20

الصراع الذي يعيشه الإنسان وحيد مؤلم جداً، في حين يتمنى وجود أحد معه لكنه لا يجد سوى من أحبه بصدق دون أي مقابل.

تجلس ميرا بجانب والدها تراقب تغير حالته بشكل تدريجي كل ما طال الوقت الذي سرى فيه الدواء في أوردته.

بدأ يصبح شاحب اللون، وظهرت هالة سوداء حول عينبه، تقطب حاجبيه من الألم الذي يحاول أن يخفيه، لكنه كان ضعيف أمامه وملامحه متغيرة تتبدل بين اللحظة والآخرى.

لا يدري على أي جهة يريح نفسه، كل الطرق تجعله مضطرب ومتألم.

وميرا تحاول ان تدعم والدها ببعض الكلمات: انا هنا من أجلك لا أريد أن تستسلم فأنا بحاجتك، كن قوي كل شيء سوف يزول والألم سوف ينتهي.

مر الوقت طويلاً ثقيلاً على ميرا ووالدها، لكنه انتهى اخيرا، لكن عاصم كان قد فقد الوعي من شدة التعب والاعياء الذي أصابه نتيجة تلقي الجرعة.


كانت ميرا تشعر بالقلق والذعر عند ما رأت حال والدها، فسألت الطبيب وقالت: أرجوك اخبرني، ما الذي حصل؟

قال الطبيب مجيبا: لا تقلقي كل شيء على ما يرام، يجب عليه أن يرتاح الآن وهذا الأمر متوقع، فهذه المرة الأولى التي يأخذ فيها هذا النوع من الدواء.

ثم أكمل قوله: وهذا دواء من العيار الثقيل لذا ينهك الجسم منه ويصبح ضعيف بسبب الآثار الجانبية، لكن كل شيء سوف يصبح على ما يرام لا تقلقي.


بقيت ميرا تنظر لساعات طويلة تحسن حال والدها، وبعد ما يقارب الخمس ساعات، بدأت اعراض جديدة تظهر على والدها..

وأولهم الغثيان والاقياء، تدخل الأطباء وحاولوا مساعدته كي يكون هناك مضاد لما يحدث، لكنه بقي يقول الطبيب أنه امر طبيعي واعتيادي.

وبعد فترة من الزمن بدأ حال عاصم يستقر بشكل تدريجي، ويتحسن حاله.

طوال الوقت لم يخطر في بال ديمة الإتصال والسؤال عن زوجها أبدا.

وبعد ان تحسن حاله سمح الطبيب له بالمغادرة مع إمكانية العودة في اي وقت، وتم تحديد موعد للجرعة الثانية من العلاج بعد شهر من الآن.

ثم عاد عاصم مع ابنته التي لم تتركه ولا للحظة واحدة، إلى بيتهم، لقد كان يقود السيارة مرغما فهو الوحيد الذي يمكنه ذلك، ويجب أن يعود إلى البيت.

عند وصولهم كانت ديمة في الصالة قالت: لقد عدتم؟ كيف كان الوضع؟!

لم تجب ميرا على سؤالها وتجاهلتها، أما عاصم لم يكن قادر على الإجابة أصلا دخل غرفته والقى نفسه على سرير كي يرتاح.

وما إن دخلت ميرا غرفتها حتى دفعت ديمة الباب وقالت: هل تظنين نفسك قادرة غلى فعل ما تريدين في هذا المنزل؟

أجابت ميرا وقد عقدت حاجبيها: من تظنين نفسك حتى تدخلي على غرفتي بهذه الطريقة وتقتحمي خصوصيتي؟

قامت ديمة بأمساك ميرا من يدها وشدتها بقوة وقالت: أنا سيدة هذا البيت أفعل ما يحلو لي.

نفضت ميرا يدها منها وقالت: لن يدوم الأمر هذا طويلاً وسوف تغادرين في وقت قريب.

ضحكت ديمة وقهقهت، ثم قالت لها: فترة صغيرة وسوف يموت والدك، ولن تبقي هنا بعد رحيله.

صعقت ميرا من كمية الوقاحة التي كانت في كلام زوجة أبيها، وقالت: لا تمدين للانسانية بصلة، عديمة الرحمة.

ثم أكملت ديمة وقالت: والدك يستحق الشفقة.

هنا اشتعلت ميرا غضبا، وقامت بدفع ديمة للخارج وهي تصرخ قائلة: اخرجي من هنا لا أريد رؤيتك اغربي عن وجهي.

وما كان هذا إلا خطة من ديمة حتى تذهب الى زوجها عاصم وتشتكي له عن الفعل الذي قامت به ابنته ميرا.

دخلت ديمة على غرفة عاصم وقالت وهي تدعي البكاء تعتصر دموعها : هل تسمع ماذا تقول ابنتك؟ هل يرضيك كلام مثلا هذا؟

نهض عاصم من فراشه وهو مذعور، ظن منه بأن سوء قد حدث وسألها بلهفة: ماذا جرى؟ ماذا حدث؟

صرخت ديمة بغضب: ابنتك المصون التي تحبها وتدعي اهتمامها فيك قالت بأنها لن تدعني اسكن في هذا البيت بعد موتك.

توسعت حدقتا عاصم وكان مصدوم من الكلام الذي سمعه من ديمة عن ابنته، فهو يعرف جيدا كم تحبه وأنه الشخص الوحيد الباقي في حياتها.

فرد عليها غاضباً: إن كنت لا تحبين ميرا هذا لا يدعي بأن تألفي وتلفقي لها تهم وتزوري كلامها.

وضعت يدها على خصرها وقالت ديمة: هل تعني بأنني أكذب؟ أم أن ابنتك تحبك أكثر مني؟

قال عاصم لها: لم أقل لك بأنك كاذبة كل ما تحدثت فيه بأن ابنتي ليست من هذا النوع ولن تقول مثل هذا.

فقالت له: اذهب واسالها ولكنها لن تستطيع مواجهتك والحديث في أمر مخجل، إنها تتمنى موت والدها كي تعيش حرة طليقة كما يحلو لها بدون حسيب أو رقيب.

تركها عاصم على حالها من الغضب والحزن الذي تدعيه، وذهب إلى ابنته يتفقد حالها.

وما إن غادر عاصم الغرفة حتى ظهرت على وجهها ملامح المكر والخداع والابتسامة الخبيثة التي تخفي خلفها تلك النوايا التي تسعى وراء تحقيقها وتنفيذ مخططاتها.

أما ميرا فقد كانت تبكي بحرقة وضعت وجهها بين كفيها زاجهشت بالبكاء كل ما تكررت كلمات ديمة في مسمعها: لن يعيش والدك لوقت طويل سوف يموت قريبا ولن اتركك تعيشي كما تريدين..

دخل والدها رأها بتلك الحالة جلس بجانبها يطبطب علبها وقال لها: ماذا حدث يا ابنتي؟

ردت عليه ميرا وقالت وهي تحاول أخفاء اثار الدموع عن عينيها: لا أبي لم يحدث أي شيء، ألم تكن نائم؟ ما الذي جعلك تستيقظ الآن؟

قال عاصم لبنته: عزيزتي، الموت حق وحين يكتب الله لي أن أموت وينتهي الأجل في هذه الدنيا ، لا تظلمي أحد ولا تتكبري على أحد، و من كان له حق يجب أن يأخذه أو سوف يكون ذنب المظلوم في عنقك إلى الأبد.

لم تفهم ميرا معنى هذا الكلام فقالت له: ماذا تعني يا ابي؟ ما سبب هذا الحديث الآن؟

تنهد الأب وقال لها: أنا متعب والمرض يسري في جسدي لذا لا داعي أن تستعجلي الأمور، لكن رجائي منك أن لا تكوني عدوة ديمة، رغم معرفتي بأنك لا تحبينها، لكن أرجوك افعل هذا من أجلي.

فهمت ميرا بأن ديمة اختلقت كلام يناسب هواها وأخبرت به عاصم، لكن المهم لديها صحة والدها وتلك التي تعبث في الخفاء سوف تجد حل لها في أسرع وقت ممكن.

لذا اختصرت الحديث وقالت له: حسنا يا أبي كما تريد نحن سوف نكون كما تريد، وبالنسبة لي كلامك هذا سوف يكون لا مرد له ويتم تنفيذه حرفيا، ولكن كل ما أريده هو أن تكون أنت بصحة جيدة وتهتم حقا بنفسك، مهما كان الحال.

أومأ الأب رأسه وقال: حسنا يا ابنتي، الآن سوف اذهب لارى ديمة ما حالها.

وانصرف عاصم إلى زوجته وقال لها: لقد تحدثت مع ميرا وهي تفهمت ما قلته بالضبط وسوف تكون مطيعة للأمر لذا لا تقلقي، وأظن ما حدث هو سوء فهم لا أكثر.

ادعت ديمة الرضا وقالت: إن كان الأمر كما تقول فلا مشكلة لي أيضاً، لكن هناك أمر أود أن تفعله حتى أضمن نفسي في حال حدث شيء للمستقبل.

سألها عاصم وما هو طلبك؟

قالت ديمة بنبرة ودودة لطيفة: أريد أن تسمح لي بوكالة الشركة استطيع من خلالها إدارة الأمور في غيابك، ويكون لي قرار وكلمة تسمع هناك، وأنا أهتم بكل تفاصيل في غيابك وأضعك في صورة ما يحدث.

كان عاصم يحاول فهم ما تريده ديمة بالضبط ويفسر كلامها لعله يصل إلى عمق أفكارها.

يتبع ..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي