الفصل العشرون
بكاءً عالٍ يُمزق نياط القلب، روح مُزهقة ترنو الى الحياة ولكنها لا تجد منفذًا، ألمًا لا يُحتمل تواجهه غيد دون ان تجد ايّ يدٍ تُربّت عليها، لا احد بجانبها بأكثر لحظات حياتها وجعًا، يرعبها الألم ويمزق الحزن احشائها بينما طفلها المنتظر يرفض الخروج للحياة، ترقد بغرفة الإنتظار تتعالي صرخاتها والطبيبة تهمس بعمليّة:
- لم يحن الوقت بعد، عليك التحمُّل قليلًا.
بُحّ صوتها من البكاء صارخةً بجنون:
- لن اتحمّل..لا استطيع... انا اموت... يا إلهي!
بدت صغيرةً للغاية في زيّ المشفى وهي تتلوّي بأنين وظهرها ينتفضُ من الألم، وجهها يغرقُ بالعرق والدموع، عيناها تبحث بلهفةٍ عن ايّ احدٍ تُمسك بيده ولكن لا احد... لا احد برفقتها، حتى آدم لا تعرف مكانه.
آدم الذي ظنّت انه سيفديها بروحه ولن يتركها للحظةٍ ها هو يغيب بأكثر لحظات احتياجها له، اما والدتها، فلم تسأل عنها منذ زواجها ولكنها اذا فعلتها اليوم واتت اليها ستسامحها على كل ما مضى، فقد لتأتي وتمسك بيدها وتخبرها انها هنا.. بجانبها.
- أُمّي! تعالي ارجوك يا امي، انا اموت، سأموت وحيدةً يا امي... آهٍ من مرارة الوحدة... آهٍ يا حبيبتي... آه.
نهضت بصعوبة ولم تعُد قادرة على تحمُّل نوبات المخاض لتصرخ بعذاب:
- انقذوني ارجوكم، انقذوني..لا اريد ان أُصبح اُمًا، لا اريد هذا الوجع.. لا اريده.
سقطت بمنتصف الطريق قبل ان تصل اليها الممرضة لينبئ عن سقوطها صرخةً متألمة لم يعقبها سوى سكون... سكون حارق لفتاةٍ تحارب اوجاع ولادتها الأولى وحيدة، خائفة، ودمًا دافئًا ينسابُ من تحتها..
.
.
الموت، معجزة أُخرى من مُعجزات الدنيا حيث تنتقل الروح لعالمٍ آخر، ويفنى الجسدُ كأن لم يكُن، لقد آمن الجميع بتك الحكاية الّا انها لا تفعل، فلا يمكن لإبنتها ان تغادر هذه الدنيا، لا يمكن لحور الصغيرةُ ان تعيش وحدها، ستخاف من كُلّ شيء، إنها صغيرة... صغيرةٌ على الموت... صغيرةٌ على الفراق.
ستة عشر عامًا كانت لتكملهُن بعد بضعة أشهُر، لم تزل بطور الطفولة بالرغم من بلوغها لسنّ البنات، إنها لا تستطيع النوم بلا ضوءٍ جانبي لخوفها المُفرط من الظلام كيف ستتحمّل ان يوضع على جسدها الغضُّ التُراب؟!
ابتسمت بحنانٍ وهي تُمرر الماء على جسدها الصغير وتذكرت كم كانت تستمتع بتحميمها واختها في طفولتهما حيث يلعبن ويضحكن بسعادةٍ وهُنّ يداعبن الدُمى المائية، كانت حينها تجلس امامهُن فقط فتمتلئ روحها بالفرح، ولكنها اليوم تغسلها لتوضع على كفنٍ ابيضٍ وتؤخذ منها الى الأبد.
لا يعرف احدُ كيف استطاعت التماسُك الى الآن ولكنها تشعر بأنها ليست هنا، وكأن روحها سافرت بعيدًا وهذا الجسد تتلبسهُ أُخرى، غريبة... تغسل جسد فتاة ماتت للتوّ، ماتت بصورةٍ مُفاجئة، لم تكُن مريضة، كانت بخير... تفرح وتضحك وتثير الفوضى بكُلّ مكان، هكذا دون ايّ مُقدمات، ماتت ابنةً اخذت روح والدتها معها.
اغمضت عينيها بعذاب وعندما فتحتهما اختفت حور، اختفت تمامًا...
تطلّعت بكل شيءٍ حولها... كل شيءٍ بمكانه... الإناء بمائه البارد، الطِيب، الكفن... الّا ان حور ليست موجودة... ركضت بهلع الى الخارج لتبحث عنها، هل اخذوها قبل ان تودعها؟ هل سيدفنونها الآن...
كان منظرها موجعًا للغاية، فقد ظلّت تنظر للنساء الجالسات بكل مكان لا يصلها صوت بكائهنّ حسرةً عليها، تنظر للجميع بغرابة بالرغم من إدراكها لكُلّ ما يحدث.
- اين حور، اين ابنتي؟!
خرج صوتها غريبًا عليها لدرجة انها تحسست حنجرتها بحيرة، كان الجميع يطالعها بإشفاق ماعدا تلك المرأة التي تقدمت نحوها، كانت امرأةً في غاية الحُسن وكأنها كوكب يشعُّ نورًا، ابتسامتها كقناديل الضياء، وجهها ينبضُ بالراحة.
اخذتها من يدها لتسير رفقتها مسلوبة الإرادة لتجد انها لا تسير سوى لغرفة حور... وهنالك على فراشها الجميل كانت ترقد بسلام.. ولكن ملامحها قد تغيرت، شعرها... لا يوجد اي شعر برأسها وحاجبيها...ولكنها حور.. ابنتها.
- ابنتكِ في حفظ الله... لا تقلقي.
- حور!
همست ودموعها تسيلُ بأسىً لتقول المرأة من جديد:
- لا تقلقي، فميعادها ليس الآن... لا تقلقي.. لا تقلقي!
شهقةً عالية دفعتها للإستيقاظ من حلمها الغريب لتنهض وتنظر حولها بهلع... إنها بالمشفى، برفقة حور التي تنام الآن بسلام.. وشعرها موجود.. موجود الآن على الأقل!
خرجت بسُرعة وكل جسدها يرتجف، وامام ذلك المرر المُعتّق برائحة الموت انهارت تنوح بألم، ففي الساعات الماضية لم تستطع ان تبدي ايّة ردة فعل ولكنها الآن فقط ادركت حجم مُصيبتها، وقبل ان تخرج نتيجة الفحوصات تأكدت من ان ابنتها مريضة.. بمرض الوجع العظيم.
تقدم آدم بخطواتٍ مُتعبة ليجلس بجانبها ويضمها ويبكي كلاهما بخوف، فقد خطّ القدر كلمته وما حدث بالساعات الماضية يؤكد ذلك، غيد مريضة ويجب ان تبدأ بالعلاج على الفور.
.
.
قبل ساعات.
- ما الأمر ايها الطبيب؟ ارجوك!
همست ليلى تسترجي الطبيب الذي طلب رؤيتها هي وآدم بعد ان استيقظت حور.
اجاب الطبيب ولا زال غير متأكدٍ من تقريره المبدئي:
- لا استطيع ان أُجزم بامرٍ الآن ولكن سنأقذ قذعة من النخاع الشوكي، وبعدها سنرى.
اتسعت عينا آدم بشدّة وليلى تهمِسُ بتماسُك:
- سرطان؟!
اومأ الطبيب واردف بنبرةٍ مُطمئنة:
- ربما يكون تشخيص خاطئ، سنعرف ما ان نسحب العينة وندرسها.
- بالطبع لن اسمح لكم بفعل اي شيءٍ لإبنتي؟ كيف ستسمح لنفسك بسحب شيءٍ من ظهرها لمجرد الشك؟ لا اريد اي فحوصات، سآخذها من هنا على الفور.
هتف آدم بحدّة وعقله لا يستوعب الأمر بينما بدى الطبيب مُعتادًا على هذا النوع من الصدمات فقد سكت تمامًا وهو يطالع الأبوين وللحظةٍ صدمه هدوء ليلى، فبالرغم من شحوب ملامحها الّا انها لم تهتز ولو للحظة، بدى وكأنها شاردة بعيدًا.
- سيدتي! هل انتِ بخير؟
قال وهو يقترب منها يتفحها برويّة لتجيب بخفوت:
- شكرا، انا بخير.. شكرا...
بينما انهار آدم على المقعد واغمض عينيه وألمًا حادًّا يشطر قلبه لنصفين، خرجت من بين شفتيه آهةٌ مُتحشرجة قبل ان يلحقه الطبيب ويصرخ مسرعًا للمرضات ليأخذونه لغُرفة الطوارئ.
ظلّت ليلى قابعة بمقعدها وقد غدت قدميها كقطعتي مطاط، تهتزّ عيناها بتشوّش ولطمات عديدة تصفع قلبها، لم تدري كيف استطاعت مهاتفة بحر الذي يرافق حور واخواتها ليأتيها مُسرعا وما ان وصل وجدها في حالةٍ غريبة.
مدّت يدها لهُ وقالت بضعف:
- ساعدني يا بحر، لا استطيع النهوض...
- ليلى، ما الأمر؟ ليلى حبيبتي لا تقلقيني؟
وضع يداه على وجنتها مغمغمًا بخوف بينما قالت ودموعها تنساب اخيرًا بحسرة:
- يجب ان انهض، لن انهار الآن، ليس الآن...
سحبها لتنهض بتثاقُل فإستندت عليه ليخرجا من مكتب الطبيب ولا زالت تساؤلاته لا تجد اي إجابات، فلا شيء يُقال.
ما الذي يمكن قوله الآن؟ أتخبره بأن ابنتها ستموت عن قريب ام ان زوجها الآن يعاني ام ان غريمتها ستنجب صبيًّا في هذه اللحظات؟ ماذا ستقول؟! هل ستخبره بأن قلبها يُعتصر من ثلاث قبضاتٍ بكل قسوة ام ان روحها قد تخرج بأي لحظةٍ من ثِقل الحِمل؟!
- آدم برفقة الطبيب، لقد شعر بألمٍ بصدره، لا اعلم اين اصطحبه، ارجوك ابحث عنه.
- أُمّي ماذا حدث لحور؟!
كان هذا صوت فلك التي اكملت دموعها في الطريق عقب معرفتها بالأمر ولم يستطع عزيز تهدئتها.
- إنها بخير، ادخلي لتبقي معها قليلًا ريثما آتي إليكُنّ.
اومأت براحة ولم تنتبه لوالدتها الّا ان عزيز لم يذهب معها بل اقترب منهما قائلًا بقلق:
- ما الأمر يا بحر؟ لا يبدوا انكم بخير.
- الطبيب يشُكُّ بأنها مُصابة بسرطان، وآدم ليس بخير.
اجابت ببساطة وكأنها تتحدث عن اشخاص غريبين لا تربطها بهم ايّ صلة، وكأن كل ما يحدث مجرد مسرحية ستنتهي قريبًا، وعليها فقط ان تظل متماسكة ان تنتهي وبعدها ستعود الى حياتها الطبيعية.
شعرت بإنتفاضة بحر وهو يتسائل بهلع:
- ما الذي تقولينه؟ كيف؟ كيف حدث ذلك؟ حور مريضة؟!
- بحر، إهدأ، فهي لا تبدوا بخير.
قال عزيز وهو يحثّ بحر على التماسُك بينما لم يستطع بحر كبح ألمه فجثى ارضًا يهمس بلوعة:
- لا يا إلهي! ارجوك... ليس هذه المرة ايضًا...
لم يمُرّ بباله سوى رحلةً طويلةً قضياها مع والدتهما التي صارعت نفس المرض فهزمها بالأخير، ماتت بعد ان احترقت طويلًا بجرعات العلاج التي قتلت كل ملامحها الى ان فارقت الحياة.
كانت ليلى تجلس على احد مقاعد الإنتظار، تعود رائحة الموت لتغزوا انفها، ذات الرائحة التي استعاذت منها طويلًا قبل وفاة والدتها، رائحة المرض والخوف والألم.
وصل عزيز للغرفة التي وضِع فيها آدم ليجده يرقد منوّمًا بفعل الأدوية وقد بدى مُنهارًا للغاية حتى وهو لا يدري بما حوله يظهر الألمُ على ملامحه.
يال الأسف! من سيُصدّق انه يشعر بالحُزن على حال آدم؟! لقد تغيّر كثيرًا.. غيره الحُبّ الحقيقي لرجُلٍ آخر.
ظل يراقبه لبعض الوقت واطمأن على حالته من الطيب الذي اوضح انه يعاني من ارتفاع شديد في ضغط الدم وسيحتاج للراحة فخرج حينها ليجد ليلى وبحر فيجيبهما بأنه بخير. حاول حينها بحر ان يتماسك قليلًا فأُخته بأشدّ الحوجة لوجوده خاصّة وان آدم لن يتحمّل الأمر.
- ابقي هنا يا ليلى، سأذهب لأخبر الطبيب بإجراء الفحوصات اللازمة، ولا داعي لأن تخبري اي احد الآن.
قالها بحر وهو يشير لعزيز بالبقاء معها.
بينما لم تُبدي هي ايّة استجابة وكل العالم يتهاوى تحت قدميها، لا شيء يوازي ما تشعر به من وجع، ولا احدًا في الدنيا قد يواسيها في مُصابها، إنها ابنتها، انها حور المشاكسة الصغيرة التي تضحُّ ضحكتها في الأرجاء، حور المُقاتلة الشرسة التي تدافع عنها ببسالة ولو كان الثمن خسارته لكل شيء.
- اين هو آدم؟ يجب ان يوقع على دخول غيد لغرفة العمليات، فولادتها متعسرة والطبيب قلق على حالتها.
تقدمت كريمة لتسأل بتشفّي وقد كانت المرافقة الوحيدة لغيد لتجيبها ليلى بهدوء:
- انه بإحد غرف المشفى، منهارٌ لأن ابنته تعاني من السرطان.
ونهضت لتدلف لغرفة ابنتها ولكن قبل ان تدخل التفتت اليها واضافت بإهتزاز:
- اخبريه بأن يبقى برفقة زوجته، فعلى الأقل سيحصل على بديل.
دلفت دون ان تلتفت خلفها لتجد حور تضحك برفقة اختيها، اقتربت لتجلس بجانبها، تضُمّها بحنان، تخشى ان تؤذيها نسائم الهواء، تخاف على روحها الغضّة من ألم المرض.
- أُميّ اين هو ابي؟
تسائلت حلا لتجيبها حور بإرهاق:
- بالتأكيد مع غيد، ألم تقولي بأنها ستضع مولودها اليوم.
- حور! اصمتي ارجوكِ، لا تحزني ليلى اكثر من ذلك.
انتهرتها فلك بإنزعاج بينما اضافت حلا بعبوس:
- هل سيتركنا إن كان المولود صبي؟ هل ستصبح غيد هي ربة المكان؟!
شعرت ليلى بأن رأسها سينفجر، كانت دموعها تختنق بداخلها لتحرق قلبها بألمٍ لا يُحتمل، تجبر شفتيها على الإبتسام والحزن يبني قلاعه من حولها، ترغب بأن تُهدئ قلبها قليلا وتقول "ربما ابنتي بخير، ربما سيكون مجرد كابوس" ولكنها لا تستطيع، لا تستطيع إخراس هواجسها، والأكثر إيلامًا انها وحيدة... بلا سندٍ منيع تتكئُ على ظهره وتبكِ براحة، كل من ظنّت انهم سندًا لها كانوا اوّل المُنهارين...آدم وضعفه المُفاجئ، بحر الذي اخذ يبكي كما الأطفال ويحاول جاهدًا ان يمسح القلق عن وجهه، حتى عزيز يبدوا مُتأثرًا للغاية، اما هي.. يثبّطها الحُزن بسلاسل غليظة ولكنها تقاوم، تقاوم بإستماتة وكأن احدًا سيحاسبها إن انهارت الآن.
- أُمّي! انتِ تؤلمينني!
همست حور بضعف لتتسع عينا ليلى بقلق وتتفحصها قائلة وعيناها تفيض بالدموع:
- آسفة حبيبتي، آسفة يا قلب أُمّكِ، ما الذي يؤلمكِ؟ يا إلهي! كيف استطعت ايلامكِ؟ انا اُمٌّ سيئة، سيئة للغاية..
ابتعدت عنها ولا زالت تنظر اليها بتدقيق تخاف ان تؤذيها إن اقتربت اكثر وبذات الوقت لا ترغب بشيئ سوى ان تبقيها بين ذراعيها، تستنشق رائحتها التي قد تُحرم منها الى الأبد.
- امي، إهدأي!
سحبتها فلك لتجلس على الأريكة ولكنها لا زالت تهذي بنواح:
- انا سيئة... كيف غفلتُ عنكِ الى هذه الدرجة! كيف لم أُلاحظ... كيف؟
نهضت حور وجلست بجانبها تهمس بإشفاق ظنًّا منها بأن انهيار والدتها بسبب غيد:
- امي، حبيبتي، لا تبكِ ارجوكِ، لا تؤلمي قلبي.
صمتت فجأةً تكتُمُ شهقاتها بيديها تهتفُ بداخلها بحُرقة:
- ليتني فداءٍ لكِ يا حبيبتي، ليتني اموت ولا تموتين انتِ يا حبيبة الروح.
اكملت حور بحنان:
- سيزول كل هذا الألم، وسنذهب سويًّا لبيت جدتي، سنبقى هناك.. انا وانتِ وحلا...
- حبيبتي، يا حور...حسرةً عليكي يا صغيرة.. يا إلهي اشفها شفاء عاجلا لا يعقبه مرض. يا صغيرةً على الموت يا ابنة الغالي.
علت الدهشة وجوه الجميع وكريمة تدلف لتحتضن حور بحزنٍ حقيقي الّا انها لم تفطن لوجه ليلى الذي تحوّل الى قطعة باهتة... يا إلهي! لم تكن لتخبرها الآن.. ليس الآن يا إلهي.
.
.
الآن
يُقالُ ان المرء يشعُرُ بدنوّ اجله، ولكن بالنسبة لها كان الأمرُ اكبر من مُجرد شعور، لقد كانت مريضةٌ بهذا الهاجس منذ معرفتها بأن والدها سيحصُل على طفلٍ جديد، همس حينها صوتٌ بداخلها:
- لكُلّ شيءٍ ثمن يا حور، ولتأخد شيئًا يجب ان تدفع بالمقابل.
هاجس الموت كان يراودها من كُلّ مكان، خوفًا على ليلى، حلا او فلك، خوفًا من ان تكون إحداهُنّ الثمن لذلك الطفل.
كان قلبها يمتلئُ بالقلق والشهور تمُر امامها والخوف يتحول الى شيئًا اشبه باليقين، لقد ارادت الهرب من هذا المكان، ارادت ان تبتعد برفقة اخواتها ووالدتها قبل ان يقبض عليهنّ شبح الموت ولكن ليلى رفضت، ارادت ان تزوج فلك اولًا ولم تدري انها ستزفُّ إحداهُنّ الى قبرها قبل ذلك.
في ذلك اليوم وقبل اسبوعين تحديدًا رأت حور كل شيء، رأت كفنها الأبيض، قبرها بتربته الرطبة، رأت الجميع يبكون على فراقها، ورأته هو... طفلًا صغيرًا... صبي جميل حتمًا سيأخذ ملامح ابيه، رأت اخيها قبل ان يولد ووقتها فقط استيقظت من نومها ودون ان تدري كانت تركض بخوف لتدلف الى حجرة والدتها وتنامُ بحجرها علّ خوفها يهدأ.
منذ ذلك اليوم وهي تتصرف بغرابة، تأبى الذهاب الى المدرسة بل وحتى حلا رفضت ان تخرج بدونها، تجلس برفقة والدتها واختيها طوال الوقت وكأنها ترغب بأن تمنحهُنّ آخر ذكريات معها... حتى والدها، ذهبت له بعد ذلك الحُلُم بأيامٍ واعتذرت لهُ بطيب خاطر، حتى غيد اعتذرت منها لأجله فبالرغم من قسوتها الظاهرية لم تكُن لتسمح لوالدها بأن يشعر بالذنب طوال حياته بسببها.
ولم تدري ان والدتها كانت تشعر بذات الهاجس، وثمّة شيءٌ خفيٌّ بداخلها جعلها تدرك من سيدفع الثمن.. ففي كُلّ لحظةٍ عانقتها فيها ظنّت انها الأخيرة، وكانت كلتاهما تودع الأُخرى دون ان يصرحن بكلمة، وكلاهما يعلمن انّ الموت غمامةٌ سوداء، لن تنجلي الّا بأخذ روح إحداهنّ.
لذلك عندما اخبرها الطبيب بحالتها لم تكُن مُتفاجأة، بل هادئة للغاية، بكت قليلا ولكنها سرعان ما بدأت تتأقلم مع الأمر، فبما انها ستكون الضحية الوحيدة في هذه الحكاية ستستغل كل لحظةٍ برفقة والدتها، ستكون قويةً الى آخر لحظة بحياتها ولن تسمح للموت بأن يهزمها، ولن تجعل اي احدٍ حزن على موتها.
نظرت لقبضة حلا المُمسكة بيدها وابتسمت بحُب، فمنذ معرفتها بالمرض لم تتركها ولو للحظة حتى المدرسة رفضت ان تذهب اليها واخبرت الطبيب انها ستنام برفقة اختها متحججة بأنها مريضةٌ هي الأُخرى رافضة اوامر والديها بالعودة الى البيت.
- صباح الخير حبيبتي، كيف حالكِ اليوم؟
انتبهت لدخول فلك تتصنع ابتسامةً باهتة وعيناها تلمع بالدموع، يبدوا انها بكت كثيرًا قبل دخولها اليها.
- انا بأفضل حال، ولا ارغب بشيءٍ سوى مغادرة هذا المكان.
اقتربت فلك وقبّلت وجنتيها وقالت لها بإصرار:
- سوف يمضي كل هذا الألم، وستعودين للبيت، فقط تحمّلي قليلًا عزيزتي.
استيقظت حلا في تلك الأثناء ونظرت بنعاسٍ الى اختيها لتتسائل بإهتمام:
- اين امي؟!
اجابت فلك بتلجلُج:
- إنها برفقة الطبيب، ستأتي بعد قليل.
- بل هي لا ترغب برؤيتي.
همست حور بحزن واضافت بنحيب:
- هي لا ترغب بأن تبقى معي، تتحجج بكل شيءٍ لتظلّ بعيدةً عنّي وكأنني مصابة بمرض سيعديها.
لم يبد على ليلى التأثُّر عندما فتحت الباب وانضمّت اليهنّ لتقول ببرود:
- نعم لا ارغب بأن ابقى معكِ وحدنا، لا ارغب بأن ارى عيناكِ اليائسة وانتِ تستسلمين للموت، لا ارغب برؤية هذه الفتاة الضعيفة المنكسرة، انا اريد حور.. ابنتي التي تقِفُ امام كل العواصف، ارغب برؤية ابتسامتها الهازئة من كل شيء، ارغب بأن اراها تُغيظ الموت وتخرج لسانها اليه وتقول:
- لن تصل اليّ.
طرفت بعينيها تحبس دموعها وتكمل بخذلان:
- لا اريدُ ان يعديني يأسكِ، لا اريد ان افقد الأمل.
بكت حور بصوتٍ عالٍ وهي تتشبّث بوالدتها وتهمس بخوف:
- انا لا اريد ان اموت، لا اريد...
- لا يمكن لأحدٍ ان يساعدكِ يا صغيرتي ما لم تساعدي نفسك.
همست ليلى وهي تريح رأس ابنتها على صدرها وتردف بحنان:
- نحن هنا بجانبكِ، جميعنا ندعوا لك بالشفاء ولكن قلبكِ وحده ما سيساعدك، قلبك وروحكِ سيحاربان الموت ما ان تأمريهما، ستكونين بأمان ما ان ترغبين بذلك.
- اريد ان أُصبح بخير، لا اريد ان اموت يا أُمّي، ثمّة الكثير من الأشياء التي يجب ان افعلها.. انا اريد ان ابقى برفقتكِ، اريد ان نعيش سويًا بعيدًا عن كل احزاننا، انا لا اريد الموت.. لا اريده..
انتحبت بإنهيار ووالدتها ليست بأحسن حالٍ منها، ولكن كلاهما تحاول ان تتصنّع التماسُك وبداخل كليهما ألمًا لا يُحتمل.
بعد فترةٍ من الزمن كانت حور قد خضعت لبعض الفحوصات الجديدة ونامت على إثرها لتخرج ليلى من المشفى بأكمله... تسير بخطواتٍ واهنة بلا هُدى، لا ترغب بشيءٍ سوى ان تبتعد لأبعد مكان لتبكي كما يجب، عليها ان تصرخ الى ان يُبحّ صوتها، على دموعها ان تغرق الكون بأكمله لتشعر بالقليل من الراحة، فبالرغم من وجود كل احبائها بجانبها يؤازرونها الّا انها لا تحتاج الى ايّ احدٍ سوى نفسها، تحتاج ان تُخرج روحها الصامدة لتحتضن الضعف بداخلها، تحتاج القُدرة على إنتزاع قلبها من مكانه ووضعه بثلاجةٍ باردة عسى ان يخفّ وجع احتراقه.
وصلت الى المقبرة، وبكت بكُلّ جوارحها، بكت كل شيء، فقد والدتها.. انهيار زواجها... مرض ابنتها.. واغتيال كل ما هو جميلٌ بحياتها، بكت الفقد الذي تحاول دومًا طمسه بالغرور، ذاك الفقد الذي ينمو معها كظلّها، فقد الأُمّ والأب الذي ظنّت ان آدم انساها إياه ليبتعد فجأة، يتزوج بأُخرى دون ان يلتفت اليها تاركًا إياها وهي التي جعلته كل حياتها، فكل من حولها يستغربون صمتها وعدم ثورتها على زواجه ولا يدركون انها لا تملكُ في الدنيا سواه، بحر وبناتها ومالها لن يعوضها.. ولكنها الآن وهي تتلقى الصدمة تلو الأُخرى لا ترغب بشيءٍ سوى ان تتحرر منه الى الأبد، وان تهرب ببناتها بعيدا عن كل شيء.
- سِت ليلى، هل انتِ بخير؟
رفعت نظراتها اليه لتتسع عيناه بإشفاق، إنها تتألم وما اقساه من ألم.
- بخير، شكرا.
همست بخفوت وهي تنهضُ بتعثُّر لتسمعه يقول من خلفها:
- دعيني اوصلكِ، فلا تبدين بخير.
كادت ان تمنعه، ولكنها لن تستطيع السير طويلا وقد تسقط من طولها عقب ضغط الأيام الفائتة.
سارت بجانبه بهدوء لتجد سيارته الأنيقة مصفوفة على جانب الطريق، جلست على المقعد الأمامي بتعب وتبعها ليجلس بجانبها ويقود السيارة بصمت بالرغم من ان عقله يجيش بالتساؤلات، وقد باتت الصُدف التي تجمعهما اكثر من غريبة.. فقبل بضعة ايام كان بالمشفى لزيارة احد اقربائه عندما وجدها تبكِ بأسى عقب معرفتها بنتائج فحوصات ابنتها التي تشخصت بسرطان الدم، لم يعرف حينها ماذا حدث لقلبه ولكنه استعاد شعورًا مريرًا للغاية، شعور ان تُصدم بفقد اغلى ما تملك، وكاد ان يذهب ليواسيها ولو ببضع كلمات الّا ان زوجها واخيها كانا برفقتها فلم يستطع سوى ان يرميها بنظرةٍ حزينة ويدعوا الله ان لا تموت ابنتها، ففقد الأبناء اكبر مصائب الدنيا.
واليوم، ويال الصُدف ذهب لزيارة زوجته وابنيه الذين ماتوا في حادثٍ مأساويّ لم يترك له سوى ابنه الوحيد، ليجدها هنا، بجانب قبر والدتها التي يدعوا لها من سنواتٍ فقبرها بجانب قبر زوجته.
- وصلنا.
قالها وهو يخرج من السيارة لتتبعه قائلة وعيناها تُغلقان رغمًا عنها من التعب:
- شكرا لك سيد جلال الدين، شكرا للغاية.
- لا داعي للشكر يا ابنة الغاليين.
واضاف متجهًا معها الى بوابة المشفى:
- ابني يعمل هنا، ربما يستطيع مساعدتكِ اذا احتجي لأي شيء.
دلفا للمشفى وقبل ان يتجه لمكتب الأطباء وجده يسرع نحوه ويقول بقلق:
- ابي، ما الأمر هل تشعر بأي شيء؟ انت بخير.
ابتسم جلال مجيبًا ابنه بلكنةٍ بها خشونة غريبة:
- انا بخير يا ولدي، سلّم على خالتك ليلى، إن ابنتها مريضة هنا، اريد منك ان تعتني بها.
ابتسم كمال بود وهو يصافح ليلى التي اجابه بخفوت:
- مرحبًا بُني، ابنتي ستبدأ بالعلاج الكيميائي مساء اليوم.
اومأ كامل بهدوء واضاف:
- انا لا زلتُ طبيبًا مساعدًا وسأشرف على بعض الحالات، لا تقلقي ستتعافى بإذن الله، اعطيني اسمها كاملا لأرى مع اي طبيب ستكون.
- اسمها حور، حور آدم الزيات.
تم ندائه في منصة الأستقبال ليستأذنهم ويغادر بينما قال جلال بمودة:
- الصغيرة ستكون بخير، لن تموت إلّا عندما يجفُّ مداد صحيفتها.. كوني دائما متأكدة بأن كل اقدار الله خير، مهما كانت موجعة فخلفها راحة عظيمة.
اومأت وابتسامةً صغيرةً ترتسمُ على شفتيها ولكنها ترنّحت فجأةً ليُمسك بها جلال هامسًا بقلق:
- يجب ان ترتاحي قليلًا، تبدين مُجهدة للغاية...
في تلك الأثناء تقدم آدم وعلى ملامحه شرًّا مُستطيرًا وعيناه على يد جلال المُمسكة بساعد ليلى، ودون اي حوار سحبها نحوه وهو يهمس بحدّة:
- اين كنتِ كل هذا الوقت؟ ابنتكِ تسأل عنكِ وانتِ تتسكعين في اروقة المشفى.
برقت عينا جلال الدين بحنقٍ شديد وقبل ان يدافع عنها وجدها تهمسُ بقوّة:
- كنتُ بالمقبرة، ادعوا لأُمّي هل لديك مانع؟!
وعادت بنظراتها نحوه لتقول بإمتنان:
- اشكرك مرّة أُخرى سيد جلال.
وابتعدت عنهما لتدلف لحور بينما ظلّ كلاهما يطالع الآخر وشعورًا بالخطر يكتنف آدم حول هذا الرجُل بينما يتسلل الرضا من نظرات جلال الذي يجابه غريمه بإبتسامةٍ سمجة قبل ان يغادر، يتسلل الى قلبه شعورًا قميئًا يكبحه بعنف، لا يرغب بأن يوضع بهذا الموضع في الحكاية ولكن رغمًا عنه لا يشعر بنفسه عندما يراها، ولو يستطيع علاج ابنتها لفعل المستحيل ليزيل هذا الحزن عنها وبذات الوقت يكره آدم بشدّة، فبالفترة الماضية غلبه فضوله لينبش وراء ذلك الشخص ليتفاجأ بزواجه من امرأة أُخرى، الحقير عديم النظر كيف له ان يتزوّج بعد هذه المرأة الرائعة، والله لو كانت ملك يمينه لما نظر لأُنثى على الأرض سواها.
- ولكنها ليس كذلك.. انها زوجة رجُلٍ آخر يا جلال، وسيحاسبك الله على كل نظرة تطلقها نحوها...
همس بعذاب وجهها الباكي يتغزوا قلبه كمرض لا شفاء منه، يحوله الى رجلٍ حقير، ينظر لما ليس له.
.
.
- حور، صغيرتي، انتِ بخير، لن يصيبكِ مكروهٌ ووالدكِ هنا، انا سآخذكِ لأكبر طبيبٍ بالبلاد، سنسافر لأطمئن على صحتكِ وسنبقى لبعض الوقت، حسنًا حلوتي؟
همس والدها يعانقها بحنان لتستنشق رائحة حنانه الذي افتقدته طويلا، لا ترُدّ بأي كلمة، لا ترغب بأن تتحدث اليه، ليس الآن لكي لا تجرحه، فقلبها لم يعُد يحتمل حزنًا آخر، فقط ترغب بأن تظلّ بين ذراعيه الى ان تنام، كما كانت تفعل دائمًا قبل دخول غيد لحياتهم.
- اشتقتُ إليك، ليتني أُصبتُ بالمرض منذ اشهُرٍ طويلةٍ لأحظى بهذا الحنان.
- لا تتحدثي بهذه الطريقة.
همسته المُلتاعة ارسلت ابتسامةً صغيرةً على وجنتيها، يا الله كم تحب هذا الرجُل، إنه ابيها، ولن تستطيع ان تكرهه، لن تستطيع ان تحمله ذنب مرضها، ولا تريد ان ترى الإنكسار على ملامحه، لا تستطيع تحمُّل الأمر.
- لا ارغب بالذهاب من هنا ففي كل الأحوال سأخضع لنفس العلاج، ارغب بأن ابقى بجانب البحر، برفقة اهلي وصديقاتي.
همست مبتسمة لأبيها ليقول بغصّة:
- لا بأس، سافعل كل ما يرضيكِ، سأستدعي طبيب ماهر ليتابع حالتكِ وسنكون جميعًا بجانبكِ.
- هل رأيت الطفل، ابن غيد؟!
مرر انامله على خدها قائلًا بحُرقة:
- لم اره، لم استطع رؤيته قبل الإطمئنان عليكِ.
لم يكذب، فبالفعل لم يرى ابنه الى الآن، بل كل ما استطاع فعله هو رؤية غيد واخباره لها بما حدث، لا يريد ان يراه قبل ان تصفح عنه، فالذنب ينحر قلبه بلا رحمة عندما يتذكر نظرتها ففي ذلك اليوم لم يقُص شعرها بل قصّ حبلًا غليظًا كان يربطه بها دونًا عن بقية بناته، كانت حور الأكثر شبهًا به وبليلى، خليطًا غريبًا من الجاذبية والذكاء والحكمة والجمال، ابنته الصغيرة التي يفخر بها بكل لحظة، ويدرك انها ستكون ذات شأنٍ عالٍ الّا ان مرضها قد كسره، كسره للغاية بعد ان ظنّ ان لا شيء في الدنيا قد يوجعه.
.
.
بعد مرور ثلاثة اشهر
طاولات انيقة تعلوها مفارش بلون الفضّة، باقة ورد صغيرة بالمنتصف وكراسي بيضاء بسيطة، كان المطعم شبيه بطرازه المطاعم الفاخرة بالرغم من بساطة المكان، وجوّه الشاعري الهادئ يجعله الوجهة الأولى للمُحبّين.
تقِفُ ميرال امام طاولة تحضير الطعام تصنع الفطائر التي يزداد الطلب عليها صباحًا بينما يقف خليل بجانبها، بقامته المُعتدلة وثيابه الأنيقة يراقبها خلسةً اثناء مساعدتها بصُنع العجين، هو يعرف حكايتها كلها، حتى تلك التي لا يعرفها احدٌ سوى سجى، بقية الأُحجية التي تحولها للحظةٍ من سجينةٍ الى ملاك، ملاكًا لا يليقُ بدنس هذه الحياة.
إنها فتاةً مهذبة وطيبة القلب، مرحة في اوقاتٍ قليلة حيث تسيطر عليها روحها القديمة المُبهِِجة، لا تتحدث كثيرًا ليبدوا هو ثرثارا امامها، يرغب بجرّها الى ايّ حوار، واحيانًا يبدوا كالبُلهاء وهو يناقشها في حالة الطقس، ورغما عنه لا يرغب بشيءٍ سوى ان يسمع صوتها، ان ينظر لعيناها التي لم يجد لحُسنها شبيه، ويتمنى لو بإستطاعته البوح لها بإعجابه الشديد، فمنذ اوّل نظرة وصورتها لم تفارق خياله ليأتي صوتها الشجيّ ليزيد من عُمق هذا الشعور.
- خليل، توقّف ستفسد العجينة المسكينة من كثرة التحريك.
صوتها الرقيق ذو الرنّة المميزة ايقظه من شروده ليهمس معتذرًا:
- يبدوا انني شردتُ قليلًا.
- بالحقيقة في الفترة الأخيرة ازداد شرودك، وافكر جديًّا بطرك من العمل.
قالت مازحة ليبتسم ناظرًا الى ثغرها الباسم ليقول بتوتر:
- للصراحة الأمر مرتبطٌ بفتاة.
اضطربت بلحظة الّا انها استعادت قناعها المهذّب لتقول بخفوت:
- جيد.
زفر هامسًا بنبرةٍ هادئة:
- ألا تريدين معرفة الفتاة التي احببتها؟!
كادت او تومئ بالرفض وتفرّ هاربة لإدراكها ان هذا الحديث سيجُرّ ألمًا لا يُطاق الّا انها اومأت بصورةٍ غير ملحوظة ليقول:
- ميرال هل تقبلين الزواج بي؟!
.............................................
فصل مُرهق نفسيا وجسديًا، كتبته بعد معاناة.
اتمنى ان ينال اعجابكم.
اما بخصوص الأحداث فسترون جانب آخر من حياة ليلى وسيكون ظهور جلال الدين وابنه كثيرا خاصة بوجود حور بالمشفى
اما ميرال فستُحل حكايتها قريبًا..
هل تظنون ان ميرال ستوافق على الزواج من خليل؟!
مع حُبّي
فايا ❤❤❤
- لم يحن الوقت بعد، عليك التحمُّل قليلًا.
بُحّ صوتها من البكاء صارخةً بجنون:
- لن اتحمّل..لا استطيع... انا اموت... يا إلهي!
بدت صغيرةً للغاية في زيّ المشفى وهي تتلوّي بأنين وظهرها ينتفضُ من الألم، وجهها يغرقُ بالعرق والدموع، عيناها تبحث بلهفةٍ عن ايّ احدٍ تُمسك بيده ولكن لا احد... لا احد برفقتها، حتى آدم لا تعرف مكانه.
آدم الذي ظنّت انه سيفديها بروحه ولن يتركها للحظةٍ ها هو يغيب بأكثر لحظات احتياجها له، اما والدتها، فلم تسأل عنها منذ زواجها ولكنها اذا فعلتها اليوم واتت اليها ستسامحها على كل ما مضى، فقد لتأتي وتمسك بيدها وتخبرها انها هنا.. بجانبها.
- أُمّي! تعالي ارجوك يا امي، انا اموت، سأموت وحيدةً يا امي... آهٍ من مرارة الوحدة... آهٍ يا حبيبتي... آه.
نهضت بصعوبة ولم تعُد قادرة على تحمُّل نوبات المخاض لتصرخ بعذاب:
- انقذوني ارجوكم، انقذوني..لا اريد ان أُصبح اُمًا، لا اريد هذا الوجع.. لا اريده.
سقطت بمنتصف الطريق قبل ان تصل اليها الممرضة لينبئ عن سقوطها صرخةً متألمة لم يعقبها سوى سكون... سكون حارق لفتاةٍ تحارب اوجاع ولادتها الأولى وحيدة، خائفة، ودمًا دافئًا ينسابُ من تحتها..
.
.
الموت، معجزة أُخرى من مُعجزات الدنيا حيث تنتقل الروح لعالمٍ آخر، ويفنى الجسدُ كأن لم يكُن، لقد آمن الجميع بتك الحكاية الّا انها لا تفعل، فلا يمكن لإبنتها ان تغادر هذه الدنيا، لا يمكن لحور الصغيرةُ ان تعيش وحدها، ستخاف من كُلّ شيء، إنها صغيرة... صغيرةٌ على الموت... صغيرةٌ على الفراق.
ستة عشر عامًا كانت لتكملهُن بعد بضعة أشهُر، لم تزل بطور الطفولة بالرغم من بلوغها لسنّ البنات، إنها لا تستطيع النوم بلا ضوءٍ جانبي لخوفها المُفرط من الظلام كيف ستتحمّل ان يوضع على جسدها الغضُّ التُراب؟!
ابتسمت بحنانٍ وهي تُمرر الماء على جسدها الصغير وتذكرت كم كانت تستمتع بتحميمها واختها في طفولتهما حيث يلعبن ويضحكن بسعادةٍ وهُنّ يداعبن الدُمى المائية، كانت حينها تجلس امامهُن فقط فتمتلئ روحها بالفرح، ولكنها اليوم تغسلها لتوضع على كفنٍ ابيضٍ وتؤخذ منها الى الأبد.
لا يعرف احدُ كيف استطاعت التماسُك الى الآن ولكنها تشعر بأنها ليست هنا، وكأن روحها سافرت بعيدًا وهذا الجسد تتلبسهُ أُخرى، غريبة... تغسل جسد فتاة ماتت للتوّ، ماتت بصورةٍ مُفاجئة، لم تكُن مريضة، كانت بخير... تفرح وتضحك وتثير الفوضى بكُلّ مكان، هكذا دون ايّ مُقدمات، ماتت ابنةً اخذت روح والدتها معها.
اغمضت عينيها بعذاب وعندما فتحتهما اختفت حور، اختفت تمامًا...
تطلّعت بكل شيءٍ حولها... كل شيءٍ بمكانه... الإناء بمائه البارد، الطِيب، الكفن... الّا ان حور ليست موجودة... ركضت بهلع الى الخارج لتبحث عنها، هل اخذوها قبل ان تودعها؟ هل سيدفنونها الآن...
كان منظرها موجعًا للغاية، فقد ظلّت تنظر للنساء الجالسات بكل مكان لا يصلها صوت بكائهنّ حسرةً عليها، تنظر للجميع بغرابة بالرغم من إدراكها لكُلّ ما يحدث.
- اين حور، اين ابنتي؟!
خرج صوتها غريبًا عليها لدرجة انها تحسست حنجرتها بحيرة، كان الجميع يطالعها بإشفاق ماعدا تلك المرأة التي تقدمت نحوها، كانت امرأةً في غاية الحُسن وكأنها كوكب يشعُّ نورًا، ابتسامتها كقناديل الضياء، وجهها ينبضُ بالراحة.
اخذتها من يدها لتسير رفقتها مسلوبة الإرادة لتجد انها لا تسير سوى لغرفة حور... وهنالك على فراشها الجميل كانت ترقد بسلام.. ولكن ملامحها قد تغيرت، شعرها... لا يوجد اي شعر برأسها وحاجبيها...ولكنها حور.. ابنتها.
- ابنتكِ في حفظ الله... لا تقلقي.
- حور!
همست ودموعها تسيلُ بأسىً لتقول المرأة من جديد:
- لا تقلقي، فميعادها ليس الآن... لا تقلقي.. لا تقلقي!
شهقةً عالية دفعتها للإستيقاظ من حلمها الغريب لتنهض وتنظر حولها بهلع... إنها بالمشفى، برفقة حور التي تنام الآن بسلام.. وشعرها موجود.. موجود الآن على الأقل!
خرجت بسُرعة وكل جسدها يرتجف، وامام ذلك المرر المُعتّق برائحة الموت انهارت تنوح بألم، ففي الساعات الماضية لم تستطع ان تبدي ايّة ردة فعل ولكنها الآن فقط ادركت حجم مُصيبتها، وقبل ان تخرج نتيجة الفحوصات تأكدت من ان ابنتها مريضة.. بمرض الوجع العظيم.
تقدم آدم بخطواتٍ مُتعبة ليجلس بجانبها ويضمها ويبكي كلاهما بخوف، فقد خطّ القدر كلمته وما حدث بالساعات الماضية يؤكد ذلك، غيد مريضة ويجب ان تبدأ بالعلاج على الفور.
.
.
قبل ساعات.
- ما الأمر ايها الطبيب؟ ارجوك!
همست ليلى تسترجي الطبيب الذي طلب رؤيتها هي وآدم بعد ان استيقظت حور.
اجاب الطبيب ولا زال غير متأكدٍ من تقريره المبدئي:
- لا استطيع ان أُجزم بامرٍ الآن ولكن سنأقذ قذعة من النخاع الشوكي، وبعدها سنرى.
اتسعت عينا آدم بشدّة وليلى تهمِسُ بتماسُك:
- سرطان؟!
اومأ الطبيب واردف بنبرةٍ مُطمئنة:
- ربما يكون تشخيص خاطئ، سنعرف ما ان نسحب العينة وندرسها.
- بالطبع لن اسمح لكم بفعل اي شيءٍ لإبنتي؟ كيف ستسمح لنفسك بسحب شيءٍ من ظهرها لمجرد الشك؟ لا اريد اي فحوصات، سآخذها من هنا على الفور.
هتف آدم بحدّة وعقله لا يستوعب الأمر بينما بدى الطبيب مُعتادًا على هذا النوع من الصدمات فقد سكت تمامًا وهو يطالع الأبوين وللحظةٍ صدمه هدوء ليلى، فبالرغم من شحوب ملامحها الّا انها لم تهتز ولو للحظة، بدى وكأنها شاردة بعيدًا.
- سيدتي! هل انتِ بخير؟
قال وهو يقترب منها يتفحها برويّة لتجيب بخفوت:
- شكرا، انا بخير.. شكرا...
بينما انهار آدم على المقعد واغمض عينيه وألمًا حادًّا يشطر قلبه لنصفين، خرجت من بين شفتيه آهةٌ مُتحشرجة قبل ان يلحقه الطبيب ويصرخ مسرعًا للمرضات ليأخذونه لغُرفة الطوارئ.
ظلّت ليلى قابعة بمقعدها وقد غدت قدميها كقطعتي مطاط، تهتزّ عيناها بتشوّش ولطمات عديدة تصفع قلبها، لم تدري كيف استطاعت مهاتفة بحر الذي يرافق حور واخواتها ليأتيها مُسرعا وما ان وصل وجدها في حالةٍ غريبة.
مدّت يدها لهُ وقالت بضعف:
- ساعدني يا بحر، لا استطيع النهوض...
- ليلى، ما الأمر؟ ليلى حبيبتي لا تقلقيني؟
وضع يداه على وجنتها مغمغمًا بخوف بينما قالت ودموعها تنساب اخيرًا بحسرة:
- يجب ان انهض، لن انهار الآن، ليس الآن...
سحبها لتنهض بتثاقُل فإستندت عليه ليخرجا من مكتب الطبيب ولا زالت تساؤلاته لا تجد اي إجابات، فلا شيء يُقال.
ما الذي يمكن قوله الآن؟ أتخبره بأن ابنتها ستموت عن قريب ام ان زوجها الآن يعاني ام ان غريمتها ستنجب صبيًّا في هذه اللحظات؟ ماذا ستقول؟! هل ستخبره بأن قلبها يُعتصر من ثلاث قبضاتٍ بكل قسوة ام ان روحها قد تخرج بأي لحظةٍ من ثِقل الحِمل؟!
- آدم برفقة الطبيب، لقد شعر بألمٍ بصدره، لا اعلم اين اصطحبه، ارجوك ابحث عنه.
- أُمّي ماذا حدث لحور؟!
كان هذا صوت فلك التي اكملت دموعها في الطريق عقب معرفتها بالأمر ولم يستطع عزيز تهدئتها.
- إنها بخير، ادخلي لتبقي معها قليلًا ريثما آتي إليكُنّ.
اومأت براحة ولم تنتبه لوالدتها الّا ان عزيز لم يذهب معها بل اقترب منهما قائلًا بقلق:
- ما الأمر يا بحر؟ لا يبدوا انكم بخير.
- الطبيب يشُكُّ بأنها مُصابة بسرطان، وآدم ليس بخير.
اجابت ببساطة وكأنها تتحدث عن اشخاص غريبين لا تربطها بهم ايّ صلة، وكأن كل ما يحدث مجرد مسرحية ستنتهي قريبًا، وعليها فقط ان تظل متماسكة ان تنتهي وبعدها ستعود الى حياتها الطبيعية.
شعرت بإنتفاضة بحر وهو يتسائل بهلع:
- ما الذي تقولينه؟ كيف؟ كيف حدث ذلك؟ حور مريضة؟!
- بحر، إهدأ، فهي لا تبدوا بخير.
قال عزيز وهو يحثّ بحر على التماسُك بينما لم يستطع بحر كبح ألمه فجثى ارضًا يهمس بلوعة:
- لا يا إلهي! ارجوك... ليس هذه المرة ايضًا...
لم يمُرّ بباله سوى رحلةً طويلةً قضياها مع والدتهما التي صارعت نفس المرض فهزمها بالأخير، ماتت بعد ان احترقت طويلًا بجرعات العلاج التي قتلت كل ملامحها الى ان فارقت الحياة.
كانت ليلى تجلس على احد مقاعد الإنتظار، تعود رائحة الموت لتغزوا انفها، ذات الرائحة التي استعاذت منها طويلًا قبل وفاة والدتها، رائحة المرض والخوف والألم.
وصل عزيز للغرفة التي وضِع فيها آدم ليجده يرقد منوّمًا بفعل الأدوية وقد بدى مُنهارًا للغاية حتى وهو لا يدري بما حوله يظهر الألمُ على ملامحه.
يال الأسف! من سيُصدّق انه يشعر بالحُزن على حال آدم؟! لقد تغيّر كثيرًا.. غيره الحُبّ الحقيقي لرجُلٍ آخر.
ظل يراقبه لبعض الوقت واطمأن على حالته من الطيب الذي اوضح انه يعاني من ارتفاع شديد في ضغط الدم وسيحتاج للراحة فخرج حينها ليجد ليلى وبحر فيجيبهما بأنه بخير. حاول حينها بحر ان يتماسك قليلًا فأُخته بأشدّ الحوجة لوجوده خاصّة وان آدم لن يتحمّل الأمر.
- ابقي هنا يا ليلى، سأذهب لأخبر الطبيب بإجراء الفحوصات اللازمة، ولا داعي لأن تخبري اي احد الآن.
قالها بحر وهو يشير لعزيز بالبقاء معها.
بينما لم تُبدي هي ايّة استجابة وكل العالم يتهاوى تحت قدميها، لا شيء يوازي ما تشعر به من وجع، ولا احدًا في الدنيا قد يواسيها في مُصابها، إنها ابنتها، انها حور المشاكسة الصغيرة التي تضحُّ ضحكتها في الأرجاء، حور المُقاتلة الشرسة التي تدافع عنها ببسالة ولو كان الثمن خسارته لكل شيء.
- اين هو آدم؟ يجب ان يوقع على دخول غيد لغرفة العمليات، فولادتها متعسرة والطبيب قلق على حالتها.
تقدمت كريمة لتسأل بتشفّي وقد كانت المرافقة الوحيدة لغيد لتجيبها ليلى بهدوء:
- انه بإحد غرف المشفى، منهارٌ لأن ابنته تعاني من السرطان.
ونهضت لتدلف لغرفة ابنتها ولكن قبل ان تدخل التفتت اليها واضافت بإهتزاز:
- اخبريه بأن يبقى برفقة زوجته، فعلى الأقل سيحصل على بديل.
دلفت دون ان تلتفت خلفها لتجد حور تضحك برفقة اختيها، اقتربت لتجلس بجانبها، تضُمّها بحنان، تخشى ان تؤذيها نسائم الهواء، تخاف على روحها الغضّة من ألم المرض.
- أُميّ اين هو ابي؟
تسائلت حلا لتجيبها حور بإرهاق:
- بالتأكيد مع غيد، ألم تقولي بأنها ستضع مولودها اليوم.
- حور! اصمتي ارجوكِ، لا تحزني ليلى اكثر من ذلك.
انتهرتها فلك بإنزعاج بينما اضافت حلا بعبوس:
- هل سيتركنا إن كان المولود صبي؟ هل ستصبح غيد هي ربة المكان؟!
شعرت ليلى بأن رأسها سينفجر، كانت دموعها تختنق بداخلها لتحرق قلبها بألمٍ لا يُحتمل، تجبر شفتيها على الإبتسام والحزن يبني قلاعه من حولها، ترغب بأن تُهدئ قلبها قليلا وتقول "ربما ابنتي بخير، ربما سيكون مجرد كابوس" ولكنها لا تستطيع، لا تستطيع إخراس هواجسها، والأكثر إيلامًا انها وحيدة... بلا سندٍ منيع تتكئُ على ظهره وتبكِ براحة، كل من ظنّت انهم سندًا لها كانوا اوّل المُنهارين...آدم وضعفه المُفاجئ، بحر الذي اخذ يبكي كما الأطفال ويحاول جاهدًا ان يمسح القلق عن وجهه، حتى عزيز يبدوا مُتأثرًا للغاية، اما هي.. يثبّطها الحُزن بسلاسل غليظة ولكنها تقاوم، تقاوم بإستماتة وكأن احدًا سيحاسبها إن انهارت الآن.
- أُمّي! انتِ تؤلمينني!
همست حور بضعف لتتسع عينا ليلى بقلق وتتفحصها قائلة وعيناها تفيض بالدموع:
- آسفة حبيبتي، آسفة يا قلب أُمّكِ، ما الذي يؤلمكِ؟ يا إلهي! كيف استطعت ايلامكِ؟ انا اُمٌّ سيئة، سيئة للغاية..
ابتعدت عنها ولا زالت تنظر اليها بتدقيق تخاف ان تؤذيها إن اقتربت اكثر وبذات الوقت لا ترغب بشيئ سوى ان تبقيها بين ذراعيها، تستنشق رائحتها التي قد تُحرم منها الى الأبد.
- امي، إهدأي!
سحبتها فلك لتجلس على الأريكة ولكنها لا زالت تهذي بنواح:
- انا سيئة... كيف غفلتُ عنكِ الى هذه الدرجة! كيف لم أُلاحظ... كيف؟
نهضت حور وجلست بجانبها تهمس بإشفاق ظنًّا منها بأن انهيار والدتها بسبب غيد:
- امي، حبيبتي، لا تبكِ ارجوكِ، لا تؤلمي قلبي.
صمتت فجأةً تكتُمُ شهقاتها بيديها تهتفُ بداخلها بحُرقة:
- ليتني فداءٍ لكِ يا حبيبتي، ليتني اموت ولا تموتين انتِ يا حبيبة الروح.
اكملت حور بحنان:
- سيزول كل هذا الألم، وسنذهب سويًّا لبيت جدتي، سنبقى هناك.. انا وانتِ وحلا...
- حبيبتي، يا حور...حسرةً عليكي يا صغيرة.. يا إلهي اشفها شفاء عاجلا لا يعقبه مرض. يا صغيرةً على الموت يا ابنة الغالي.
علت الدهشة وجوه الجميع وكريمة تدلف لتحتضن حور بحزنٍ حقيقي الّا انها لم تفطن لوجه ليلى الذي تحوّل الى قطعة باهتة... يا إلهي! لم تكن لتخبرها الآن.. ليس الآن يا إلهي.
.
.
الآن
يُقالُ ان المرء يشعُرُ بدنوّ اجله، ولكن بالنسبة لها كان الأمرُ اكبر من مُجرد شعور، لقد كانت مريضةٌ بهذا الهاجس منذ معرفتها بأن والدها سيحصُل على طفلٍ جديد، همس حينها صوتٌ بداخلها:
- لكُلّ شيءٍ ثمن يا حور، ولتأخد شيئًا يجب ان تدفع بالمقابل.
هاجس الموت كان يراودها من كُلّ مكان، خوفًا على ليلى، حلا او فلك، خوفًا من ان تكون إحداهُنّ الثمن لذلك الطفل.
كان قلبها يمتلئُ بالقلق والشهور تمُر امامها والخوف يتحول الى شيئًا اشبه باليقين، لقد ارادت الهرب من هذا المكان، ارادت ان تبتعد برفقة اخواتها ووالدتها قبل ان يقبض عليهنّ شبح الموت ولكن ليلى رفضت، ارادت ان تزوج فلك اولًا ولم تدري انها ستزفُّ إحداهُنّ الى قبرها قبل ذلك.
في ذلك اليوم وقبل اسبوعين تحديدًا رأت حور كل شيء، رأت كفنها الأبيض، قبرها بتربته الرطبة، رأت الجميع يبكون على فراقها، ورأته هو... طفلًا صغيرًا... صبي جميل حتمًا سيأخذ ملامح ابيه، رأت اخيها قبل ان يولد ووقتها فقط استيقظت من نومها ودون ان تدري كانت تركض بخوف لتدلف الى حجرة والدتها وتنامُ بحجرها علّ خوفها يهدأ.
منذ ذلك اليوم وهي تتصرف بغرابة، تأبى الذهاب الى المدرسة بل وحتى حلا رفضت ان تخرج بدونها، تجلس برفقة والدتها واختيها طوال الوقت وكأنها ترغب بأن تمنحهُنّ آخر ذكريات معها... حتى والدها، ذهبت له بعد ذلك الحُلُم بأيامٍ واعتذرت لهُ بطيب خاطر، حتى غيد اعتذرت منها لأجله فبالرغم من قسوتها الظاهرية لم تكُن لتسمح لوالدها بأن يشعر بالذنب طوال حياته بسببها.
ولم تدري ان والدتها كانت تشعر بذات الهاجس، وثمّة شيءٌ خفيٌّ بداخلها جعلها تدرك من سيدفع الثمن.. ففي كُلّ لحظةٍ عانقتها فيها ظنّت انها الأخيرة، وكانت كلتاهما تودع الأُخرى دون ان يصرحن بكلمة، وكلاهما يعلمن انّ الموت غمامةٌ سوداء، لن تنجلي الّا بأخذ روح إحداهنّ.
لذلك عندما اخبرها الطبيب بحالتها لم تكُن مُتفاجأة، بل هادئة للغاية، بكت قليلا ولكنها سرعان ما بدأت تتأقلم مع الأمر، فبما انها ستكون الضحية الوحيدة في هذه الحكاية ستستغل كل لحظةٍ برفقة والدتها، ستكون قويةً الى آخر لحظة بحياتها ولن تسمح للموت بأن يهزمها، ولن تجعل اي احدٍ حزن على موتها.
نظرت لقبضة حلا المُمسكة بيدها وابتسمت بحُب، فمنذ معرفتها بالمرض لم تتركها ولو للحظة حتى المدرسة رفضت ان تذهب اليها واخبرت الطبيب انها ستنام برفقة اختها متحججة بأنها مريضةٌ هي الأُخرى رافضة اوامر والديها بالعودة الى البيت.
- صباح الخير حبيبتي، كيف حالكِ اليوم؟
انتبهت لدخول فلك تتصنع ابتسامةً باهتة وعيناها تلمع بالدموع، يبدوا انها بكت كثيرًا قبل دخولها اليها.
- انا بأفضل حال، ولا ارغب بشيءٍ سوى مغادرة هذا المكان.
اقتربت فلك وقبّلت وجنتيها وقالت لها بإصرار:
- سوف يمضي كل هذا الألم، وستعودين للبيت، فقط تحمّلي قليلًا عزيزتي.
استيقظت حلا في تلك الأثناء ونظرت بنعاسٍ الى اختيها لتتسائل بإهتمام:
- اين امي؟!
اجابت فلك بتلجلُج:
- إنها برفقة الطبيب، ستأتي بعد قليل.
- بل هي لا ترغب برؤيتي.
همست حور بحزن واضافت بنحيب:
- هي لا ترغب بأن تبقى معي، تتحجج بكل شيءٍ لتظلّ بعيدةً عنّي وكأنني مصابة بمرض سيعديها.
لم يبد على ليلى التأثُّر عندما فتحت الباب وانضمّت اليهنّ لتقول ببرود:
- نعم لا ارغب بأن ابقى معكِ وحدنا، لا ارغب بأن ارى عيناكِ اليائسة وانتِ تستسلمين للموت، لا ارغب برؤية هذه الفتاة الضعيفة المنكسرة، انا اريد حور.. ابنتي التي تقِفُ امام كل العواصف، ارغب برؤية ابتسامتها الهازئة من كل شيء، ارغب بأن اراها تُغيظ الموت وتخرج لسانها اليه وتقول:
- لن تصل اليّ.
طرفت بعينيها تحبس دموعها وتكمل بخذلان:
- لا اريدُ ان يعديني يأسكِ، لا اريد ان افقد الأمل.
بكت حور بصوتٍ عالٍ وهي تتشبّث بوالدتها وتهمس بخوف:
- انا لا اريد ان اموت، لا اريد...
- لا يمكن لأحدٍ ان يساعدكِ يا صغيرتي ما لم تساعدي نفسك.
همست ليلى وهي تريح رأس ابنتها على صدرها وتردف بحنان:
- نحن هنا بجانبكِ، جميعنا ندعوا لك بالشفاء ولكن قلبكِ وحده ما سيساعدك، قلبك وروحكِ سيحاربان الموت ما ان تأمريهما، ستكونين بأمان ما ان ترغبين بذلك.
- اريد ان أُصبح بخير، لا اريد ان اموت يا أُمّي، ثمّة الكثير من الأشياء التي يجب ان افعلها.. انا اريد ان ابقى برفقتكِ، اريد ان نعيش سويًا بعيدًا عن كل احزاننا، انا لا اريد الموت.. لا اريده..
انتحبت بإنهيار ووالدتها ليست بأحسن حالٍ منها، ولكن كلاهما تحاول ان تتصنّع التماسُك وبداخل كليهما ألمًا لا يُحتمل.
بعد فترةٍ من الزمن كانت حور قد خضعت لبعض الفحوصات الجديدة ونامت على إثرها لتخرج ليلى من المشفى بأكمله... تسير بخطواتٍ واهنة بلا هُدى، لا ترغب بشيءٍ سوى ان تبتعد لأبعد مكان لتبكي كما يجب، عليها ان تصرخ الى ان يُبحّ صوتها، على دموعها ان تغرق الكون بأكمله لتشعر بالقليل من الراحة، فبالرغم من وجود كل احبائها بجانبها يؤازرونها الّا انها لا تحتاج الى ايّ احدٍ سوى نفسها، تحتاج ان تُخرج روحها الصامدة لتحتضن الضعف بداخلها، تحتاج القُدرة على إنتزاع قلبها من مكانه ووضعه بثلاجةٍ باردة عسى ان يخفّ وجع احتراقه.
وصلت الى المقبرة، وبكت بكُلّ جوارحها، بكت كل شيء، فقد والدتها.. انهيار زواجها... مرض ابنتها.. واغتيال كل ما هو جميلٌ بحياتها، بكت الفقد الذي تحاول دومًا طمسه بالغرور، ذاك الفقد الذي ينمو معها كظلّها، فقد الأُمّ والأب الذي ظنّت ان آدم انساها إياه ليبتعد فجأة، يتزوج بأُخرى دون ان يلتفت اليها تاركًا إياها وهي التي جعلته كل حياتها، فكل من حولها يستغربون صمتها وعدم ثورتها على زواجه ولا يدركون انها لا تملكُ في الدنيا سواه، بحر وبناتها ومالها لن يعوضها.. ولكنها الآن وهي تتلقى الصدمة تلو الأُخرى لا ترغب بشيءٍ سوى ان تتحرر منه الى الأبد، وان تهرب ببناتها بعيدا عن كل شيء.
- سِت ليلى، هل انتِ بخير؟
رفعت نظراتها اليه لتتسع عيناه بإشفاق، إنها تتألم وما اقساه من ألم.
- بخير، شكرا.
همست بخفوت وهي تنهضُ بتعثُّر لتسمعه يقول من خلفها:
- دعيني اوصلكِ، فلا تبدين بخير.
كادت ان تمنعه، ولكنها لن تستطيع السير طويلا وقد تسقط من طولها عقب ضغط الأيام الفائتة.
سارت بجانبه بهدوء لتجد سيارته الأنيقة مصفوفة على جانب الطريق، جلست على المقعد الأمامي بتعب وتبعها ليجلس بجانبها ويقود السيارة بصمت بالرغم من ان عقله يجيش بالتساؤلات، وقد باتت الصُدف التي تجمعهما اكثر من غريبة.. فقبل بضعة ايام كان بالمشفى لزيارة احد اقربائه عندما وجدها تبكِ بأسى عقب معرفتها بنتائج فحوصات ابنتها التي تشخصت بسرطان الدم، لم يعرف حينها ماذا حدث لقلبه ولكنه استعاد شعورًا مريرًا للغاية، شعور ان تُصدم بفقد اغلى ما تملك، وكاد ان يذهب ليواسيها ولو ببضع كلمات الّا ان زوجها واخيها كانا برفقتها فلم يستطع سوى ان يرميها بنظرةٍ حزينة ويدعوا الله ان لا تموت ابنتها، ففقد الأبناء اكبر مصائب الدنيا.
واليوم، ويال الصُدف ذهب لزيارة زوجته وابنيه الذين ماتوا في حادثٍ مأساويّ لم يترك له سوى ابنه الوحيد، ليجدها هنا، بجانب قبر والدتها التي يدعوا لها من سنواتٍ فقبرها بجانب قبر زوجته.
- وصلنا.
قالها وهو يخرج من السيارة لتتبعه قائلة وعيناها تُغلقان رغمًا عنها من التعب:
- شكرا لك سيد جلال الدين، شكرا للغاية.
- لا داعي للشكر يا ابنة الغاليين.
واضاف متجهًا معها الى بوابة المشفى:
- ابني يعمل هنا، ربما يستطيع مساعدتكِ اذا احتجي لأي شيء.
دلفا للمشفى وقبل ان يتجه لمكتب الأطباء وجده يسرع نحوه ويقول بقلق:
- ابي، ما الأمر هل تشعر بأي شيء؟ انت بخير.
ابتسم جلال مجيبًا ابنه بلكنةٍ بها خشونة غريبة:
- انا بخير يا ولدي، سلّم على خالتك ليلى، إن ابنتها مريضة هنا، اريد منك ان تعتني بها.
ابتسم كمال بود وهو يصافح ليلى التي اجابه بخفوت:
- مرحبًا بُني، ابنتي ستبدأ بالعلاج الكيميائي مساء اليوم.
اومأ كامل بهدوء واضاف:
- انا لا زلتُ طبيبًا مساعدًا وسأشرف على بعض الحالات، لا تقلقي ستتعافى بإذن الله، اعطيني اسمها كاملا لأرى مع اي طبيب ستكون.
- اسمها حور، حور آدم الزيات.
تم ندائه في منصة الأستقبال ليستأذنهم ويغادر بينما قال جلال بمودة:
- الصغيرة ستكون بخير، لن تموت إلّا عندما يجفُّ مداد صحيفتها.. كوني دائما متأكدة بأن كل اقدار الله خير، مهما كانت موجعة فخلفها راحة عظيمة.
اومأت وابتسامةً صغيرةً ترتسمُ على شفتيها ولكنها ترنّحت فجأةً ليُمسك بها جلال هامسًا بقلق:
- يجب ان ترتاحي قليلًا، تبدين مُجهدة للغاية...
في تلك الأثناء تقدم آدم وعلى ملامحه شرًّا مُستطيرًا وعيناه على يد جلال المُمسكة بساعد ليلى، ودون اي حوار سحبها نحوه وهو يهمس بحدّة:
- اين كنتِ كل هذا الوقت؟ ابنتكِ تسأل عنكِ وانتِ تتسكعين في اروقة المشفى.
برقت عينا جلال الدين بحنقٍ شديد وقبل ان يدافع عنها وجدها تهمسُ بقوّة:
- كنتُ بالمقبرة، ادعوا لأُمّي هل لديك مانع؟!
وعادت بنظراتها نحوه لتقول بإمتنان:
- اشكرك مرّة أُخرى سيد جلال.
وابتعدت عنهما لتدلف لحور بينما ظلّ كلاهما يطالع الآخر وشعورًا بالخطر يكتنف آدم حول هذا الرجُل بينما يتسلل الرضا من نظرات جلال الذي يجابه غريمه بإبتسامةٍ سمجة قبل ان يغادر، يتسلل الى قلبه شعورًا قميئًا يكبحه بعنف، لا يرغب بأن يوضع بهذا الموضع في الحكاية ولكن رغمًا عنه لا يشعر بنفسه عندما يراها، ولو يستطيع علاج ابنتها لفعل المستحيل ليزيل هذا الحزن عنها وبذات الوقت يكره آدم بشدّة، فبالفترة الماضية غلبه فضوله لينبش وراء ذلك الشخص ليتفاجأ بزواجه من امرأة أُخرى، الحقير عديم النظر كيف له ان يتزوّج بعد هذه المرأة الرائعة، والله لو كانت ملك يمينه لما نظر لأُنثى على الأرض سواها.
- ولكنها ليس كذلك.. انها زوجة رجُلٍ آخر يا جلال، وسيحاسبك الله على كل نظرة تطلقها نحوها...
همس بعذاب وجهها الباكي يتغزوا قلبه كمرض لا شفاء منه، يحوله الى رجلٍ حقير، ينظر لما ليس له.
.
.
- حور، صغيرتي، انتِ بخير، لن يصيبكِ مكروهٌ ووالدكِ هنا، انا سآخذكِ لأكبر طبيبٍ بالبلاد، سنسافر لأطمئن على صحتكِ وسنبقى لبعض الوقت، حسنًا حلوتي؟
همس والدها يعانقها بحنان لتستنشق رائحة حنانه الذي افتقدته طويلا، لا ترُدّ بأي كلمة، لا ترغب بأن تتحدث اليه، ليس الآن لكي لا تجرحه، فقلبها لم يعُد يحتمل حزنًا آخر، فقط ترغب بأن تظلّ بين ذراعيه الى ان تنام، كما كانت تفعل دائمًا قبل دخول غيد لحياتهم.
- اشتقتُ إليك، ليتني أُصبتُ بالمرض منذ اشهُرٍ طويلةٍ لأحظى بهذا الحنان.
- لا تتحدثي بهذه الطريقة.
همسته المُلتاعة ارسلت ابتسامةً صغيرةً على وجنتيها، يا الله كم تحب هذا الرجُل، إنه ابيها، ولن تستطيع ان تكرهه، لن تستطيع ان تحمله ذنب مرضها، ولا تريد ان ترى الإنكسار على ملامحه، لا تستطيع تحمُّل الأمر.
- لا ارغب بالذهاب من هنا ففي كل الأحوال سأخضع لنفس العلاج، ارغب بأن ابقى بجانب البحر، برفقة اهلي وصديقاتي.
همست مبتسمة لأبيها ليقول بغصّة:
- لا بأس، سافعل كل ما يرضيكِ، سأستدعي طبيب ماهر ليتابع حالتكِ وسنكون جميعًا بجانبكِ.
- هل رأيت الطفل، ابن غيد؟!
مرر انامله على خدها قائلًا بحُرقة:
- لم اره، لم استطع رؤيته قبل الإطمئنان عليكِ.
لم يكذب، فبالفعل لم يرى ابنه الى الآن، بل كل ما استطاع فعله هو رؤية غيد واخباره لها بما حدث، لا يريد ان يراه قبل ان تصفح عنه، فالذنب ينحر قلبه بلا رحمة عندما يتذكر نظرتها ففي ذلك اليوم لم يقُص شعرها بل قصّ حبلًا غليظًا كان يربطه بها دونًا عن بقية بناته، كانت حور الأكثر شبهًا به وبليلى، خليطًا غريبًا من الجاذبية والذكاء والحكمة والجمال، ابنته الصغيرة التي يفخر بها بكل لحظة، ويدرك انها ستكون ذات شأنٍ عالٍ الّا ان مرضها قد كسره، كسره للغاية بعد ان ظنّ ان لا شيء في الدنيا قد يوجعه.
.
.
بعد مرور ثلاثة اشهر
طاولات انيقة تعلوها مفارش بلون الفضّة، باقة ورد صغيرة بالمنتصف وكراسي بيضاء بسيطة، كان المطعم شبيه بطرازه المطاعم الفاخرة بالرغم من بساطة المكان، وجوّه الشاعري الهادئ يجعله الوجهة الأولى للمُحبّين.
تقِفُ ميرال امام طاولة تحضير الطعام تصنع الفطائر التي يزداد الطلب عليها صباحًا بينما يقف خليل بجانبها، بقامته المُعتدلة وثيابه الأنيقة يراقبها خلسةً اثناء مساعدتها بصُنع العجين، هو يعرف حكايتها كلها، حتى تلك التي لا يعرفها احدٌ سوى سجى، بقية الأُحجية التي تحولها للحظةٍ من سجينةٍ الى ملاك، ملاكًا لا يليقُ بدنس هذه الحياة.
إنها فتاةً مهذبة وطيبة القلب، مرحة في اوقاتٍ قليلة حيث تسيطر عليها روحها القديمة المُبهِِجة، لا تتحدث كثيرًا ليبدوا هو ثرثارا امامها، يرغب بجرّها الى ايّ حوار، واحيانًا يبدوا كالبُلهاء وهو يناقشها في حالة الطقس، ورغما عنه لا يرغب بشيءٍ سوى ان يسمع صوتها، ان ينظر لعيناها التي لم يجد لحُسنها شبيه، ويتمنى لو بإستطاعته البوح لها بإعجابه الشديد، فمنذ اوّل نظرة وصورتها لم تفارق خياله ليأتي صوتها الشجيّ ليزيد من عُمق هذا الشعور.
- خليل، توقّف ستفسد العجينة المسكينة من كثرة التحريك.
صوتها الرقيق ذو الرنّة المميزة ايقظه من شروده ليهمس معتذرًا:
- يبدوا انني شردتُ قليلًا.
- بالحقيقة في الفترة الأخيرة ازداد شرودك، وافكر جديًّا بطرك من العمل.
قالت مازحة ليبتسم ناظرًا الى ثغرها الباسم ليقول بتوتر:
- للصراحة الأمر مرتبطٌ بفتاة.
اضطربت بلحظة الّا انها استعادت قناعها المهذّب لتقول بخفوت:
- جيد.
زفر هامسًا بنبرةٍ هادئة:
- ألا تريدين معرفة الفتاة التي احببتها؟!
كادت او تومئ بالرفض وتفرّ هاربة لإدراكها ان هذا الحديث سيجُرّ ألمًا لا يُطاق الّا انها اومأت بصورةٍ غير ملحوظة ليقول:
- ميرال هل تقبلين الزواج بي؟!
.............................................
فصل مُرهق نفسيا وجسديًا، كتبته بعد معاناة.
اتمنى ان ينال اعجابكم.
اما بخصوص الأحداث فسترون جانب آخر من حياة ليلى وسيكون ظهور جلال الدين وابنه كثيرا خاصة بوجود حور بالمشفى
اما ميرال فستُحل حكايتها قريبًا..
هل تظنون ان ميرال ستوافق على الزواج من خليل؟!
مع حُبّي
فايا ❤❤❤