الفصل الرابع والعشرون

حاول" الفطين" تقييدي بالكثير من الأسئلة الصعبة حول حقيقة مشاعري تجاه" يوسف"، ولكنه في الواقع كان يريد أن يعلم حقيقة مشاعري تجاهه، ولكنه لم يدرك كما صعب الإجابة على هذا النوع من الأسئلة التي ليس من السهل أن أجد لها إجابة.

نظر إلي بجدية يسأل:
- ليندا أخبرني بحقيقة مشاعرك تجاه يوسف؟

- هل تهمك مشاعري إلى هذه الدرجة!

- بالتأكيد.
- لماذا؟

صمت للحظات ثم قال:
- أريد فقط أن أعلم من الشخص الذي تعشقيه أكثر هل هو الجليل الأمير الثاني أما يوسف؟

- محمد لديك فضول شديد تجاه حياتي.

- ليس الأمر هكذا.

- إذن لماذا؟

- لأن تصرفاتك غير واضحة.

- كيف هذا؟

- في البداية كنت أعتقد أنك تعشقين يوسف لأنه يشبه حبك المتواجد في الزمن الذي جئتِ منه، ولكن بعد فترة تحول اهتمامك إلى الأمير الثاني إلى درجة كبيرة، وهذا الأمر جعلني أعتقد أنك وقعت في حبه.

- هل ما تريد معرفة مشاعري الحقيقية أما مشاعري تجاه هذان الأثنين؛ أما هناك أمر آخر تريد معرفة؟

كنت أعلم ما الذي يريد" الفطين" الوصول إليه؛ أنه يريد أن يجعلني أعترف بمشاعري تجاه تلك المشاعر التي يشاهدها ترقص داخل عيناي فرحاً عند رؤيته، ولكني الآن غير مستعدة للاعتراف بتلك المشاعر.

كيف أخبره عن صدق مشاعري وأعلم جيداً أن علاقتنا المميزة لن تستمر كثيراً؛ أننا شخصين متناقضين رغم تقاطع بنا السبل بالصدف عن طريق القدر، ولكن وجودنا بذاته سوف يظل داخل عالمين مختلفين.

أعلم جيداً مثلما جمعنا القدر دون أن ندرك سوف يفرقنا دون أن نشعر، وعندما يحين وقت اختفاء شخص واحد فإننا لن نستطيع الالتقاء مرة أخرى في الحياة.

كيف نلتقي ونفكر في جملة( هذا العالم يربطنا معاً إلى الأبد)، وهذا العالم لا يخص أحدا.

رغم كل محاولاتي الفاشلة في التهرب من الإجابة على أسئلته الموجهة إلى بإصرار، استطعت الوصول إلى فكرة تجعله يتوقف عن الفضول تجاه مشاعري.

نظرت إليه بجدية أسأله:
- محمد أريد إخبارك عن أمر هام.

- هل هذا الأمر أهم من معرفة مشاعرك الحقيقية!

- نعم أهم بكثير.

- لا أظن ذلك، ولكن سوف أتركك تتهربين من أسئلتي لذا أخبرني ما تريدن إني أنصت إليكِ باهتمام؟

- هل تعلم عندما تختفى لم تستطيع الوصول إلي أبداً.

تنهد" الفطين" بحزن قائلاً:
- أعلم ذلك ولكني أتمنى أن يحدث لكِ مثلما حدث معِ عندما جئت إلى هنا.

- هذا حدث لأني كنت بجوارك أمسك بذراعك لذا سحبتك إلى هذا العالم دون قصد.

- لا أظن أن يوجد شيء في هذا العالم يحدث دون قصد أن أردي شيء سوف يحدث.

- هذا ممكن ولكن هل تعتقد أن سفري بالزمن يحدث كما أريد؟

- أظن أنك الشخص الوحيد الذي يستطيع الإجابة على ذلك الأمر.

عندما وجدته يظن أني من يتحكم في هذا الأمر شعرت بالخيانة لذا غضبت وصحت في وجهه قائلة:
- هل تظن ذلك حقاً!

- أنا متأكد من ذلك.

- أيها المغفل أن كنت أعلم كيف يحدث هذا الأمر لم أكن أشعر بالخوف من فقدان إلى هذه الدرجة.

صدم" الفطين" ثم أمسك بذراعه يسألني بسعادة وفضول:
- هل تشعرين بالخوف من فقدانِ!

رغم هروبي من الاعتراف بمشاعري تجاه ولكنه استطاع إجباري على فع ذلك؛ الآن الجسر الذي قمت بناءه حتى استطيع حماية قلبي من الهجران قمت بتدميره في لحظة غضب.

في النهاية وقعت في المصيدة بعد الكثير من الإلحاح؛ لذا قررت أضع نهاية لهذه الأمر الملعونة، وأخذت نفس عميق ثم نظرت إلى عيناه اللطيفتين قائلة:
- هل هذا ماتريد الوصول؟

- نعم هذا الاعتراف ما أريد سماعه.

- هل هذا الاعتراف هام إلى هذه الدرجة.

- ليندا هذا الاعتراف كل ما أريد في الحياة.

- أن اعترفت بذلك ماذا تفعل من أجلي؟

- المشاعر الحقيقية ليس لها مقابل.

- أريد فقط وعد صغير.

- أخبرني ما هذا الوعد؟

- أريدك أن تعدني بأنك لم تستخدم هذا العلم الذي تعلمته من هذا الزمن عندما تعود إلى زمانك الخاص.

- لماذا؟

- لأني أشتاق إلى عالم السابق.

- وما عيب هذا الزمن لقد أخبرتني من قبل أنك جئتِ من عالم لم يقدرك به أحد أو يعترف أحد بقدرتك وعمل الشاق !

- أعلم أن حياتي من قبل كانت قاسية ومؤلم ولكن هذا مختلف.

- ما هو الشيء المختلف؟

- كل شيء هذا العالم لا أحبه ولم استطيع التأقلم عليه.

- لأنك لم تحولين تقبل الأمر.

- حاولت كثير ولكن لا أستطيع تقبله من الصعب ابتلع هذا الأمر.

- ولكني أظن أن هذا العالم مقبول ليس به عيوب كثير!

- ولكني أشتاق بشدة إلى هذا عالم لذا أرجوك أعدني بأنك سوف تحقق ذلك؟

فكر للحظات" الفطين" يفكر في حديثي ثم سأل:
- ليندا هذا العلم كنزل كيف أتركه يفني من الوجود؛ كيف أترك مريض للموت رغم أني أعلم علاج مرضه.

- لا أخبرك أن تتركه يموت ولكن أفعل كما تفعل دائما دون نشر هذا العلم الحديث؟

- ليندا أعلم كيف تشعرين تجاه هذا الوضع فمن الطبيعي أن يشتاق الإنسان إلى وطنه الأساسي.

- إذن أعدني بعدم أخذ هذا العلم وهذه الأفكار الحديثة معك؟

ظل يفكر للحظات ثم قال:
- ليندا أظن أنك محقة في اشتياقك إلى عالمك، ولكن لا استطيع وعدك بأني سوف أهمل مريض أعلم كيف أعالجه، ولكن أستطيع أن أخذ هذا العلم سر معي إلى القبر، ولن أخبره إلى أخبر.

- أتمنى من قلبي أن تفعل ذلك.

نظر إلى السماء وجدت إن القمر أصبح غائم ثم نهضت من مجلسي حتى أعود إلى المنزل ثم نظرت إلى قائلة:
- سوف أعود الآن.

نهض" الفطين" ثم اقترب كثير ووضع كفه على وجهي برقة يحدق في عيناي بشغف قائلاً:
- حسنا ولكن أنت منذ الآن امرأتي.

- ماذا!

- لقد اعترفتِ بنفسك عن مشاعرك الحقيقة.

ظلت أبادله نفس التحديق بشغف ثم قالت بصوت منخفض:
- هذا ليس اعتراف.

- بالنسبة إليِ أنه اعتراف واضح، ولكن منذ الآن لن أهتم بما تتحدثين ولن أنتظر مجيئك إليِ لأني سوف أجاهد حتى أسرق قلبك.

شعرت بالخجل حتى أحمر وجهي أخبر نفسي (أنت لا تحتاج إلى سرقة روحي لأنها بالفعل ملكك وحدك).

بعد ذلك أمسك يدي حتى يوصلني إلى المنزل.

عند عودتي إلى المنزل قبل دخولي إلى غرفتي حتى أسقط في النوم؛ وجدت صديقتي المقربة" نوران" تنتظر وصولي بعيون محدقة، وعند رؤيتي قالت:
- ليندا تعالى نتحدث.

- الآن!
- نعم الآن.

- ولكني أشعر بالإرهاق الشديد.

- إذن؟

- أريد الذهاب إلى النوم حتى أشعر بالراحة.

- هذا لن يحدث حتى نتحدث لذا لا تحاولين الهروب سوف أنتظرك في غرفة الصالون حتى تبدلين ملابسك.

- حسنا كما تردين.

كنت أعلم أن صديقتي" نوران" عنيدة جداً لذا استسلمت لطلبها؛ ذهبت أبدل ملابسي داخل غرفتي ثم ذهبت إلى الصالة حتى استمع إلى حديثها المعتاد الذي أعلم نصف ما تتحدث به.

فور جلوسي سألت" نوران":
- ليندا أخبرني الحقيقة متى حدث ذلك؟

- عما تتحدثين!

- أتحدث عن مشاعرك تجاه مراد.

- نوران أنت فهمتِ الأمر خطأ.

- هل تكذبين عيناي!

- لم أقصد أن أكذبك ولكن لا يوجد شيء بيني وبين مراد.

- ليندا لا تحاولي لقد فضحتك عينيكِ.

- عيني؟ كيف هذا!

- أنت لا تعلمين كيف ترقص عينيكِ عندما يظهر هذا الشاب ونظرك يلحقه في كل مكان.

- هذا غير صحيح.

- لماذا تنكرين من أجلي أما من أجل نفسك؟

- نوران الأمر غير ذلك العلاقة بيني وبين مراد محكومة بالفشل.

- لماذا؟ هل ذلك بسبب العمر أما البعاد!

- البعاد!

- هل تشعرين أنه عندما ينهي تدريبة سوف يعود إلى وطنه!

كنت أعتقد أنها تقصد عودت" الفطين" إلى الزمن الذي جاء منه، ولكنها كانت تقصد السيرة الاجتماعية للشاب الذي يحمل" الفطين" اسمها وهو" مراد".

لذا حاولت مسيرتها في الحديث قائلة:
- نوران أنه مازال شاب صغير في الخامسة والعشرون وأنا بلغت الثالثة والثلاثون؟

في الواقع عندما عدت في الزمن لبست جسد فاطمة التي كانت تبلغ الواحد والعشرون، وهذا جعلني في هذا الوقت أصغر من "الفطين" بأربعة سنوات.

لكن" الفطين" الآن يبلغ من العمر التاسعة والعشرين ولكن الشخص الذي ينتحل هوايته هو" مراد" يبلغ من العمر الخامس والعشرون.

( هذا يعني في الأوراق الرسمية أني أكبر من" الفطين" بسابع أعوام).

لذا ظنت" نوران" أني أرفض هذا الشاب الوسيم بسبب العمر أو عودته إلى الخارج بعد انتهائه من التدريب الرسمي في المشفى.

ضحكت بسخرية أخبرها:
- بالطبع كيف أتزوج من شاب يصغرني بسبعة أعوام؟

- هل وصل تفكيرك من مراد إلى الزواج!

- لم أقصد ذلك أتحدث فقط مجزياً.

- ليندا استسلمي أنتِ وقعتي في الحب بشدة، وأيضاً هل العمر مقياس في الحب؟

- نوران هل نسيتِ أني مخطوبة إلى يوسف؟

- يوسف ليس مناسب لكِ.

- لماذا؟
- لأنكِ لم تحبه أبداً.

- لا أعتقد ذلك.

- ليندا هل الغيبوبة أثرت على عقلك؟

- أظن أن أغلبية الأحداث مشوبة لديكِ!

- ليندا لقد وافقتِ على الخطوبة من يوسف حتى لا تأخذه منك" ميرنا" طبيبة التجميل.

- هل كان يوجد شيء بينهما؟

- لا يوسف كان دائماً يعشقك ويحاول الارتباط بكِ ولكن عندما تدخلت" ميرنا" حتى تسرقه منك أنتِ وافقتِ على الارتباط به.

- لماذا اقرر حياتي بسبب موقف مثل هذا!

- لأن تلك الفتاة كانت صديقتك المفضلة وانفصلتِ عنها بعدما سرقت حبك الأول أثناء الدراسة في الجامعة.

- لماذا فعلت كل هذا؟

- لا أعلم أظن الغيرة.

- ولكني لا أتذكر أني كنت صديقة لها.

- ليندا من الناحية الطبية لا توجد أعراض مثل هذه الأعراض ولكن كل شيء وارد.


عندما تحدثت كنت أقصد عن حياتي الأولى في الزمن الذي جئت منه وليس هذا الزمن.

ظلت" نوران" تحدق فيِ بفضول وشك ثم قالت:
- ليندا أظن أنه الوقت المناسب حتى تتركي سراح" يوسف" حتى لا يتعذب معك في المستقبل.

- هل تظني أني سوف أعذبه في المستقبل أن تزوج بي!

- يا صديقتي العزيزة عندما يحبك شخص بإخلاص عدم مبادلته هذه المشاعر تعتبر خيانة وجريمة في حق هذا الإنسان.

ظلت أفكر كم هي محقة صديقتي الغالية؛ لأني هذه الأيام كل ما أفكر به هو استغلال مشاعر" يوسف" حتى أبعد" الفطين" عن حياتي للأبد، ولكن الآن صيرت أكره نفسي لعدم نضج شخصيتي.

عندما انتهت صديقتي من إيصال الرسالة التي كانت تريد توضح تركتني ودخل غرفتها حتى تنام، وظلت جالسة على الأريكة أفكر في كل شيء حتى سقط في النوم دون أن أشعر.

عاد بعد الحفلة" يوسف" إلى المشفى وعند وصولة أخبره أحد الأطباء:
- دكتور يوسف يطلبون حضورك ضروري إلى غرفة العمليات؟

- ما الأمر؟

- جاءت مريضة قلب في حالة حرجة.

- من أدخلها إلى غرفة العمليات من دون أن أسمح بذلك؟

- حولها دكتور مينا إلى غرفة العمليات بسبب صعوبة الحالة وطلب أن يستعد الجميع حتى تحضر وتقوم بالعملية.

- حسنا سوف أذهب، وأنت استعدت حتى تكون المساعد.

- حسنا يا دكتور.

دخل" يوسف" إلى غرفة العمليات، ولكن كانت حالة الطبيبة متأخرة ولم يسعفه الوقت في إنقاذها.

تنهد" يوسف" ثم أخذ نفس عميق، ورفع يده اليسار ينظر إلى الساعة التي بمعصمه قائلاً:
- توقف الآن.

حينها توقفت الساعة وتوقف كل شيء من حوله بديةً من الأصوات، والأنفاس، والحركة داخل غرفة العمليات ثم بدأ" يوسف" في مباشرة العملية بمفرده.

بدايةً من شق الجرح، وتصليح الصمام الممزق بالكوي ثم خياطة الجرح حتى فجأة أظلم المكان، وأصبح كل شيء فراغ حتى ظهر نور أبيض يتحدث:
- ماذا تفعل لقد وعد بعدم التدخل في حياة أحد؟

- مازالت لديها عمر تعيشه.

- كيف علمت ذلك كانت من الممكن أن تمت أثناء الجراح قبل إنقاذك له؟

- كان هذا يمكن حدوثه إذا لم أدخل هذه الغرفة حتى اجراء لها هذه العملية وجودي وحده يعني إنقاذ حياتها.

- هذا وهم أنت مجرد عقرب ساعة ليس لديك الحق في إنقاذ أحد.

- هذا ممكن ولكن أظن أن لدي الحق في إيقاف الوقت متى أريد.

- ولكن دون التدخل في الحياة والموت.

- وماذا عندك أنت الوقت نفسه تستطيع التلاعب بالوقت العودة إلى الماضي والذهاب إلى المستقبل ماذا تفعل بهذه الموهبة.

- افعل ما تؤمر به.

- أنت كل ما تقوم به هو التلاعب بحياة فتاة مسكينة قسيت الكثير من المتاعب؟

- تلك الفتاة مميزة لذلك سمح له بفعل ما تريد.

- حتى الآن لم أفهم ما الذي تفعله ولم أتدخل في عملك لذا أترك عملي في إنقاذ تلك المرأة؟

- للأسف هذه المرأة أن تعيش أكثر من وقتها.

فجأة أختفى الصوت وعاد الوقت إلى اللحظة التي أوقفها عقرب الساعة" يوسف"، وماتت المريضة قبل إتمام العملية.

خرج" يوسف" من غرفة العمليات غاضب وحزين يشعر بالخيبة مثل كل مرة يحاول أن يصلح شيء ولكنه يفشل في النهاية.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي