الفصل الثاني والعشرين

أنشغل تفكير كثيراً بما يحدث، وتركت أمر" الفطين" الذي أنتقل إلى المستقبل فجأة بسببي دون تفكير أو اهتمام بالوضع حتى أجد الثغرة التي حدثت حتى استطيع تغير ما يحدث.

بعد ذلك حاولت التحرك من السرير حتى أخرج من الغرفة محاولة اكتشاف ما يحدث، ولكن قدمي أعتقتني عن الحركة لأنها اصبحت كانت شبه مشلولة.

حاولت الإصرار والتحريك أكثر، ولكن لم أستطيع التحرك كلما حاولت ذلك؛ كانت الحركة شبه مستحيل، وظل ينتهي بي الأمر بالفشل كلما أحاول أكثر.

جعلني هذا ادرك أني مكثت على السرير فترة طويلة، وذلك يعني أني دخلت في غيبوبة فترة طويلة جعلتني أتساءل( هل خطيت في النوم نفس عدد الأيام التي مكثت بها في الماضي الذي كانوا ثلاثة أعوام).

أثناء ذهول" الفطين" في تفحصه المكان دخلت الممرضة حتى تغير المحلول، وعندما وجدتني استيقظت فزعة الممرضة ثم خرجت مرة أخرى كي تستدعي الطبيب المتابع لحالتي.

وصل الطبيب يتابع حالتي، ولكن كانت المفاجئة الغير متوقع أنه كان" يوسف" الطبيب الشاب الذي كنت أعشقه قبل سقوطي في الغيبوبة والسفر قرون إلى الماضي.

عند دخوله فزع" الفطين" من رؤيته بسبب التشابه الكبير الذي بينه وبين" يوسف" المتواجد في نفس زمنه رغم الاختلاف البسيط بينها؛ لذا اقترب من" يوسف" محاولةً في تفحص وجهه عن قرب.

فور دخول الطبيب" يوسف" أسرع إليِ وقام باحتضانه بشوق وحزن قائلاً:
- لقد حدث أخير كنت أعلم بأنك سوف تعودي مرة أخرى لقد انتظرك كثير واشتقت إليكِ أكثر بكثير.

عندما فعل ذلك فزعت لأن كانت علاقتي مع" يوسف" سيئة قبل ذهابي إلى الماضي، ولم نكن على علاقة حب أبداً.

لذا أبعده مستخدمة يدي قائلة:
- ماذا تفعل!

ثم ظهرت ابتسامة واسعة وسعادة غامرة على وجهه قائلاً:
- هل أنتِ بخير؟ هل يوجد مكان يؤلم!

عندها نظرت إليه باستغراب قائلة:
- منذ متى ونحن بهذا القرب!

- ليندا هل فقدان الوعي له تأثير سيئ على ذكرياتك؟ هل نسيت أني خطيبك!

- ماذا خطيبي كيف هذا؟ كل ما أتذكره أنك رفضتني وأخبرتني بأنك لن تحبني أبداً!

- كيف هذا وأنا من طلب الارتباط بكِ؟

- لماذا!

- لأني أعشقك وأتمنى أن أتزوجك.

- منذ متى حدث هذا؟

- منذ أول لحظة رايتك بها داخل غرفة العمليات عندما أنقذتِ طفل مريض في حالة مميتة حينها وقعت في حبك بجنون.

- أنقذت طفلا هل أدخل غرفة العمليات!

- أنتِ طبيبة موهوبة وشخصية متفوقة ومشهورة في البلاد، والجميع يتحدث عن إصرارك ومدى اجتهادك الدائم في العمل.

- هل تقصدني بحديثك!

- ليندا ما بكِ لماذا أنتِ مختلفة بطريقة غريبة؟

كان حديث الطبيب" يوسف" عن شخصيتي غريب جداً، ولكن بعد تفكير أدركت أن هذا ممكن أن يكون بسبب التغيرات التي قمت بها في الماضي.

أقترب" الفطين" وأبعد" يوسف" الذي كان يجلس بجواري على السرير حتى يجعل بيننا مسافة آمنة قائلاً:
- تحدث عن بعد.

نظر إليه" يوسف" بغرابة يسأله:
- من أنت وكيف دخلت هنا؟

أجابه" الفطين" بمنتهى العفوية:
- إنها زوجتي.

اتسعت حدقة عين" يوسف" فزعاً يسأله:
- هل فقدت عقلك؟

عندما تحدث" الفطين" هكذا ذهلت، وظلت أحدق به بجنون ثم سألته:
- محمد ماذا حدث لك؟ هل تغير الزمن جعلك تفقد عقلك!

حينها ترك التحديق المفترس في" يوسف"، وتحولت كل نظرات الغاضب تجاهي؛ هذه النظرات التي جعلتني أفقد القدرة على التحدث خوفاً أن يتصرف بجنون.

لكن كان الوضع مع" يوسف" مختلف لأنه يظن أن هذه الفتاة امرأة التي قام بخطبتها بعد قصة حب طويلة، وقبل أن يتهور ويبدأ العراك مع" الفطين" نظرت إليه أسأله:
- يوسف لماذا لا أستطيع تحريك قدمي؟

اقترب يوسف اكثر ثم انخفض إلى مستواي قائلاً:
- لا تقلقي أظن أن هذا الأمر بسبب رقد الطويل على السرير.

- كم كانت المدة التي دخلت بها في غيبوبة؟

- ثلاثة أعوام وثلاثة أشهر.

ظلت افكر( إنه نفس التوقيت تقريبا الذي قضيته في الماضي عندما عدت بالزمن).

أخفض أكثر ثم سأل بصوت منخفض:
- من هذا الرجل؟

أجابت بصوت منخفض أكثر:
- لا تهتم له أنه شخص غير طبيعي.

- شعرت بذلك عندما رأيته ظننت أنه غير الأطوار.

تحدث" الفطين" بغضب قائلاً:
- مازالت هنا واستطيع سماع حديثكم.

نظرت إلى" الفطين" أضحك قائلاً:
- هل تعلم يا يوسف هذا الشخص لم تتخيل أنك تستطيع مقابلته مرة واحدة في حياتك، أنت لا تعلم ما حجم الوضع الذي به الآن.

- لم أفهم عما تتحدثين أو ماذا تقصدين بهذا؟

- أخبرك أنه شخص مميز جداً.

- ليندا هل تدركين الوضع أنتِ خطيبتي ولكن تتغزلين في شخص آخر أمام نظري؟

- لست كذلك، ولكن كل هذه الأحداث كثير على عقلي كي يتقبله لذا سوف انتظر حتى أستطيع تجميع أفكاري ثم نجلس ونتحدث بعقلانية.

دخل فجأة الغرفة مدير المشفى الدكتور" مدحت يعقوب" يرتسم على وجهه ابتسام السعادة مع مجموعة من الأطباء ثم اقترب قائلاً:
- هذا جيد لقد استيقظت لقد أنتظرك الجميع كثير حتى تتخطى هذه الكارثة.

شعرت باهتمام الجميع بحالتي الصحية، وهذا الأمر أشعرني بالحيرة؛ لأن هذا الأمر غريب حدوثه في الماضي كنت شخص فاشل منبوذ من أستاذته والآن الجميع يخبروني أني شخص مختلف عما أتذكر.

هذا الأمر جعلني أتساءل( لماذا تغيرت حياتي مع تغير المستقبل للأفضل).

ظل" الفطين" ملتصق بجواري حتى انتهت زيارة الجميع، وفي نهاية اليوم جاء" يوسف" يسألني:
- هل هذا الرجل سيظن هنا؟

- يوسف في الواقع هذا الرجل ليس من هنا لقد جاء من الخارج وليس لديه عائلة في هذه البلد.

- إذن ماذا سيفعل الآن؟ لا يصح له المكوث في المشفى مع مريض يحتاج إلى الراحة.

- هل أستطيع أن أطلب منك طلب هام ثقيل؟

- تفضلِ.

- هل يمكنك أخذ هذا الرجل معك إلى المنزل حتى أستطيع التحرك والخروج من المشفى.

- ليندا أنتِ تعلمين أن هذا الأمر سوف يأخذ وقت حتى تحقيقه، وهذا الرجل لا أظن أني أستطيع تحمله حتى موعد خروجك.

- لماذا أنه لطيف وسلس جداً لن يضايقك أبداً.

- لا أظن ذلك.

بعد لحظات دخلت طبيبة كانت صديقتي الوحيدة المقربة في المشفى" اسمها نوران" حتى تبارك على استيقاظِ المتأخر من الغيبوبة.

وعند رؤيتها" الفطين" أخبرته:
- أنت ماذا تفعل هنا لماذا ليس في غرفة الطوارئ؟

نظرت إليها باستغراب اسألها:
- هل تعرفين هذا الرجل؟

- نعم أنه" مراد" طبيب متدرب لدي تم اختياره من وسط ثلاثين شخص.

- منذ متى يعمل في المشفى؟

- اليوم هو اليوم الأول له، ولكني كنت أعتقد أنه لم يأتي لأنه لم يظهر منذ الصباح في العمل حتى الآن.

حينها علمت أن ما يحدث من ترتيب القدر حتى يستطيع" الفطين" التحرك والتعلم من دون تقيد، ولكن هل هذا الرجل سوف يتحمل التدريب في غرفة الطوارئ.

هل سوف يستطيع الصعود من أول الدراج؛ هل هذا الرجل النابغة في التاريخ الطبي تعلم كل معرفة السابقة عصرها عندما سحبته إلى هذا الزمن المتقدم بمراحل كثيرة عن العصر العباسي.

نظرت إلى" يوسف" ثم أخبرته:
- هل يمكنك إيصال" مراد" إلى مكان إقامته؟

- حسنا سوف أفعل سوف أتركك مع صديقتك، ولكن لا تسهرين كثيراً حتى نبدأ العلاج الطبيعي في الصباح الباكر؟

- حسنا سوف افعل إلى اللقاء.

أخذ" يوسف" الفطين" حتى يوصله إلى سكن إقامة الأطباء، وبعد خروج قالت" نوران":
- ليندا هل أنت بخير؟

- لست بخير.

- لماذا هل تشعرين بالمرض!

- ليس المرض الجسدي، ولكن المرض العقلي.

- لماذا!

- لم أستطيع الشرح لكِ كل شيء، ولكن أريد أن أطلب منك شيء هام وضروري؟

- ماذا تردين أخبرني؟

- أريد أن تذهبِ إلى المكتب وتجلبِ إلى كتاب السيرة وقصة كفاح رحلة الطبيب" الفطين محمد بن سليمان" في الطب الحديث.

- لماذا!

- أتمنى ألا تسألني هذا السؤال لني لا أستطيع إجابته.

- حسنا سوف افعل.
- شكراً لك.

كنت متشوقة جداً حتى أعرف كيف صارت حياة" الفطين محمد بن سليمان" بعد هذا التغير الجذري، ولكن ما كان يقلقني أن هذا الرجل سوف يصبح متدرب لدى أطباء مغرورين( هل يستطيع التحمل).

بدأت باكر في العلاج حتى أستطيع السير في أسرع وقت حتى أخذ" الفطين" إلى كل مكان، وأجعله يشاهد هذا الزمن المبهر بكل مميزة.

مرت الأيام والأسابيع ولم يظهر" الفطين" من أجل مقابلتي أبداً، وهذا الأمر جعلني أشعر بالذنب مما فعلت له .

لقد تم وضعه في مكان من الصعب التعامل في هذا المكان الذي كسر ثقتي ودمر حبي لمهنة الطب( غرفة الطوارئ).

بعد مرور ثلاثة أسابيع جاءت صديقتي" نوران" حاملة كل الكتب التي تحمل اسم الطبيب العبقري" الفطين" ووضعتهم بجوار على السرير ثم سألتها باستغراب:
- ما كل هذا؟

- لقد جلبت لكِ كل شيء متواجد باسم هذا الرجل.

- كيف وجدتي هذا الكم من الكتب؟

- لست من جلب هذا.

- إذن من فعل!

- أنه مراد الذي فعل وجدته يجلس في المكتب بعد استعارة كل الكتب التي تحمل هذا الاسم يتفحص ويقرأ بعناية شديدة، وعندما طلبت إعطائي هذه الكتب أخبرني سوف يجلبها بعد إنهاء قراءتها.

- هل تخبرني أن مراد قراء كل هذا!

- نعم فعل ذلك.

تحدث بصوت منخفض( هذا خطأ لم يجب حدوثه).

سألت" نوران" بفضول:
- عما تتحدثين؟

- نوران أخبرني كيف حال" مراد" هل يجد العمل في الطوارئ أما يقع في المشاكل؟

- هذا الشاب نابغة عبقري ومجتهد لقد فاز حقاً قسم الطوارئ بهذا الشاب المجتهد.

ظللت أفكر وأتساءل( كيف استطاع ذلك، كيف نجح في التأقلم مع هذه البيئة والمجتمع).

كنت في حيرة من أمري من تصرفات هذا الرجل حتى بدأت في قراءة كل الكتب التي تحمل قصص وحكايات" الفطين".

حينها علمت لماذا استطاع هذا الرجل التأقلم بهذا الشكل.

هذا لأنه قراء مصيره وقصة حياته من كتب التأريخ، وأدرك مدى تفوقه وتميزه؛ لذا قرر أن يكافح من أجل التأقلم في هذا الزمن حتى يتعلم أكثر، ويكتسب خبرات متعددة تساعده عندما يعود إلى زمانه.

عندما انتهيت من قراءة كل هذه الكتب علمت أن" الفطين" بعد اكتشاف العلاج المناسب لمرض المرض سوف يختفي من الوجود دون أثر.

كانت هناك أقاويل كثير متعارضة عن هذا الأمر.

كثرت الإشاعات التي ذكرت في التاريخ عن اختفاء" الفطين" عبر العصور؛ هناك من قال تم خطفه من الغزوة حتى لا يعالج الملك من أجل احتلال الدولة.

وهناك من قال عقد اتفاق مع الأمير الثاني حتى يستولي الأمير" الجليل" على الدولة.

هناك من قال أن" الفطين" تم سحره على يد جنيه وتم إنقاذه عن طريق الأمير الثاني، وهناك الكثير من الإشاعات التي لم تثبت صحتها.

أصبحت الآن الوحيدة التي تعلم إلى أين ذهب" الفطين" خلال هذه الفترة لأني قمت بخطف هذا الرجل وجلبته عن دون قصد إلى هذا الزمن.

اختفى" الفطين" عن رؤيتي خلال فترة إتمام العلاج الطبيعي؛ رغم أنها ثاني مرة نبتعد منذ السفر إلى الماضي، ولكني كنت أشعر بالاشتياق الشديد والخوف من أن يواجه أشياء لا يستطيع التعامل معها.

في البداية عندما وجدت" الفطين" يتجانب مقابلتي قررت أيضاً عدم طلب مقابلته ووضعت كل طاقتي في التدريب والتمرينات الرياضية حتى استعادة كامل طاقتي.

عند الانتهاء من العلاج واستعادة قوتي عندها قررت الخروج من المشفى المريضة وعودة الطبيبة المحترفة.

أول شيء قمت به ذهبت إلى مقابلة" الفطين" الذي وجدته يلمع داخل غرفة الطوارئ، وكل الأطباء والرضى يعتمدون عليه بسبب ذكاءه وإصراره.

رغم أن" الفطين" لمح رؤيتي عن بعد ولكنه لم يظهر اهتمام وأكمل مباشرة عمله.

هذا الأمر جرح قلبي بشدة لذا تركت غرفة الطوارئ وهربت بعيداً.

وجدت" نوران" تنتظرني داخل السيارة أمام المشفى، وعند رويتي أطلقت بوق السيارة المرتفع ثم قالت:
- هيا اصعدي سوف أوصلك إلى المنزل.

دخلت السيارة بهدوء من دون أن أتحدث نظر إلي بإعجاب من هذا الصمت الغريب ثم شغلت محرك السيارة وقادتها بهدوء حتى المنزل.

عند الوصول قالت:
- عزيزتي أصعدي إلى المنزل سوف أضع السيارة داخل الجراج وأعود.

- حسنا.

صعد إلى الشقة التي كنت أشاركها مع" الطبيبة" قبل الحادث، وعند دخولي وجدت المنزل مظلم ثم فجأة أضاءت الأنوار ووجد أشخاص كثيرين يفجرون ألعاب زينة، ويحملون الكعكة قائلين:
- أهلا بكِ في الحياة مرة أخرى.

فزعت من المفاجئة الغير متوقعة ثم بكيت عندما رأيت" الفطين" يقف مع الجميع.

حينها أدركت أنه تجهلني بسبب هذه المفاجئة التي تم التخطيط له من صديقتي المقربة المجنونة.

جاءت" نوران" من الخلف تضحك بسعادة قائلة:
- هل فزعتِ أعتذر لم أقصد ذلك.

- لم أفزع هذا الأمر لأني أشعر مما يحدث الآن.

اقترب يوسف قائلاً:
- لقد شاركت في هذه المفاجئة هل أعجبتك؟

- بالطبع لم تعجبني.

- لماذا!

- سوف أضعك في نفس الموقف حينها سوف تدرك إحساسي.

ضحك" يوسف" بشدة جعلت صوت ضحكتِ تخرج حتى جاء" الفطين" بملامح وجه متهجمة قائلاً:
- ما الذي يضحكك؟

- لا شيء مجرد مزاح.

وقف" الفطين" بجواري بحدق في" يوسف" بقوة حتى يشعره بالخوف، ولكن بادل" يوسف" نفس النظرات التي كانت تشبه الخنجر المتطايرة في الهواء.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي