الفصل السابع عشر
.
.
مسا، عقب عقد القران.
- فيمنحكِ اللهُ سعادةً ابدية يا صغيرتي.
قالها آدم معانقًا ابنته وعيناه تلمح بدموع الفرح، غير مُصدقٍ ان ابنته قد تزوجت، كيف لم ينتبه للوقت الطويل الذي مرّ على زواجه؟! لا زال يذكر لحظة مولدها... يذكر خطواتها المُتعثرة ونبرتها الحُلوة وهي تحاول عبثًا مناداته.
- ابي، حبيبي.
همست بحب وهي تغرق بعناقه الدافئ الذي لم تحظ به منذ فترةٍ طويلة.
قبّل جبينها بحنانٍ وهو يهمس لعزيز:
- لقد اعطيتكَ اغلى بناتي، حافظ عليها يا عزيز لأنني لن اتهاون معك اذا احزنتها.
اجاب عزيز بصدق ولا زال مصدومًا مما يحدث .. لا يصدق انها بالفعل غدت زوجته:
- لن افعل ما يحزنها ابدًا، سأحافظ عليها من نسمات الهواء.
قالها وهي يسحبها نحوه ليقبل جبينها هامسًا بسرور:
- مباركٌ لنا يا زوجتي.
- لا يا عزيزي، ستكون زوجتك بعد شهران ونصف وليس اليوم، لذا لن يكون بينكما ايّ اتصال الى يوم الزفاف.
قالها آدم بغيرةٍ واضحة وهو يبعدها عنه ليقول عزيز بيأس:
- حسنٌ.
الّا ان آدم اردف بصرامةٍ وقد تلاشت ابتسامته:
- انا في غاية الجدية يا عزيز، لا لقاءات البتّة.
لم يكُن عزيز منتبهًا لأي مما يقول آدم فكل انتباهه مع فلك التي اصبحت بالفعل زوجته... استوعب هذه الحقيقة اخيرًا.. فلم يستطع كبح رغبته ليحملها عاليًا ويدور بها هامسًا بضحكاتٍ صاخبة:
- يا إلهي! لقد تزوجنا بالفعل، تزوجنا يا حبيبتي.
كانت نظرات الجميع تحومُ حولهما بسعادة... فتحول غضب آدم الى ابتسامةٍ صغيرة مدركا ان فلك قد تزوجت ولم يعُد له اي كلمةٍ عليها، وقريبا ستكون ببيته ولم يكُن هذا الأمر يسعده ولكنها سنة الحياة.
.
.
.
إنها ليلة الفرح، ليلة زواج ابنتها الحلوة، الليلة التي ستصبِحُ فيها فلك الصغيرة زوجةً لعزيز... ستحملُ اسمه الى الأبد وستمنحه دفء العائلة... فلك التي منحتها شعورًا لن تنساهُ بحياتها، شعور ان تُوضع الجنة تحت قدميها.. ان تنفصل عنها قطعةٌ من روحها لتُغرس بأرضٍ أُخرى بعيدة عنها.
تقدمت لتعانق ابنتها عقب عقد القِران، تبارك لها بسعادةٍ غامرة، كيف لا وهي تراها برفقة حبيبها الوحيد.
- حلوتي، يا اجمل اميرةً بالكون، ها قد حصلتي على سعادتك.
ابتسمت فلك وعيناها تمتلئ بالدموع وهي تتلقى مباركة والدتها الحبيبة التي فعلت المُستحيل لإسعادها، فقد كان والدها مُتردِدًا في امر خطبتها الّا ان ليلى اقنعته بالأمر لأنها تعلم مسبقا ان لا احد بإستطاعته اسعادها سوى عزيز.
- امّي!
همست ودموعها تنساب مختلطةً بإبتسامةٍ جميلةٍ وهي تلمح سعادة والدتها، وتدرك في كل لحظة ان لا احد في الدنيا قد يحبها كما تفعل ليلى.
- لا دموع اليوم، سنفرح فقط يا حبيبتي، سنفرح عن كُلّ لحظة حُزنٍ بالفترة الماضية... فكم مرّة ستتزوّج ابنتي الكبرى.
ابتعدت عنها ما ان تعالى لحنٌ شرقيٌّ راقص، واقتربت من ساحة الرقص وهي تسحب شالها الخفيف الذي كان يغطي كتفيها المكشوفين لتربطه على ردفيها، وبالرغم من نظرات آدم التحذيرية لم تستطع منع جسدها من التمايل، ترقص بنشوةٍ غريبة، بفرحةٍ يغمرها الحزن، بقلبٍ مكسور، ترقص لأنها امرأةٌ مُختلفة... لأن حزنها يشبهها بكُلّ شيء، ذلك الحزن الجميل المغوي السالب للأنفاس.
ظلّت تدورُ مغمضة العينين والكون يتلاشى من حولها الى ان انتهت الموسيقى فجأةً وكان آدم من امر لإيقافها ولكن ما ان فتحت عيناها حتى اصطدمت بجوهرتي الذهب.. هنالك بعيدًا عن الحشد.. يقفُ جلال بهيئته المعروفة، يطالع عيناها بوقاحة دون ان يرفّ لهُ جفن.
ارتبكت للحظةٍ وابتعدت عن المكان بأكمله ولكن لا زالت تلك النظرة الغريبة تتبعها، تلتصقُ بعينيها وتجلب لها شعورًا غير مُحبب ولكنها تجاهلته ببساطة وعادت لتمارس دور أُمّ العروس الذي يليقُ بها للغاية.
.
.
وقفت غيد بعيدًا عن الأضواء، في تلك المساحة الشاسعة بمنتصف الحي والتي تحولت الى ساحة كبيرة مليئةٌ بالناس، وعلى منصّةٍ مُرتفعة وُضِع كرسيان مزينان بالورود .. تجلسُ فلك بإطلالتها المُبهرة، يتدلى شعرها الناعم كسلاسل سوداء طويلة على كتفيها العاريين من طرفي الفستان ذي اللون السمائي... تبدوا كنجمةٍ وتلك الكريستالات اللامعة المنتثرة على ثوبها تشعُّ مع الاضواء. اما نظرة عزيز اليها... دفعت لقلبها كرهًا اسودًا؛ فهو يكاد يلتهمها بنظراته العاشقة، تلك النظرات التي كانت ذات يوم موجهةٌ اليها وهي بكل غباءٍ تجاهلتها وباعت نفسها لمن يدفع اكثر.
جلست على الكرسي المُختبئ عن اعيُن الناسِ بعد ان لم تعُد قادرةً على حمل ثِقل جسدها وحانت منها نظرةٌ الى آدم الواقف بجوار زوجته، سقطت دموعها بأسىً وهي ترى كم هما مناسبان، ليلى بجمالها الفطري ومظهرها الراقي وهو بعنفوانه ورزانته المعهودة، وازداد السؤال الذي يتضخّم بقلبها كمرضٍ خبيث، لماذا ترك هذه المرأة وتزوجها هي؟! لماذا ادخلها في معركةٍ خاسرة؟! لماذا رماها القدر في طريقه دونًا عن غيرها؟!
غصّت بدموعها والقلب يهمسُ بحُرقة:
- انتِ لا تستحقين سواه، لا تستحقين عزيز... بل آدم المقسوم على إثنين ولن تكون قسمةٌ عادلة... لن تكون.
في تلك الأثناء كان عزيز مأخوذًا بفلك التي يشعر بأنه يراها للمرّة الأولى، يرى امرأته وليس تلك المراهقة التي كانت تطارده بنظراتها المُثيرة للشفقة، يرى زهوًا انثويًّا لا يليقُ بسواها وهي تطالعه بعينان تشعّان سعادة وبالرغم من ذلك تثقُ تمامًا بحبه لها وهو بالفعل يحبها.. الآن فقط ادرك هذه الحقيقة، يحب رقّتها وبرائتها، يحب حنانها الجارف ومشاعرها الصافية، يعشقُ خجلها وعيناها المُشتعلتان بإنبهارٍ لا يزول، حتى صدودها وقسوتها الناعمة تروقه للغاية.
ليته يستطيع الهرب بها بعيدًا ليخبرها كم هو يحبها.. وكيف استطاعت بسهولةً حجز مكانها بقلبه لتمحو كل ما قبلها، حتى غيد التي ظنّ انه مولعًا بها لم يكن شعوره نحوها اكثر من مجرد انجذابٍ لشيءٍ مختلف، ففي تلك الفترة كانت والدته قد توفيت حديثًا واصبح يتيم الأبوين، كان فقد والدته مؤلمًا للغاية ولم يكن بإستطاعته التعامل مع الحُزن بسهولة لذا هرب بعيدًا وكان عمله في تلك الأشغال الشاقة ليس سوى ترويضًا لمشاعره المتوحشة.
- هيا يا فلك، إنها اغنيتنا المُفضلة.
ايقظه صوت حور من افكاره ليراقب زوجته تبتعد برفقة اختيها ووالدتها، وهن يرقصن بفرح، وبالرغم من غيرته الشديدة الّا انه لم يكُن ليسمح لنفسه بإخماد بهجتها، عليها ان تظل دائما سعيدة وسيبذل قصارى جهده لفعل ذلك، لن يسمح لأيٍ كان ان يدمر سعادتهما وسنتنهي حكاية غيد بداخله ولن يعلم بها ايّ احد، وبالطبع غيد لن تستطيع فتح فمها خاصّة وهي تدرك ان امرًا كهذا سيكون الفاصل بينها وبين آدم مما يعني انها ستخسر حياتها الراقية التي تحظى بها ومن المستحيل ان تفعل شيئًا كهذا، فقد عرِف ايّ نوعٍ من النساء هي.
.
.
وقف بحر بعيدًا عقب تهنئته لفلك وعزيز، ولم يستطع الذهاب احترامًا لليلى التي لا زال غاضبًا عليها، جلس هناك يراقب فلك وعزيز وهما يرقصان بسعادةٍ وابتسم بحسرة، يبدوا ان الجميع سينال السعادة عداه فالفتاة الوحيدة التي جعلته يشعر بطعم الحياة ليست سوى قاتلة.. ورغمًا عن كل ما يكنّه قلبه من عشقٍ لها يقفُ الآن مكتوف اليدين وقد ظنّ سابقًا ان الحقيقة ستُريحه ولكنها لم تفعل شيئًا سوى قتله ببُطء.
فغزالته الصغيرة استطاعت ان تُزهِق روح زوج والدتها بدمٍ بارد، وادّعت انه حاول الإعتداء على اختها، وعندما تم استجواب نوال لم تكُن أهلًا للشهادة لأنها مريضة نفسيًّا وتحت هذه الحقيقة تم سجن ميرال عشرة اعوام، وخرجت قبل فترةٍ قصيرة قبل لقائه بها.
منذ معرفة هذا الأمر وعقله يئنُ من التفكير، لا يُصدّق ان ميرال بإستطاعتها قتل احد، وحتى إن قتله فهي مُحقّة، فقد كانت تدافع عن اختها، هذا بالطبع قولها الذي لم تصدقه المحكمة ولكنه يفعل، هو يصدقها ويسير ورائها مُغمض العينين.
- ولكنها كذبت عليك.. دومًا ما كانت كاذبة.
همس عقله بقسوة ولكن قلبه يهمس بعذاب:
- لقد كانت خائفة، خائفة من كُلّ شيء.
ولكنّ عقله اضاف ببساطة:
- الحُبّ والخوف لا يجتمعان.
وقد كان مُحقًّا، فها هو الآن يخافُ من كُلّ شيء، حتى اذا وجدها كيف سيستطيعُ مواجهة العالم بها، كيف سيأمنها على اهله؟!
كانت روحه تحترق ورأسه لا يهدأ من التفكير، ولا زال يبحث عنها بجنون، لا يهمه ابدًا كل هذه الأشياء فعليه اولًا ان يجدها وبعدها سيرى ما يمكنه فعله، وقطعًا لن تكون حياته بلون الورد كما تخيّل ولكنها ستكون فيها، بإرادتها او رُغمًا عنها.
.
.
اللون الأخضر، لون الأمل والخصوبة، لون الحياة والبدايات.. الّا انهُ منذ هذه اللحظة صار لون ليلى، لون ابنة الزيات التي جاء خصيصًا ليراها، ولم يكُن ذات يومٍ مُحبًّا للإحتفالات الّا ان رؤيتها تستحقّ العناء فمنذ وقتٍ طويلٍ لم ينجذب نحو امرأة، فمنذ تلك الحادثة وكل النساء امامه كالرجال تمامًا.
ولكن هذه المرأة تختلف، إنها كثمرةٍ ناضجة ولكنها بعيدة.. بعيدةٌ للغاية وهو سيكتفي بالنظر من بعيد.
حتى لو لم تكُن متزوّجة... سيبقى بذات المنطقة، ينظر اليها من بعيد ويُشبعُ شيئًا بداخله لا زال يتوق للنساء.
جرت نظراته عليها بتدقيقٍ شديد، بدءً من شعرها الطويل.. الطويل كمُعلّقة. الأسود.. الأسود كحظّه. كيف لإمرأةٍ واحدة ان تحمِلُ هذا السِحر الفتّان؟!
وجهها دائريٌّ كقُرص الشمس ولكنه ابيض كقلوب الصِغار، ذقنها مدببُ تتوسطه غمزة صغيرة تضفي لها طابع حُسنٍ مُحبب، اما شفتاها غير قابلةٍ للوصف، عليك فقط النظر اليها لتدرك ما قد تفعله من عجائب.
إن اهل هذه المنطقة معتادون على الثياب القصيرة ولكن لو كان بمكان آدم لا يمكنه ترك زوجته ترتدي شيئًا يظهر جمال ساقيها بهذه الصورة، إنها طويلةُ القوام.. مُمتلئةٌ بغير إفراط ولديها ساقان مغويان.
ضحك بكبتٍ وهو يقول لنفسه:
- هذا آخر ما توصلت اليه يا جلال؟! تُحيلك ساقا ابنة الزيات الى رجُلٍ عابِث بعد ان اقسمت ان لا نساء...
نهض بعد فترةٍ قصيرة ورقصة ليلى تُعاد وتُعاد بشريط ذاكرته دون ان يشعُر بالخزي من ملاحقة امرأةٍ متزوجة فبكُل الأحوال هو لم ولن يطمح بأكثر من نظرة.
.
.
بمكانٍ آخر، بعيدًا عن هذه الأجواء وعلى منصّة أُخرى وقفت ميرال، ترتدي ثوبًا خمريًّا قصيرًا، تُخبئٌ ملامحها الحزينةُ بزينةٍ كثيفة، تضعُ يداها بيد رفيق ايامها القادمة غير آبهةٍ بما حولها، وبجانبها سجى تنظر اليها بتشجيع وفرح...
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
فصل اليوم مليئ بالمشاعر، اغلبه عن فلك وعلاقتها بعزيز.
اخيرا استسلم عزيز واعترف بحبه لفلك وغيد الخاسرة دوما.
جلال الدين.. الرجل الغامض سوف يكون لديه قصة مثيرة للإهتمام.
ميرال هربت للبعيد... وثمة رفيق ايامها... من سيكون يا ترى؟!
بالفصل القادم ستكون هنالك معضلة كبيرة ستغير مجرى الأحداث.
احبسوا انفاسكم فالقادم مثير للحماس
مع حبي ❤❤❤
فايا
.
مسا، عقب عقد القران.
- فيمنحكِ اللهُ سعادةً ابدية يا صغيرتي.
قالها آدم معانقًا ابنته وعيناه تلمح بدموع الفرح، غير مُصدقٍ ان ابنته قد تزوجت، كيف لم ينتبه للوقت الطويل الذي مرّ على زواجه؟! لا زال يذكر لحظة مولدها... يذكر خطواتها المُتعثرة ونبرتها الحُلوة وهي تحاول عبثًا مناداته.
- ابي، حبيبي.
همست بحب وهي تغرق بعناقه الدافئ الذي لم تحظ به منذ فترةٍ طويلة.
قبّل جبينها بحنانٍ وهو يهمس لعزيز:
- لقد اعطيتكَ اغلى بناتي، حافظ عليها يا عزيز لأنني لن اتهاون معك اذا احزنتها.
اجاب عزيز بصدق ولا زال مصدومًا مما يحدث .. لا يصدق انها بالفعل غدت زوجته:
- لن افعل ما يحزنها ابدًا، سأحافظ عليها من نسمات الهواء.
قالها وهي يسحبها نحوه ليقبل جبينها هامسًا بسرور:
- مباركٌ لنا يا زوجتي.
- لا يا عزيزي، ستكون زوجتك بعد شهران ونصف وليس اليوم، لذا لن يكون بينكما ايّ اتصال الى يوم الزفاف.
قالها آدم بغيرةٍ واضحة وهو يبعدها عنه ليقول عزيز بيأس:
- حسنٌ.
الّا ان آدم اردف بصرامةٍ وقد تلاشت ابتسامته:
- انا في غاية الجدية يا عزيز، لا لقاءات البتّة.
لم يكُن عزيز منتبهًا لأي مما يقول آدم فكل انتباهه مع فلك التي اصبحت بالفعل زوجته... استوعب هذه الحقيقة اخيرًا.. فلم يستطع كبح رغبته ليحملها عاليًا ويدور بها هامسًا بضحكاتٍ صاخبة:
- يا إلهي! لقد تزوجنا بالفعل، تزوجنا يا حبيبتي.
كانت نظرات الجميع تحومُ حولهما بسعادة... فتحول غضب آدم الى ابتسامةٍ صغيرة مدركا ان فلك قد تزوجت ولم يعُد له اي كلمةٍ عليها، وقريبا ستكون ببيته ولم يكُن هذا الأمر يسعده ولكنها سنة الحياة.
.
.
.
إنها ليلة الفرح، ليلة زواج ابنتها الحلوة، الليلة التي ستصبِحُ فيها فلك الصغيرة زوجةً لعزيز... ستحملُ اسمه الى الأبد وستمنحه دفء العائلة... فلك التي منحتها شعورًا لن تنساهُ بحياتها، شعور ان تُوضع الجنة تحت قدميها.. ان تنفصل عنها قطعةٌ من روحها لتُغرس بأرضٍ أُخرى بعيدة عنها.
تقدمت لتعانق ابنتها عقب عقد القِران، تبارك لها بسعادةٍ غامرة، كيف لا وهي تراها برفقة حبيبها الوحيد.
- حلوتي، يا اجمل اميرةً بالكون، ها قد حصلتي على سعادتك.
ابتسمت فلك وعيناها تمتلئ بالدموع وهي تتلقى مباركة والدتها الحبيبة التي فعلت المُستحيل لإسعادها، فقد كان والدها مُتردِدًا في امر خطبتها الّا ان ليلى اقنعته بالأمر لأنها تعلم مسبقا ان لا احد بإستطاعته اسعادها سوى عزيز.
- امّي!
همست ودموعها تنساب مختلطةً بإبتسامةٍ جميلةٍ وهي تلمح سعادة والدتها، وتدرك في كل لحظة ان لا احد في الدنيا قد يحبها كما تفعل ليلى.
- لا دموع اليوم، سنفرح فقط يا حبيبتي، سنفرح عن كُلّ لحظة حُزنٍ بالفترة الماضية... فكم مرّة ستتزوّج ابنتي الكبرى.
ابتعدت عنها ما ان تعالى لحنٌ شرقيٌّ راقص، واقتربت من ساحة الرقص وهي تسحب شالها الخفيف الذي كان يغطي كتفيها المكشوفين لتربطه على ردفيها، وبالرغم من نظرات آدم التحذيرية لم تستطع منع جسدها من التمايل، ترقص بنشوةٍ غريبة، بفرحةٍ يغمرها الحزن، بقلبٍ مكسور، ترقص لأنها امرأةٌ مُختلفة... لأن حزنها يشبهها بكُلّ شيء، ذلك الحزن الجميل المغوي السالب للأنفاس.
ظلّت تدورُ مغمضة العينين والكون يتلاشى من حولها الى ان انتهت الموسيقى فجأةً وكان آدم من امر لإيقافها ولكن ما ان فتحت عيناها حتى اصطدمت بجوهرتي الذهب.. هنالك بعيدًا عن الحشد.. يقفُ جلال بهيئته المعروفة، يطالع عيناها بوقاحة دون ان يرفّ لهُ جفن.
ارتبكت للحظةٍ وابتعدت عن المكان بأكمله ولكن لا زالت تلك النظرة الغريبة تتبعها، تلتصقُ بعينيها وتجلب لها شعورًا غير مُحبب ولكنها تجاهلته ببساطة وعادت لتمارس دور أُمّ العروس الذي يليقُ بها للغاية.
.
.
وقفت غيد بعيدًا عن الأضواء، في تلك المساحة الشاسعة بمنتصف الحي والتي تحولت الى ساحة كبيرة مليئةٌ بالناس، وعلى منصّةٍ مُرتفعة وُضِع كرسيان مزينان بالورود .. تجلسُ فلك بإطلالتها المُبهرة، يتدلى شعرها الناعم كسلاسل سوداء طويلة على كتفيها العاريين من طرفي الفستان ذي اللون السمائي... تبدوا كنجمةٍ وتلك الكريستالات اللامعة المنتثرة على ثوبها تشعُّ مع الاضواء. اما نظرة عزيز اليها... دفعت لقلبها كرهًا اسودًا؛ فهو يكاد يلتهمها بنظراته العاشقة، تلك النظرات التي كانت ذات يوم موجهةٌ اليها وهي بكل غباءٍ تجاهلتها وباعت نفسها لمن يدفع اكثر.
جلست على الكرسي المُختبئ عن اعيُن الناسِ بعد ان لم تعُد قادرةً على حمل ثِقل جسدها وحانت منها نظرةٌ الى آدم الواقف بجوار زوجته، سقطت دموعها بأسىً وهي ترى كم هما مناسبان، ليلى بجمالها الفطري ومظهرها الراقي وهو بعنفوانه ورزانته المعهودة، وازداد السؤال الذي يتضخّم بقلبها كمرضٍ خبيث، لماذا ترك هذه المرأة وتزوجها هي؟! لماذا ادخلها في معركةٍ خاسرة؟! لماذا رماها القدر في طريقه دونًا عن غيرها؟!
غصّت بدموعها والقلب يهمسُ بحُرقة:
- انتِ لا تستحقين سواه، لا تستحقين عزيز... بل آدم المقسوم على إثنين ولن تكون قسمةٌ عادلة... لن تكون.
في تلك الأثناء كان عزيز مأخوذًا بفلك التي يشعر بأنه يراها للمرّة الأولى، يرى امرأته وليس تلك المراهقة التي كانت تطارده بنظراتها المُثيرة للشفقة، يرى زهوًا انثويًّا لا يليقُ بسواها وهي تطالعه بعينان تشعّان سعادة وبالرغم من ذلك تثقُ تمامًا بحبه لها وهو بالفعل يحبها.. الآن فقط ادرك هذه الحقيقة، يحب رقّتها وبرائتها، يحب حنانها الجارف ومشاعرها الصافية، يعشقُ خجلها وعيناها المُشتعلتان بإنبهارٍ لا يزول، حتى صدودها وقسوتها الناعمة تروقه للغاية.
ليته يستطيع الهرب بها بعيدًا ليخبرها كم هو يحبها.. وكيف استطاعت بسهولةً حجز مكانها بقلبه لتمحو كل ما قبلها، حتى غيد التي ظنّ انه مولعًا بها لم يكن شعوره نحوها اكثر من مجرد انجذابٍ لشيءٍ مختلف، ففي تلك الفترة كانت والدته قد توفيت حديثًا واصبح يتيم الأبوين، كان فقد والدته مؤلمًا للغاية ولم يكن بإستطاعته التعامل مع الحُزن بسهولة لذا هرب بعيدًا وكان عمله في تلك الأشغال الشاقة ليس سوى ترويضًا لمشاعره المتوحشة.
- هيا يا فلك، إنها اغنيتنا المُفضلة.
ايقظه صوت حور من افكاره ليراقب زوجته تبتعد برفقة اختيها ووالدتها، وهن يرقصن بفرح، وبالرغم من غيرته الشديدة الّا انه لم يكُن ليسمح لنفسه بإخماد بهجتها، عليها ان تظل دائما سعيدة وسيبذل قصارى جهده لفعل ذلك، لن يسمح لأيٍ كان ان يدمر سعادتهما وسنتنهي حكاية غيد بداخله ولن يعلم بها ايّ احد، وبالطبع غيد لن تستطيع فتح فمها خاصّة وهي تدرك ان امرًا كهذا سيكون الفاصل بينها وبين آدم مما يعني انها ستخسر حياتها الراقية التي تحظى بها ومن المستحيل ان تفعل شيئًا كهذا، فقد عرِف ايّ نوعٍ من النساء هي.
.
.
وقف بحر بعيدًا عقب تهنئته لفلك وعزيز، ولم يستطع الذهاب احترامًا لليلى التي لا زال غاضبًا عليها، جلس هناك يراقب فلك وعزيز وهما يرقصان بسعادةٍ وابتسم بحسرة، يبدوا ان الجميع سينال السعادة عداه فالفتاة الوحيدة التي جعلته يشعر بطعم الحياة ليست سوى قاتلة.. ورغمًا عن كل ما يكنّه قلبه من عشقٍ لها يقفُ الآن مكتوف اليدين وقد ظنّ سابقًا ان الحقيقة ستُريحه ولكنها لم تفعل شيئًا سوى قتله ببُطء.
فغزالته الصغيرة استطاعت ان تُزهِق روح زوج والدتها بدمٍ بارد، وادّعت انه حاول الإعتداء على اختها، وعندما تم استجواب نوال لم تكُن أهلًا للشهادة لأنها مريضة نفسيًّا وتحت هذه الحقيقة تم سجن ميرال عشرة اعوام، وخرجت قبل فترةٍ قصيرة قبل لقائه بها.
منذ معرفة هذا الأمر وعقله يئنُ من التفكير، لا يُصدّق ان ميرال بإستطاعتها قتل احد، وحتى إن قتله فهي مُحقّة، فقد كانت تدافع عن اختها، هذا بالطبع قولها الذي لم تصدقه المحكمة ولكنه يفعل، هو يصدقها ويسير ورائها مُغمض العينين.
- ولكنها كذبت عليك.. دومًا ما كانت كاذبة.
همس عقله بقسوة ولكن قلبه يهمس بعذاب:
- لقد كانت خائفة، خائفة من كُلّ شيء.
ولكنّ عقله اضاف ببساطة:
- الحُبّ والخوف لا يجتمعان.
وقد كان مُحقًّا، فها هو الآن يخافُ من كُلّ شيء، حتى اذا وجدها كيف سيستطيعُ مواجهة العالم بها، كيف سيأمنها على اهله؟!
كانت روحه تحترق ورأسه لا يهدأ من التفكير، ولا زال يبحث عنها بجنون، لا يهمه ابدًا كل هذه الأشياء فعليه اولًا ان يجدها وبعدها سيرى ما يمكنه فعله، وقطعًا لن تكون حياته بلون الورد كما تخيّل ولكنها ستكون فيها، بإرادتها او رُغمًا عنها.
.
.
اللون الأخضر، لون الأمل والخصوبة، لون الحياة والبدايات.. الّا انهُ منذ هذه اللحظة صار لون ليلى، لون ابنة الزيات التي جاء خصيصًا ليراها، ولم يكُن ذات يومٍ مُحبًّا للإحتفالات الّا ان رؤيتها تستحقّ العناء فمنذ وقتٍ طويلٍ لم ينجذب نحو امرأة، فمنذ تلك الحادثة وكل النساء امامه كالرجال تمامًا.
ولكن هذه المرأة تختلف، إنها كثمرةٍ ناضجة ولكنها بعيدة.. بعيدةٌ للغاية وهو سيكتفي بالنظر من بعيد.
حتى لو لم تكُن متزوّجة... سيبقى بذات المنطقة، ينظر اليها من بعيد ويُشبعُ شيئًا بداخله لا زال يتوق للنساء.
جرت نظراته عليها بتدقيقٍ شديد، بدءً من شعرها الطويل.. الطويل كمُعلّقة. الأسود.. الأسود كحظّه. كيف لإمرأةٍ واحدة ان تحمِلُ هذا السِحر الفتّان؟!
وجهها دائريٌّ كقُرص الشمس ولكنه ابيض كقلوب الصِغار، ذقنها مدببُ تتوسطه غمزة صغيرة تضفي لها طابع حُسنٍ مُحبب، اما شفتاها غير قابلةٍ للوصف، عليك فقط النظر اليها لتدرك ما قد تفعله من عجائب.
إن اهل هذه المنطقة معتادون على الثياب القصيرة ولكن لو كان بمكان آدم لا يمكنه ترك زوجته ترتدي شيئًا يظهر جمال ساقيها بهذه الصورة، إنها طويلةُ القوام.. مُمتلئةٌ بغير إفراط ولديها ساقان مغويان.
ضحك بكبتٍ وهو يقول لنفسه:
- هذا آخر ما توصلت اليه يا جلال؟! تُحيلك ساقا ابنة الزيات الى رجُلٍ عابِث بعد ان اقسمت ان لا نساء...
نهض بعد فترةٍ قصيرة ورقصة ليلى تُعاد وتُعاد بشريط ذاكرته دون ان يشعُر بالخزي من ملاحقة امرأةٍ متزوجة فبكُل الأحوال هو لم ولن يطمح بأكثر من نظرة.
.
.
بمكانٍ آخر، بعيدًا عن هذه الأجواء وعلى منصّة أُخرى وقفت ميرال، ترتدي ثوبًا خمريًّا قصيرًا، تُخبئٌ ملامحها الحزينةُ بزينةٍ كثيفة، تضعُ يداها بيد رفيق ايامها القادمة غير آبهةٍ بما حولها، وبجانبها سجى تنظر اليها بتشجيع وفرح...
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
فصل اليوم مليئ بالمشاعر، اغلبه عن فلك وعلاقتها بعزيز.
اخيرا استسلم عزيز واعترف بحبه لفلك وغيد الخاسرة دوما.
جلال الدين.. الرجل الغامض سوف يكون لديه قصة مثيرة للإهتمام.
ميرال هربت للبعيد... وثمة رفيق ايامها... من سيكون يا ترى؟!
بالفصل القادم ستكون هنالك معضلة كبيرة ستغير مجرى الأحداث.
احبسوا انفاسكم فالقادم مثير للحماس
مع حبي ❤❤❤
فايا