الفصل الثاني والعشرون

صفقت ساندرا لذلك فرحا ، وجلست على الحشائش وراء البوابة تفكر ، اسرعت

خفقات قلبها ، وأحست بآلام تجيش في صدرها ، وفكرة الهروب تراود عقلها ، لقد

خشيت على سلامتها بين يدي رجل مجنون كهذا الذي هو زوجها، وأيقنت انه في

ذات يوم يستبد به الحزن ويستبد به الحزن ويشتد به الغضب الى درجة مرعبة لا

يعرف معها ما الذي يفعل.
وبعد فترة وجيزة إستطاعت الوقوف ، وسارت بإتجاه القرية ، والذعر لا يزال يسيطر

عليها والتساؤل يلح ، ترى أي حياة هي هذه؟ وتدفق الدمع من عينيها ...
فهناك أليكس يرغمها على الزواج منه بالتهديد ، تهديده بأن يرسل أخاها الى

السجن إن لم تفعل ، والان جاء باريس فيليب، بعد أن تحررت من زواجها الفاشل ، جاء

هو ايضا يهددها ، بتدمير هاري دارك الرجل الذي تدين له بحياتها إن هي لم تتزوج به!
كثيرا على إمرأة أن تتحمل كل هذا ، إحتجاج مرير كان يغلي في صدرها ضد ما

يفعل بها القدر ...
إستمرت الدموع تفيض من عينيها وهي تسير ، ظهر من الإتجاه المعاكس رجل يركب

حمارا وكلبه يعوي بجواره ، تسير زوجته وراءه تتشح بالسواد ، إمرأة متعبة تحمل

ذكريات موجعة تبدو في تجاعيد وجهها الأسمر.
حياها الرجل وردت التحية من غير ان تنظر اليه ، حتى لا يرى الدموع في عينيها،

والمرأة أيضا حيتها بإبتسامة ، ومرا بها نحو الطريق المؤدية الى سفح التل حيث يسكنان

في بيت ابيض صغير يستكين بين اشجار الزيتون والليمون.
لقد حسدتهما ساندرا نعم يظهر عليهم التعب والكد ولكن إنهما يعرفان الأمان ، يعرفان تماما طريقهما في الحياة ... في

مملكتهما الصغيرة الخاصة يبنياها سويًا بالود وليس بالإجبار
مشت أكثر ثم تساءلت ساندرا ، ترى الى أين كانت ذاهبة ؟ فليس لديها مال ولا ثياب ، بالإضافة الى

أنه اصابها تعب شديد لدرجة لم تعد تقدر على المسير ، ولن تعود الى باريس فهي

ليست آمنة معه حتى مع كل تلك المشاعر من الشفقة تجاهه لا يعيطها أبدا شعور الأمان ولو لساعة في اليوم، دائما ما ينقلب عليها وضدها ويتصيد لها أي خطأ ليجعلها تعاني وتعاني، لا لن تعود ولكن ماذا تفعل الآن ؟!
توقفت وصرخت من غير أن تشعر أنها كانت تصوغ وتعبر عن افكارها في كلمات:
" يا إلهي الى أين يمكنني ان أذهب من غير مال ."...

خبا صوتها وإرتجفت شفتاها وسرت القشعريرة في جسدها فقد أحست بوقع اقدام وراءها ، إنه باريس !
إنها خطواته فهي تعرف وقعها أينما كانت لقد حفظتها عن ظهر قلب، ملأ الذعر قلبها وإستدارت ببطء وقد فر اللون

من وجنتيها، ولم تعد لها قدرة على التفكير أو الحركة ، وسمرت مكانها كالأرنب

المذعور امام الذئب ، وقلبها يخفق بجنون بين جوانحها.
" هل سمعتك تتحدثين عن المال يا عزيزتي ؟ ."
قطع باريس الصمت و تمتم بهذه الكلمات الساخرة، فهزت رأسها كمن لا حيلة له وقالت:
" لا.... آه … نعم ."...
" لماذا تريدين المال يا عزيزتي ؟ وماذا ستفعلين به في مكان كهذا ؟ ."
كان يقف بجانبها طويلا مخيفا ولكن علامات الغضب اختفت من وجهه وحل محلها السخرية ، وعيناه لم

تعودا تشعان ببريق الجنون الذي فرت منه إلى هنا، ومع ذلك فإن ساندرا لم تستطع أن تتكلم ولا أن تحرك،

حتى قرر باريس التحرك وسحب ذراعها يساعدها ويحثها على الحركة والتقدم، ووجدت نفسها تطيع بلا مقاومة ومشت بجانبه هادئه
عادوا الطريق الذي جاءته جريًا كله وتم الأمر بلا

كلام أو تقريع أو أي شيء منه مما هدئها بشكل أفضل وقررت الصمت هي الأخرى والآن يجب عليها أن تعود معه الى المنزل .
وبالفعل وصلوا إلى منزله الكبير أو السجن الكبير كما تحب أن تطلق عليه
" باريس أنا لا أريد الدخول الآن ، إنني.. إنني افضل البقاء هنا في الحديقة." توقف باريس وتعبيرات غامضة رسمت على وجهه الأسمر وهو يقول:
" لماذا كنت تبكين ، ساندرا؟ ."
قالها متجاهلًا طلبها بالبقاء في الحديقة
" شعرت بالتعاسة."

أما هي فقد أجابته بعفوية مطلقة لم تفكر فيها
سألها باريس على الرغم من أنه يعرف الإجابة جيدًا
" من أي شيء ؟."
لفت برأسها ووجهت نظراتها نحوه وقالت بتحدي مزيف
" من حياتي هنا ."
"لماذا ؟ لقد كنت سعيدة جدا مع زوجك الأول ، اليس كذلك؟ ."
" ماذا تأمل أن تربح من إجابتي على هذا السؤال وأنت عرفت الحقيقة ولم يعد شيئًا خفيا عنك ؟ هل يعجبك استفزازي ؟ ."
هتفت به :
هز كتفيه ولعب بحاجبيه والسخرية تكاد تنطق من وجهه ثم سحب يده من ذراعيها ، وأجاب:
لا شيء ، فقد كنت فضوليا ، هذا كل شيء."


بقيت ساندرا صامتة لم تستطع أن تحل معضله مشاعره تجاهها أبدا وقرر باريس زيادة حيرتها قائلاً وقد تغيرت نبرات صوته وبدا فيها شيء من

الرقة واللطف:
إذن انت غير سعيدة وتريدين الهرب؟ الى اين تريدين الذهاب يا ساندرا ؟."
قررت مجاراته في الحديث لعلها تفهم ماذا يريد منها
فتنهدت وقالت :
" لا أعرف .... فقد أريد ان أذهب بعيدا عن هذه الجزيرة وبعيدا عنك أريد أن أعود لوطني وأصدقائي وعملي إنني أموت هنا قهرًا ومللاً، أهذا ما تحب سماعه ؟"
أجابها ببساطة استفزتها :
" نعم هذا ما أحب سماعه وأردت التأكيد عليكي أنك لا تستطيعين الذهاب من غير موافقتي ، وإذا حاولت السفر على أية سفينة


تقلع من هنا مثل ما فعلتي فإذا لم أكن موجودًا لأراك فسوف يطلعونني هم قبل أن ترحلي ."
شهقت ساندرا وقالت :
" لقد عملت مسبقا ضد رحيلي؟ ."
" نعم بعد محاولتك للهروب أول مرة، إنني أحبط جميع المحاولات التي يمكن أن تؤثر على حياتي، عزيزتي ساندرا "
وقفت تتحداه قائلة : انت لست ملك الجزيرة ، فإلى متى يمكنك أن تمنعني من الإبحار ؟."
ضحك باريس ليزيد من استفزازها وقال :
إلى الأبد ، فإن السلطات المسؤولة ستعلمني حتى لو حاولت شراء بطاقة سفر،

وهكذا ترين يا جميلتي ساندرا أنه لا مفر لك ، أنت هنا سجينتي، لا تشغلي بالك بالهروب عيشي معي وستكونين اكثر
سعادة لو انك قبلت هذه الحياة التي إخترتها بنفسك ."
رفعت قدمها ودبت بها في الأرض مثل الأطفال وقالت بغيظ :
" أنت تعرف انني لم أخترها بنفسي
، تعرف أنك أكرهتني عليها."
أمسك باريس نفسه عن الضحك، كان يحب استفزازها جدا لرؤية اللون الأحمر يقتحم وجنتيها الناعمة ثم رد بهدوء متجاهلاً ما تفوهت به عن قصد :
" على أية حال أنت التي إخترت، والآن وبما انك زوجتي ، فمكانك هنا معي ."
تناول ذراعها ثانية وصعد بها الدرجات الواسعة الى باب الفيللا الأمامي ، حيث توقفت هي وسحبت ذراعها

وصرخت وهي تفلت من يده:
" دعني أذهب ، لن أدخل إلى هذا المنزل." إنسكبت الدموع من عينيها، وباريس ينظر اليها ويهز رأسه ، ثم سأل :
" أنت خائفة مني؟ ."
من بين دموعها أجابته
" أليس هذا ما تريد ؟ ."
" أظن أن هذا ما أريده بالضبط، هذا الخوف الحقيقي ،ولكن من أي شيء تخافين؟ أنا حتى لم أفعل لك شيئًا فقط أريد الدخول إلى المنزل ؟
وفجأة تغير صوته وصار أكثر رقة، وبدا القلق في عينيه الداكنتين!
قلق ؟ ماذا يريد هذا الرجل !
أخذت ساندرا تنظر اليه بحيرة وإرتباك ، فقد زالت من وجهه الملامح المخيفة ، وبدا

أمامها كأنه الرجل الذي كانت تعرفه في يوم من الأيام ، الرجل الذي إنجذبت اليه

فعلا ولكنها لم تتزوجه لأنها كانت قد قررت ألا تتزوج على الإطلاق.
سرحت فيه وفي ملامحه الهادئه الآن ليقطع عليها تفكيرها و عاد باريس يسأل:
" من أي شيء أنت خائفة ، ساندرا ؟ ."
كانا يقفان عند الباب على درجة رخامية بيضاء ، الهدوء والسكينة يكتنفان المكان،

والحديقة تلمع تحت أشعة شمس يونانية ، بأزهارها من كل شكل ولون ، رائحتها تعطر
المكان ، ووراءها تشمخ الجبال ، بعض غيوم بيضاء رقيقة تزخرف زرقة السماء ،

النخيل يتماوج مع السرو الأهيف النحيل، ومن الجهة الأخرى أشجار الليمون

والبرتقال تضيف خضرة وجمالا الى تلك الصورة الأخاذة .
" كنت خائفة منك."
جاء الجواب متأخرا ،ولكنه كان ينتظره بصبر ، ينظر الى الجديد في تعابير وجهها ،
يحاول أن يقرأها ، وكمن يحدث نفسه قال:
" خائفة ."...
" ألم يكن هذا متوقعا ، بعد تصرفاتك تلك ؟."
أحنى باريس رأسه ، عيناه كئيبتان، قاتمتان ، فيهما كثير من الغموض ، ولدهشتها

إستدار الى الجهة الخرى كأنه يريد ان يخفي عواطفه ، وبعد وقفة قصيرة ، سار بعيدا

نحو البساتين ، وتركها نهبة للخوف والألم ، وقفت قليلاً تراقب سيره مبعتدا وأحست أنه شعر بشيء من الندم لأنه

أخافها الى درجة الرعب ، الى درجة تريد معها ان تهرب منه .
أي رجل غريب غامض هو هذا !
سيقتلها بتصرفاته المتناقضة والتي لا تفهم منها أي شيء!
" لا أعرف .... فقد أريد ان أذهب بعيدا عن هذه الجزيرة وبعيدا عنك أريد أن أعود لوطني وأصدقائي وعملي إنني أموت هنا قهرًا ومللاً، أهذا ما تحب سماعه ؟"
أجابها ببساطة استفزتها :
" نعم هذا ما أحب سماعه وأردت التأكيد عليكي أنك لا تستطيعين الذهاب من غير موافقتي ، وإذا حاولت السفر على أية سفينة


تقلع من هنا مثل ما فعلتي فإذا لم أكن موجودًا لأراك فسوف يطلعونني هم قبل أن ترحلي ."
شهقت ساندرا وقالت :
" لقد عملت مسبقا ضد رحيلي؟ ."
" نعم بعد محاولتك للهروب أول مرة، إنني أحبط جميع المحاولات التي يمكن أن تؤثر على حياتي، عزيزتي ساندرا "
وقفت تتحداه قائلة : انت لست ملك الجزيرة ، فإلى متى يمكنك أن تمنعني من الإبحار ؟."
ضحك باريس ليزيد من استفزازها وقال :
إلى الأبد ، فإن السلطات المسؤولة ستعلمني حتى لو حاولت شراء بطاقة سفر،

وهكذا ترين يا جميلتي ساندرا أنه لا مفر لك ، أنت هنا سجينتي، لا تشغلي بالك بالهروب عيشي معي وستكونين اكثر
سعادة لو انك قبلت هذه الحياة التي إخترتها بنفسك ."
رفعت قدمها ودبت بها في الأرض مثل الأطفال وقالت بغيظ :
" أنت تعرف انني لم أخترها بنفسي
، تعرف أنك أكرهتني عليها."
أمسك باريس نفسه عن الضحك، كان يحب استفزازها جدا لرؤية اللون الأحمر يقتحم وجنتيها الناعمة ثم رد بهدوء متجاهلاً ما تفوهت به عن قصد :
" على أية حال أنت التي إخترت، والآن وبما انك زوجتي ، فمكانك هنا معي ."
تناول ذراعها ثانية وصعد بها الدرجات الواسعة الى باب الفيللا الأمامي ، حيث توقفت هي وسحبت ذراعها

وصرخت وهي تفلت من يده:
" دعني أذهب ، لن أدخل إلى هذا المنزل." إنسكبت الدموع من عينيها، وباريس ينظر اليها ويهز رأسه ، ثم سأل :
" أنت خائفة مني؟ ."
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي