الفصل الرابع والعشرون

وقبل ان يترك لها مجالا للرد ، إستمر في حديثه محذرا ، حتى لا تكون واثقة الى هذا

الحد بأن الأسبوعين الماضيين قد يرسمان صورة أفضل لمستقبل حياتهما أو يعطيها إمارة على أنه قد يسامحها يوما ويعفو عنها ويتركها بلا تعذيب نفسي كما يفعل
" انا إنسان مزاجي ، ويمكن أن أتحول من صورة لأخرى من غير إنذار ، فأنا تزوجتك

فقط كي اجعلك تدفعين ثمن ما عانيت في حياتي ، وسوف تدفعين ، إياك ان تظني غير
ذلك."
تنهدت ساندرا و
لاذت بالصمت ، لن تجيبه ولن تترك له فرصة بل أحست انه وكأنه يجبر نفسه على تكرار هذا الكلام الغبي لشيء أغبى في داخله ،وأن
الأمور ستسير على ما سارت عليه في الأسبوعين الماضيين على الأقل. ولكنها سرعان ما ادركت خطأها ، فإن باريس صمم ألا يضعف من موقفه ،وعاد

مرة أخرى لسلوكه الفظ ومعاملته الخشنة ، غير أن ساندرا كانت تحتمل ظنا منها انها
سحابة ثم تنقشع لمعرفتها بمزاجه المتقلب ، ولكنها في هذه المرة أخطات في ظنها.
قررت إنهاء حرب الاعصاب التي بينهما وقبل أن تتطاول الأمور
ستتركه يفعل كما يحلو له يبدو أن اعترافها له بلطفه في الأيام الماضية ضايقه وقرر معاقبتها عليه
صمتت قليلاً حتى كف عن الحديث ثم قالت : هل يمكن أن نعود إلى المنزل الآن ؟
-  لماذا ؟
-  أشعر بالتعب وأريد النوم
-  يبدو أنك اعتادت حياة الرفاهيه يا ساندرا، أتذكر أنك كنت نحلة نشاط في عملك أما الآن فنومك كثر
على كل حال لن نعود الآن سنتناول العشاء اولا

أحست بغصه في حلقها، آخر ما كان ينقصها اليوم أن يذكرها بحياتها السابقة، هو يريدها أن تتعذب ؟ لقد ربح هذه المرة، هي بالفعل تتعذب فمن اعتادت الحياة العملية لا تستطيع العودة إلى المنزل وهذا ما يزيد سجنها أضعاف وأضعاف
ربح باريس وقررت الصمت إلى نهاية اليوم، حتى تعود وتلقي بأحزانها في النوم !


مرت الأيام التالية بشكل هادئ وذلك ليس لهدوء باريس ولكن لسفره وانشغاله بعمله، وهذا ما جعلها تهدأ قليلاً وتركز في اللا شيء الذي تفعله!
كانت تتنقل من مكان لآخر في الجزيرة مع أولجا بحجه التعرف على كل شيء حولها وشراء حاجيات المنزل المتوفرة في الأصل
ساندرا كانت شخصية تعشق الخروج وتكره البيت شخصية ليست كسولة بالعكس كانت نشيطة جدا وساعدها ذلك في عملها جدا
ولذلك اختارها هاري دارك لتكن سكرتيرته الخاصة
تنهدت بآه مسموعة، حياتها بين الضدين في كل شيء
في طريقة حياتها وفي ذلك الرجل الذي وقعت في آسر زواجه!

.
.
.

وعاد باريس إلى المنزل، توجست منه وأحست أن بيه شيء غريب هذه المرة
وفي ذات مساء ،صدق حدسها عندما ابدى وحشية في معاملتها على لا شيء حقًا لا شيء فعلته لكل هذا،
وقفت أمامه وقالت له:
" باريس ، انت عدو نفسك ، ولا تكرهني فقط بل أيضًا تكره نفسك ومهما حاولت معك لا فائدة منك ولن أبقى معك في اية حال من الأحوال
."
كان باريس يقف بجانبها فأمسك ذراعها بقسوة ، فحاولت ان تفلت من قبضته ولا

تدري كيف إستطاعت ،وإبتعدت عنه وقد شحب وجهها وإرتجف جسمها وسرى
الخوف مسرى الدم في عروقها، وتذكرت أليكس زوجها الأول، فبالرغم من حقارته لكنها وبشكل غريب

لم تلق معه مثل هذا الخوف الذي تلقاه مع باريس!.
لم يحاول باريس أن يقترب منها ، ولكنه ايضا لم يذهب ، بل قال: " لديك كل ما تحتاجين اليه، فلماذا إذن هذا التهديد بالرحيل؟ ."
أجابته ساخرة :
" لدي كل ما أريد ؟ وماذا في هذا ؟ ألا يكفي أنني فقدت حريتي ؟."
" فعلت ذلك بكامل رغبتك ."
استفزها فهتفت به :
" كاذب ! لم يكن لدي خيار، لقد أجبرتني ."
"نعم ليس نفس الاختيار بالطبع ليس بالقدر الذي كان لديك في المرة الأولى على ما أظن ، كنت حينئذ تتمتعين

بحرية الإختيار .... وماذا فعلتي ؟ إخترتي الرجل الذي يملك مالا أكثر ، ورفضتني ، لأنني كنت

فقط وريث والدي ، ولن أصبح
غنيا طالما هو على قيد الحياة ." وفجأة ضحك تلك الضحكة
الهمجية ، والتي سمعتها مرات عديدة من قبل ، ثم توقف

عن الضحك وتابع كلامه:
" لم تعرفي في ذلك الحين ان الأمور قد تنعكس كما حصل الآن ، ولو أنك تزوجت مني

لكنت في حالة مادية أفضل بكثير ."
نظرت اليه في صمت خشية على سلامتها ، كان الشر يطل من عينيه القاتمتين،

ووجهه الداكن المتجعد ، وشكله الضخم في ثيابه السوداء.
" تعالي الى هنا."
قال ذلك وهو ينظر اليها نظرات مخيفة ، فهزت رأسها نفيًا وحاولت أن تتجاوزه الى

الباب ، ولكنه أمسك بها بعنف
،وهو يصرخ في وجهها:
" تذكري انني زوجك يا ساندرا ، وعليك أن تطيعيني ."

قال هذه الجملة وقد امتلكها كليًا، ليس بيده فقط، بل بجسده كله وقبلاته التي انتشرت على كل إنش من وجهها، لكنها لم تكن رقيقة ولم تثير فيها مشاعر الرغبة كما حدث في المرة الأخيرة، كان كل ما يفعله محمل بالغل والكره، تستشعره جيدًا
حاولت أن تبتعد عنه لكنه كان أقوى منها بكثير، تريد أن تستلم لكن جسدها يرفض، وكأنه شخص غريب قرر اغتصابها وليس زوجها الذي نال براءتها في المرة الأخيرة!
استمر جسدها في الرعشة العنيفة والرفض الكامل والذي أخيرًا أحس به باريس وقرر أن يعفو عنها وتركها فجأة ثم اختفى من الغرفة كعادته!
.
.

فتحت ساندرا عينيها ، وكان الفجر قد بزغ من وراء الأفق يداعبه بلمسات لطيفة بعكس ليلتها الباكية التي قضتها بالأمس،
وكان بدء يوم جديد ، سرت رجفة في جوانبها وهي تنظر الى الوجه الداكن الغارق في

النوم الى جانبها، حقًا تريد أن تسأله من أين يأتي بكل هذا السلام النفسي، يقتحمها وينقض عليها يتركها تبكي ويختفي ثم يعود للنوم بجوارها بمنتهى الهدوء وكأنه لم يفعل شيئًا !
تنهدت ثم تحركت وإنسلت بهدوء تقصد الحمام لتغسل وجهها وهي تحدث نفسها،
أن باريس لا يمكنه أن يبقيها هكذا أسيرة ، فلماذا لا تذهب الى الشرطة وتخبرهم

بمخاوفها ؟ وهم لا شك سيعالجون الأمر ، علهم يدبرون امر سفرها ، فهي إنجليزية
وبالتأكيد لها سفارة ومن واجبهم مساعدتها ،وهذه المرة شعرت أنها تستطيع أن تهجر باريس من غير أي إحساس

بالذنب ، بعد كل ما يفعله معها هذا ما يستحقه .
بعد تناولهم الفطور الذي لم تتأخر عليه بالطبع ، خرج باريس من المنزل ، إنها فرصتها للرحيل ، وهكذا فقد
خرجت هي أيضا ، تسير على الطريق التي سبق وسارت فيها مع باريس بعد مراسيم

زواجهما في مدينة كاليمووس، كانت الطريق طويلة والمسافة بعيدة حتى الى اقرب
قرية ، ولكنها سارت بسرعة وهي تمني النفس بحل مشكلتها ، ولو أنها كانت تتمنى لو

ان الظروف غير هذه الظروف ، حتى تستطيع أن تستمتع بتلك المشاهد التي لم تر
أجمل منها ،وذاك النسيم الذي يعبث بشعرها أرق منه .

وصلت ساندرا الى القرية تمشت في طرقها ثم قررت أن توقف شابا مارا وسألته عن سيارة أجرة، ولكن الشاب

رفع كتفيه ، قائلا:
" لا يوجد هنا سيارات اجرة ، فتلك السيارات موجودة فقط في المدينة ." !
أفترت شفتاه عن إبتسامة مرحة فبدت أسنانه بيضاء كاللؤلؤ ، وعيناه البنيتان كانتا

تشعان بالمرح ، وصوته لطيفا مليئا بالود.
وأضاف الشاب قائلا:
"أنتي اجنبية صيفتنا لذلك أخي لديه سيارة ، وهو لا شك سيصطحبك إذا اردت."
نظرت ساندرا اليه بإمتنان وأجابت: " هل يفعل ؟ يجب ان اصل الى الميناء ، أعتقد أن هناك قاربا سيقلع في غضون ساعتين

".
" تماما ، تعالي معي ، يبدو أنك في عطلة على ما أظن ، جئت لزيارة جزيرتنا أليس كذلك ؟
تنفست ساندرا الصعداء فهي لم تضطر للكذب بخصوصها هو قرر وقال من نفسه
فقط أجابته بنعم واحدة


ولما سارت الى جانبه ، سألها:
" أهلا بك ضيفتنا، أظن انك أحببت جزيرتنا ، اليس كذلك؟ ."
" بالتأكيد ." إبتسم لها وقال:
" الان عدت من سفينتي ، فانا غواص اجمع الإسفنج ."
شهقت ساندرا وسألته " أنت غواص إسفنج؟ ." لقد سمعت من قبل عن غواصي الإسفنج في مدينة كاليمووس، رجال يخاطرون

بارواحهم وهم يغوصون في أعماق البحار ، يبحثون عن الإسفنج الذي ينمو على

الصخور.
وبعد تريث قليل تابعت:
" لقد سمعت أنها مهمة خطرة جدا

ابتسم بثقة نفس واعتزاز ثم قال :" نعم إنها خطرة ، ولكنني احب أن أغوص في أعماق المياه السحيقة ، واشاهد

المخلوقات الصغيرة الرائعة التي تعيش هناك ."
توقف قليلا ، ثم نظر اليها وقال يعرفها بنفسه :
" إسمي أدوليس ، وانت ما إسمك؟ ."
" ساندرا."
" ساندرا ؟ لقد إلتقيت بفتيات انجليزات كثيرات ، عندما كنت اعمل في فندق في

رودس ، أنت تعرفين رودس أليس كذلك؟ ."
" نعم لقد نزلنا من الباخرة هناك ، ثم جئنا الى هنا بالقارب ."
" في رودس كما قلت ، إلتقيت بفتيات كثيرات ولكنني لم أسمع بإسم ساندرا هذا."
ابتسمت بهدوء ثم قالت :
" نعم إنه ليس إسم شائعا ."
سارا في طريق ترتفع الأشجار على جانبيها ، تبدو أزهارها الجميلة وكأنها سرقت

لونها الأصفر الذهبي من الشمس، والبيوت البيضاء تظهر من وراءها تحيط بها الحدائق

المفروشة بالأزهار يعطر أريجها الأجواء ، ويحيط بهذه الحدائق سياج كثيف من اشجار

الصبار الفخمة.
توقف أدوليس في نصف الطريق ثم قال " هذا بيت اخي ."
اشار أدوليس بيده الى البيت ثم فتح البوابة العريضة المصنوعة من الخشب المزخرف

، دخل ونادى بصوت عال حاد بجمل قصيرة ، وكل ما إستطاعت أن تفهمه ساندرا كان
أسماء مثل دراينا و سيلا ، وبيتربجرو ، أما بقية الكلام فكان باليونانية .
ظهرت فتاة يضارع جملها سحر عينيها اعين الظباء ، خجولة لا تفارق البسمة ثغرها ،

قدّمها على أنها أخته ، ثم أخذ يتكلم باللغة اليونانية.
" أخوك ليس هنا ، أليس كذلك؟."
لم تكن بحاجة لتسأل هذا السؤال، فقد عرفت ذلك من الملاحظة ، ومع ذلك فقد سألته أيضًا لعله يخيب ظنها

أخبرها أدوليس أنه ذهب بسيارته قبل دقائق معدودة، وغاص قلبها بين جنبيها وبدا

الإرتباك على وجههها ، وحارت فيما تفعل ، ولما قالت له أنها ستسير الى القرية الثانية،

اعلمها أنها لن تجد طلبها هناك أيضا السيارات تتوفر في المدينة فقط ، فزادت حيرتها ، وخشيت عواقب ما فعلت ،

حيث ستضطر الى العودة الى بيت باريس ، لتتعرض لألف سؤال وسؤال .
أحس بتوترها فقرر أدوليس أن يقترح عليها عليها ، قائلا بإبتسامته الجميلة:
" ما رأيك في أن نتناول بعض المرطبات، نهدأ من ثم نفكر بطريقة ما توصلك الى الميناء."
لازال التوتر يأكلها لكنها ابتسمت وهزت كتفيها وهي تنظر الى دراينا، التي كانت تقف خجلة جانبا تتطلع الى ساندرا من

الرأس حتى القدم.

ثم قررت ساندرا التحدث :
" لا اظن انني أستطيع ذلك."
" ولكن يجب أن تفعلي ، اختي تريد ان تقدم لك شرابا صنعته من الرمان لا تفوتي هذه الفرصة الشراب رائع ولا يعوض."
قالها بطريقة مرحة وعلى الرغم من ذلك أرادت أن تعتذر وتغادر
قاطعها قائلا:
" لا يمكن ان ترفضي ضيافتنا ، لم يفعل هذا احد من قبل ."
" حسنا سأظل هنا شكرا لك ."
كانت ساندرا تتبع بنظراتها الفتاة التي تحركت نحو الباب المفتوح وهي تومىء لها.
فقال ادوليس موضحا عن أخته:
" إنها لا تتكلم الإنجليزية ، فعندنا الأولاد فقط هم الذين يتعلمون."
تعجبت ساندرا وسألته
" ولماذا لا تتعلم الفتيات لغتنا أيضا
؟ ."
هز أدوليس كتفه بشيء من عدم الاهتمام ثم أجابها
" لأنهن لا يحتجن الى ذلك ، أما الرجال يحتاجون اللغة في أعمالهم ، وخصوصا ان الكثيرين

منهم يذهبون الى استراليا ، اما النساء هنا فلا يعملن إلا في بيوتهن وتربية أطفالهن."
وأثناء حديثهما دخلا غرفة نظيفة مرتبة ، علقت على جدرانها بعض الصور ، ولفتت نظرها قطة

بيضاء جميلة ناعمة تجلس على كرسي ، وفوق الموقد كناري في قفص يغني ملء صوته

اغنية يبدو أنها عذبة .
فجأة قال ادوليس:
" آه تذكرت شيئًا مهما ها هو إبن خالي ! فهو يملك سيارة أيضا ، سوف اساله إذا كان بإمكانه ان
يوصلك الى كاليمووس ."
خرج ادوليس من الغرفة ليكلم ابن خاله في امر ساندرا ، اما دارينا فقد أحضرت كأسا

من شراب الرمان على صينية خشبية مزخرفة ، وقدمتها لساندرا وهي تخفض عينيها

حياء ، من غير ان تفارق الإبتسامة شفتها.
كان حياء غير مبرر بالنسبة لساندرا لكنه جميل تناولت الكأس وهي تشكرها ، ثم رشفت منها قليلا وقالت:
" إنه لذيذ جدا لقد احببته يا دراينا
."
هزت الفتاة كتفيها، لم تفهم بالطبع لكنها خمنت حديثها الذي ظهر على وجهها ابتسمت لساندرا وإختفت ومعها الصينية الفارغة.
" اظن انك لست زائرة ."!
قال ادوليس فور رجوعه الى الغرفة حيث كانت تجلس ساندرا ، وتابع حديثه بنغمة عتاب :
" إبن خالي يعمل في احد مكاتب ميناء كاليمووس ، وقال إنك زوجة السيد باريس فيليب،

الذي يسكن في ذلك البيت الكبير
."
واشار بيده الى التل حيث الفيللا الفخمة التي غادرتها منذ وقت غير قصير ،
اصفر وجهها وراح الدم من وجنتيها
فأكمل أدوليس حديثه قائلاً:
" لقد قال ان السيد باريس لا يسمح لك بمغادرة الجزيرة ، وسنقع كلانا في مشاكل

مع السيد باريس إذا نحن ساعدناك على مغادرة الجزيرة ، علما أنك لو وصلت الى

الميناء فلن يسمح لك بشراء بطاقة من الأصل
زاد شحوب وجهها وانتفضت واقفه عندما أخبرها أنه حتى البطاقة لا يحق لها شراءها وقالت وفي صوتها شيء من الغضب:
" انا مواطنه انجليزية ، واريد ان أغادر هذه الجزيرة ، وما دمت اريد أن أغادرها فسوف افعل ولا احتاج لأحد منكم
كان صوتها مرتفعا ، حتى أن دراينا جاءت تركض من الغرفة الأخرى وفي عينيها
الجميلتين نظرات الإستفهام ، فشرح لها أخوها الموقف ، فإتسعت حدقتاها إستغرابا ،

وإستنتجت ساندرا أن اليونانيات لا يمكن أن يتركن ازواجهن ويرحلن ولا تحت أي ظرف من

الظروف.
واخيرا قال أدوليس:
" سيدة ساندرا لا داعي لهذا الغضب لو استطيع كنت ساعدتك لكن هذا خارج عن إرادتي صدقيني
أظن أنه من واجبك ان تعودي الى منزلك ، ولكن اكملي شرابك أولا."
زاد غضب ساندرا ، أيقال لها مثل هذا الكلام من مجرد صبي كهذا تبا له ولكل اليونانين
وارادت أن تترك كأسها في الحال، ولكنها عندما نظرت الى دراينا ، وجدت نفسها

غير قادرة حتى في هذا الظرف على إزعاج تلك الفتاة ، جرعت الشراب بسرعة ، ثم

وقفت ، وودعت دراينا ، متجاهلة الشابين الواقفين عند الباب، فافسحا لها الطريق

لتمر.
بلغ الغضب بها مبلغا لا يوصف وهي تعود من حيث أتت
تمشي في نفس الطرق التي جاءتها فرحة تنشد الحرية من ذلك السجن
والآن تمشي فيها وهي تشتعل عائدة الى المنزل
لا لن تقول عليه منزل مرة أخرى
ستعود للسجن الذي أحكم باريس اغلاقه
مشيت وكل فترة تقف تدب في الأرض غضبًا حتى وصلت،وفتح لها رجل الأمن البوابة وعندما دخلت الحديقة زاد

من سخطها وهي تحس انها مجرد لعبة في يد باريس!!


وأثناء حديثهما دخلا غرفة نظيفة مرتبة ، علقت على جدرانها بعض الصور ، ولفتت نظرها قطة

بيضاء جميلة ناعمة تجلس على كرسي ، وفوق الموقد كناري في قفص يغني ملء صوته

اغنية يبدو أنها عذبة .
فجأة قال ادوليس:
" آه تذكرت شيئًا مهما ها هو إبن خالي ! فهو يملك سيارة أيضا ، سوف اساله إذا كان بإمكانه ان
يوصلك الى كاليمووس ."
خرج ادوليس من الغرفة ليكلم ابن خاله في امر ساندرا ، اما دارينا فقد أحضرت كأسا

من شراب الرمان على صينية خشبية مزخرفة ، وقدمتها لساندرا وهي تخفض عينيها

حياء ، من غير ان تفارق الإبتسامة شفتها.
كان حياء غير مبرر بالنسبة لساندرا لكنه جميل تناولت الكأس وهي تشكرها ، ثم رشفت منها قليلا وقالت:
" إنه لذيذ جدا لقد احببته يا دراينا
."
هزت الفتاة كتفيها، لم تفهم بالطبع لكنها خمنت حديثها الذي ظهر على وجهها ابتسمت لساندرا وإختفت ومعها الصينية الفارغة.
" اظن انك لست زائرة ."!
قال ادوليس فور رجوعه الى الغرفة حيث كانت تجلس ساندرا ، وتابع حديثه بنغمة عتاب :
" إبن خالي يعمل في احد مكاتب ميناء كاليمووس ، وقال إنك زوجة السيد باريس فيليب،

الذي يسكن في ذلك البيت الكبير
."
واشار بيده الى التل حيث الفيللا الفخمة التي غادرتها منذ وقت غير قصير ،
اصفر وجهها وراح الدم من وجنتيها
فأكمل أدوليس حديثه قائلاً:
" لقد قال ان السيد باريس لا يسمح لك بمغادرة الجزيرة ، وسنقع كلانا في مشاكل

مع السيد باريس إذا نحن ساعدناك على مغادرة الجزيرة ، علما أنك لو وصلت الى

الميناء فلن يسمح لك بشراء بطاقة من الأصل
زاد شحوب وجهها وانتفضت واقفه عندما أخبرها أنه حتى البطاقة لا يحق لها شراءها وقالت وفي صوتها شيء من الغضب:
" انا مواطنه انجليزية ، واريد ان أغادر هذه الجزيرة ، وما دمت اريد أن أغادرها فسوف افعل ولا احتاج لأحد منكم
كان صوتها مرتفعا ، حتى أن دراينا جاءت تركض من الغرفة الأخرى وفي عينيها
الجميلتين نظرات الإستفهام ، فشرح لها أخوها الموقف ، فإتسعت حدقتاها إستغرابا ،

وإستنتجت ساندرا أن اليونانيات لا يمكن أن يتركن ازواجهن ويرحلن ولا تحت أي ظرف من

الظروف.
واخيرا قال أدوليس:
" سيدة ساندرا لا داعي لهذا الغضب لو استطيع كنت ساعدتك لكن هذا خارج عن إرادتي صدقيني
أظن أنه من واجبك ان تعودي الى منزلك ، ولكن اكملي شرابك أولا."
زاد غضب ساندرا ، أيقال لها مثل هذا الكلام من مجرد صبي كهذا تبا له ولكل اليونانين
وارادت أن تترك كأسها في الحال، ولكنها عندما نظرت الى دراينا ، وجدت نفسها

غير قادرة حتى في هذا الظرف على إزعاج تلك الفتاة ، جرعت الشراب بسرعة ، ثم

وقفت ، وودعت دراينا ، متجاهلة الشابين الواقفين عند الباب، فافسحا لها الطريق

لتمر.
بلغ الغضب بها مبلغا لا يوصف وهي تعود من حيث أتت
تمشي في نفس الطرق التي جاءتها فرحة تنشد الحرية من ذلك السجن
والآن تمشي فيها وهي تشتعل عائدة الى المنزل
لا لن تقول عليه منزل مرة أخرى
ستعود للسجن الذي أحكم باريس اغلاقه
مشيت وكل فترة تقف تدب في الأرض غضبًا حتى وصلت،وفتح لها رجل الأمن البوابة وعندما دخلت الحديقة زاد

من سخطها وهي تحس انها مجرد لعبة في يد باريس!!


كان جالسا في كرسي كبير في شرفة الغرفة، لأول مرة تراه يفعل شيء غير العمل، كان جالسا وفي يده كتاب يقرأ فيه، نظر اليها عندما وصلت استطاع أن يرى الشرر يتطاير من عينيها، وكان على الحق فالغضب كان يأكلها، أحست أنه لعله كان

يريد أن يبتسم لها ، ولكنها تجاهلته و لم تلتفت نحوه واتجهت للخروج من الشرفة كانت تريد بعض الهواء وتفاجئت بوجوده أوقفها قائلاً بصوت هادىء:
" مرحبا ساندرا؟ لم تلقي السلام هل أنا شفاف لك ؟
التفت ساندرا نحوه ولم تجيب
فإبتسم مما استفزها أكثر وسألها : ما بك ؟ واين كنت؟ ."
وقفت وهتفت به :
" لماذا تسأل ؟ لا تعلم ؟ حسنا لقد كنت أحاول ان أخرج من هذا السجن ."!
شملها بنظراته قبل أن تستقر على وجهها المتورد والذي يجعله يبتسم لا اراديًا، ثم قال:
" حقا؟ وهل عرفت أخيرا أنك لن تنجحي ؟ إجلسي وأخبريني عما فعلت ، بمن إلتقيت؟ ."
أسلوبه زادها غيظا هي تعلم جيدًا أن الخبر جاءه بالتأكيد ولكنها أجابت:
" أدلويس ، لا أعرف كنيته ، بالطبع أخبرك، هذا الشاب كان عنده الجرأة ليقول لي ارجعي الى زوجك ، من

تراه يظن نفسه؟ من تظنون أنفسكم جميعا أيها اليونايون ؟!."
قال لها والهدوء لا يفارق صوته :

إنه إبن أحد الموظفين عندي ، يجرؤ أن يعيدك الى البيت أكثر مما يجرؤ أن يساعدك

على الخروج من الجزيرة ، أظن انك أردت مساعدة أخيه ، لأنه يملك سيارة ."
لكنه لم يكن موجودا ، ثم جاء إبن خاله أليس كذلك ؟
توقف لحظة عن الكلام و إمارات السخرية تعلو وجهه والابتسامة المتشفية تبدو على شفتي باريس ، صرخت به: يجب أن أذهب ، ولن ابقى زوجة لك."
هز كتفه بإهمال وقال :
" لقد أخبرتك من قبل ، أنه لا يمكن أن تغادري الجزيرة دون موافقتي وأنت لم تصدقيني وأردت خوض التجربة بنفسك




لم تجيبه صمتت ونارها تعلو وتزيد أكثر فتابع كلامه :
على أي حال فهناك


من حين لآخر بعض اليخوت تعبر الخليج وأصحابها من الإنجليز، وإذا حدث

وتدبرت أمر رحيلك فإعلمي أن سلامة صديقك هاري ستهدد ثانية، هذه هي التجربة التي ستعريفيها بسهولة وتفكرين بها وأنا أخبرك منذ الآن لا تدخلي فيها ساندرا، اكتفي باليوم ."
ظهرت الدموع في عينيها، تلك الدموع التي حاولت اخفاءها لكنه رآها ثم قالت بصوت مهزوز من الألم :
" إذا أنا سجينة ؟ سجينتك؟ ."
رد قائلا
" لك مطلق الحرية أن تسمي نفسك ما شئت لن أعترض على هذا لكن ما أعرفه انا هو أنك زوجتي،

ومكانك هنا معي وليس في أي دولة أو مكان في الكون سوى هنا بجواري."
وضع الكتاب جانبا، ووقف قبالتها ،الجبال ترتفع وراءه ، والشمس في كبد السماء

تلقي ببعض شعاعها على وجهه ، فبدا قاتما ، والخطوط في وجهه عميقة ، واللهيب

يشع من عينيه، كان شكله غريبًا أثار فيها الخوف
تراجعت ساندرا الى الوراء ، وهي ترتجف وقلبها يضرب بشدة ، وقبل أن تستطيع

الفرار كان قد أطبق على ذراعها.
" دعني أذهب ، إنك تؤلمني." صرخت والرعب يملأ قلبها ويطل من عينيها ، فقد تمثلت امامها صورة باريس وهو

يحاول أن يخنق زوجته الأولى!
لا تعرف لماذا لكنها أحست بنفس الشعور ورأت أن المشهد سيتحقق فيها !

" سوف أقتلك ، إذا صرخت مرة ثانية ! أنا زوجك ، تذكري ذلك ساندرا ."...
ولم يتمالك نفسه ، فقد زاد في الضغط على ذراعها ثم أمسكها من كتفيها ، وأخذ

يهزها هزا عنيفا ، حتى كادت تفقد وعيها ، وإستمر في ترداد كلماته:
" سوف أقتلك ، هل تسمعين؟."
" تقتلني ؟!
خرجت الكلمة من شفتيها اللتين فرت منهما الدماء حتى غدتا كشفاه الموتى ، ثم

اضافت ببطء كلمات خرجت متقطعة من الخوف:
" نعم... إنني أعتقد ذلك .".... خرجت كلماتها المتقطعة بنبرات صوت مرتجفة ،
ثم أغمضت عينيها ليغشى عليها!
سقطت من بين يده، تفاجئ باريس وانحنى بجسده كله، حملها وجرى بها نحو الفراش، كانت إمارات الرعب قد ارتسمت على وجهه وفي عينيه
كان مرعوبا عليها!
لم يشعر بنفسه وتفاجئ أنه أثار فيها كل هذا الخوف
جرى نحو الحمام وجاء بكوب ماء نثر قطرات منه على وجهها وحاول افاقتها برفق، كان جسدها يرتعش بدأ في الاستجابة أولا قبل وعيها، دثرها بالأغطية جيدًا ثم عاد لمحاولة جعلها تفيق
نجحت محاولته قبل أن يقف ويقرر أن يأتي لها بالطبيب
أنقذته من أسئلة كثيرة ستنهال عليهما سوًيا !
فتحت عينيها لتستوعب ما حدث، الوقت كان قصيرا جدا لكنها تشعر أنها غابت عن الوعي لساعات طويلة
التفتت نحوه كان وجهه غريبا عليها
خوف ؟ هل ما تراه على وجهه خوف اهتمام ؟
يبدو أن سقوطها أحدث تغييرا في سلوكه

فإختفى العنف والترهيب الذي كان يفعله منذ قليل، جلس يحاصرها بنظراته ثم قربها منه بلطف، لامس شعرها الناعم الجميل ، مما أثار القشعريرة في جسدها
ولكن ساندرا حاولت أن تبقى هادئه لكن جسدها أخبره بكل شيء!
تراجع باريس الى الوراء ،ونظر اليها بكآبة وحزن شديدين ، حاولت ان تقرأ تعابير

وجهه ، علها تعرف شيئا مما يدور في داخل عقل زوجها الغامض ، ولكنها إستسلمت

، ولم تقدر ان تقرأ شيئا، كان جسدها يؤلمها لتلك الاحداث والمشاعر المتضادة التي مرت بها خلال الساعات القليلة ، على اية حال فكل ما كان ماثلا في مخيلتها هو تهديده لها

بالقتل ، وكأنه كان ينقصها أن يؤكد لها خوفها منه، وأن كلام هاري كان صحيح، وحديث أولجا لم يلطف شيئًا عن تلك الصورة التي في مخيلتها وهذا التهديد الذي يلازمها ، والذي ستبقى خائفة منه مدى الحياة .
بقي باريس ينظر اليها بهدوء ، حتى أنه كان من الصعب عليها ان تسترجع الحوادث

التي مرت بها خلال تلك الدقائق القليلة الفائتة التي مرت بها كالحلم الرهيب.
عيناه كانتا صافيتان ، وكأن بريق الشر لم يمر بهما على الإطلاق ، والصورة التي تراها

الآن ، هي وجه باريس الذي عرفته في يوم من الأيام... لطيفا رقيقا ، لا أثر لخطوط
الهم والقلق قي وجهه ، وإستعادت في مخيلتها الحنان الذي كان يطل من عينيه،

والرقة التي كانت تذوب فيها كلماته ، وتساءلت ، ترى كيف يمكن أن تكون حاله
الآن لو انها تزوجت منه في ذاك الحين؟ هل كان سيبقى ذاك الرجل الجميل الوسيم ،

ذا الإبتسامة الجذابة والطباع الرقيقة اللطيفة ، تلك الصفات التي يمتلكها الرجال
اليونانيون ؟
نظرت اليه ودهشت من الهدوء الذي سرى بطيئا بين جوانحها، ليحل محل الرعب

السابق.
لم يكن لديها شك في أن قوة زوجها متعددة الجوانب تماما مثل طباعه ،حتى أنه عندما

تكلم ، شعرت أن قلبها قد عاد الى ضرباته العادية.
" لم أقصد أن يصيبك الخوف بهذا الشكل ساندرا"
قالها ثم تنهد تنهيدة حارة حزينة " أنت لا تفهمين شيء "

ثم أكمل كلامه في اتجاه آخر قائلاً :

" لقد قلت انك لا تبالين برأيي فيك ، ساندرا ، وأنا أجد هذا غريبا ، فمعظم الناس

يهمهم رأي الآخرين! ."
تعجبت ساندرا أنه لا يزال يتذكر هذه الجملة وهذا الموقف ووجدت أنه موقف تستطيع فيه رد الاستفزاز وكل الذي حدث معها اليوم فقالت ببرود
" ولكن رأيك أنت بالذات لا يهمني
، طالما انك تحتقرني كما قلت وقتها"
بقي محتفظا بإتزانه ، وقال: " ألا ترغبين في أن تنالي إحترامي؟."
ضحكت ساندرا بسخرية ألمتها هي شخصيًا ثم قالت :
" احترامك ؟ عندما لا يكون هناك حب ، يمكن ايضا الا يكون هناك إحترام ، فأنا لن أحترمك

أبدا ، ولا أعتقد أنك ستفعل ، ولا أي منا يبالي برأي الآخر ، ولا شك أنك مقتنع
بهذا ."
لمع بريق التحدي في عينييه ثم قال
" أنت متغطرسة جدا ، وانا لا أعهدك كذلك ، فانا أذكرك كما كنت هادئه متواضعة و كان

لجمالك عمق ، كنت اتمنى أن اصل اليه ."...
كان صوته اشبه بالهمس ، وكأنه رحل بعيدا في خياله ، وبدا لساندرا أن السبب الذي

تزوج منها لأجله قد تسلل من ذاكرته ومضى ، ولم يعد في ذهنه محل للإنتقام.
وبعد لحظات من الشرود عاد باريس يقول:
في ذلك الحين كنت أريد أن أصل الى أعماق جمالك النفسي ، وأنا اعلم أن ال طريق

أمامي طويلة."
نظر اليها وقد عادت السخرية الى شفتيه:
أين ذلك الجمال الان يا ساندرا؟ ."
وعلى الرغم من تلك السخرية التي تقطر من كلامه احنت راسها لقد كانت تشعر أنها كالطفل أمامه ، وتعجبت لهذا التغيير الذي

طرأ عليه ، مع أن شيئا من الغموض بقي يكتنفه ، مما جعلها تسأل:
" أنت حتى لا تراني جميلة إذا لماذا تزوجتني؟ ما السبب غير الانتقام الذي تتغنى به باريس ؟." وما أن ألقت هذه الكلمات حتى ندمت على ذلك ، فقد توارى وجهه على الفور

خلف قناع بارد غامض ، وشاقت عيناه بصورة غريبة ، ثم قال:
" ما الذي جعلك تسألينني مثل هذا السؤال؟."
ولدهشتها كانت نغمة صوته تختلف عن الملامح التي رأتها في وجهه، فقد كانت تلك
النغمة رقيقة ناعمة ممزوجة بشيء من المزاح ، عجيب كم ه متقلب هذا الرجل!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي