5

تمضى الحياة قُدم غير مكترثة لما يحل بنا من مصائب وبأي ظروف نعيش، ولا نملك سوى الرضوخ والقبول بواقعها المفروض علينا.

حل الصباح وأحضر معه مفاجآت جديدة، مرغمة ميرا على هذا الحال.

نهضت من فراشها بعد أن سمعت نداء والدها، ألقت عليه تحية الصباح، ثم غسلت وجهها وتوجهت إلى المطبخ حيث كان والدها على عجلة من أمره.

حضر لها الفطور بشكل سريع، وقال لها: هيا تناول طعامك يا بنتي، ليس لدينا وقت اليوم.

سألته ميرا تدعي عدم المعرفة: وما الأمر المهم الذي يشغلنا؟

توقف عاصم عن حركته السريع وقال لميرا وهو ينظر لها في عينيها: سوف نذهب إلى بيت ديمة كي نحضرها معنا، لتعيش في بيتنا.

أشاحت ميرا نظرها وقالت: ذهابي معك ليس بتلك الأهمية يا أبي، اذهب وحدك سوف يكون أفضل من قدومي برفقتك.

قال عاصم لبنته: ارجوك يا ميرا دعي الأمور تسير بهدوء وعلى ما يرام.

أومأت ميرا رأسها وقالت: كما تريد يا أبي، سوف اكون بجانبك هذه الليلة.

ابتسم عاصم وامسك خد ابنته يشده برفق وقال: هذه هي فتاتي الجميلة المطيعة.

ثم أضاف قائلاً: حسنا إذا يا ابنتي، تجهزي واختاري لنفسك فستان يليق بالمناسبة أما أنا سوف اذهب فهناك بعض الأمور التي يتوجب عليي إنهائها.

انهت ميرا طعامها وعادت إلى غرفتها لتستعد، أما عاصم طبع قبلة على جبين ابنته وغادر المنزل كي يستعد هو أيضاً.

قبل الوقت المتفق عليه ربما بساعة او أكثر عاد عاصم إلى بيته، نادى على ميرا لم تجبه.

طرق باب غرفته فسمعها تقول له من الداخل: تفضل يا أبي، ادخل.

فتح الباب وما إن ألقى نظره إلى داخل الغرفة حتى رأى ميرا قد ارتد فستان باللون الاسود طويل يصل إلى الارض، وقد رفعت شعرها بشكل كامل وزينته ببعض الاكسسوارات الخاص بالشعر ولونها أسود أيضا.

ذهل عاصم من تلك الرؤية وسألها: ما هذا يا ميرا؟

قالت بسعادة مصطنعة: جميل أليس كذلك؟

لم يكن لدى عاصم ما يحدث ابنته به، فقال: هل تعتقدين أنه مناسب لهذا الآن؟

أومأت رأسها بحماسة وقالت: نعم بتأكيد إنه كذلك.

لم يجب عاصم، فأضافة هي قائلة: هيا يا أبي لا تدعنا نتأخر، من غير اللائق أن ينتظرنا الناس هناك.

وخرجت من غرفتها تسبق والدها إلى السيارة، وعلى وجهها ابتسامة مكر.

تبع عاصم ابنته، لا حول له ولا قوة ليجعلها تبدل ما ترتديه فهي بالكاد قبلت الذهاب معه ومرافقته.

طوال الطريق كان يقود سيارة في صمت ولم يقل شيء، كذلك كان حال ميرا تشتغل غيظ تارة وتهدئ تارة أخرى.

في بيت ديمة كان كل شيء قد تم وانتهت الترتيبات، وارتدت ديمة فستان أبيض حرير بسيط، مع تسريحة خفيفة، وزنت شعرها ببعض الورود البيضاء الصغيرة.

وصل عاصم وابنته إلى المكان المنشود، طرق الباب وهو يبتلع ريقه خوفاً وتحسبا لما قد يحدث في الداخل.

فتحت ديمة الباب والإبتسامة العريضة على وجهها، وقد كان عاصم يحمل باقة من الورود الجميلة منسقة بشكل مرتب.

قالت له ديمة: أهلا بك، تفضل.

قدم عاصم الورود وصافحها، وكانت المفاجأة خلفه تنتظرها، حيث رأت ميرا وقد كانت متوقعة عدم حضورها.

وزاد دهشتها تلك الإطلالة التي ترتديها، تلعثمت حروف ديمة ولم تكن تدري ما تقوله.

لاحظ عاصم هذا فقال متدخلا: ميرا لم تستطع رفض طلبي بقدومها معي.

قالت ميرا: نعم هذا صحيح، لا يرد كلام أبي تنفذ طلابته وكأنها أوامر.

مدت ديمة يدها تصافح ميرا، لكنها لم تفعل ذلك وكان موقف محرج لديمة جدا.

ثم قالت محاولة تدارك الأمر: تفضلا إلى الداخل الحميع بنتظاركم

كما كانت حالة ديمة برؤية ميرا، كان الحال نفسه على جميع الحاضرين من أهلها والحضور المقرب من ديمة وعاصم.

إلا أن أحدهم قال: عزيزتي ميرا، ألا تعرفين أنه هذا حفل زفاف وليس مأتم؟ ألم يخبرك بهذا أحد؟

ردت ميرا بتهكم وقالت: نعم أعرف، لكن هذه هي بداية الحياة مع الانسة ديمة.

كلامه وضع والدها بموقف محرج للغاية، حاول أحد اخر تدارك الموقف وقال: هيا دعونا نبدأ لا داعي لتأخير الاحتفال، أم انكم لا تريدون أن نأكل الحلوى؟

وبهذا بدأت الحفلة الصغيرة مع الأهل والاصدقاء، وتمت إجراءات عقد القران بشكل رسمي.

وكان هذا أمام عيني ميرا، وهي تكاد تختنق من شدة حسرتها لكنها تدعي عدم المبالاة ولا الاكتراث.

انتهت تلك المراسم المزيفة المليئة بالزيف والخداع، وذهب الضيوف وبقيت العائلة مع العروسين.

ثم استأذن عاصم والدا ديمة وقال: حان الوقت لنغادر آلان.

قال الأب الطيب: حسنا يا ولدي، كما تشاؤن.

عانقت ديمة والدها، وقبلت يدا والدتها، واخوتها، ثم أمسكت بيد عاصم وقالت لهم: سوف افتقدكم جداً.

ودع عاصم العائلة كذلك، وخرج مع عروسه وابنته عائد إلى بيته.

والسعادة تغمر قلبه وقلب ديمة، الا أن ميرا لم تكن كذلك أبدا على العكس.

جلست ديمة بجوار عاصم تشابكت ايديهم، ووضع لها أغنية رومنسية تدل على محبته لها طوال الطريق.

وميرا تراقب القمر الذي كان يسير إلى جانبها، ثم في نفسها تحدث "القمر": أول من خذلني هو أنت، لم تكن أفضل من أحدهم.

ثم أكملت قائلة: لا تقل أنك لا تعرف ما أقصده بل أنت كذلك.

وقالت تكمل في سياق حديثها مع القمر: في صغري كنت أعتقد أنك صديقي ، وتسير إلى جانبي، وترافقي في ليالي المظلمة.

وضحكت بصمت ثم قالت: لم أكن أعلم بأنك تمشي إلى جانب صديقتي أيضا.

أخبرتك بكل أسراري وحدثتك عن كل ما امتلئت به نفسي، لكنك خذلتني، ومنك كانت صفعتي الأولى من الخذلان.

قاطع حديثه مع القمر، ذلك المطب الذي كان على الطريق ولم ينتبه له عاصم، فهو منسجم مع الاغنية وصوت ديمة التي تدندن إلى جانبه.

شعرت ميرا بالمقت والديق، ولم تقل شيء لهما، بل كان كل ما تتمناه حينها أن ينقضي الأمر بسلام لتعود إلى سريرها.

وصلوا أخيراً إلى البيت، نزل عاصم وفتح باب السيارة لعروسه، ممسك يدها.

ميرا تراقب ما يدور، إلا أن تلك التصرفات لم تكن تليق بوالدها.

فأسرعت لدخول إلى البيت، لكن نداء أبيها قاطعها قائلا: على رسلك يا ابنتي.

التفتت إلى ابيها وقالت: ماذا هناك يا أبي أنا متعبة أريد ..

ثم قاطعها مرة أخرى وقال لها: أعلم هذا، لكن انتظري لبعض الوقت.

لم تفهم ما يريده، فتدخلت ديمة تسأل: ما الذي يحدث يا عاصم؟

قبل يد ديمة وقال لها عاصم: حبيبتي، لدي مفاجأة لك لذا أريد من ميرا أن تنتظر قليلا.

ضحكت ديمة والاعجاب على وجهها تسأله: حقا؟

أومأ رأسه وقال: هيا بنا.

كانا يسيران معا، وميرا تقف بشكل جانبي، وصلوا إلى باب للمنزل، فتح عاصم الباب وقال: ادخلي بيتي، ادخلي قلبي وعمري إلى الأبد.

كان الخجل قد قسم وجه ديمة وجعله شديد الحمرة، دخلت بهدوء وما إن وضعت قدمها حتى أضاء المكان، وقد تغير حال المنزل بشكل كلي.

لقد اتفق عاصم مع أحد المختصين في مثل هذه الأمور ولهذا السبب كان مصر على ذهب ميرا معه.

أما ميرا فهي في دهشتها غارقة، وهي ترى تلك التفاصيل الجميلة والورود المتناثرة هنا وهناك.

والإضاءة الخافتة تارة والقوية تارة أخرى تضيف على المكان رونق أجمل.

دخلوا معا الى الداخل ولم تكن المفاجآت قد انتهت بعد بل كان كل شيء معد ايضا، سفرة من أشهى المأكولات، وجميع اصناف الحلويات والعصائر.

وفخامة المكان قد ازدادت بسبب تنسيق الألوان وأضافة الاكسسوارات للديكور المنزل والمكان.

لم يكن بوسع ميرا إلا أن قالت لهما: أتمنى لكم حياة سعيدة معا، أما أنا أريد أن أذهب إلى فراشي لأنني متعبة.

يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي