الفصل الحادي عشر
فوجئ بصوت آسر يأمره في حزم، وسلاحه مصوَّب
لرأسه:
- لا تتحرك وإلا أرديتك قتيلا في موضعك.. ألقِ
مسدسك جانبا، وارفع يدك خلف رأسك، والتفت
نحوي ببطء.
انصاع المتسلل لأوامر آسر، وبداخله سؤال يتردد بقوة: كيف سيهرب من هذا الموقف؟
وقبل أن يتردد تساؤله بداخله مرة أخرى، كان قد اتخذ قراره، ودفع آسر على غرة فاختل توازن الأخير، وأسرع
يبغي الفرار، وهو يقفز الدرج إلا أنه فوجئ بمحمد
الذي كان ينتظره بالأسفل يعرقله، وينقض عليه،
مكبلا إياه بالأصفاد الحديدية، وهو يهتف به في حزم:
- مَن أنت؟ وماذا تفعل هنا؟
وقبل أن يرد ذلك الملثم كان آسر قد مدَّ يده، وانتزع
القناع الذي يُخفي به وجهه، ليرتد الاثنان للخلف في مفاجأة مدوية حين انكشفت لهما هوية المتسلل..
لقد كان صابر.. شقيق القتيلة..
هتف آسر به في حزم قائلا:
- كيف دخلت إلى هنا؟ وما الذي كنت تبحث عنه؟
التزم صابر الصمت تماما في اللحظة التي كان محمد يتصل فيها بالقسم لإرسال سيارة شرطة مع قوة للقبض على صابر الذي اتخذ من جدار الفيلا متكئا له،
وقد استسلم تماما في صمت..
اقترب منه آسر كأسد يستعد للهجوم على فريسته،
فارتد على أثر هذا الهجوم صابر إلى الخلف، بينما
صرخ فيه آسر بغضب:
- صمتك هذا لن يفيد موقفك، بل سيزيد الشكوك حولك، أيضا سوف تتهمك النيابة بقتل شقيقتك مع سبق الإصرار والترصد، وهذا جزاءه الإعدام شنقاً.
جفَّ حلقه تلقائيا فور سماعه ما سيؤول إليه حاله إن استمرَّ على هذا الوضع، خرجت حروفه مرتجفة كما
جسده:
- لم أقتلها، لم أقتلها..
شعر آسر أنه أصاب هدفه، لذا أكمل:
- لا يوجد إثبات واحد على أقوالك، نحن وجدناك
داخل فيلتها، وهذا يكفي لتوجه تهمة القتل إليك و...
قاطعه صابر قائلا في وجل، وقد قرر أن يخرج من سجن صمته:
- سوف أخبرك بكل شيء، لكن أرجو منك أن يكون هذا الحديث سرا لا تعلم به الصحافة؛ فهو يخصُّ
سمعةَ شقيقتيَّ (أمل وابتسام).
وعده آسر أن يتكتم على الأمر، وأنه سوف يساعده في حالة قول الحق، نظر صابر حوله ليطمئن، ثم استرسل قائلاً:
- بعد حادث قتل سنية، وزيارتك لمنزلنا وسؤالك
عن شقيقتيَّ، واجهتهما، وادعيت أنك تشكُّ أن
إحداهما هي الجانية، فخرا أرضا والدموع تتساقط
أنهارا من مقلتيهما، وأخبراني أن لديهما صورا في
الفيلا وأغراضا؛ لذا خفت أن تقع قدماهما في القضية، وتُشوَّه سمعتُهما؛ فنحن فقراء لا نملك من الدنيا غير سمعتنا وشرفنا، كل يوم كنت أذهب إلى الفيلا، و
أحوم من حولها بحرص لأجد مدخلا أستطيع من
خلاله الولوج إلى الداخل وجمع صور شقيقتيَّ دون أن يراني أحد، حتى أخبرتني أمل بوجود باب سري كانت
تدخل وتخرج منه، وأيضا تملك المفتاح الخاص به، لذا توجهت نحو الفيلا، وانتظرت خروجكما، ثم دخلت من الباب السري الذي أخبرتني به شقيقتي.. صدقني
شقيقتاي كانتا تحبان سنية كثيرا، وكلتاهما تمنت
الانتقال والعيش معها؛ للهروب من الحارة ورطوبة منزلنا.
تدخل محمد ليقاطعه مصفقا، وهو يقول بلهجة
يشوبها بعض السخرية:
- نفهم من ذلك أن خوفك على شقيقتيك هو
الدافع الذي جعلك تقتل شقيقتك الأخرى؟!
صرخ صابر مدافعا عن نفسه:
- لا لم أقتلها، أقسم لك إنني لم أقتلها..
- كل هذا هراء، سوف يثبت الطب الشرعي وجود
بصماتك بمسرح الجريمة، وحينها هنيئا لك الإعدام جزاء فعلتك.
- لم أقتلها، لم أقتلها..
ظلَّ يقسم على براءته لكن بلا فائدة..
وصلت سيارة الشرطة، وتم القبض على صابر، واقتياده داخل سيارة الشرطة إلى القسم بعد تعيين حراسة
مشددة على الفيلا.
وصل آسر إلى منزل تامر فؤاد ثم قام بالقبض عليه
بتهمة قتل الفنانة سوزي سالم.
جلس تامر بجانب قصي في غرفة الحجز بعيدا عن
باقي المشتبهين الذين أحاطوه بنظرات بعضها
يحمل الشماتة، والبعض الآخر يحمل الفضول، و
عيونهم تصرخ بأسئلة عدة: كيف لفنانٍ مشهور مثله
أين يكون بينهم في هذا المكان؟!
تذكر اتصالها الأخير، كيف كان الخوف والقلق يملأ
صوتها؟ مما جعله يترك كل ما بين يديه، ويذهب
إليها فوراً، لازال قلقها الذي سكن حدقتيها عندما
رآها ينهش روحه....
اقترب منه اثنان من المحتجزين لمضايقته فدفعهما بعيدا، محذرا إياهما من الاقتراب، صوت صرير باب
الغرفة جعلهما يبتعدان عنه بينما عينا تامر تعلقت
بالباب، أتى صوت العسكري مناديا باسمه، فأجاب
عليه:
- نعم.
- حضرة الضابط يريدك.
خرج من الغرفة ليتجه نحو مكتب الضابط
المسؤول.
********
أمام قصر المنتج ورجل الأعمال الشهير فايز الألفي
علا زمور سيارة صاحب القصر، أسرع فرد الأمن لفتح
البوابة، وهو يحي الجالس بالمقعد الخلفي للسيارة:
- نورت القصر فايز باشا.
أشار له بيده، ثم أكمل سائقه طريقه نحو الداخل؛
تأكد الحارس من عدم وجود أحد حوله، أغلق البوابة
الضخمة التي يقوم بحمايتها، ثم دلف إلى غرفته في هدوء؛ حتى لا يثير الشكوك حوله، أخرج من حافظته
الجلدية المتهالكة بطاقة صغيرة تحمل اسم آسر
ورقم هاتفه، وضع الهاتف على أذنه بعدما طلب رقم الهاتف المسجل أمامه:
- آسر بك.
- نعم أنا آسر، مَن أنت؟
- أنا عرابي حارس قصر فايز بك الألفي.
- هل تذكرت شيئا جديدا؟
- لا يا سيدي، لكن فايز بك عاد اليوم من السفر.
شكره آسر بعدما أخبره بضرورة الحرص وعدم معرفة
أي شخص بتواصلهما؛ حفاظا على حياته، أنهى
المكالمة، ثم حمل مفاتيح سيارته وأغراضه ليخرج من المكتب، بينما
سأله محمد:
- إلى أين؟ لقد أتى العسكري بتامر من الحجز
للتحقيق معه.
أجابه آسر، وهو يهم بالمغادرة:
- فايز الألفي عاد من السفر؛ لذا سوف أذهب إلى
قصره، تابع أنت التحقيق معه لحين عودتي.
قالها آسر وخرج مسرعا لوجهته، أدار مقود سيارته،
واتجه مباشرة إلى قصر الألفي..
داخل القصر وقف رجل تجاوز العقد السابع من العمر، طويل القامة، عريض المنكبين، يهابه الجميع كما
يهابون صاحب القصر، فلا يستطيع أحد إهانته ولا
التعامل معه بطريقة سيئة وإلا يكون جزاؤه الطرد،
كل مَن بالقصر يظنون أن هناك علاقة قديمة تجمع
بينه وبين صاحب القصر، أو أن فايز يفضله فقط
لتقارب العمر بينهما؛ لأنه الشخص الوحيد الذي
يملك مفتاحي غرفتي المكتب والنوم الخاصتين بفايز الألفي، وهذه علامة واضحة لتميزه عن جميع مَن
بالقصر حيث أنه يعتبره حافظ أسراره، لازال يحتفظ
بصحته، يسأل ربَّ عملِه:
- أنرت قصرك فايز بك، هل آمر بتجهيز الطعام
لك؟
- أشكرك أنور، ولكن ليس الآن؛ سوف أنهي بعض الاتصالات أولا، ثم أتناول طعامي معك.
أومأ أنور برأسه، ثم خرج من غرفة المكتب الخاصة
بفايز؛ ليأمر الطاهي بإعداد الأطعمة التي يفضلها
فايز بك، استمع الطاهي لكافة التعليمات التي
ألقاها أنور على مسامعه، ثم انصرف ليتأكد من باقي شؤون القصر.
اتصل فايز بهنادي التي ما إن رأت هاتفها ينير برقمه حتى تهللت أساريرها لتجيب مسرعة:
- أهلا فايز بك، كيف حالك؟ متى عُدت من رحلتك؟
- بخير، كيف حالك هنادي؟ أخبريني ما هي آخر
مستجدات الشركة؟
- كل شيء يتم كما خطط له مسبقا، ولا توجد أية مشاكل، جميع الشحنات سوف يتم تسلميها في
الموعد المحدد.
- حسناً، أريدك أن تأتي إلى القصر بعد ساعتين من
الآن؛ فهناك أمور طارئة لابد من إنهائها.
- سوف أحضر في الموعد المحدد.
أنهت المكالمة، ثم اتجهت مسرعة إلى غرفتها
لتبدل ملابسها، وتستعد لهذا اللقاء؛ فهي تنتظره
منذ عدة سنوات، والآن فقط حان الموعد، خلعت
عنها ذلك المِئزر الحريري لترتدي فستانا قصيرا من
اللون الأسود يتماشى مع نتوءات جسدها، صففت
شعرها لينزل على ظهرها كموج البحر الهائج،
وضعت بعض المساحيق التجميلية لتبرز عينيها،
ألقت نظرة نهائية على مظهرها أمام المرآة، ثم
وضعت من أحمر الشفاه وذلك العطر الفرنسي،
أرسلت قبلة لانعكاسها، ثم غادرت لقصر الألفي..
وصل آسر أمام القصر، ثم ترجل من سيارته، ليطلب
مقابلة صاحب القصر، سأله فرد الأمن الخاص بحراسة البوابة:
- مَن أنت؟ وما سبب الزيارة؟ فايز بك مشغول الآن، ولا يستطيع مقابلة أحد.
- آسر جمال، من المباحث، وأريده في أمر لا يحتمل التأجيل.
طلب منه الانتظار؛ حتى يسأل صاحب القصر عن رأيه
عن طريق الجهاز اللاسلكي الذي يحمله، لحظات
جاء بعدها الرد بالسماح له بالدخول، دلف آسر
للداخل بخطى بطيئة متأملاً ذلك العالم الكبير، فهو قابل أنواعا عدة من البشر، لكن أمثال فايز من الصعب مقابلتهم وجهاً لوجه، ضحك في نفسه على كل تلك المسافة التي قطعها لكي يصل إلى باب القصر؛ فقد مرَّ بمسبح كبير تحاوطه المساحات الخضراء من
الجانبين، على يمين المسبح توجد سبع سيارات من
أحدث الفئات، تقف بكل شموخ تحت مظلة لتحميهم من الشمس والأتربة بجانبهم حارس مسؤول فقط
عن نظافتهم، على الجانب الأيسر توجد مظلة كبيرة تحاوطها عدة مقاعد مبطنة ومقاعد أخرى تشبه
الأسّرة تُستخدم عند الخروج من المسبح.. قابله أنور
على باب القصر ليرحب به:
- أهلا بك، فايز بك في انتظارك.
قاده أنور إلى غرفة المكتب الخاصة بفايز، ثم انصرف
لمتابعة عمله، داخل غرفة كبيرة أبعادها خمسة
أمتار في خمسة أمتار تتوسطها ثريا أعمدتها من
الذهب برغم شعاع الشمس البسيط الساقط عليها
إلا أن ضياءها يخطف الأبصار، تتدلى منها عناقيد
الكريستال كحبات العنب، بها نافذة تطل على
حديقة القصر، بجوارها يوجد مكتب كلاسيكي كبير
على واجهته نقش حرفي (F- A) من الذهب، كما
طُعمت حوافه الأربعة ببعض الزخارف الذهبية، على
يمين النافذة توجد مدفأة تشبه المدفأة الموجودة
بفيلا سوزي، أمامها كرسيان كلاسيكيان، يجلس فايز على أحدهما ينفث دخان سيجاره الكوبي ببطء، بدأ
آسر الحديث بدءا من عثوره على جثة سوزي مقتولة
داخل فيلتها وعن شكوكه تجاهه بسبب الخلافات
التي كانت بينهما في الآونة الأخيرة، والتي قامت
سوزي على إثرها بالانتقال والإقامة النهائية وحدها داخل تلك الفيلا حتى قُتلت، ضحك فايز فور سماعه
حديث آسر، لحظات استعاد بعدها جديته، ليقول له
بهدوء، وهو ينفث دخان سيجاره:
- هل تظن أنني قمت بقتلها؟
أجابه آسر بنفس النبرة الساخرة:
- ولمَ لا؟! على حسب معلوماتي هي فضلت عليك شخصا آخر.
- إذا أردت الانتقام منها ومنه لكنت أذقتهما
الويل، وجعلتهما يتمنيان الموت لأرحمهما، ولن
ينالاه.
- إذا ما سبب اختفاءك المفاجئ بعد الحادث؟
- سافرت لإنهاء صفقة عمل، ولم اختفِ، ابحث عن القاتل بمكان آخر؛ فهذا القصر لا يسكنه المجرمون.
لرأسه:
- لا تتحرك وإلا أرديتك قتيلا في موضعك.. ألقِ
مسدسك جانبا، وارفع يدك خلف رأسك، والتفت
نحوي ببطء.
انصاع المتسلل لأوامر آسر، وبداخله سؤال يتردد بقوة: كيف سيهرب من هذا الموقف؟
وقبل أن يتردد تساؤله بداخله مرة أخرى، كان قد اتخذ قراره، ودفع آسر على غرة فاختل توازن الأخير، وأسرع
يبغي الفرار، وهو يقفز الدرج إلا أنه فوجئ بمحمد
الذي كان ينتظره بالأسفل يعرقله، وينقض عليه،
مكبلا إياه بالأصفاد الحديدية، وهو يهتف به في حزم:
- مَن أنت؟ وماذا تفعل هنا؟
وقبل أن يرد ذلك الملثم كان آسر قد مدَّ يده، وانتزع
القناع الذي يُخفي به وجهه، ليرتد الاثنان للخلف في مفاجأة مدوية حين انكشفت لهما هوية المتسلل..
لقد كان صابر.. شقيق القتيلة..
هتف آسر به في حزم قائلا:
- كيف دخلت إلى هنا؟ وما الذي كنت تبحث عنه؟
التزم صابر الصمت تماما في اللحظة التي كان محمد يتصل فيها بالقسم لإرسال سيارة شرطة مع قوة للقبض على صابر الذي اتخذ من جدار الفيلا متكئا له،
وقد استسلم تماما في صمت..
اقترب منه آسر كأسد يستعد للهجوم على فريسته،
فارتد على أثر هذا الهجوم صابر إلى الخلف، بينما
صرخ فيه آسر بغضب:
- صمتك هذا لن يفيد موقفك، بل سيزيد الشكوك حولك، أيضا سوف تتهمك النيابة بقتل شقيقتك مع سبق الإصرار والترصد، وهذا جزاءه الإعدام شنقاً.
جفَّ حلقه تلقائيا فور سماعه ما سيؤول إليه حاله إن استمرَّ على هذا الوضع، خرجت حروفه مرتجفة كما
جسده:
- لم أقتلها، لم أقتلها..
شعر آسر أنه أصاب هدفه، لذا أكمل:
- لا يوجد إثبات واحد على أقوالك، نحن وجدناك
داخل فيلتها، وهذا يكفي لتوجه تهمة القتل إليك و...
قاطعه صابر قائلا في وجل، وقد قرر أن يخرج من سجن صمته:
- سوف أخبرك بكل شيء، لكن أرجو منك أن يكون هذا الحديث سرا لا تعلم به الصحافة؛ فهو يخصُّ
سمعةَ شقيقتيَّ (أمل وابتسام).
وعده آسر أن يتكتم على الأمر، وأنه سوف يساعده في حالة قول الحق، نظر صابر حوله ليطمئن، ثم استرسل قائلاً:
- بعد حادث قتل سنية، وزيارتك لمنزلنا وسؤالك
عن شقيقتيَّ، واجهتهما، وادعيت أنك تشكُّ أن
إحداهما هي الجانية، فخرا أرضا والدموع تتساقط
أنهارا من مقلتيهما، وأخبراني أن لديهما صورا في
الفيلا وأغراضا؛ لذا خفت أن تقع قدماهما في القضية، وتُشوَّه سمعتُهما؛ فنحن فقراء لا نملك من الدنيا غير سمعتنا وشرفنا، كل يوم كنت أذهب إلى الفيلا، و
أحوم من حولها بحرص لأجد مدخلا أستطيع من
خلاله الولوج إلى الداخل وجمع صور شقيقتيَّ دون أن يراني أحد، حتى أخبرتني أمل بوجود باب سري كانت
تدخل وتخرج منه، وأيضا تملك المفتاح الخاص به، لذا توجهت نحو الفيلا، وانتظرت خروجكما، ثم دخلت من الباب السري الذي أخبرتني به شقيقتي.. صدقني
شقيقتاي كانتا تحبان سنية كثيرا، وكلتاهما تمنت
الانتقال والعيش معها؛ للهروب من الحارة ورطوبة منزلنا.
تدخل محمد ليقاطعه مصفقا، وهو يقول بلهجة
يشوبها بعض السخرية:
- نفهم من ذلك أن خوفك على شقيقتيك هو
الدافع الذي جعلك تقتل شقيقتك الأخرى؟!
صرخ صابر مدافعا عن نفسه:
- لا لم أقتلها، أقسم لك إنني لم أقتلها..
- كل هذا هراء، سوف يثبت الطب الشرعي وجود
بصماتك بمسرح الجريمة، وحينها هنيئا لك الإعدام جزاء فعلتك.
- لم أقتلها، لم أقتلها..
ظلَّ يقسم على براءته لكن بلا فائدة..
وصلت سيارة الشرطة، وتم القبض على صابر، واقتياده داخل سيارة الشرطة إلى القسم بعد تعيين حراسة
مشددة على الفيلا.
وصل آسر إلى منزل تامر فؤاد ثم قام بالقبض عليه
بتهمة قتل الفنانة سوزي سالم.
جلس تامر بجانب قصي في غرفة الحجز بعيدا عن
باقي المشتبهين الذين أحاطوه بنظرات بعضها
يحمل الشماتة، والبعض الآخر يحمل الفضول، و
عيونهم تصرخ بأسئلة عدة: كيف لفنانٍ مشهور مثله
أين يكون بينهم في هذا المكان؟!
تذكر اتصالها الأخير، كيف كان الخوف والقلق يملأ
صوتها؟ مما جعله يترك كل ما بين يديه، ويذهب
إليها فوراً، لازال قلقها الذي سكن حدقتيها عندما
رآها ينهش روحه....
اقترب منه اثنان من المحتجزين لمضايقته فدفعهما بعيدا، محذرا إياهما من الاقتراب، صوت صرير باب
الغرفة جعلهما يبتعدان عنه بينما عينا تامر تعلقت
بالباب، أتى صوت العسكري مناديا باسمه، فأجاب
عليه:
- نعم.
- حضرة الضابط يريدك.
خرج من الغرفة ليتجه نحو مكتب الضابط
المسؤول.
********
أمام قصر المنتج ورجل الأعمال الشهير فايز الألفي
علا زمور سيارة صاحب القصر، أسرع فرد الأمن لفتح
البوابة، وهو يحي الجالس بالمقعد الخلفي للسيارة:
- نورت القصر فايز باشا.
أشار له بيده، ثم أكمل سائقه طريقه نحو الداخل؛
تأكد الحارس من عدم وجود أحد حوله، أغلق البوابة
الضخمة التي يقوم بحمايتها، ثم دلف إلى غرفته في هدوء؛ حتى لا يثير الشكوك حوله، أخرج من حافظته
الجلدية المتهالكة بطاقة صغيرة تحمل اسم آسر
ورقم هاتفه، وضع الهاتف على أذنه بعدما طلب رقم الهاتف المسجل أمامه:
- آسر بك.
- نعم أنا آسر، مَن أنت؟
- أنا عرابي حارس قصر فايز بك الألفي.
- هل تذكرت شيئا جديدا؟
- لا يا سيدي، لكن فايز بك عاد اليوم من السفر.
شكره آسر بعدما أخبره بضرورة الحرص وعدم معرفة
أي شخص بتواصلهما؛ حفاظا على حياته، أنهى
المكالمة، ثم حمل مفاتيح سيارته وأغراضه ليخرج من المكتب، بينما
سأله محمد:
- إلى أين؟ لقد أتى العسكري بتامر من الحجز
للتحقيق معه.
أجابه آسر، وهو يهم بالمغادرة:
- فايز الألفي عاد من السفر؛ لذا سوف أذهب إلى
قصره، تابع أنت التحقيق معه لحين عودتي.
قالها آسر وخرج مسرعا لوجهته، أدار مقود سيارته،
واتجه مباشرة إلى قصر الألفي..
داخل القصر وقف رجل تجاوز العقد السابع من العمر، طويل القامة، عريض المنكبين، يهابه الجميع كما
يهابون صاحب القصر، فلا يستطيع أحد إهانته ولا
التعامل معه بطريقة سيئة وإلا يكون جزاؤه الطرد،
كل مَن بالقصر يظنون أن هناك علاقة قديمة تجمع
بينه وبين صاحب القصر، أو أن فايز يفضله فقط
لتقارب العمر بينهما؛ لأنه الشخص الوحيد الذي
يملك مفتاحي غرفتي المكتب والنوم الخاصتين بفايز الألفي، وهذه علامة واضحة لتميزه عن جميع مَن
بالقصر حيث أنه يعتبره حافظ أسراره، لازال يحتفظ
بصحته، يسأل ربَّ عملِه:
- أنرت قصرك فايز بك، هل آمر بتجهيز الطعام
لك؟
- أشكرك أنور، ولكن ليس الآن؛ سوف أنهي بعض الاتصالات أولا، ثم أتناول طعامي معك.
أومأ أنور برأسه، ثم خرج من غرفة المكتب الخاصة
بفايز؛ ليأمر الطاهي بإعداد الأطعمة التي يفضلها
فايز بك، استمع الطاهي لكافة التعليمات التي
ألقاها أنور على مسامعه، ثم انصرف ليتأكد من باقي شؤون القصر.
اتصل فايز بهنادي التي ما إن رأت هاتفها ينير برقمه حتى تهللت أساريرها لتجيب مسرعة:
- أهلا فايز بك، كيف حالك؟ متى عُدت من رحلتك؟
- بخير، كيف حالك هنادي؟ أخبريني ما هي آخر
مستجدات الشركة؟
- كل شيء يتم كما خطط له مسبقا، ولا توجد أية مشاكل، جميع الشحنات سوف يتم تسلميها في
الموعد المحدد.
- حسناً، أريدك أن تأتي إلى القصر بعد ساعتين من
الآن؛ فهناك أمور طارئة لابد من إنهائها.
- سوف أحضر في الموعد المحدد.
أنهت المكالمة، ثم اتجهت مسرعة إلى غرفتها
لتبدل ملابسها، وتستعد لهذا اللقاء؛ فهي تنتظره
منذ عدة سنوات، والآن فقط حان الموعد، خلعت
عنها ذلك المِئزر الحريري لترتدي فستانا قصيرا من
اللون الأسود يتماشى مع نتوءات جسدها، صففت
شعرها لينزل على ظهرها كموج البحر الهائج،
وضعت بعض المساحيق التجميلية لتبرز عينيها،
ألقت نظرة نهائية على مظهرها أمام المرآة، ثم
وضعت من أحمر الشفاه وذلك العطر الفرنسي،
أرسلت قبلة لانعكاسها، ثم غادرت لقصر الألفي..
وصل آسر أمام القصر، ثم ترجل من سيارته، ليطلب
مقابلة صاحب القصر، سأله فرد الأمن الخاص بحراسة البوابة:
- مَن أنت؟ وما سبب الزيارة؟ فايز بك مشغول الآن، ولا يستطيع مقابلة أحد.
- آسر جمال، من المباحث، وأريده في أمر لا يحتمل التأجيل.
طلب منه الانتظار؛ حتى يسأل صاحب القصر عن رأيه
عن طريق الجهاز اللاسلكي الذي يحمله، لحظات
جاء بعدها الرد بالسماح له بالدخول، دلف آسر
للداخل بخطى بطيئة متأملاً ذلك العالم الكبير، فهو قابل أنواعا عدة من البشر، لكن أمثال فايز من الصعب مقابلتهم وجهاً لوجه، ضحك في نفسه على كل تلك المسافة التي قطعها لكي يصل إلى باب القصر؛ فقد مرَّ بمسبح كبير تحاوطه المساحات الخضراء من
الجانبين، على يمين المسبح توجد سبع سيارات من
أحدث الفئات، تقف بكل شموخ تحت مظلة لتحميهم من الشمس والأتربة بجانبهم حارس مسؤول فقط
عن نظافتهم، على الجانب الأيسر توجد مظلة كبيرة تحاوطها عدة مقاعد مبطنة ومقاعد أخرى تشبه
الأسّرة تُستخدم عند الخروج من المسبح.. قابله أنور
على باب القصر ليرحب به:
- أهلا بك، فايز بك في انتظارك.
قاده أنور إلى غرفة المكتب الخاصة بفايز، ثم انصرف
لمتابعة عمله، داخل غرفة كبيرة أبعادها خمسة
أمتار في خمسة أمتار تتوسطها ثريا أعمدتها من
الذهب برغم شعاع الشمس البسيط الساقط عليها
إلا أن ضياءها يخطف الأبصار، تتدلى منها عناقيد
الكريستال كحبات العنب، بها نافذة تطل على
حديقة القصر، بجوارها يوجد مكتب كلاسيكي كبير
على واجهته نقش حرفي (F- A) من الذهب، كما
طُعمت حوافه الأربعة ببعض الزخارف الذهبية، على
يمين النافذة توجد مدفأة تشبه المدفأة الموجودة
بفيلا سوزي، أمامها كرسيان كلاسيكيان، يجلس فايز على أحدهما ينفث دخان سيجاره الكوبي ببطء، بدأ
آسر الحديث بدءا من عثوره على جثة سوزي مقتولة
داخل فيلتها وعن شكوكه تجاهه بسبب الخلافات
التي كانت بينهما في الآونة الأخيرة، والتي قامت
سوزي على إثرها بالانتقال والإقامة النهائية وحدها داخل تلك الفيلا حتى قُتلت، ضحك فايز فور سماعه
حديث آسر، لحظات استعاد بعدها جديته، ليقول له
بهدوء، وهو ينفث دخان سيجاره:
- هل تظن أنني قمت بقتلها؟
أجابه آسر بنفس النبرة الساخرة:
- ولمَ لا؟! على حسب معلوماتي هي فضلت عليك شخصا آخر.
- إذا أردت الانتقام منها ومنه لكنت أذقتهما
الويل، وجعلتهما يتمنيان الموت لأرحمهما، ولن
ينالاه.
- إذا ما سبب اختفاءك المفاجئ بعد الحادث؟
- سافرت لإنهاء صفقة عمل، ولم اختفِ، ابحث عن القاتل بمكان آخر؛ فهذا القصر لا يسكنه المجرمون.