7

استجمعت ميرا ما لديها من قوة، وهمت للذهاب كي ترى والدها، بخطوات ثقيلة ومتعبة كان تخطو وأفكار كثيرة تدور في رأسها.

ثم وصلت إلى القسم الذي يقبع فيه والدها، وعندما اقتربت أكثر رأت ديمة تجلس على كرسي الانتظار خارج الغرفة.

هذا الأمر آثار غضب ميرا وانفعالها، انتفضت نحوها تقول لها ألم تذهبي بعد؟ لماذا تصرين على البقاء!

لم تتكلم ديمة بأي شيء بل انصرفت عن وجه ميرا كي لا يحدث مثل يوم أمس


اقتربت ميرا من زجاج الغرفة التي ينام فيها والدها، تطلعه بحب وحسرة وعيناها مليئة بالدموع على حال والدها المسكين.

وظلت تراقبه طوال الليل، حتى غفيت عيناها وهي تنتظر أن تراه يفتح عيناه ويناديها.

وما إن حل الصبح، واشرقت الشمس، حتى سمعت ميرا صوت ضعيف متقطع يناديها: يا .. ابنتـ ـي.

نظرت ميرا حولها تبحث عن الصوت وهي لم تدرك ما يجري من حولها، وما إن نظرت إلى والدها حتى رأت عيناه مفتوحها وهو ينظر لها يتأملها.

انتفضت من مكانها وصرخت: حضرت الطبيب، اين انت ايتها الممرضة؟

ركضت في ممر المشفى الطويل وهي تقول: لقد استيقظ أبي.

سمع صوتها أحد الممرضين المناوبين من ليل أمس وذهب معها ليرى والدها.

واذا به قد استيقظ حقا، لم يسمح لها بالدخول بل بقيت عند الزجاج مرة اخر خارج هذه الغرفة الباردة.

تم استدعاء الطبيب الذي يتابع حالته عن كسب، وقام بأعداد بعض التقارير وطلب بعض التحاليل المهمة.

وثم خرج ليقول لميرا: والدك في حال افضل الآن، وسوف نقوم بنقله لغرفة عادية خلال ساعة من الآن.

فرحت ميرا جدا بما سمعته وقاله الطبيب، ثم قالت له شاكرة: أنا ممتنة لك أشكرك حقا.

ثم أضاف الطبيب: لا عليك هذا عملي، ثم إننا لم ننهي عملنا بعد.

بدا الاستغراب واضحاً على وجه ميرا وسألت: ما الذي تعنيه حضرة الطبيب؟

تنهد وقال: هناك بعض التحاليل لم نتأكد منها، ولدي شكوك فيها.

لم تفهم ميرا ما قصده الطبيب وقالت: هل يمكنك الشرح أكثر؟

رد عليها: ليس الان عندما تخرج الفحوصات سوف أوضح لك كل شيء لا تقلقي، الآن اذهبي وانتظري خروج والدك.

كانت ريبة قد تسللت لقلب ميرا، لكن هذا لم يمنعها من الفرح باسيقاظ والدها بعد غيبوبته، وأفضل ما في الأمور أنها لم تكن لمدة طويلة .

في مكان آخر كان ريان يستعد مع صديقه ياسر من أجل العمل في ذلك الفندق.

وصلوا إلى المكان بملابسهم العادية فطلب منهم الشخص المسؤول عن تنظيم الحفل أن يرتدوا تلك البدلات السوداء كما هو حال جميع العاملين يكون الزي موحد.

في غرفة تبدل الملابس كان ريان يقول لياسر ساخرا: يجب علينا ارتداء زي موحد حفظا على المظهر العام.

ضحك ياسر من تعليقات ريان وقال له: إن كنت لا ترغب بهذا يمكنك العودة إلى البيت لم يبدأ العمل بعد.

رد عليه ريان بنبرة مستنكرة: هل تعلم منذ متى لم ارتدي زي موحد مع أحد؟

سأله ياسر: منذ متى!

قال ريان: منذ كنت في المدرسة مع اولاد الحي، حتى أنها كانت غريبة تخيل لقد كان لو البنطال أخضر والقميص بلون برتقالي.

ثم أكمل ريان كلامه ساخرا من نفسه: كنت أظن نفسي شجرة برتقال..

دمعت عينا ياسر من كثرة الضحك وقال له: اجمل ما فيك حس الدعابة الذي تمتلكه، إنك رهيب يا رجل.

قال ريان له: دعك من الضحك الآن ودعنا نذهب لنبدأ ونرى ماذا لدينا من أعمال واشغال.

أومأ ياسر رأسه وقال: يجب أن يكون العمل على أكمل وجه لأن الضيوف جميعهم من الطبقة المخملية.

و هم الصديقان نحو عملهما كل منهما في مكانه، يرتبون الطاولات و يقومون بتنظيم الديكورات والأشياء المتعلقة بالزينة والإضاءة.

و حتى الأمور في المطبخ يجب التأكد بأن كل شيء كما يجب حتى لا تحدث بينهم عثرات في ما بعد عند وصول الناس وتوافد الضيوف.

كان ريان يستمتع بعمله كما اعتاد في كل مهنة لم يكن يرى الأمر مهمة ويجب أن تنتهي فقط.

على العكس كان يتحدث و يمزح مع الناس الموجودة في المكان، ولم يكن لأحد القدرة على رفض نكته المضحكة حقا، لقد كان سلس التعامل سهل الطباع.

وبعد أن أصبحت الساعة السادسة مساءً بدأ الناس يتوافدون تباعاً إلى المكان.

ريان وصديقه يراقبون حركات الضيوف وسكناتهم وحتى أن ريان كان يتأمل كل شخص من أخمص قدميه حتى شعر رأسه.

حتى أنه لاحظ تمزق صغير في حذاء إحدى السيدات فقال لياسر صديقه: لقد انفقت تلك المرأة كل ما تملك على طلاء وجهها، يا للمسكينة لم يبقى معها ما يكفيها لتشتري فيه حذاء

حاول ياسر ابتلع تلك الضحكة التي كادت تخنقه وقال: أرجوك كف عن الثرثرة كي لا نطرد من العمل أمام هذا الحشد الكبير من الناس.


استمرت تلك الأمسية بهدوء ودون أي ثغرات، لكن لم يخلوا الأمر من شرب بعض الكؤوس من العصير والمشروبات، وأجمل ما كان في هذا الأمر هي تلك الأموال التي يضعها الأثرياء في يد ريان وغيره من الأشخاص الذين يعملون أيضاً.

لم يكن الحظ ليحالف ياسر مع أحد من الاشخاص الثرية الموجودة.

كان ريان يضحك ويضع تلك الأموال أمام ياسر، ويقول له: كم أصبح المبلغ الذي حصلت عليه انت إلى الآن؟

لم يكن ياسر ليرد على تهكم ريان ولا أي شيء، ثم ترك ريان صديقه في المطبخ وخرج عائد إلى عمله.

إلا أن ياسر كان غاضب من مزاح ريان الثقيل وهو لم يعتد عليه هكذا.

لم يتمالك نفسه وبدأ يشرب بعض المشروبات الكحولية أو " الروحية" كما يحب أن يسميها كي يكفر عن ذنبه الذي ارتكبه.

شرب ياسر بشكل مفرط حتى تخدر عقله وغيب تماماً، ولم يعد قادر على السيطرة على نفسه.

نهض من مكانه يمشي متمايلا يمين ويساراً، ولا يلقي بثقله على الجدران.


كان خارج إلى القاعة التي مازال الضيوف فيها وهو يصرخ: ريااان، ريان من تظن نفسك؟!

وبسبب صراخه العالي، بدأت تهدأ ضوضاء حديث الناس ليروا ما سبب ذلك الصراخ.

بينما كان ريان منشغل في عمله غارق في اضحاك الناس والاهتمام بطلباتهم، وصل له صراخ صديقه ياسر، لقد كان الأمر مفاجأة بالنسبة له.

استغرب ريان وقال محدث نفسه: ما الذي أصابه، ما سبب حالته هذه؟

ركض نحو ياسر يريد أن يبعده عن المكان قبل أن يزداد الأمر سوء.

إلا أن ياسر نفض يده من بد ريان وقال له: دعني، لما أنت خائف هل تخشى أن يعرف الناس حقيقتك؟

ثم ضحك ساخر وقال: نعم يجب أن تكون أنت الشاب البطل، المحبوب بين جميع الناس.

الضيوف تراقب مستغربة لا أحد يفهم ما سبب ذلك الخصام الذي نشب بين الشبان.

ثم قال ياسر: تحاول أن تدعني أرى حياتي من دون أن تكون إلى جانبي غير ناجحة ولا يمكنني أن أصل إلى أي شيء من الأمور التي اطمح به.

لم يكن ريان يدري بأن صديقه يشعر بالضيق من كل تصرفاته التي يقوم بها، ظنن منه أن كل ما فعله مساعدة لا أكثر.

بعد صراخ وعراك دار بينهما تدخل الشرطة المسؤولة عن أمن المكان وقاموا بسحب ريان وياسر إلى خارج الفندق ورميهم في الشارع.

تأفف ريان وقال لياسر الذي لا يدرك ما الذي يحدث: هل أنت سعيد بحالنا الان؟

رد ياسر بتقطع بين كلماته: لن يكون اسوء من الحال الذي أعيشه.

لم يكن لدى ريان خيار آخر سوى أن يعود مع ياسر إلى البيت فقال له: هيا بنا للنعود.

رد عليه يسأله ياسر: إلى أين؟ لن اذهب معك إلى مكان سوف ابقى هنا.

أدرك ريان بأن الكلام لن ينفع مع ياسر فقال له: أنا آسف يا صديقي..

وقبل أن يسأله ياسر: على .. ؟

كان ريان قد باغته بلكمة قوية اسقطته ارضا بدون أي حركة او سكنة.

تنهد ريان بعمق وقال: لم تترك لي أي خيار اخر يا صديقي.

واقبل يحمل صديقه عن الأرض ووضعه على كتفه، عائد به إلى البيت.

وبعد أن سار في الطريق يحمله وصل أخيرا، لسوء حظه لم يجد سيارة توصله إلى وجهته لذا كان من الضروري أن يبقى حامله على كتفه.

وما إن وصل حتى ألقاه على سريره وهو يلتقط أنفاسه المتقطعة وقال ريان: لم أكن أعلم بأنك ثقيل لهذه الدرجة.

ونام ياسر طوال الليل وقد على شخيره ووصل إلى رأس ريان الذي لم يكن قادر على نوم بسببه.

بعد أن شقت الشمس طريقها إلى وجه ياسر بدأ يستيقظ، وما إن نهض قليلاً شعر بألم في راسه وكأنه سوف ينفجر.

لف ناظريه ليرى أين هو، وقال: البيت!؟ متى أتيت إلى هنا؟

نهض من فراشه لم يستطع فسقط مرة أخرى، في تلك اللحظة سمع ريان الصوت ونهض يتفقد الوضع ليجد ياسر ساقط على الأرض.

رماه بنظرة لا مبالاة ثم تركه منصرف عنه، قال ياسر: ما الذي حدث يا ريان؟

متى أتينا إلى البيت وكبف وصلت إلى فراشي؟

لم يجبه ريان على أي شيء من تلك الاسئلة، تبع ياسر صديقه وقال له: لما لا تجبني؟

قال ريان دون أن ينظر له: أخشى أن يزعجك كلامي، يااا صديقي.

لم يفهم ياسر ما يعني فقال: ما قصدك في هذا يا ريان، هل يمكنك أن تكون واضح أكثر لعلي أفهم ماذا تعني؟

قال ريان له: لا داعي للحديث لقد قلت كل ما لديك في الأمس، ويبدو لي بأن كل ما قمت به في سبيل بقائنا معنا ومساعدتي لك في وضعك السيء كانت عبء عليك ليس إلا.

وهنا بدأ ياسر أن يستوعب ما جرى في ليلة الأمس، لأن أخر ما يتذكره هو تلك اللحظة التي بدأ فيها بشرب.

يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي