21

كان الطلب الذي تريده ديمة مثير للريبة، ولكن عاصم وكأنه أعمى البصيرة، ومازال يحب زوجته وهي قادرة على خداعه أكثر، وتستخدم طرقها في التأثير عليه.

فقال عاصم بعد وقت من التفكير للحظات فقط: لك ما تريدين يا دمدوم ( هو اسم تحبه ديمة للمغازلة).

ابتسمت ديمة ابتسامة عريضة ملئت وجهها، ثم احتضنته والقت نفسها بين يديه وقالت له: أنت الشخص الوحيد الذي لم يخذل توقعاتي ولم تخيب أمالي..

هدأت النفوس قليلاً بين عاصم وزوجته، وميرا لم تكن تدري ما جرى في الأسفل بعد أن تركها والدها.

لكن ما سوف يحدث لاحقاً سيكون مفاجأة للجميع وبمثابة قنبلة تنفجر في منتصف حياة الجميع.

وفي اليوم التالي قام عاصم بالتواصل مع المحامي المسؤول عن إدارة شؤون شركته بشكل القانوني.

وطلب منه الحضور إلى بيته مع بعض الأوراق، التي يجب أن تكون موجودة كي تتم الوكالة لزوجته ديمة وتصبح هي صاحبة قرار في مجلس الإدارة حين يكون غائب.

وبعد الظهيرة كان المحامي قد وصل إلى بيت السيد عاصم، بعد أن رحب به ودخلوا معا إلى غرفة المكتب، وتفحص عاصم الأوراق وتأكد منها جميعاً.

ثم استأذن من المحامي وقال له: اسمح لي سوف أعود في غضون دقائق.

وخرج يبحث عن ديمة وقال لها: كل شيء جاهز كما وعدتك هيا تعالي.

وذهب عاصم وزوجته ديمة، التي كانت ترى أحلامها تتحقق أمام عينيها دون أي عقبات وقد انجزت ما كانت تريده.

وفي المكتب، كان المحامي ينتظر وإذا به يرى عاصم وزوجته، قد دخلا ثم قال له عاصم: هذه زوجتي ديمة وامامك أريد أن أوقع هذه الأوراق لاعطاءها الصلاحية التامة في إدارة شؤون وأحوال الشركة عند غيابي.

ابتسمت ديمة واستبشرت عندما رأت زوجها عاصم يضع ثقته فيها بدون أي حساب أو شروط.

انتهى الأمر وأصبحت ديمة صاحبة قرار تصول وتجول كما تراه مناسب لها ولشركة على حد زعمها.

كل ما حدث عن فجأة ولم يخطر في بالي عاصم أن يضع أي شروط للاحتياط من ديمة بل على عكس وهبها ثقته بشكل مطلق.

حصلت ديمة على نسخة من الأوراق الموقعة، وكانت دليل لحصانتها في الشركة.

بعد أن تم الأمر وانهى عاصم طلبه، انصرفت ديمة وتركته مع المحامي.

وبعد ان خرجت كان لدى المحامي بعض الكلام فقال: سيد عاصم أنا لست معني بأموالك أو أي قرار يتغير في الشركة، لكن لدي نصيحة لك في خضم ما يحدث.

قال عاصم له مستغرب: نصيحة! عن ماذا!

أجاب المحامي بالقول: يجب عليك أن تكون حذر بعد خطوة مثل هذه، بل يجب أن يكون الحذر مضاعف.

استنكر عاصم القول الذي سمعه وقال بنبرة حازمة: هل تريد مني أن اشك بزوجتي؟

نفى المحامي ما فهمه عاصم وقال موضحاً: ما كنت أعنيه في كلامي، بأنك الآن مريض واتمنى لك الشفاء، وأن تعطي حصانة مطلقة لزوجتك بدون أي تقييد أو شروط هذا سوف يخلق في نفسها بعض الطمع لذا فكر في الأمر قليلاً.

ثم أضاف المحامي: لا تنسى ابنتك أيضاً فهي مازالت صغيرة بحاجة دعم ومستقبل أمان.

في تلك الأثناء شعر عاصم بأنه كان على عجل، لكن لا بد من أن يستدرك فعله سريعاً.

ثم قال له بعد قليل من التفكير: امنحني حتى الغد ثم ننظر إلى الأمر وكيف اتصرف.

أجاب المحامي: كما تريد وأنا جاهز لأي شيء تطلبه مني الآن او في المستقبل سأكون طوع أمرك.

ثم استأذن المحامي وغادر، إلا أن القصة بدأت تدور في راس عاصم وهل يمكن أن تفعل ديمة ما لا يكون في الحسبان؟

دس عاصم يده في شعره وقال محدث نفسه: نعم إنها لتفعل هذا وما المانع أن تكون كذلك.

بالعودة إلى ريان وكاتيا..

قد مرت ساعة أو أكثر كاتيا قد نامت على السرير وغطت نفسها من شدة البرد.

أما ريان مازال يقاوم تعبه والارهاق الذي حل به وهو يكاد يغفو بين الحين والآخر من شدة التعب.

لكن الأمر مستحيل عليه أن يبقى متيقظ لكل حركة وسكنة قد تحدث فجأة من حوله.

أما ياسر فقد غادر الحياة بعد أن تلقى رصاصة في منتصف رأسه على غدره بفراس ورجال مسعود كما يظنون، وخسر كل ما كان له في حياته.

بدأت الشمس تشرق وتشق ظلام الليل، وتصل حبال النور إلى الأرض.

حتى وصلت لعيني كاتيا، نهضت فزعة من فراشها، ليرتعب ريان أيضا من تلك الرجفة التي كانت بها.

قال ريان بلهفة: هل أنت بخير ما الذي أصابك؟

كانت كاتيا تلتقط انفاسها وكأنها كانت تركض في مارثون، ثم قالت له: لقد كان كابوس مزعج، سرق النوم من أجفاني.

تنهد ريان وقال لا بأس هذا متوقع بسبب ما حدث معك في الايام الفائتة ليس بقليل.

ثم طلب منها قائلا: هي عودي إلى نومك واستريحي، أنا هنا بجانيك لن اتركك ابدا.

رفعت نفسها من الفراش وجلست بشكل كامل وقالت له: الآن دورك، هيا نم قليلاً، وأنا سوف اجلس اراقب حولك.

قال ريان رافض لما قالته: دعك مني الآن واهتمي بنفسك لا داعي لهذا، هيا نامي.

قالت هي: لقد كان هذا اتفاقنا منذ البداية لذا لا تحاول أن تقنعني بأمر أخر فهذا لن يحدث، الأمر مقضي.

فتح ريان فمه متثائب وقال: إن كنت مصرة على هذا، تفضلي افسحي لي المجال حتى امدد جسدي المنهك.

تركت كاتيا الفراش كي ينال ريان راحته ويستطيع النوم كما يشاء.

وما هي إلا دقائق حتى غط ريان في نوم عميق، وقد على شخيره في المكان فأثار الأمر ضحك كاتيا.

ثم قالت في نفسها: مسكين كم تعب معي في الآونة الاخيرة، وما حدث كان بسببي لو لا هذا لما كان هنا الآن، لكنني أنا أين ما كنت حلت المشاكل.

ثم قررت أن تقوم بتصويره مقطع فيديو كي تضحك عليه في كل وقت تريده وكي تسخر منه عند ما يستيقظ، فهي تعلم بأنه لن يصدقها إلا بمشاهدة فيديو.

فتحت الكاميرا وبدأت تسجل صوت شخيره، وبينما هي تقوم بتصويره قال كلمة أثناء نومه: كا.. تياا..

ظنت بأنها تتوهم وأنا ما سمعته كان من تخيلاتها فقط، إلا أنها قامت بإيقاف التصوير.

وجلست تطالع المقطع مرة اخرى لتتأكد إن كان ما سمعته حقيقة أم محض وهم وخيال لا أكثر.

لكن بعد أن بدأ الفيديو بعدة ثواني، سمعت صوت ريان وهو يقول: كا.. تياا.

ارتعش قلبها وخفق بين أضلاعها من شدة الارتباك، لم تكن تعرف سبب هذا ولكن كان الأمر جميل بالنسبة لها.

تنهدت كاتيا وقالت: لم يهزي أحد باسمي من قبل، إنها المرة الأولى.

ثم قالت بصوت مسموع: كفي عن هذه السخافات يا فتاة ما جمعك مع هذا هي المصائب ليس إلا، ولربما لديه صديقة أو حبيبة لا أدري.

ثم نهضت كاتيا تبحث عن أي شيء تشربه، فوجد بعض اكياس الشاي الموجودة في الغرفة، قامت بتحضير أحدهم.

وقامت بالجلوس قرب النافذة تطالع الحديقة وبعض الاطفال الموجودين يلعبون في المكان، مع أمهاتهم ويركضون فرحين.

شردت كاتيا لبغض الوقت وهي تتأمل، وكانت تتمنى نفسها تعيش حياة بسيطة سوية تشبه ما يعيشه الآخرون من رغد وسكينة دون أي تكلف أو تبذير.

وهي في رحلة الشرود تلك، استيقظ ريان من نومه، وكان يراقب عيناها بصمت دون أن يقول أي شيء.

حتى لاحظته هي وقالت له: منذ متى استيقظت؟

أجابها: لا أعرف لقد كنت سارح في ملامح وجهك الطفولية البريئة.

شعرت كاتيا ببعض الخجل وقالت له: لا تبالغ لقد بلغت من العمر خمس وعشرين عام، عن أي طفولة تتحدث؟!

استدار ريان نحوها وقال لها: هل تصدقي؟!

أجابته بالقول: نعم، أصدق.

استغرب ريان وقال لها: لم أتكلم بعد، لربما لم تصدقي؟!

قالت كاتيا: أصدق كل ما تقوله، حتى قبل أن تنطق به شفتاك.

كان ريان مستغرب من الأمر، لكنه لم يلقي بال لما سمعه منها، حيث أكمل قوله: لم أكن أتخيل بأنك تجاوزتب العشرين، أو أقل من هذا حتى.

ضحكت كاتيا، ثم قالت له: شكراً لك على جبر خاطري، لم أسمع اطراء صادق في حياتي.

قال ريان: أقول ما أراه، ولا أبالغ لذا لا تنظري لنفسك بأنك أقل من هذا.

احمرت وجنتا كاتيا ولم تجد ما تقوله، لذا حاولت التهرب من الحديث بسؤال آخر وقالت: هل تشرب الشاي معي؟!

قال ريان بنبرة ساخرة: منذ متى تعد الأميرات الشاي للحرس؟!

قامت من فورها تعد لها كوب وقالت: هناك حراس بمقام ملكي لذا يستحقون هذا الكم من الدلال.

ثم أكملت كلامها وقالت: لا تنسى بأننا ما زلنا في مأزق، لذا يتوجب علينا أن نجد حل لنخرج من هنا، وإلا سوف نموت.

قال ريان متهكم على كلامها: وبأي طريقة تحبين أن تموتي؟ بالجوع؟ أو في سجن؟ أما أن تغرقي في بحر وتبتلعك الأسماك.

تأففت كاتيا وقالت له متذمرة: لا تتحدث بهذا التشاؤم، كن متفائل لو بنسبة قليلة، دع عنك كل هذا البؤس ولا تكلف نفسك شراء الهموم.

رد ريان وقال لها: أمرك سيدتي، إذن دعينا نفكر بطريقة جيدة نستطيع من خلالها النجاة من الحال الذي نحن فيه.

أحضرت كوب الشاي ووضعته أمام ريان، ثم جلست كاتيا مقابلة له، وكانت صامتة لا تتحدث ابدا، وكان الهم واضحاً على محياها.

سألها ريان: ما الذي جرى الآن؟ أين ذهب التفاؤل الخاص بك؟

ردت عليه كاتيا واليأس تمكن من كلماتها: لا ادري، لكن مسعود شخص حقير، لا يمكننا توقع ما قد يفعله بنا.

قال ريان مخفف عنها: نحن بعيدون عن قبضت مسعود ولن يستطيع فعل أي شيء.

طالعته كاتيا بحدة وقالت إلى متى نحن بعيدون؟ هل سوف نبقى طوال الحياة نتخفى منه؟

رد عليها ريان بسؤال آخر: وهل سوف يبقى مسعود ورجاله يلاحقونا طوال العمر؟

ضربت يدها على رأسها وقالت له: أخبرتك بأنك لم تعرف مسعود مت قبل لذا من البديهي التحدث بمثل هذه الطريقة.

ارتشف ريان من الشاي رشفة وقال لها: هذه ميزة جميلة فيك.

قالت وهي لم تفهم قصده: وما هي؟!

رد عليها ريان وقال: انك تستطيعين تحضير شاي لذيذ.

ابتسمت كاتيا، فكانت كل ما شعرت ببعض الضيق وظهر الأمر عليها حاول ان يخفف عنها ويرسم بعض البسمات على وجهها.

وهي تلاحظ هذا، ما جعله هين لين في قلبها، ولم تكن قادرة على كبح جماح ذلك الشعور المتمكن منها.

يتبع ..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي