18

بعد دقائق من ذهاب ريان وكاتيا، كان القلق مسيطر على ياسر، يتخبط يمين ويسار مشتت حائر الفكر.

وفجأة قطع ذلك الشتات صوت طرق الباب، انتفض ياسر فزع وهم يفتح الباب بسرعة ليرى من الطارق.

وما إن فتح الباب حتى وجد فراس واضع المسدس في رأسه فورا وقال: أين ذلك الوغد وتلك الساقطة التي معه؟

ابتلع ياسر ريقه الجاف، لم يكن يعلم ماذا يقول وأين يهرب من هذا المأزق الخانق الذي أوقع نفسه فيه.

قبل ساعة من الآن..

بعد أن علم ياسر بأن ريان مطارد من مسعود وجماعته قرر أن يستغل الفرص الثمينة التي طرقت باب بيته دون اي مجهود منه.

وهذا ما حدث فعلاً، بعد أن وجد فرصة مناسبة ترك ريان وخرج إلى شرفة المنزل وحاول الإتصال ببعض الأشخاص الذين يعرفهم يعملون مع مسعود.

لكن أحد لم يجبه، إلا أنه لم ييأس من الأمر وقرر إرسال رسالة كتب فيها: " ما تبحثون عنه في أمان معي"

بعد برهة من الزمن لاحظ الرجل تلك الرسالة وقرأها وعلم بأن الأمر يتعلق بريان والفتاة التي معه.

أخبر فراس بالأمر وقال: لقد وصلتني هذه الرسالة من احد المعارف لي في المدينة.

قال له فراس: اتصل به بسرعة وافهم ما هو الأمر الذي يخفيه وما يقصد في كلامه؟

وعلى الفور اتصل الرجل على ياسر، إلا أنه لم يجبه فقد كان في تلك الاثناء يطالع ريان وكاتيا تنظف جروحه.

إلا أن ياسر لاحظ المكالمة، فكتب له رسالة أخرى" لا يمكنني الرد ماذا هناك"

كتب له الرجل" أريد التحدث معك بشكل ضروري"

شعر ياسر بمدى اهتمامهم بالأمر المتعلق بما يخفيه، لذا أنصرف إلى الشرفة مرة أخرى بلحظة خاطفة غابت فيها عين ريان عنه.

اتصل به وقال: ما بك يا هذا؟ قل ما لديك بسرعة؟

أجاب الرجل: ماذا تعني بتلك الرسالة التي كتبتها؟

قال ياسر بنبرة ساخرة: اعطيني سيدك الذي تتبع له كي نتفاوض.

في تلك الاثناء كان فراس يسمع ما يقوله ياسر فحدثه وقال: تحدث يا هذا ماذا يوجد لديك؟

قال ياسر بنبرة ثقة: لدي ما تبحث عنه وتجوب الشوارع من أجله في هذا الليل الدامس.

صك فراس أسنانه وقال: قل ما لديك بشكل واضح.

قال ياسر بثقة فهو يعلم ماذا يخفي وما يمكن أن يكون المقابل: قبل ان تعلم ماذا لدي، اخبرني ماذا سوف يكون المقابل له.

تأفف فراس وقال له: بدون شروط لك ما تريد، تكلم الآن قبل أن افقد أعصابي.

في تلك اللحظة تحدث ياسر بكل ما لديه ووشى بصديقه فقال: ريان والفتاة في بيتي.

استغرب فراس حينها وقال: كيف علمت أننا نبحث عنهم.

رد ياسر: ليس مهم هذا الأمر الآن، ما يجدر بك معرفته أنهم في بيتي إن كان يهمك الأمر تعال آلان كي تأخذهم، قد يغادروا في أي لحظة.

رد عليه فراس: كن حريصاً على عدم مغادرتهم حتى أصل إليك.

انتهت تلك المكالمة وفيها مخطط جديد كي يتم من خلاله الإيقاع بريان وكاتيا.

إلا أن ريان كان فطن ومنتبه لكل التفاصيل التي جرت حوله، وعلم بأن مكيدة ما تحاك ضده، وتصرف بسرعة واتخذ قراره في المغادرة الفورية.

بالعودة إلى فراس الذي كان يقف أمام الباب وقد أشهر السلاح في وجه ياسر ثم قال له: أين هم؟

رد عليه ياسر وهو يتأتأ بكلمته وقال: لا ادري ماذا أقول لك، لكنه لم يعد موجود هنا.

قام فراس بدفع ياسر إلى الداخل وقال له: هل تظن أنني اخرق يا هذا، كيف اختفى في غضون دقائق.


أجابه ياسر متوسلا: صدقني بعد ان قمت بأخبرك عما حدث لم اكن لأعرف كيف اختفى.

ثم أكمل يقول: حتى أني كنت أنوي اللحاق به لكنني لم اتمكن من هذا أيضاً، وخشيت أن تظنني قد هربت منك.


صفعه فراس عدة مرات، فهو لم يكن مصدقا لكل تلك الرواية التي قصه عليه.

ثم قال فراس محدثاً ياسر: هل تعرف عقوبة من يقوم بخداعي، إنها غالية جداً لا يمكن لك أن تتوقع كم سيكلفك تصرفك الغبي هذا.

ثم أشار لأحد رجاله الذي هم معه، واستدار عائداً إلى عمله.

اما ذاك الرجل فقام برشق ياسر عدة رصاصات من مسافة قريبة جداً، وبهذا السبب والفعل قتل ياسر.

بعد أن انتهت المهمة قاموا بالمغادرة بشكل فوري قبل أن يلاحظ أحد ما وجودهم في المكان أو يتمكن من التعرف عليهم..

أما ريان فقد ابتعد مجددا عن المنطقة بشكل لا بأس به، ووصل إلى أطراف مدينة أخرى.

وعلى أحد الأرصفة كان هناك كرسي خشبي، تركت كاتيا يد ريان وقالت له: أرجوك لست قادرة على التحمل أكثر، اريد قسط من الراحة كي استعيد أنفاسي
.

تركها ريان تفعل ذلك فقد علم تعبها، ثم جلس بجانبها.

وضعت كاتيا يدها على خدها وتتنهد ثم قالت: إلى متى سوف نبقى على هذه الحال؟

سألها ريان: عن اي حال تتحديثن؟

قال له كاتيا وهي تطالعه متعجبة: هل ترى بأن حالنا هذا أمر طبيعي؟ وما حدث معنا من قتل وضرب ثم هرب كان أمر اعتيادي لا يستحق الريبة حقا.

قال ريان بتأمل: كل شيء يحتاج لبعض الوقت كي يستعيد توازنه، لا تجري الأمور بهذه السرعة، لكن هذا سوف يمر وينتهي كوني واثقة.

أومأت كاتيا رأسها وقالت بنبرة حزينة: نعم سوف يمر، لكن هل تعلم كم سوف يأخذ من طاقتنا وتعبنا وعافية اجسادنا ؟ كم ندية سوف يترك خلفه في الروح والجسد والناس من حولنا.

لم يكن لدى ريا ن ما يقوله فهو يعلم بأن كلامها صحيح، وكل مشكلة تكون أصعب، رغم كل تلك التسهيلات التي يدعونها.

ثم سألته كاتيا: إلى أين سوف نذهب الآن؟ احتاج لقسط كبير من النوم والراحة بعد هذه العناء.

قال ريان: هذه حقك كل مرة أظن أنها النهاية لكن تحدث كوارث جديدة.

ثم أضاف: لن نذهب مع أحد بعد الآن، سوف نبحث عن فندق قربب في المكان و نقيم في لمدة من الزمن ثم نعود بعد انقضاء مدة معينة تكون قد انتهت بعض القصص.

قالت كاتيا موافقة الراي: هذا أفضل ما يمكن أن أفعلع في هذه الاثناء.

ثم بدأو رحلة البحث عن فندق يقيمون في ليلتهم، رغم أنهم لم يكونوا يملكون الكثير من الأموال حتى.

ولكن لا خيار أخر يجب أن يجدا مكان يأويهم من بطش الذي يبحثون عنهم ولا يقوم أحد بأخبار مسعود.

وفي إحدى الشوارع الضيقة ذات الطابع الكلاسيكي انتبه ريان لوجود مبنى كبير في المكان موجود، وكان وأضح بأنه فندق.

قال ريان لكاتيا: سوف ندخل الآن وفي حال تم سؤالنا عن حالنا از العلاقة تجمعهم.

ردت عليه كاتيا:. أين المشكلة نحن اصدقاء نقوم بمساعدة بعضنا البعض.

ضرب ريان بيده على رأسه وقال: ما تقولينه سوف يزيد الأمر تعقيدا اكثر.

قلبت كاتيا شفتها إلى الاسفل كالاطفال، تحتاج أن تفهم النوضوع بشكل أوضح.

فقال لها ريان: سوف اتدبر الأمر لا تقلقي لكن وافقين في كل ما أقوله.

حاول ريان إخفاء الاعياء الذي يعاني منه، وطلب من كاتيا تحسين مظهريها وترتيب شعرها بعض الشيء.

وفعلت ذاك دون أي سؤال، فهي وافقتوعلى تنفيذ كل ما يطلب ريان دون أي استفسار.

أمسك يدها ودخلا الفندق معا، استقبلهم الموظف النوجود وقال لهم: أهلا وسهلا بكما، تفضلوا؟

قال ريان: نريد غرفة.
سأله الموظف: تريد غرفة واحدة فقط؟!

قال ريان: نعم.

طالعته كاتيا بغرابة، لكنها لم تقل اي كلمة وحافظت على هدوءها.

أضاف الموظف: حسنا، المبلغ هو مئة وخمسون.

شعر ريان بالخجل فهو لا يملك هذا المبلغ كاملاً، فأخرج ما كان في جيبه من أموال، وبعد ان قام بعدها كانت سبعون فقط.

لاحظت كاتيا الأمر سريعاً وقامت على الفور بإخراج ما في جيبها أيضا، وأكملوا المبلغ المطلوب دون أن يلاحظ الموظف اي شيء.

وبعد ان سجلوا بأسماء غير أسماءهم، للضمان والسلانة من أي أحد قد يتبعهم.

أخرج الموظف مفتاح الغرفة من الدرج وقال لريان: تفضل سيدي هذا مفتاح الغرفة رقمها ثلاث مئة وثلاثة.

على الفور دخلوا يبحثون عن غرفتهم فهم في حاحة ماسة لقسط من الراحة فهم يشعرون بكثير من التعب، لقد كان وقت طويل ومضني لهم حدثت معهم الكثير من المصائب في مدة زمنية.

إنه وقت لم يسبق له مثيل يحاول المرء أن يكون جيد في مستنقع من الوحل.

لن يحدث هذا ولن يكون جيد أو نظيف حتى يخرج من هذا المكان الذي يعيش فيه.

عندما يتنمي لمكان لا يشبهه وبيئة لا تناسبه، يرتكب خطايا صغيره قد تكون في البداية.

لكنها لن تبقى كذلك فبعد مرور فترة زمنية سوف يزداد الوضع سوء والخطايا الصغيرة سوف تكبر وتتفاقم.

لربما تصبح جريمة أو فعل شنيع، يعود بالضرر على المرء نفسه قبل المجتمع والعائلة.

والاسوء من كل هذا أن الخلاص لن يكون بالأمر السهل ويتطلب الكثير من التضحيات والتنازلات حتى يستطيع أن يعود لطريقة قد تشبه ما كان عليه في السابق، وليست طريقة كاملة كما كان..

يتبع .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي