قدر ميرا

دُرة الجمان`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-12-21ضع على الرف
  • 61.9K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

1

بعد أن كان الهدوء سيد المكان كما اعتاد الناس في ذلك الحي الراقي والشهير من المدينة وصل بلاغ للشرطة يفيد بوجود أحد الاشخاص المشتبه بهم هناك.

وبعد التتبع والملاحقة لاحظوا أن المشتبه به قام بوضع حقيبة ظهر سوداء اللون في منطقة يكتظ تجمع الناس فيها.

كان الأمر غريباً بل كان أيضاً محل للشك والذعر مما دفع مخفر المدينة لتوجيه دورية شرطة إلى هناك لتفقد الأحوال وتأكد بأن لا شيء يمس بأمن المواطنين.

في الحي الراقي وسط المدينة، بعيد عن ضوضاء المشاكل والنزاعات، على غير العادة كان هناك تجمع للسكان من الرجال والشبان، لا أحد يعلم ما السبب.

بل كان هناك تواجد لقوى أمنية كبيرة تحاول منع الناس من الاقتراب إلى مكان الواقعة.

بصعوبة بالغة تمكنوا من ذلك، وعلى بعد أمتار كان يجلس رجل وهو يرتدي درع واقي من الرصاص يحرك ادواته بهدوء وحذر.

يراقبه الجميع من بعيد ومرت دقائق ثم نهض من مكانه وقال محدثاً الضابط المسؤول: سيدي، الجهاز الخاص بكشف المتفجرات لم يعطي أي تحذير عن وجود مواد متفجرة، لكن اعتقد بأنها خدعة.

دس الضابط يده في لحيته الطويلة وقال له متسائلاً: وماذا علينا أن نفعل الآن، يجب أن نجد حل قبل انتشار الذعر والهلع في نفوس السكان.

قال له جازماً: نحن بحاجة لخبيرفي تفكيك متفجرات متخصص وذو خبرة عالية.

أومى الضابط المسؤول رأسه وقال سوف أجري اتصالات سريعة قبل تعقد الأمور أكثر.

وعلى الفور قام بالاتصال ببعض الجهات المسؤولة وأكثر نفوذاً، وأخبرهم عن خطورة الوضع وتلقى تأكيد بأنهم أرسلوا أكثر من يجيد تفكيك القنابل في البلاد.

وما هي إلا بضع دقائق حتى سُمع صوت دراجة نارية قادمة من بعيد تم فتح مجال لها من بين الحشود حتى تصل إلى وجهتها.

كان رجل في ثلاثينيات من عمره أسمر البشرة بشعر أسود ناعم، يرتدي بدلته العسكرية وقد شد وثاقه وظهرت عضلاته التي كانت واضحة.

كان يبدو عليه بعض الغرور ونظراته مليئة بالثقة و القوة.

ألقى التحية بشكل سريع على ذلك الضابط وسأله: أين هي؟

لم يتحدث الضابط معه إنما أشار بيده إلى الجهة التي توجد فيها تلك القنبلة.

واثق غير أبه بما قد يحدث معه سار نحوها، من دون أي تدابير حماية أو وقاية، كل ما كان يحمله هو قاطع للاسلاك وقطعة معدنية يستخدمها في عمله أيضاً.

الجميع حوله يراقبه بإعجاب واهتمام، يتأملون هدوءه وكان أحدهم يقول: كأنه لا يملك قلب ليشعر به!

ثم اقترب ذلك الجندي الذي تفحص القنبلة وقال لضابط يسأله: من يكون هذا؟

رد الضابط دون أن يزيح عينيه عن كل حركة وسكنة للرجل الذي وصل لتو: إنه أحد أبطال البلاد، أنا متاكد بأنك قد سمعت به من قبل.

سأل الجندي بستغرب: ما اسمه؟

أجاب الضابط وفي نبرته الكثير من الإعجاب: إنه أكثر شخص فكك قنابل وكشف عنها في البلاد هو يقوم الآن بتفكيك القنبلة رقم ثماني وتسعين.

فقاطعه الجندي يسأل: هل تقصد إنه الرجل الذي اطلق عليه الرجل الذي لا يموت؟

تبسم الضابط وقال: نعم، هو البطل الذي لا يموت.

سأل الجندي: من أين يمكتلك تلك الجرأة؟

قال الضابط: تراه يذهب إلى القنبلة دون أن درع أو تردد، تحسبه يذهب ليعانق حبيبته التي اطالت الغياب.

بينما كان ذلك الجندي غارق في عمله وكأنه الوحيد في المكان لا يسمع الضوضاء ولا أي تحذيرات.

وفي غضون بضع لحظات قطع السلك الفاصل بين القنبلة وجهاز التفجير وتمكن من السيطرة على الوضع بأكمله.

وبعد هذا حملها في يده متجهاً نحو الجندي الذي سبقه إلى المكان لكنه لم يفلح في تفكيك القنبلة وقال له مبتسماً: هذه قنبلة يدوية الصنع لكنها صنعت بحرفية عالية، يمكنكم العمل على الباقي الامور الآن.

سأله الجندي مستغرباً وقال: لماذا لم يكن الجهاز قادر على التقاط أشارة لوجود متفجرات داخلها؟

مد الخبير العسكري في المتفجرات تلك القنبلة التي انتزعها وأوقف تفجيرها ثم قال له: لقد وضعت طبقة عازلة من الرصاص تمنع أي جهاز بأن يلتقط تحذير أو أشارة عن وجد ما في داخلها.

أعطه القنبلة ثم تركه في مكانه مستغرب وانصرف، متجاهلا الجميع.

واعلنت الشرطة بأنه تم السيطرة على الوضع كي يطمئن السكان.

علت هتافات الفرحة والسرور بين الناس بهذا الإنجاز المهم الذي خلى من وقوع أي ضحايا.

أما هو فقد ركب درجاته النارية الضخمة مرة أخرى واتجه إلى مكانه المفضل حيث يرغب في الجلوس لوحده.

وهو يحدث نفسه قائلا: لم يعد هناك ما يرددني من الاقتراب لمعانقة الموت، كنت أظن الموت ينتظرني دائما لكنني أشعر بأنه يرفضني ولا يرغب في الاقتراب مني رغم محاولاتي للقاءه، لم تعد تغريني الحياة ولا تعني لي أي متعة سوا تفكيك القنابل.

وبعد السير بتلك الدراجة النارية لفترة من الزمن وصل إلى ذلك الشاطىء الثلجي حيث لا يوجد أي أحد مكان يخلو من الجميع الطقس بارد والهواء يجمد الأنفاس.

جلس يحضر مكان له، واشعل بعض الاعواد الخشبية التي جمعها من المنطقة المحيطة، وقام بتحضير كوب من الشاي الساخن ليدفىء به و يستعيد نشاطه.

سخن إبريق الشاي بدأ بالغليان غطى كتفيه العريضين بغطاء رقيق، جالسا وحده يتأمل المكان والطبيعة.

في مكان قريب كانت قد وصلت تلك الفتاة العشرينة إلى المنطقة.

وضعت حقيبتها الكبيرة والتي تبدو أكبر من حجمها، قدمليتها بكثير من الأغراض التي سوف تلزمها في رحلتها، فهي هنا لسبب معين وليست قادمة عبثا.

إنها مخرجة سينمائية تخرجت منذ فترة قصيرة وما زالت تبحث عن فرصة لتثبت نفسها، إسمها جيهان في منتصف العشرين من العمر، بشعر أسود يصل إلى منتصف ظهرها وبشرة سمراء صافية خالية من العيوب كما تحب الفتيات.

خلعت بنطالها الجينز العريض وبدأت تخلع قميصها أيضا، وأخرجت كريم من حقيبتها كي يحميها من أشعةالشمس الشتوية وهي غالباً ما تكون أكثر ضرر على بشرتها حسب اعتقادها

وهمت ترتدي ملابس السباحة الخاصة بها وهي تقول: ظنوا أنني لاأستطيع تنفيذ هذا التحدي مخطئون.

ثم ضحكت مع نفسها بسخرية ثم أضافت: سوف ترون من هي جيهان، و أسنانها تتضارب في ما بينها من شدة البرد

انتهت من تلك الاستعدادات وامسكت كاميرا أحضرتها معها، متجهة إلى أعلى تلك التلة التي كانت قريبة من حافتها

صعدت إلى أعلاها ثم ضبطت تلك الكاميرا التي كانت بحوزتها كي تسجل فيديو على ما سوف تقدم عليه، وهي تردد في نفسها: أرجو أن لا أكون قد أوقعت نفسي في ورطة.

نظرت حولها بثقة وهي تضع يدها على خصرها النحيل، ثم قالت: هذا الوقت المناسب، يجب أن أنفذ هذا التحدي المجنون.

وفجأة ضمت يديها واستجمعت قوتها بعد أن اخذت شهيق عميق من الهواء، وقفزت في فوق تلك الهضبة العالية تنزلق على الثلوج، وما إن لامس الثلج جسدها حتى شعرت بمدى التهور الذي أقدمت عليه، وكانت تشعر بالندم أيضا لكن الأوان قد فات على مثل هذا، فهي تتدحرج الآن كرة ثلج.

لم يكن بيدها حيلة فقد وصلت إلى ما هو الحال عليها، وزاد الأمر سوء بعد أن بدأت حرارة جسدها بالانخفاض تدريجياً، وأنها لم تعد قادرة على السيطرة بأي شيء بل زاد الوضع حرجاً عندما سقطت في تلك المياه الباردة.

نعم لقد سقطت في تلك البحيرة الجليدية لم تكن قادرة على تحريك أطرافها بل كانت تشعر بأن نهايتها قد اقتربت.

لم يكن بوسعها فعل شيء إلا أنها لمحت من بعيد رجل يجلس في المكان بدأت بالتلويح له والصراخ: النجدة، ارجوك ساعدني انا أغرق.

سمع صوتها منذ اللحظة الأولى، لكنه كان بارد أكثر من تلك المياه، ولم يحرك ساكن وأكمل ارتشاف الشاي الذي أعده لنفسه.

وغابت الفتاة عن الوعي وظنت أنها النهاية الابدية لها ولن تنجو منها.

إلا أن ذلك الرجل قرر أخيراً النهوض من مكانه لينقذها، ألقى نفسه في الماء، حتى وصل إليها بدأ يجر جسدها معه إلى البر الأمان ،وكأنه يسحب كيس من الذرة لا روح فيه، دون أن تتغير ملامح المتجهمة.

ألقاها على جانب البحيرة ممددة أمامه يتأملها وهي مغمضة العينين دون حراك، ثم حدث نفسه يتسأل: من تظن نفسها هذه؟

وحاول أن يوقظها بعد أن قام بتغطية جسدها البارد وقد تحول لونه إلى الأزرق لشدة برودته وكأنه صبغ بماء البحيرة بمعطفه المموه بألوان العشب.

ما هي إلا لحظات قليلة حتي استيقظت، نهضت من جانبها وتركها ليحضر لها كوب الشاي.

ولما رأته شعرت بالغضب وبدأت تتكلم بطريقة متخبطة: ألم يكن بمقدورك أن تسرع أكثر؟ ألست الجندي المسؤول عن مساعدة الناس من هذا الشعب؟

وضع كأس الشاي في يديها، ثم تركها وانصرف، بينما هي تكمل حديثها دون أن تلاحظ رحيله وهو لم يكن مهتم لسماعها أبدا ولا يعنيه أي شيء من كلامها.

بعد أن أدركت انصرافه عنها، اشتعلت من شدة الغيظ وكانت تنعته قائلة: ذلك المغرور يتعالى دون أي سبب، عديم الفائدة.

استجمعت نفسها ونهضت من مكانها وهي ترتدي المعطف الذي وضعه على كتفيها، عائدة إلى مكانها لترتدي ملابسها.

وبعد مدة من الوقت قامت بتدفئة نفسها ثم تجهزت جيهان وانطلقت ذاهبة إلى أصدقائها، تتفاخر أمامهم وقالت: انظروا لقد نفذت التحدي الذي اتفقنا عليه.

لكنها لم تنسى أن تحذف ما حدث معها بعد أن وصلت إلى البحيرة وقامت بتجزئة ذلك الفيديو كما يتناسب مع مصالحها، فهي لا تجد أحد أهم من نفسها أي كان ذلك الشخص.

قال لها زميلها راضي: أظن أنك تهذي يافتاة.

ردت عليه بتحدي ونبرة فيها مكر وقالت: انظر إذا إلى الفيديو قمت بتسجيل كل شيء.

تربعت علامات الدهشة على وجه راضي وأمل، ثم قالت لهما: هيا أعطوني المتفق عليه من هذا الرهان.

أخرج كل منهما مبلغ من المال وقالت لها أمل: لقد أنفقت أموالي على التحديات الخاسرة ضدك.

ضحكت جيهان منتصرة وقالت: لا تعرفون ما يمكنني تحقيقه بعد.

وفي خضم هذا الحديث، رأت جيهان السيدة نادين وهي المسؤولة عن قبول المخرجيين الجدد للحصول على فرصة في مجال العمل، وتقديمهم في بعض الأعمال، فالآن يتم التحضير لمهرجان سينمائي ضخم لدعم المواهب الشابة.

إلا أنها كانت لا تحب جيهان أبدا وتنظر لها بطريقة فوقية ودائما ما تردد كلمة: أنت فاشلة لا يمكنك النجاح في عمل كهذا.

تركت جيهان اصدقائها ركضت نحوها وقالت: سيدة نادين، هل فكرتي في أن تعطيني فرصة للذهاب إلى لندن؟

ردت عليها نادين بعجرفة دون أن تتوقف بل زادت من سرعتها في المشي وقالت: نعم فكرت.

شقت ابتسامة رقيقة شفتا جيهان وتتسلل إلى قلبها بعض الأمل، قائلة بحماسة: ماذا قررتي؟

توقفت السيدة نادين فجأة وقالت: لن تذهبي انتهى الأمر.


وانطلقت نحو مكتبها غير أبهة لما قد تكون ردة فعل جيهان نحوها.

لم تستطع فعل أي شيء سوى أنها قالت: اللعنة عليك أيتها المرأة السافلة.

بخطوات خائبة عادت إلى غرفتها في الفندق تجر معها أحلام خائبة بعيدة المنال.

رن هاتفها وإذا به ذلك الشاب الذي كانت تتحدث معه لفترة ردت عليه تسأله: ماذا هناك مروان؟

بنبرة حانية يحاول استعادة قلبها قال: أنا لم استطع تجاوزك، أرجوك دعينا نعيد النظر في علاقتنا.

ازداد عضبها وتأففت هي من الفكرة قبل تنفيذها وقالت: لا تبالغ، لم نقضي سويا إلا أشهر قليلة لا داعي للمزيد من الدراما المرهقة، كفى عن صناعة الوهم، كلامك هذا يشعل غيظي أكثر.

في تلك الأثناء نزعت عنها معطف الجندي المجهول ورمته إلى جانبها لكنها لاحظت وجود دفتر صغير وقع من جيب ذلك المعطف.

أنهت مكالمتها بشكل سريع وأمسكت الدفتر الغريب بيدها كان يبدو قديما بلون بني قاتم جلدي الملمس.

تأملته وآثار فضولها كي تعرف ما يخبئ بين طياته، فتحت صفحته الأولى وقرأت ما كتب في منذ البداية وكانت..

يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي