الفصل الخامس

وضعني" فطين" في خانة الاستجواب حتى يصل إلى سبب الخافي خلف تغير شخصيتي، ولكني أعلم أن الوقت مازال باكر على أخباره بالحقيقة.

أن أخبرته الآن عن شخصيتي الحقيقية سوف يعتقد أني أعاني من تأثير ما بعد الصدمة أو فقدت عقلي وأصبحت مجنونة.

جلس أمامه في صدمت أفكر في طريقة لإخراجي من هذا الفخ، ولكني لم أستطع التوصل إلى كذبة مقنعة.

لذا انسحبت بلباقة من جلسة الأسئلة وخرجت بعد أخباره بكل جرأة وخجل:
- سيدي لماذا أنت مهتم بحياتي إلى هذه الدرجة؟

- أظن لدي الحق في هذا الاهتمام.

- لماذا تظن ذلك!

- أولاً لأن مريضتي التي أعالجها منذ ثلاثة سنوات، وثانياً لأنك أصبحتِ تلميذتي الذكية الشغوفة بعلوم الطب فجأة.

- لماذا لا تظن أن سبب ذلك كان التعرض إلى صدمة قوية.

- صحيح أنك تعرضي إلى صدمات قوية نفسية وجسدية ولكن هذا التغير لن ينتج أبداً بسبب هذه الصدمات.

- سيدي سوف أفكر في الأمر حتى أصل إلى سبب هذا التغير، ولكن الآن يجب أن أذهب لدي موعد هام.

- سيدتي أظن أن حديثنا لم ينتهي بعد.

- سيدي أنت شخص لطيف جداً هل أعتبر هذه الأسئلة لأنك مهم تجاهي هل وقعت في حبي؟

- هذا اتهام باطل.

- لماذا هل تظنني ليست جميلة كفاية لك؟

غضب قائلاً بصوت مرتفع:
- لا تحاولين تغير الموضوع.

- سيدي العذر منك سوف أذهب الآن، ولكني سوف أعود من أجل مقابلتك غداً انتظرني.

- سيدتي سوف أنتظر مجيئك من أجل أخباري بالحقيقة في الوقت الذي يناسبك سأنتظر بهدوء من دون سؤال.

وتركته في حيرة من أمره وذهبت من أجل مقابلة هذا الشاب الأناني المغرور في الماضي والمستقبل؛ هذا الشاب الذي جرح قلبي مراً وتكراراً من أجل إشباع غروره.

دخلت المقهى الذي حدده مقابلة به هذا الشاب المغرور، وعند دخولي لمحته يجلس يحتسي القهوة عن بعد.

كان يجلس بالقرب من النافذة الخشبي الكبيرة، وأشعة الشمس الساطعة تسطع مباشرةً على وجهه الوسيم تجعله يشع نوراً.

بعد دقائق من التأمل في وجه المشع الوسيم لمح وجودي؛ لذا ذهبت إلى مبتسمة اسأله:
- هل تعيش حياة جيدة بعد إنهاء خطوبتنا!

- هل تلومني من أجل إنهاء الخطوبة؟

- هل يوجد أحد غيرك أستطيع إلقاء اللوم عليه؟

- فاطمة ماذا تريدين لماذا أردي مقابلتي اليوم؟

- أعرف أن أعرف لماذا أنكرت معرفتي وأنت تعلم أني خطيبتك السابقة؟

- لأنك من أراد ذلك.

- ماذا تقصد بذلك؟

- عندما ذهبت لمقابلتك في الماضية أنكرتِ معرفتك بي وأخبرتني أن أنهي هذا الارتباط وأن تقابلنا مرة أخرى لا تهتم بوجودي.

- لماذا أردت فك الخطوبة!
- لأنك مرتبطة بشخص آخر.

كانت تلك المعلومات تمثل صدمة إلي شخصيتي الحقيقية وصرت أفكر وأتساءل بغضب:
- فاطمة يا فاطمة هل حقاً أنتِ فتاة لعوبة كما يقال الجميع؟!

حتى قاطع" يوسف" تفكيري بسؤاله:
- فاطمة ما الذي حدث لكِ لماذا تغيرت شخصيتك هكذا!

حدقت به ثواني معدودة ثم قالت:
- يوسف أريد سؤالك شيء هام.

- تفضلي.

- هل تعلم عن شيء اسمه إنترنت؟

ظهرت الصدمة والتوتر على وجه" يوسف" كأنه يريد اخفاء آمر ما ثم قال:
- لا أعلم ما هو هذا هل هو شيء يأكل؟

- لا ليست طعام أنما حياة أخرى.

- لماذا تسألني هذا السؤال؟

- كنت أعتقد أنك شخص أخر يجمعني به شيء حقيقي، ولكنك لست هذا الشخص.

- من هذا الشخص الذي تبحثين عنه هل هو حبيبك؟

- لا أنه شخص احتاجه بشدة في هذا الزمن غريب الأطوار.

بعد فترة إحباط وحزن تركت" يوسف" وخرجت من المقهى، هذا الوقت كنت أشعر بحزن شديد كم كنت أتمنى أن يكون هذا الشخص هو نفس الشخص الذي أشتاق للقائه.

عودة إلى المنزل وجلست أفكر في حديث" يوسف" الغريب وتسألت:
- كيف هذه الفتاة لديها حبيب، ومنذ امتلك جسدها لم يظهر شخص بجورها هل يكذب" يوسف" أما هذه الفتاة لديها ماضي مريب.

وصلت المربية" بركة" إلى المنزل بعد مجيئها من السوق، وعند وصولها جاءت تسألني:
- مرحبا سيدتي هل أجهز الطعام الآن؟

- ليس الآن" بركة" أجلسي أريد التحدث معك في شيء هام.

- ما الأمر يا سيدتي!

- بركة هل دي حبيب؟

- نعم سيدتي لديكِ، ولكن هل لم تتذكري هذا؟

- كيف لدي حبيب ومنذ استيقاظِ لم أجد أحد بجواري دون والداي!

- لا أعلم يا سيدتي ولكن منذ فقدانك الوعي اختفى هذا الرجل قبل انتظار استيقاظك.

- هل تقصدين أني كنت مع هذا الرجل وقت فقدان الوعي ولكنه اختفى فجأة من دون اهتمام بحياتي؟

- نعم يا سيدتي هذا ما حدث.

- هل كان والداي يعلمان عن هذا الأمر؟
- نعم كانوا يعلمون عن حبيب يا سيدتي وحاول والدك الكثير أبعاده عنك ولكنه فشل بسبب تعلقك به.

- لماذا لم يبحثون عنه وسألوه عن سبب فقداني الوعي؟

- والدك كان سعيداً جداً لأنك لم تذكره عند استيقاظك ووقفتي من دون اعتراض على السفر معهما دون السؤال عن هذا الرجل.

- لهذا والدي لما يهتم عن سبب قربي من الموت عندما كنت أتسكع مع هذا الرجل.

- أظن ذلك يا سيدتي.

- حسنا اذهبي أنت لأعداد الطعام.

- أمرك يا سيدتي.

جلست أفكر في هذا الرجل الذي كانت تعشقه" فاطمة" بجنون إلى درجة تجعلها لا تهتم بأوامر والديها، والمبادئ، والأخلاق، وقامت باللحاق به دون التفكير بعقلانية:
- هل هذا الرجل كان سبب موتها! هل هو من قتلها لذلك هرب بعيداً ولما يظهر مرة أخرى؟

هذا الوقت كان عقلي مثل عداد المفجر الذي يوشك على الانفجار من كثرة التفكير؛ كانت حياة" فاطمة" بالنسبة إليِ كاللغز المخيف الذي كلما أكشط طبقاته يصبح أعمق واغمق.

ثاني يوم في الصباح الباكر ذهب إلى مستوصف الفطين حتى أبداً أول يوم عمل رسمي مع الطبيب المعالج" محمد بن سليمان" بالطبع بعد معاناة كبيرة في إقناعه بالعمل لديه.

هذا الرجل الذي يمتلك عقلية فكرية معقدة رغم علمه الكبير، ومجاولة العالم في البحث عن الأمراض النادرة والفريدة من نوعها.

هذا الرجل الذي لا يؤمن بالمرأة أحاول محاربة عقليته وأفكاره المعقدة بموهبتي واجتهادي في المجال الذي يعشقه بجنون أكثر من أي شيء آخر في الحياة.

عند وصولي إلى مكتبه الخاص طرقت الباب، وعند سماع صوته يخبرني:
- أدخل.

فتحت الباب ودخلت وجدته يجلس على مكتبه يفحص يد الأعشاب واليد الأخرى الملخص الذي قام بتأليفه بعد تجربة الكثير من الأعشاب والخلطات.

وقفت دقائق معدودة أتأمل اجتهاده الملفت بسعادة حتى رفع عينيه تجاه يسألني بجدية:
- لقد جئتِ حقاً.

- لقد أخبرتك أني سأبدأ العمل في هذا المكان لذا لا تحاول إبعادي لأنك لن تستطيع تنفيذ ذلك.

- سوف نري.

دخلت وجلست على المقعد المقابل من مكتبه؛ جلست أتأمله بهدوء ليس مثل معجبة مغرمة، ولكن كطالبة تتشوق للتعلم من معلم موهوب.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي