الفصل السادس والعشرون

هذا العالم رغم أنه مختلف عن العالم الذي جئت منه، ولكن ثقتي أصبح أفضل من قبل، لم أعد تلك الفتاة الخجولة الضعيف عقلياً التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها، أو إظهار موهبتها في وسط ممتلئة بالطموح والمنافسة.

(هذه العوالم المرور بها جعلني أقوى ذهنياً وجسدياً عن ذي قبل وأيضاً اكتسبت خبرات في المهنة والحياة أكثر بكثير).

كان "يوسف" يعلم حقيقة مشاعري تجاه" الفطين"، وبرغم ذلك استمر في التماسك بي بإصرار عاصي لكل الأوامر والقوانين.

هذا لأنه كان أن" الفطين" من عالمين مختلف عن عالمي لذا الأمر مستحيل أن يحدث؛ معا لن يكن هناك مستقبل يربطنا ببعض.

لذلك قرر البقاء بجواري بصمت دون إصدار ضجة ينتظر حتى تنتهي هذه المشاعر الميؤوس منها؛ تلك الشاعر الذي يعتقد أنها مجرد مشاعر مؤقتة سوف تختفي مع مرور الوقت.

(لكنه لن يعلم أبداً ما حقيقة هذه المشاعر داخل قلبي).

عندما فشل الوقت في محاولات إقناع عقرب الوقت" يوسف" في إتمام المهمة المطلوبة؛ قرر أن يقوم بسحبي إلى الفراغ حتى يخبرني بكل ما يجب عليَ تحقيقه.

كنت أجلس داخل عيادتي بالمشفى انتظر المريض الذي جاء دوره فجأة وجد جسدي يسحب داخل فارغ شديد الظلم، ويظهر خلاله ضوءً أبيض ناصح مبهر.

بعد لحظات من المفاجئة بدأ هذا الضوء يتحدث قائلاً:
- مرحبا يا ليندا.

فاجأني الصوت وصير أبحث عن مصدره برأسي وعيناي قائلة بذهول:
- من أنت؟

- أنا الوقت.

- من أين يأتي هذا الصوت الغريب!

- من لا شيء هذا الصوت للاستماع فقط وليس المشاهدة.

- ماذا تريد!

- أريد أن أنبهك.

- تنبهني لماذا!

- من الأحداث القادمة.

- عما تتحدث لم أفهم قصدك!

- أحدث عن تلاعب وضياع الوقت.

- وضح حديثك؟

- يجب أن تعودِ بالزمن مع" الفطين" في أقرب وقت.

- هل استطيع فعل ذلك؟

- نعم أنت لديك حق الولوج عبر الأزمان.

- لماذا أنا من لديها الحق في فعل ذلك!

- لأنك الوحيدة التي خلقت لفعل ذلك.

- إذن أخبرني كيف أفعل هذا؟

- هذا الأمر يجب أن يساعدك به عقرب الوقت هو الوحيد الذي يستطيع أخذك عبر الأزمنة.

- من هو عقرب الوقت؟

- هذا الأمر يجب عليكِ اكتشافه بمفردك ولكن يجب حدوث ذلك في أقرب وقت.

- لماذا!

- لأن عندما ينتهي الوقت سوف يتدمر العالم.

- إذن أخبرني بعلامة تميز عقرب الوقت هل هو إنسان أما جماد؟

- عقرب الوقت موجود على الأرض في هيئة إنسان.

بعد ذلك أطلق شعاع ليزر أبيض تجاه الجبين ترك علامة حمراء على شكل عين مشتعلة نار ثم قال:
- لقد وهبتك العين المشتعلة عندما يستخدم عقرب الوقت قوته أثناء وجودك سوف تستطيع تميزه من وسط كل البشر.

- ماذا سأفعل عندما أفشل في إقناع عقرب الساعة؟

- لقد أخبرتك أن التأخير سوف يدمر العالم بأكمله؛ لقد حذرتك أتمنى أن تنجحي في تحقيق المستحيل.

- إذن أخبرني كيف أشغل هذه العين!

- سوف تعمل بمفردها في الوقت المناسب، ولكن حذاري هذه العين يجب أن تبقى سر أن علم أحد عن هذا الأمر سوف تفقدها وحينها سوف ينتهي كل شيء.

- حسنا لا تقلق لن أخبر عنها أحد أبداً.

بعد ذلك اختفى الفراغ وكل شيء ووجدت نفسي جالسة على الكرسي ويطرق الباب ثم تدخل الممرضة قائلة:
- هل أدخل المريض الذي جاء دوره في الدخول؟

- لا أنتظرِ لحظات.

تفاجأت من كل ما يحدث للتو؛ لذا طلبت من الممرضة أن تعطيني فترة راحة قبل دخول المريض التالي.

نهضت أتحرك ذهاباً وإياباً داخل العيادة الصغيرة أفكر بجنون فما حدث منذ لحظات أتساءل :
(ما الذي يحدث! هذه الأمور التي أواجهها لأول مرة في حياتي هل هي حقيقة أني فقدت عقلي للتو).

بعد تفكير لفترة قررت أن أذهب للبحث عن" الفطين" حتى أخبره بما حدث؛ أخذت حقيبتي وخرجت من العيادة دون اهتمام إلى صوت الممرضة التي تنادي بأعلى صوتها حتى تمنعني من الذهاب.

ذهبت إلى غرفة الطوارئ أبحث عن" الفطين" حتى أخبره بما حدث، ولكنى لم أجده في أي مكان صيرت أبحث حتى غربت الشمس ودخل الليل.

عندما يائسة عدت إلى المنزل، وهناك وجدت" الفطين" يجلس على الأريكة أمام" يوسف" يحدقون في بعضهما بنظرات قاتلة.

سحبت" الفطين" من معصمه دون اهتمام إلى" يوسف"، وأخذته إلى غرفتي حتى نتحدث.

أغلقت الباب جيداً حتى لا يستمع" يوسف" ما أخبر به" الفطين" دون علم أنه مختلف لأنه ليس إنسان لذا يستطيع سماع ما أقول دون أن يتحرك.

بعد إغلاقِ الباب بهذه الطريقة سأل" الفطين" بحيرة:
- ليندا ما الأمر لماذا تتصرفين هكذا!

- محمد هناك شيء خطير حدث معي اليوم.

- ما الذي حدث.

- لا أعلم كيف أشرح ذلك.

- أخبرني ما الذي حدث لقد شعرت بالقلق؟

- هل تستطيع أن تعدني أنك سوف تستمع حتى النهاية دون أن تقاطعني أو تسأل شيء!

- أعدك بذلك.

بدأت بسرد كل شيء حدث مع لقائي مع الوقت داخل الفراغ معاد العين المشتعلة التي وهبها إلى لأنه أخبرني بألا أخبر مخلوق عن هذا الأمر.

بالطبع كان في نفس الوقت" يوسف" من الخارج ينصت لكل شيء أتحدث به دون علمي بذلك.

عندما علم أن الوقت قابلني دون علمه حتى يحذرني من عقرب الوقت شعر" يوسف" بالخيانة والغدر من أقرب كائن له؛ لذا أختفى على الفور وذهب إلى مقابل الوقت في الفراغ.

عند رؤيته أخبره بغضب والدموع تسيل من عينه:
- أيها الوقت اللعين كيف لك أن تغدر بي مع الإنسانة التي أعشقها!

- أيها الحقير كيف لك أن تتحدث معي بهذه الطريقة من أجل بشرية؟

- لقدر خنتني عندما أخبرتها بالحقيقة.

- لم أخونك، كيف أخونك وأنت جزء مني!

- إذن ما تسمى الذي فعلته؟

- حماية.

- حماية؟ من ماذا!.

- من نفسك أحميك من خداع نفسك وتدمير ذاتك الحقيقة.

- لم أطلب منك الحماية أبداً كل ما طلبه هو أن تتركني أحيا مع الإنسانة التي أعشقها؟

- هذا لن يحدث أبداً.

- لماذا!

- لأن قدركم مختلف لم تتجمعوا معا أبداً.

- حتى وأن لن يكن هناك قدر يجمعنا سوف أخلق هذا القدر.

- لن تستطيع ذلك لذا استسلم وأنت مازالت في البداية لا تخوض أكثر من ذلك في هذه المضلعة.

- لقد أخطأت عندما سمعت أوامرك في البداية ورفضت قبول اعترافها بالحب بسبب هذه المهمة اللعينة كسرت قلبها وقلبي.

- لقد تحدثت بنفسك أنك كسرت قلبها مرة إذن ماذا عن الآن هل سوف تكسر قلبها مرة أخرى؟

- لن يحدث هذا أبداً.

- كيف هذا وأنت تعلم أن قلبها الآن ملك شخص آخر وليس لك؟

- حتى أن كان هذا صحيح سوف أجعلها تقع في حبي مرة آخر في الأصل كان قلبها ملكِ لذا ما كان ملكي في البداية سوف يظل ملكي حتى النهاية.

- هذا وهم خطير ومدمر لا تفعل يا عقرب الوقت.

- أنت لا تفعل هذا لا تحاول مقابلتها مرة أخرى أو تحرضها ضدي مرة أخرى؟

- حسنا هل نعقد اتفاقية حتى تتم هذه المهمة من دون مشاكل؟

- عن أي اتفاق تتحدث!

- سوف اتركها ولن أحدثها مرة أخرى دون علمك.

- وما المقابل؟

- أنك ستستمر في المهمة من دون إعاقة الموقف بسبب مشاعرك حتى النهاية.

- كيف أثق بك بعد ما حدث؟

- أعدك أن خلفت وعدي سوف أوهبك الميزان السحري حتى تصبح أقوى ثلاث أضعاف.

- سوف تعطيني العين السحرية عندما تنتهي المهمة كما تريد؟

- لا هذا مستحيل.

- إذن لن أفعل ما تريد.

- حسنا أعدك أعطاك هذا عندما تنجح.

- اتفقنا.

عاد" يوسف" إلى نفس مكانه المنزل في نفس اللحظة التي خرجت من الغرفة بعد الانتهاء من الحديث مع" الفطين".

حينها نظر" يوسف" إلينا بغضب قائلاً:
- هل أنا منبوذ في هذا المنزل!

- اعتذر يا يوسف ليس الأمر هكذا.

- إذن ماذا يحدث وتخفيه عني؟

- أنه أمر خاص بحياة مراد لا أستطيع أخبارك به الآن.

بعد لحظات تذكرت هذا الشاب في الماضي الذي كان يشبه" يوسف" كثيراً إلى درجة الجنون؛ طول حياتي لم أقابل أحد يشبه هذا الرجل في شيء حتى طريقة تنفسه مميزة ومختلفة.

هذا التطابق يجعلني أتساءل:(كيف يكون في الماضي والحاضر معا).

اقتربت من" يوسف" أجلس بجواره أحدق به بفضول وجدية حتى سأل:
- ما الأمر يا ليندا.

- لا شيء.

- أخبرني ما سبب هذا التحديق الغريب؟

- هذا لا شيء لا تشعر بالثقل.

- أشعر بوجود شيء هام تردي التحدث به؟

- في الحقيقة هل تعتقد أنك ممكن تقابل فتاة تشبهني في كل شيء الشكل والصوت والنظرات حت طريقة التنفس ولكن في دولة أخرى؟

- لا أظن ذلك.

- هل تعتقد ذلك؟

- نعم أعتقد أنه لا يوجد فتاة في الكون تشبهك أبداً.

- يوسف أنا لا أمزح فأنا أتحدث بجدية؟

- وأنا أيضاً جدي جداً فما أقول.

- أظن أن الحديث معك لا داعي له.

عند نهضي للذهاب إلى المطبخ أوقفني" يوسف" قائلاً:
- ليندا إذا قابلت فتاة تشبهك في كل شيء إذن سوف تكون انتِ وليس شخص آخر.

حين سمعت هذه الجملة ظلت ترن في أذني للحظات ثم جعلتني اتسمر مكاني أفكر بجدية فما قال (هل الرجل أظنه محق.

لكن أذا كان هو نفس الشاب الذي قابلته في الماضي إذن كيف حدث ذلك كيف أنتقل إلى هذا العصر وأسس ماكن شرعي ومعروف.

بعد سماعه يتحدث هكذا التفت أنظر إليه ثم سألته بتردد:
- يوسف هل سمعت من قبل عن شيء اسمها عقرب الوقت.

صدم" يوسف" وظل يحدق في وجهي بذهول للحظات دون أن يتحدث حتى قاطع" الفطين" هذا الصمت ضاحكاً قائلاً:
- كيف سوف يعلم يوسف عن هذا الأمر.

ثم اقترب" الفطين" قائلاً بصوت منخفض:
- ليندا لا يجب أن نتحدث عن هذا الأمر مع أحد آخر.

بعد حديثه شعرت بالشك أن يكون" يوسف" هو عقرب الوقت الذي حذرني منه الوقت عندما تقابلنا في الفراغ، ولكن بعد لحظات أخبرت نفسي:
(ما الذي أفعل هل فقدت عقلي).

بعد ذلك ذهبت إلى المطبخ أتناول كأسة ماء ثم عدت إلى غرفتي، وتركت هذا الاثنان معا يستكملوا التحديق المميت الذي يدور بينهما إلى الأبد.

مر شهر على مكث هذا الاثنين في منزلي، وخلال هذا الشهر لم أستطع التحدث مع" الفطين" عن حقيقة مشاعري بسبب تدخل" يوسف" الزائد عن حده.

خلال هذا الشهر كان يراقب" يوسف" بصمت مشاعري التي كانت تتطور تجاه" الفطين" كل يوم بألم، ورغم علمي بمشاعر" يوسف" تجاهي لا أستطيع أبعاده أو إيقافه عن فعل ذلك.

كان جزء بداخلي يشعر بالراحة والسعادة بسبب مشاعر" يوسف" تجاهي، وكأنني أنتقم للأعوام التي أحببته به في الماضي وتم رفضي وكسر قلبي بشدة.

لذا لم أحاول أبداً رفض هذه المشاعر النادرة التي تعطيني الراحة النفسية وتعوض الثقة المفقودة، وتلحم القلب المكسور، وهذا الأمر جعل" الفطين" يشتعل نار من الغيرة.

في الواقع هذه الأمور وعراكهم المستمر لم يحزنني أو يؤثر بالسلبي على حياتي، وإنما كان العكس تمام كنت أشعر بالسعادة الدائمة عندما يتعاركون ويتبادلون الغيرة.

كل هذا كان جيد حتى جاء" الفطين" غاضباً يسألني أمام" يوسف":
- ليندا يجب أن تختاري بيننا الآن.

- أنت ماذا تفعل هل فقدت عقلك من الغيرة؟

- كنت فاقد العقل عندما وافقت أن نعيش ثلاثتنا معاً والآن سوف أسترد عقلي وأخرج هذا الطفيلي من حياتنا.

غضب" يوسف" قائلاً:
- هل تهينني؟

- نعم أفعل ذلك لذا أخرج من هذا المنزل الآن؟

- هذا لن يحدث أبداً.

- إن لم تفعل سوف أقتلك الآن.

- حاول إن استطعت ذلك؟

- هل تتحداني!
- نعم أتحداك.

فجأة جاء صوت من قرب الباب بعد فتح الباب قائلة:
- أنا من أتحداكم أن لن تخرجوا من منزلي الآن سوف أقتلكم جميعاً.

تفاجئ ثلاثتنا ثم أسرعنا ننظر تجاه الباب وجدتنا" نوران" تمسك بمقبض الباب تنظر إلينا جميعاً بنظرات تشتغل نيران من الغضب.

بعد دخولها إلى الصالة قالت:
- ماذا يفعل هذان الرجلان داخل منزلي؟

حاولت الدفاع عن نفسي بإشارات بيدي قائلة:
- لا أعرف لقد حاولت كثير التخلص منهما ولكني فشلت في ذلك.

نظرت إليهم بنظرات غضبه جعلتهم يرتعشون خوفاً في مكانهم قائلة:
- لماذا لم يجبني أحد عن سبب وجودكم هنا؟

أجاب" الفطين" بصوت مرتعش منخفض:
- لا يجب أن تترك المرأة تعيش بمفردها.

ضحكت" نوران" تسأله بسخرية:
- لماذا هل تخاف أن يخطفها أحد!

- هذا صحيح كيف علمتي بذلك؟

- هل تمزح؟

- لا أني أتحدث بجدية.

- أنتم الاثنان خلال خمس دقائق أراكم في الخارج مع حقائبكم.

ثم نظرت إليَ قائلة:
- وأنتِ أيضاً أذهبي معهما.

- هل سوف تطردني بسبب هؤلاء!

- نعم إلى الخارج الآن؟

- نوران أنا صديقتي المقربة؟

- أعلم ولكني لا أريد رؤيتك الآن أخرجي ولا تعودي حتى المساء.

- حسنا سوف اذهب لذا لا تغضبي أذهبي أستريحِ الآن وسوف نتحدث في وقت أخر.

بعد ذلك حملت هاتفي ومحفظة أموالي وأسرعت إلى الخارج قبل الجميع؛ لأني أعلم جيداً عندما تغضب" نوران" تتحول إلى وحش كاسر؛ لذا أفضل حل الآن هو الابتعاد عنها حتى تصبح أفضل.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي