ يبدو أنكِ فقدتي عقلكِ يا ليديا، أنا هي ملكة هذه الجزيرة وليس من حقكِ أي شيء أنا، أنا أحذركي من التمادي معي في الحديث بتلك الطريقة.

أجل لقد حدث الشيء الذي كان يخشاه موسى قبل أن يُصاب بتلك الصدمة، ها هو يقف ويرى وجه مارجريت الشاحب اكتسحه الغضب لتصرخ بها ليديا:

-الآن أنا هنا الملكة على هذه الجزيرة، من الأفضل أن تحفظي أدبكِ قبل أن أضركي يا مارجريت.

اوشكت مارجريت على الاقتراب منها ليقف فهد أمامها وهو يحرك رأسه بنفي:

-لا يا مارجريت، الشيء الذي ستفعليه غير صائب وسوف يضركي.

شعر موسى بالغضب الشديد وهو لا يريده أن يتحدث معها حتى، أمسك بيدها وهو يسحبها برفق:

-أنتِ عليكِ أن ترتاحي الآن دعينا نذهب إلى الكوخ الخاص بنا.

سحبت يدها منه وهي تحرك رأسها بنفي:

-هل سمعت حديثها يا موسى؟ لا يمكنني أن أسمح لها بالتمادي أكثر، هي أخذت التاج الخاص بي وتحاول تدميري، اخبرني يا موسى لماذا يصمت الجميع هكذا؟!

نعم لقد اصبحت مارجريت أكثر ضعفًا وهي بحاجة إلى معاملة خاصة كان من الصعب عليه احتوائها وهو قد تلقى الصدمة للتو ولا يعرف كيف تكون أعمارهم كبيرة بينمى وجوههم شبابية هكذا؟!

استفاق من جديد على صراخ مارجريت:

-لماذا أنت أيضًا صامت يا موسى؟ أنا أتحدث معك اجبني ولا تنظر لي هكذا.

سحبها موسى من جديد وهو يستمع إلى همسات الكثير من خلفهم، لكنه لم يهتم لأي شخص حينها وهو يريد أن يبعدها عن كل هذا الضغط، تمنى أن يلغي حديث نرجس من عقله الآن ليستطيع التحدث إلى مارجريت بهدوء.
-----
وصل ليث إلى منزله برفقة هدى ووالدها سليم الذي كان يشعر بالضيق مع كل حديث يحاول ليث أن يقوم بفتحه، لا يعلم هل يشعر بالضيق منه أم هناك شيء يشغل باله ويجعله غارق في شروده الحزين هذا؟!

صعدوا إلى غرفة ليث وبالفعل وجدت هدى المفتاح لتقترب من ليث بسعادة وهي تشير إليه:

-أنظر لقد وجدته أنا بينما فشلت أنت في العثور عليه.

ابتسم ليث وقام بالتصفيق لها بابتسامة عريضة:

-هذا لأنكِ فتاة رائعة، تجيدين فعل كل شيء.

ربما الآن علم سليم لماذا تميل ابنته إلى هذا الشخص، تعامله معها يجبرها على التعلق به، تمنى أن يكون صادق في مشاعره وعزم أن يأخذ حرصه أكثر تجاهه:

-هيا يا هدى دعينا نذهب الآن، أظن أنك حصلت على الشيء الذي تريده يا ليث لا يوجد شيء آخر أليس كذلك؟!

ابتلع ليث ما بحلقه وهو يعلم أن والدها كشفه، لقد كان يوجه له الكثير من النظرات الغاضبة بينما ليث ابتسم وهو يحرك رأسه بنفي:

-لا يوجد شيء آخر لكنني أريد التحدث معك قبل أن تذهب، إن أردت أن تكون هدى جالسة على بعد منّا أنا لا مانع لدي.

تحدثت هدى ببعض الاحراج وهي تنظر إلى سليم:

-أنا أريد الجلوس بجوار أبي وليس بعيد.

ابتسم سليم أخيرًا وقد شعر بالسعادة لهذا، علم أن حديثه ليلة أمس فرق معها كثيرًا، تحدث ليث من جديد:

-هل يمكنك أن تسمح لي يا عمي بالتحدث معك؟

أومئ سليم له وجلس على الأريكة وبجواره هدى، تمنى ليث لو كان تزوج بها قبل أن يجدوها، لكنه لم يكن ليفعل هذا ويكون زواج في السر.
-----
كانت حبيبة في طريقها إلى المنزل بعد أن خرجت من مدرستها، وجدت سيارة علي تتوقف أمامها، نظرت له بتعجب وابتسمت بعدم استيعاب:

-هذا أنت يا علي! ما الذي تفعله هنا؟!

هبط علي من سيارته وفي يده باقة من الزهور:

-أتيت من أجلكِ لقد فكرت في اصطحابكِ من المدرسة لنتحدث سويًا وتشعري بالراحة دون أي قلق من عائلتكِ.

حركت رأسها بعدم استيعاب وهي تنظر له بذهول:

-أنا حقًا لا أصدق أن هذه الباقة لي، إنها جميلة وهذه المرة الأولى التي يعطيني أحد شيء كهذا، إنها كبيرة وحمراء اللون.

ابتسم علي بزهو وهو يرى اعجابها الشديد من مجرد باقة منه، تذكر نور تلك الفتاة التي كام يعشقها وفي المقابل ذهبت إلى موسى دون تفكير! استفاق من شروده على حديث حبيبة المليء بالسعادة:

-شكرًا لك يا علي، لقد شعرت بالسعادة ولم أشعر بهذا الشيء منذ فترة كبيرة، لا أعرف كيف يمكنني أن أسعدك كما فعلت معي.

كان يلاحظ لمعة عينيها بينما هو اقترب منها دون الاهتمام بأي شخص من حولهم ليمرر إبهامه على شفتيها ويصيبها بالخجل الشديد:

-اصعدي إلى السيرة حتى نذهب معًا لنتناول شيء.

ابتلعت حبيبة ما بحلقها وابتعدت عندما لاحظت أن أكثر من شخص ينظر تجاهها:

-أنا لم أخبر أمي، لا يمكنني أن أذهب دون معرفتهم.

حرك علي رأسه باستنكار وهو يتحدث ضاحكًا:

-أنتِ في الصف الثاني الثانوي يا حبيبة، لم تعودي طفلة لتخشييهم بتلك الطريقة، هيا تعالي.

سحبها وبالفعل جعلها تصعد إلى السيارة معه وهي تشعر بالقلق من معرفة والدها والغضب الذي سيسيطر عليه تجاهها:

-لا تجعلني أتأخر يا علي، أبي هذه الفترة متوتر كثيرًا ولن يتهاون معي صدقني.

حرم علي رأسه بنفي وهو يتحدث إليها بهدوء:

-سوف نذهب إلى مطعم جيد، يمكننا أن نتناول بعض الطعام ومن بعدها نذهب متى شئتي أنتِ.

اومأت له وهي تستنشق عبير الزهور الموجودة بين يدها وتشعر بالسعادة، نظرت إلى علي من بعدها وهي تسأله بانتباه:

-اخبرني ما الذي أقوله لأبي بشأن هذه الزهور؟ هل أقول أنك احضرتها لي بسبب حزني؟

حرك علي رأسه بنفي وهو ينبهها بتحذير:

-إن فعلتِ هذا أنا سوف أغضب منكِ لا تجعلي سيرتي تأتي في هذا الأمر، اخبريه أن صديقة لكِ جلبته عندما علمت برجوع هدى المنزل وانتهى الأمر هو يثق بكِ.

ابتلعت ما بحلقها وقد شعرت بالكثير من الارتباك:

-معك حق هو يثق بي، لكنني لم أعتاد الكذب عليه يومًا، أشعر أن هذا الأمر ليس جيد أبدًا.

تأفف علي منها داخل عقله وهو يلعن حظه الذي اوقفه مع هذه الفتاة المدللة، لكنه حاول السيطرة على أعصابه قدر المستطاع وهو يبتسم إليها:

-هذه المرة فقط من أجلي ولن تضطري لفعلها من أجل أي شخص آخر.

صمتت وهي تراه طوال الطريق يتعمد لمس قدمها لتبتعد عنه أكثر بعفوية لتبقى ملتصقة في باب السيارة، بينما هو رمقها بغيظ وهو يلاحظ استمتاعها بالهواء حتى أن غفلت دون ارادة منها.

شعر علي بالتخبط وأوقف السيارة جانبًا وهو ينظر لها، فكر في نور الذي عذبها غرام موسى ولم يعد يعطيها الفرصة حتى للتحدث معه، قرب يده من وجه حبيبة ولكنه توقف عن هذا وهو يحرك رأسه بنفي، لا ينكر أن الغضب يتحكم به، لكنه ردد مرارًا داخل عقله أنه ليس بحيوان ليضر تلك الفتاة بتلك الطريقة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي