الفصل الرابع والعشرون
- ما الذي تهذين به؟!
هتف آدم وعيناه يظللها الجنون، ولم يستجدي ردًّا وهو يسارع ليسحبها بعنف من شعرها وقبل ان تحاول ليلى إدراك ما سيفعل وجدته يصفع غيد بقوّةٍ جعلتها تسقُط ارضًا لينحني ويرفعها ليعالجها بصفعةٍ أُخرى لتسرع ليلى وتجذبه عنها بعنف الى ان افلتها لتسقط ارضًا وهي تبكي بهلع بينما اخذت ليلى تبعده لكي لا يصل اليه مُجددًا وهي تصرخ بغضب:
- يكفي، ستقتلها بين يديك.
الّا انه لم يكن يرى في تلك الأثناء سوى تلك الحقيرة التي لوّثت شرفه، يا إلهي! لقد كانت تستجدي زوج ابنته ليتزوجها! بالتأكيد منحته نفسها والّا لما تمنّت ان تكون له الى الأبد.
- يا حقيرة... يا ابنة الشوارع.
صرخ وهو يعود لصفعها وركلها لتتلوى ببكاءٍ وهي تحاول الفرار منه بينما عجزت ليلى عن السيطرة عليه فركضت للخارج لتستدعي اخيه وقبل ان تصل للخارج وجدت الجميع يأتون راكضين وصوت صراخ غيد يملأ المكان.
بصعوبةٍ بالغة استطاع كلّ من احمد وابنه ان يُبعداه غيد غيد التي غدت كجثّةٍ هامدة وكل جزءٍ في جسدها قد ناله الضرب بعد ان استعاض عن يداه بحزامه الجلديّ الذي سيظلّ اثره على جسدها لليالٍ إن ظلّت على قيد الحياة.
سارعت ميساء بأخذ الصغير الذي بكى فزعًا من بكاء والدته بينما قامت كريمة وليلى برفع غيد عن الأرض لتتفاجآن بأنها تحيط بطنها بيدها وتئن بوجع بينما تخضّبت الأرضُ اسفلها بدماءٍ كانت لتكون طفلًا آخر اتت به للحياة رُغمًا عنها.
- استدعوا الإسعاف! الفتاة ستموت.. إنها تنزِف.
هتفت كريمة وهي تركض للخارج بينما ظلّت غيد بين ذراعي ليلى التي تنظر اليها بشفقة، لا يمكنها ان تسعد بما حدث، وبأقصى احلامها لم تتمنى ان يسمع آدم ما دار بينهما من حديث ليس رأفةً به بل بتلك الغبيّة التي لا تدرك انها ستموت إن علِم آدم بتصرفاتها الطائشة ورغمًا عنها شعرت بالأسف عليها، إنها فتاةٌ صغيرة بعمر فلك او اكبر بقليل، لم يكن عليها ان تُدمّر مُستقبلها بالزواج من آدم.
- غيد! لا تفقدي وعيكِ، انظري اليّ، لا تغمضي عيناكِ الآن..
ربتت على خدّها بقوّةٍ وهي تمنعها من الإغماء لتسعل بتعب فينسابُ دمًا من فمها وتهمس بوجع:
- ليتها آخر لحظاتي.
- يا غبيّة انتِ لديكِ طفل، ممنوعٌ ان تتمنّي الموت.
التقت عيناهما للحظةٍ لتسقط دمعة من عين غيد وهي تقول بندم:
- انا لستُ خائنة، لم اهاتفه سوى تلك المرّة.
- اعلم.
قالت ليلى بهدوء لتنخرط غيد بنحيبٍ طويل الى ان اتت سيارة الإسعاف ولأن بنايتهم ليس بها مصعد كان يجب ان يحملها احدٌ الى الأسفل لتجد ان أخ آدم هو من حملها مرّةً أُخرى كما فعل اثناء ولادتها لتُدرك ان آدم لن يكون يومًا زوجًا لها.. وقطعا سيرميها بأقرب شارعٍ ويأخذ منها طفلها.
اخذت تنتحب بشدّة وقد ضاع صوتها مع آخر صورةٍ تلمحها لآدم وهو يطالعها بتقزُز وكأنها فتاة هوى بينما ترمقها ليلى بنظرةٍ جامدة بها القليل من الأسف.
عندما خرج الجميع اغلقت ليلى الباب وعادت لترى آدم جالِسًا وعيناه منكّسةً بخزي، جلست بجانبه وقالت بلوم:
- هل ارتحت الآن؟! هل ضربها اعاد اليكَ كرامتك المُهدرة؟!
رمقها بنظرةٍ حادّة الّا انّها لم تخف وهي تقول ببساطة:
- الفتاة احبّته، سابقًا قبل ان تلتقي بك واراد هو ان يتزوجها الّا انّك سبقته اليها، وحمدًا لله انّك فعلت.
نظر اليها بحيرةٍ لتقول:
- لأن عزيز لا يستحقّ سوى فلك ابنتي انا.
- تشعرين بالشماتة؟! تقولين انّ زوجك الخائن نال جزاءه اخيرًا..هنيئًا له بهذا أليس كذلك؟!
قالها بتعب وعيناه تحمِلُ ألم العالم اجمع الّا انها اجابته بصدق:
- نعم، أشعر بالشماتة.. والإنتشاء ولكنني لا اراه عِقابًا عادِلًا؛ فقد شعرت بأضعاف ألمك كُلّ ليلةٍ منذ زواجِكَ بها.
ونهضت لتغادر الّا انها عادت اليه لتقول بصرامة:
- ارجوك افعل شيئًا واحدًا لأجل ابنتك، فلك لا تدري بما حدث، لا تجعلها تكره زوجها كما كرِهتُكَ من قبل.
شعرت بكمّ الألم الذي تسببت به اليه الّا انها اضافت:
- عزيز رفض ان يخبرك لأنه يحب فلك ولم يشأ ان يكدّر صفوها... وغيد بالنسبة له ليست سوى نصيبٍ ابعده الله عنه ليجد من تستحقّه، ومكالمتها تلك لم تزِده سوى ازدِراءً لها.
وهذه المرّة غادرت بالفعل ولم تلتفت خلفها، تركته يتلظّى بأوجاعه عسى ان يحرق الألمُ جوفه كما احرقها من قبل.
ولم تدري ان جلال يراقبها من بعيد وعلى شفتيه ابتسامةً عاشقة، يُدركُ انها لم تفعل شيئًا سوى انها دافعت عن نصيب ابنتها من السعادة، وما حدث من مساوئ ليس سوى تضامُنًا للقدر معها ليُذيق آدم من نفس الكأس، فالخيانةُ مُرّة وليس هنالك اكثر وجعًا من ألم تحمُّل الخيانة المشروعة، ان تُدِك ان زوجها برفقة أُخرى وانّ عليها ان تصمُت وتتعامل مع الأمر وكأنّه امرٌ عادي.
ليلى لا تستحق، هي من دون النساء تستحقُّ زوجًا يعاملها وكأنها المرأة الوحيدة على وجه الأرض، وهل من يراها يستطع رؤية أُخرى غيرها؟!
تنهّد بيأسٍ وهو يراقبها تمُرّ من جواره وترمقه بإحدى ابتساماتها المُهذّبة وتبتعد بهدوء وقد احدثت إعصارًا لا يهدأ بقلبه، بالرغم من سِنّه الذي سيتجاوز الخمسين بعد بضعة أشهُر يشعر امامها وكأنه عاد مُراهِقًا من جديد، يؤلمه هذا التعلُّق ويجعله يشعر بالخيانة لزوجته المرحومة، لقد كانت امرأةً رائعة عاشت معه ايامًا لن ينساها وكان هو وفيًّا لها طوال حياتها بحياته لم يُفكّر بأن يتزوّج من أُخرى، حتى عقب وفاتها كرّس حياته لإبنه، واختفت من حياته كل تلك الرغبات الى ان لمح ابنة الزيات.
.
.
عندما وصلت ليلى كانت الأمطار قد هدأت وباتت الأجواء أكثر إنتعاشًا وكما توقعت كانت حور تجلس على احد المقاعد المُطِلة على الحديقة تمدُّ يداها لتلتقط حبّات المطر، وحيدةً بعيدةً عن الجميع كما تُحبّ دائمًا، كانت قد ابتاعت بعض الحلوى من المتجر المجاور قبل دخولها لتدلف الى المنزل وتتجه اليها لتجلس بجانبها.
ابتسمت حور برقّه وهي تأخذ قِطع الحلوى لتتناول منها لتقول ليلى ودموع بهجتها تعود لتسقط على خدها:
- حبيبتي، لقد ظهرت نتائج تحاليلكِ الأخيرة، لقد اكّد الطبيبُ انّكِ بخير، لم يعُد ذلك المرض بدمكِ، لقد هزمته.
ابتسمت حور بدهشة ووالدتها تحتضنها بفرحةٍ، تُقبّلُ وجهها وشهقةً مُختنقةً تشقُّ دموعها لتضحك حور بسعادة وتهمسُ بعدم تصديق:
- انا بخير؟!
- نعم! نعم يا صغيرتي لقد مات المرضُ الى الأبد.
شعرت فجأةً بأن دموعها تنسابُ رُغمًا عنها وهي تتذكّر تلك الليالي المؤلمة، صدمة المرض.. دموع الجميع.. بكائها وحيدة.. انهيارها بعد فترةٍ لم تستطِع فيها الصمود لينتهي بها الأمر تحت رعايةٍ طبيبةٍ نفسية.
يا إلهي! لقد مرّ اكثر من ستّة أشهُرٍ على مرضها، اعتادت على أوجاع العلاج وما يليها من نوبات، فقدت صحتها وشعرها وابتسامتها ولكنها لم تفقد الأمل بأن تعيش هذه اللحظة، وها هي بالفعل تقولها.
- نجوت... قد نجوت من الموت.
بكت حينها لأوّل مرّةً دون ان تشعر بالخجل، بكت بفرحة من تحرر اخيرًا من اكبر عقدةٍ تخنِقُ حياتها لتستنشِق طعم الأيام، لتتوضح الرؤية امامها من جديد وكأن تلك الغشاوة السوداء قد أُزيلت عن ناظريها، إن الدنيا بألوانٍ مُبِهجة، للحياةِ طعم.. طعمٌ لذيذٌ ولاذِع كقُبلة حبيبين.
.
.
ليلة زواجها كانت كمهرجان، كما خُطِط لها تمامًا، بصالةٍ مناسبات انيقة الطِراز لا يتزوج فيها ايّ كان، تتدلى الثريا الكريستالية بإضائتها الملوّنة لتنعكس على الأرضية ذات الزخام الأبيض الناصع، والطاولات الدائرية محاطة بكراسي من خشب الزان المطلي بألوانٍ بين الأبيض والأزرق، اصدقاء بحر من الصيادين، اصحاب النفوذ، زملاء العمل وعددٌ وفيرٌ من اهل الحي كانو حضورا في ذلك المكان المُبهِر، وبالرغم من بساطة بحر وتواضعه مع كل من حوله الّا انّهُ اصرّ على ان يكون زواجه من ميرال اسطوريًّا لكي لا تشعُر للحظةٍ بأنه يقلل من قيمتها، ولو كان بإستطاعته لتزوجها على سطح القمر فقطعًا لا يليقُ بها شيئًا عادي.
على الممر الأحمر الدافئ خبت الأضواء لتتسلط فقط على وجهها، تتقدم كأميرٍة في ثوب ملاك، بيضاء كغيمة، وجهها يشعُ سعادةً وعيناها لا تبحث عن احدٍ سواه، تُمسِكُ بيد بلال الذي تعلوه ببضع سنتميترات بعد ارتدائها لكعب عالٍ جدًا، يساورها ذات الشعور الذي لا تستطيع تفسيره وهو بجانبها وكأنه قطعةٌ منها، بينما يبتسمُ هو بسعادةٍ وزهو وهو يقدم خالته لبحر، نعم لقد عرِف بالأمر.
إنها المرأة التي ربّته في صغره بالرغم من انه لا يذكرها ولكن يكفي شعوره نحوها والذي تعاظم ما ان عرِف بالأمر، فمنذ ان بدأ بالسؤال عن حياته واسم ابيه الذي لا يماثل اسم الرجل الذي يناديه "ابي" توجب على العم جمال بإخباره بحقيقته، لقد ثار وبكى بل وحاول الهرب منهم عندما علِم انه ليس سوى ابنًا يحملُ نفس اسم عائلتهم وهم يعطفون عليه لأن والديه متوفيان، ولكنه كان صغيرًا، لم يستطع ان يحمل ضغينةً تجاههم وسرعان ما نسى الأمر وتأقلم مع حياته، بحر وليلى كانا اخواه وابيه ذلك الرجل الصارم طيب القلب الذي لا يحتمل عليه الأذى.
كان سعيدًا بذلك واصبح اليوم اكثر بهجةً وهو يرى تلك الفتاة الجميلة التي عرِف منذُ بضعة ايامٍ بأنها خالته ويتكتم على الأمر بناءً على طلب بحر الذي قال انّ إخبارها بالأمر الآن ليس صائبًا، ولكنه وعده بأن يخبرها فور عودتهما من شهر العسل.
وسيظلُّ هو بإنتظار ذلك الموعد على احرّ من الجمر ليخبرها بنفسه بأنّ الصغير الذي ظنّت لسنواتٍ بأنه قد مات لم يمُت، وان والدته المسكينة تحلّت ببعض القوّة وهي تأتي به لمنزل عمّ والده، الذي اتخذه ابنًا له قبل ان تنتحر بالبحر الذي يبعد عن ذلك المنزل عدّة امتار.
- اعتني بها ارجوك.
همس ببراءةٍ لأخيه الذي مال نحوه ليحتضنه ويقول بسعادة:
- انها زوجتي يا بلال، حبيبة عمري، لن يحبها احدٌ مثلي.
- قد اكون مشوشًا الحين الّا انني سأكون مُنافِسًا شرِسًا فإحذرني.
همس بلال ضاحِكًا بينما نست ميرال ما حولها وهي تستمع لضحكته الطفوليّة ولكن يد بحر التي جذبتها فجأةً جعلتها تشهقُ بدهشةٍ قبل تشعر بأنها ترتفع عن الأرض وذراعاه ترفعانها وكأنما يداعِبُ دُمية، وقد بدت في تلك اللحظة كأميرةً كرتونيّةٍ بثوبٍ مُنتفشٍ كهالة القمر وعينان كبيرتان مُمتلئتان بالبهجةٍ والإثارة.
ضحِكت وصوته المتأثّر يُدغدِغُ اُذنيها بهمسٍ صريحٍ بالحُبّ والشوق والمباركة التي ذكرتها انهما قد تزوجا أخيرًا.. عندما لامست قدماها الأرض وجدته يقتربُ ليضع شفتيه على جبينها بقُبلة إعتذارٍ عن كل ما مضى من حياتها بدونه بينما ظلّت هي تطالعه بإنبهارٍ ذاهل، وقلبها ينطِقُ اسمه مع كلّ نبضة.. بحر، الأمير.. المغوار.. النبيل.. الحُب.. الأمان.. المنزل، كلها كلماتًا ترادف اسمه بمعجمها، إنه بحر حبيبها الذي وضع النجوم بين يديها بالرغم من غضبه منها ومن تصرفاتها الغريبةُ بالفترة الأخيرة الّا انّهُ منحها اليوم اسمه بأجمل طريقةٍ مُمكِنة.
فبأقصى احلامها جموحًا لم تتخيل ان يكون زواجها بهذه الروعة، كل شيءٍ مثالي، ابتداءً منه، بحلته السوداء الأنيقة وشعره الهمجية الطويل وعيناه... آهٍ منهما حبيبتاها، إنها تغرقُ معهُ بحُلُمٍ جميلٍ لا ترغبُ بالإستيقاظ منه، حُلُمًا نست فيه كل مآسيها لتتذكّر فقط لحظة ان قالت للمأذون:
- نعم... أقبلُ بهذا الأمير بطلًا لي مدى الحياة.
.
.
لمحته من بين الحضور، يجلسُ بعيدًا عن الأضواء كعادته، بثيابه التي باتت تجذبُ نظرها اكثر من اي شيءٍ آخر، عصاته الأنيقة تمنح هيئته لمحةً خيالية لشخصيةٍ شديدة الهيبة، عيناه وكأن الله منحها ميزة الأحجار الكريمة تُضيئُ كوهجٍ من نورٍ يخرج في عُمق الظلام، عيناه تسري عليها بنظرةٍ لا تشبه نظراته القديمة، نظرة حنانٍ مُختلِطٍ بالحُزن، وكأنما فقد برفضها حلمًا طالما تمنّاه.
اخفضت بصرها وشعورًا غريبًا يغمرها، تريد البكاء بأعلى صوت، نظراته الحنونة تلك تُظهر ضعفها واحتياجها لكتفًا تستندُ عليه لتنتحب الى ان يزول ألم قلبها.. ربّتت على جبينها بإرهاقٍ وتقدمت لتستنشق هواءً نقيًّا بعيدًا عن الضوضاء، رفعت رأسها للسماء وهي تشاهد الغيوم الكثيفة المُنذِرة بليلة شديدة الأمطار، وعادت لتخفض بصرها لتربت على ثوبها الطويل المُحتشم سوى من ضيقٍ عفوي على خصرها مُمتدًّا بتموّجاتٍ طويلة الى ان يغطي قدميها، تقدم نحوها في تلك الأثناء ولا زال يحافظ على ابتسامته الودودة الى ان توقّف خلفها مباشرةً، ليقول بحزم:
- يا غالية!
دغدغت الكلمة قلبها فإبتسمت، لا احد يناديها غاليةً سواه، هل يا ترى يراها بالفعل غالية؟! بل هل هي تشعر بأنها لا زالت غالية بعد ما فعله بها آدم؟! غصّت بذكرياتها المُرّة وهي تلتفت اليه، تواجه عيناه التي تعترف من اول وهلةٍ انها جميلة.
- أنتظِرُ ردّكِ.
اقترن حاجبيها بحيرةٍ وهمست بثباتٍ زائف وقد خشِيت ان يلمح تردُدها:
- ردّي وصلكَ منذُ ايامٍ يا سيد جلال.
الّا انّهُ عاد ليرمقها بنظرةٍ صامتة، وقال بلُطفٍ غريب:
- ظننتُ انّ حور اخبرتكِ برغبتي بأن ادعوها وأختها على الغداء.
شعرت حينها بأن دلوًا بارِدًا سُكِب عليها الى درجة انها شحبت بشدّة ولكنها همست بحدّةٍ تداري بها حماقتها الغير مقصودة:
- نعم لقد اخبرتني ورفضت، اعتذر لا يمكن لبناتي قبول دعوة غريب.
الّا انّها عضّت لسانها بعد ان لمحت ابتسامته الغبية ذاتها مع لمحةٍ من الحُزن جعلتها ترغبُ بأن تصفع نفسها مرارًا وتكرارا، فهذا الرجُل يملِكُ ملامحًا حزينةً تثيرُ بداخلها روح الأُمهات فترغب حينها بأنه تحتضنه بحنان جارف.
زفرت بشدّة عندما اعتذر اليها وابتعد لتظلّ ساكنةً مكانها تهمسُ بإختناق:
- ماذا فعلت! لقد جُننتُ تماما!
ولم تدري ان قلبها كان ينظر اليها بدهشةٍ وهو يجرب شعورًا آخر، غريبا عليه.
.
.
عندما انتهى الحفلُ غادرا الى بيته الصغير المُتاخم للبحر ليقضيا فيه شهر العسل كما اراد، وما ان وصلا لم تتفاجأ عندما حملها بين لتحيط عنقه بذراعيها تستسلمُ للتلذُذ برائحته العاقلة بروحها تُذكر نفسها بكُل ثانية بأن هذا الرجُل الرائع اصبح زوجها، وانها اخيرًا حصلت على سعادتها.
عندما وصلا الى الغُرفة انزلها لتطالع المكان بحرج وُرُغمًا عنها تتذكر هذه الغُرفة التي غفت فيها ذات يومٍ وهي مجرد متسوّلة لتدخلها اليوم عروسًا، لاحظ بحر عيناها المُظللتان بالحُزن ليهمس بحنانٍ افلت رُغمًا عنه:
- مُتعبة؟!
اومأت وهي تتشبّث بذراعه لتخلع كعبها العالي لتبدوا اقصر بكثير مما كانت، واستغلّت عدم هروبه منها كالعادة لتتسائل بحُزن:
- ألا زِلت غاضبًا منّي؟
اجابها ببساطة يطالع وجهها الذي يبدوا اكثر فِتنة بتلك الزينة المُبهِرة:
- نعم يا ميرال، غاضبٌ بشدّة من هروبكِ منّي وعدم ثقتكِ بي واكثر ما اغضبني اليوم هو مجيئ ذلك الرجُل اللزج لزفافنا، صدقيني لو لم أُمسك اعصابي لكُنت اقضي الليلة بمركز الشُرطة.
انحنى حاجباها بيأس ليقول لها بجفاء:
- ابدلي ثوبك لتستريحي قليلا.
ابتعدت عنه وقد بهتت فرحتها فبحياتها لم تتوقع ان تكون ليلة زفافها بهذا البؤس، لم تُرِد ان تبدأ حياتهما بمُشكلة وبالرغم من ذلك لم تستطع فعل شيءٍ عندما تفاجأت بمجيئ خليل لتهنئتها بزواجها، وهي تعلم مُسبقًا بأنه ليس بالرجُل السيئ خاصة وانه تقبّل رفضها ببساطة بل واخبرها انه سيكون دومًا صديقها إن احتاجت اليه الّا ان بحر يأبى ان يُحكّم عقله.
اتجهت لطاولة الزينة لتجلس بالكرسي وتحاول فكّ دبابيس طرحتها ولكنها لم تُفلح، نظرت اليه برجاء ليرفع حاجبه بلؤمٍ ولكن سرعان ما اقترب منها عندما شعر بأن عيناها الجميلة ستذرف الدموع، اخذ يتعامل مع تلك المشابك الصغيرة بهدوء ليزيح القماش الأبيض الشفاف عن شعرها لينسدل ناعمًا مُبهجًا ليحوّل ملامحها الى أُخرى اكثر انوثة وبهاء.
وقبل ان تدعوه لمساعدةٍ أُخرى قام بفكّ رباط فستانها الناعم ليترك ظهرها اللدِن عاريًا، كان سينهض ليتركها الّا ان شيئًا ما لفت انتباهه، اقترب من جديد ليزيح طرف الفستان لتمُر يده بإرتجافٍ على ذلك الأثر الواضح المُمتد من جانب كليتها الى منتصف ظهرها وقبل ان يسألها وجدها تهمسُ وجسدها يرتجف من لمسته:
- إنه جُرح قديم.
- من سببه؟!
كان صوته مشروخٌ بألمٍ بينما عيناها تزدادُ احتراقًا وهي تكتم دموعها وتجيب بخفوت:
- إحدى السجينات، لأنني رفضتُ ان اقوم بحصتها من الأعمال.
عادت لتتذكر تلك الحادثة وتشعر بوخذٍ بقلبها وكأنه بالأمس، لتُردف وهي تلتفتُ اليه:
- لم يعُد يؤلمُني، بالرغم من انه اخذ وقتًا طويلًا ليُشفى، وكدتُ بسببه ان افقد كليتي ولكنني نجوت.
شعرت بفمها يذوب بين شفتيه بقُبلاتٍ حانية وكأنه يواسيها عن كُلّ لحظةٍ لم يكُن فيها بجانبها، يتمنى لو ان بإمكانه إعادة عجلة الوقت ليعرفها قبل سنوات، لم يكُن ليسمح بأن يُصيبها اي مكروه.
- سيطيب، لن يعود له اثر أعِدُكِ.
همس وهو يتحسسه لتنظر الى وجهه المُتغضّن بالألم وتهمس بعذاب:
- آسفة...آسفة يا حبيبي.
- ماذا؟!
تسائل بغباءٍ وهو يحثها على قول تلك الكلمة التي لم يسمعها منها مُطلقًا لتُجيبه برقّةٍ ودموعها تسقُط بفرحٍ يمتزجُ بالحُزن:
- آسفة لأنني قلبتُ حياتك رأسا على عقِب.
- قلتِ يا حبيبي.
همس وشفتيه تقتربان من فمها لتضحك فجأةً وتقول بصِدق:
- حبيبي، وعمري وحياتي واجمل هدية منحتني لها الحياة.
فغر شفتيه يستجدي انفاسًا لاهثة بينما عيناه ترمقانها بجنونٍ وهي تهمسُ بكلمات الحُب بكلّ براءةٍ غير مُدرِكةٍ للأعاصير التي اضرمتها بداخله، غرس انامله بين خصلات شعرها يجذبها نحوه هامِسًا بشوق:
- غزالتي، آهٍ يا ميرال، كم اشتقتُ إليكِ!
وفي اللحظة التي تراخت يداه حولها وانامله ترسِمُ خصرها بلمساتٍ حنونة ووجهه يقتربُ منها ليحتفي بإعترافها كما يجب شعر بأنها تُجفِلُ من لمساته، بل تجمّدت كل حواسه وهو يشعر بيداها التي تبعده عنها بمقاومةٍ واضحة، ابتعد حينها وعيناه تشتعل بمشاعر أُخرى خليطًا من الغضب والحيرةٍ والخُذلان، حاول الإبتعاد عنها الّا انّهُ وجدها تتعلّقُ بعنقه وتبكِ دون صوت، يشعر بدموعها وشهقاتها المكتومة كإبرٍ تنهشُ جدران قلبه، حاول ان يبعدها عنه قليلًا ليرى وجهها الّا انها ازدادت تمسُّكًا به وكأنما ترفض ان يرى انهيارها المُخزي الذي لا تعلم سببًا له سوى انها تحتاج فقط للبكاء لتستريح قليلًا.
اغمض عينيه وشعورًا موجعًا يجتاحه، لا يستطع حتى ان يحكم يداه حولها ليطمئنها وهو في اوّج لحظات حزنه منها، لا يجدُ سببًا لتباعدها عنه، ليس بهذه الليلة التي اراد ان يتذكراها طوال حياتهما، ليس وهو يعملُ جاهِدًا لينتزِع البسمةُ من شفتيها، ماذا فعل لتشعُر بالذُعر منه؟! لم يجد إجابةً لذلك السؤال وهو يسمعها تقول بعد وقتٍ طويل بنبرةٍ مُجهدة:
- سأُبدل هذا الثوب.
نظر الى وجهها الشاحب وقد جفّت دموعها ليضع يداه حول ظهرها ولا زال يرمقها بنظرةٍ لم تستطع تفسيرها لتجد انه يمرر يديه على كتفيها ليخرج كُمّي الفستان ليسقُط ارضًا تارِكًا جسدها النحيل عاريًا سوى من قطعتين تغطيان مفاتنها، كانت تنظر اليه وحسرةً تحرِقُ قلبها، لا تشعر بالخوف او الارتباك وكأنه زوجها منذ آلاف السنين الّا انّها افسدت كل شيءٍ ببكائها الغير مُبرر، هي لم تُخطِط لتُفسِد هذه الليلة، قطعًا لم ترغب بأن تمنحه هذه الكآبة بعد ان توّجها اميرةً على حياته.
اما بحر فقد كان وجهه جامِدًا لا يوحي بما يجيشُ بداخله من مشاعر، لقد صدمته ببكائها وجعلته يشعر بأن اعترافها بحبه ليس سوى امتنانًا لوجوده بحياتها وهذا ما لا يريده، يتمنى أن تأتيه برغبتها دون ان تُظِهر وكأنها تردُّ له جميلًا.
تنهّد بحُزنٍ وهو يرفع جسدها الرقيق من تلك الكومة البيضاء ويتجه ليضعها على الفِراش قبل ان يبتعد ليجلب لها ثوبًا دون اهتمام ويعود ليضعه بجانبها ويخرج بهدوء لتُبدل ثيابها سريعا ولا زالت عيناها تفيضُ بالدموع بينما رأسها يدور بصورةٍ مُفزِعة، الى درجة انّ الأرض تميدُ من تحتها الّا انّها قاومت ذلك الدوار لتخرج اليه تترنّحُ بمشيتها لتجده مُستلقيًا على احد الأرائك واضعًا إحدى يديه اسفل رأسه والأخرى يغطي بها وجهه لتهمس اليه بضعف:
- حبيبي!
انتفخ صدره بأنفاسٍ حادّة وغضبه يتفاقم منها، فلتتوقف عن قول كِلماتٍ لا تعنيها! فقط فلتتوقف عن إيلام قلبه بهذه الطريقة.
اغمض عينيه بشدّة وهو يشعر بها تقترب منه، تجلسُ على ركبتيها امامه، تزيحُ يده عن وجهه، تضعُ رأسها فوق قلبه مُباشرةً لتستمع لتلك المدافع المدوّية التي تنبِضُ بداخله، خفتت انفاسه فجأةً وازدادت حرارة جسده من قربها، تنفّس بصوتٍ اشبه بزئير اسدٍ حبيسٍ وهو يشعر بأصابعها تتحسس موضع قلبه ليقول بصوتٍ خافِتٍ ثقيل:
- ابتعدي يا ميرال.
الّا انها ازدادت تشبُّثًا به وهي تقول بحُزن:
- عندما كنتُ بالثامنة من العمر ذلك الحقير فعل لي شيئًا سيئًا...
شعرت بأن قلبه يكاد يخرج بين يديها الّا انها لم ترحمه مُضيفةً بإرتجاف وهي تُغمض عينيها لتعود لتلك الذكرى التي لم تستطع محوها من حياتها:
- لقد حاولتُ ان أُقاومه، ضربته طويلًا لكنه لم يبتعد، حاولتُ ان أصرُخ، صدقني حاولت ولكن يده الكبيرة كانت تخرسني، في غرفتي الوردية، على فِراشي الصغير لوّثني الى الأبد..
- يكفي! يكفي يا ميرال.
هدر بألمٍ وعيناه تدمعُ بقهرٍ وهو يستقيم ليجذبها نحوه لتستسلم لعناقه الذي كاد ان يمزّق عظامها، لقد اراد ان يعرف عنها كل شيء ولكن ها هو يجبن امام اولى تلك الظلال السوداء التي تحيط بحياتها، يتألم، لا يستطيع تحمُّل هذا الوجع، ولا يعلمُ كيف تحمّلت طفلةً بالثامنة ألمًا بهذا القدر، لا يريد ان يتخيلها، لن يستطيع ان يرسم صورتها بتلك اللحظة...
اغمضت عينيها وهي تتنفّسُ بصعوبة وتُكمل ودموعها تُماثل دموع تلك الليلة:
- لقد انقذتني منه نوال، بآخر لحظةٍ قبل ان...
صمتت بوجعٍ وقد باتت روحها تئن بتعبٍ من ذلك الجُرح الذي لم يُشفى الى الآن وهي اليوم تضغطُ عليه بشدّة ليسيل قيحه المتجمّع منذ اكثر من عشرين عاما.
- لم تصدقني امي، بل ضربتني، واخبرتني انني بِتُّ فتاةً سيئة كنوال التي لم تستطع إثبات افعاله بها مثلي تماما، فقد كان يختار اوقاتًا لا تتواجد فيها امي بالمنزل وعندما تعود تجده يلعب دور زوج الأم الحنون الذي كان يتلذذُ برفض والدتنا وكراهيتها لنا ما ان نأتي بسيرته.
- يكفي!
همس بتعبٍ لتتجاهله وتُكمل وهي تبتلعُ عذاب تلك اللحظات:
- ولكنها اخذتني لطبيبة لتفحص عذريتي.
- اخرسي! ارجوكِ.
وضع يداه على فمها وعيناها تحكي اكثر مما نطقت، اكثر بكثير مما استطاعت ان تصفه بكلماتٍ باهتة، إنها ماتت، ماتت على قيد الحياة.
ظلّت تنتحب بصوتٍ مكتوم الى ان اغمضت عينيها بإرهاقٍ ليبعد يده عن فمها ويتفاجأ بنظرتها الغريبة لعينيه وهي تقول بنعاس:
- ولكنها كذبتني عندما اتضح اني لا زلتُ عذراء، لأتمنى ان اكون عكس ذلك فقط لتصدقني...
قبل ان تعود لتسقط في بئر النوم بصورةٍ لا ارادية وكأنها تتهرّبُ من احزانها وكل حياتها.
رفعها بين ذراعيه واعادها للداخل ليدثرها ويخرج، فما يعانيه الآن من وجعٍ قادِرٍ على تحطيم الكون بأسره.
ظلّ يهيمُ بالشوارع بضياعٍ وعيناه تبكِ على تلك الطفلة التي ظلّت اسيرة ذنبٍ لم ترتكبه، تلك الصغيرة التي لم يكن موجودًا ليحميها من ذلك الحقير الذي اخذه الموت ليريحه مما كان سيفعله به.. كان قد وصل بسيارته الى بُقعةٍ بعيدة عندما خرج ليصرخ بجنون، يصرخ ويصرخ علّ صوت نشيجها يبخو الّا انه يزداد وتزداد معه اوجاع قلبه.
عاد ليشتم بأقذع الألفاظ مواجهًا عدوًّا غير موجودٍ بهذا العالم، يصرخ مُدرِكًا ان السافل لن يسمعه مطلقًا الى سقط على ركبتيه يلهث بعمق، اغمض عينيه ليفكر بأن ذلك الرجُل قد مات، مهما فعل لن يستطع ان يعاقبه ولكن غزالته الصغيرة لا زالت على قيد الحياة، بالرغم من كل شيء، حبيبته هناك تنتظره لينتشلها من تلك الذكريات، تريده ان يلوّن حياتها بعد ان مُلئت بالسواد، سقطت دموعه وهو يتذكر همستها الخافتة وهو يبتعد عنها.
- لا تتركني ارجوك.
قالتها بالرغم من تشبُّث عينيها بالنوم الّا ان قلبها كان واعيًا لإبتعاده.
نهض فجأةً وهو ينظر حوله بضياع:
- ما الذي افعله هنا؟! يجب ان أكون بجانبها، هل سأنهار مع اوّل هزائمها؟!
اتجه الى سيارته يقودها بسُرعةٍ وقد اقسم على ان يتحمّل عذابه ويحمل عنها عبء ماضيها، لن يسمح لنفسه بأن يعاقبها بالإبتعاد، ليس وهي تغزوا كل ذرّةٍ بكيانه.
عاد بالفعل، ووجدها لا زالت نائمة، تتقوقع على نفسها وقد بدت له في تلك اللحظة ابنة الثامنة.
اقترب منها، يضع يده على شعرها، يمسح عليه بحنان، يبتسم وهو يسمع تنهيدتها كصغيرٍ غفا بعد بكاء.
جلس بجانبها يتأملها وشعورًا جديدًا يغزوا قلبه وكأنه يرتقي معها مراتب الحُبّ خطوةً بخطوة، ويقِفُ الآن على شفا الجنون، يراقبها دون ملل ويتذكر انه بالفعل تزوجها وهذه الليلة هي ليلتهما الأولى.
عند تلك الخاطرة استلقى بجانبها وجذبها لترقد بين ذراعيه بسلام، لم تكن الليلة المثالية ولكنها ستظلّ الليلة الأكثر اهميةً بحياتهما، فقد قررت ان تفتح له قلبها الذي يبدوا كفناءٍ مليئ بالفوضى، وقرر هو ان يعتني بكل رُكنٍ فيه، سيرتبه، ويزيل تلك الحشائش الميتة ليزرعه بحبه ويراقبه ينمو بداخلها.
.
.
يحيط بها من كل الإتجاهات، يحاصرها كأنفاسها، يسحب بساط الراحة من تحتها لتسبح بالقلق، تحاول ليلى التأقلم مع حياتها الجديدة عقِب طلاقها، تسعى للحفاظ على جو الهدوء والراحة التي شعرت بها فور تحررها من آدم ولكن طلب جلال بعثر تلك البهجة الوليدة، لقد ارادت ان تعيش حياةً رائقة برفقة ابنتيها واي امرٍ آخر سيكون في خانة الممنوعات، يكفي ما عانته من مرض حور، لن تتحمل ان تكون بعيدةٌ عنهما بعد اليوم، لقد دفعت ثمن انشغالها عنهما غاليًا، تدثرت بحزنها وكرامتها المُهدرة ونست ان ابنتيها تتتألمان، لن تسامِح نفسها ابدًا على ما عاشتاه من حزن، وبما انها قد افترقت تمامًا عن والدهما لن تكون انانية وتُفكر بنفسها.
تقلّبت على فراشها بمللٍ وقد جافاها النوم، لا تعلم لماذا اصبحت تفكر فيه كثيرًا بالرغم من انها رفضت طلبه بتهذيب قبل زواج بحر ببضعة ايام وتفاجأت بقبوله رفضها بإبتسامةٍ هادئة مُستفزّة جعلتها ترغبُ بضرب رأسه بأقرب حائط فقد ظنّت انه قد يُبدي إعتراضًا لرفضها، يخبرها انه متمسكٌ بها او على الأقل يُصرّ على اخذ موافقها الّا انه لم يفعل ايّ من ذلك وقد خيب هذا املها بعض الشيء، هي ليست طفلة ومُدركة تمامًا لرغبته بها الّا انها بذات الوقت لا تريد ان تدخل لتلك المطحنة من جديد، لم يعُد لها قُدرةٌ لتحمُّل المزيد من الألم والحزن.
إنساب صوت هاتفها كلحنٍ جميلٍ لتلتقطه ولا زالت مستلقية على الفراش، لتُجيب ونبرتها الناعمة تغشاها خشونة النعاس:
- مرحبا، من معي؟!
اتاها صوته من الجهة الأُخرى اكثر رقّةً وحنانًا:
- مساء الخير يا غالية، اظن اننا يجب ان نتزوّج لنُنهي وصلة المراهقة المُتأخرة تلك...
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
مساء الخير اعزائي.
اول فصل من فصول النهاية اتمنى ان يعجبكم.
ثمة مشاهد جاهزة سأضيف عليها مشاهد جديدة وسيكون الفصل القادم جاهز بنهاية هذا الإسبوع بإذن الله.
مع حبي ❤❤❤
فايا
هتف آدم وعيناه يظللها الجنون، ولم يستجدي ردًّا وهو يسارع ليسحبها بعنف من شعرها وقبل ان تحاول ليلى إدراك ما سيفعل وجدته يصفع غيد بقوّةٍ جعلتها تسقُط ارضًا لينحني ويرفعها ليعالجها بصفعةٍ أُخرى لتسرع ليلى وتجذبه عنها بعنف الى ان افلتها لتسقط ارضًا وهي تبكي بهلع بينما اخذت ليلى تبعده لكي لا يصل اليه مُجددًا وهي تصرخ بغضب:
- يكفي، ستقتلها بين يديك.
الّا انه لم يكن يرى في تلك الأثناء سوى تلك الحقيرة التي لوّثت شرفه، يا إلهي! لقد كانت تستجدي زوج ابنته ليتزوجها! بالتأكيد منحته نفسها والّا لما تمنّت ان تكون له الى الأبد.
- يا حقيرة... يا ابنة الشوارع.
صرخ وهو يعود لصفعها وركلها لتتلوى ببكاءٍ وهي تحاول الفرار منه بينما عجزت ليلى عن السيطرة عليه فركضت للخارج لتستدعي اخيه وقبل ان تصل للخارج وجدت الجميع يأتون راكضين وصوت صراخ غيد يملأ المكان.
بصعوبةٍ بالغة استطاع كلّ من احمد وابنه ان يُبعداه غيد غيد التي غدت كجثّةٍ هامدة وكل جزءٍ في جسدها قد ناله الضرب بعد ان استعاض عن يداه بحزامه الجلديّ الذي سيظلّ اثره على جسدها لليالٍ إن ظلّت على قيد الحياة.
سارعت ميساء بأخذ الصغير الذي بكى فزعًا من بكاء والدته بينما قامت كريمة وليلى برفع غيد عن الأرض لتتفاجآن بأنها تحيط بطنها بيدها وتئن بوجع بينما تخضّبت الأرضُ اسفلها بدماءٍ كانت لتكون طفلًا آخر اتت به للحياة رُغمًا عنها.
- استدعوا الإسعاف! الفتاة ستموت.. إنها تنزِف.
هتفت كريمة وهي تركض للخارج بينما ظلّت غيد بين ذراعي ليلى التي تنظر اليها بشفقة، لا يمكنها ان تسعد بما حدث، وبأقصى احلامها لم تتمنى ان يسمع آدم ما دار بينهما من حديث ليس رأفةً به بل بتلك الغبيّة التي لا تدرك انها ستموت إن علِم آدم بتصرفاتها الطائشة ورغمًا عنها شعرت بالأسف عليها، إنها فتاةٌ صغيرة بعمر فلك او اكبر بقليل، لم يكن عليها ان تُدمّر مُستقبلها بالزواج من آدم.
- غيد! لا تفقدي وعيكِ، انظري اليّ، لا تغمضي عيناكِ الآن..
ربتت على خدّها بقوّةٍ وهي تمنعها من الإغماء لتسعل بتعب فينسابُ دمًا من فمها وتهمس بوجع:
- ليتها آخر لحظاتي.
- يا غبيّة انتِ لديكِ طفل، ممنوعٌ ان تتمنّي الموت.
التقت عيناهما للحظةٍ لتسقط دمعة من عين غيد وهي تقول بندم:
- انا لستُ خائنة، لم اهاتفه سوى تلك المرّة.
- اعلم.
قالت ليلى بهدوء لتنخرط غيد بنحيبٍ طويل الى ان اتت سيارة الإسعاف ولأن بنايتهم ليس بها مصعد كان يجب ان يحملها احدٌ الى الأسفل لتجد ان أخ آدم هو من حملها مرّةً أُخرى كما فعل اثناء ولادتها لتُدرك ان آدم لن يكون يومًا زوجًا لها.. وقطعا سيرميها بأقرب شارعٍ ويأخذ منها طفلها.
اخذت تنتحب بشدّة وقد ضاع صوتها مع آخر صورةٍ تلمحها لآدم وهو يطالعها بتقزُز وكأنها فتاة هوى بينما ترمقها ليلى بنظرةٍ جامدة بها القليل من الأسف.
عندما خرج الجميع اغلقت ليلى الباب وعادت لترى آدم جالِسًا وعيناه منكّسةً بخزي، جلست بجانبه وقالت بلوم:
- هل ارتحت الآن؟! هل ضربها اعاد اليكَ كرامتك المُهدرة؟!
رمقها بنظرةٍ حادّة الّا انّها لم تخف وهي تقول ببساطة:
- الفتاة احبّته، سابقًا قبل ان تلتقي بك واراد هو ان يتزوجها الّا انّك سبقته اليها، وحمدًا لله انّك فعلت.
نظر اليها بحيرةٍ لتقول:
- لأن عزيز لا يستحقّ سوى فلك ابنتي انا.
- تشعرين بالشماتة؟! تقولين انّ زوجك الخائن نال جزاءه اخيرًا..هنيئًا له بهذا أليس كذلك؟!
قالها بتعب وعيناه تحمِلُ ألم العالم اجمع الّا انها اجابته بصدق:
- نعم، أشعر بالشماتة.. والإنتشاء ولكنني لا اراه عِقابًا عادِلًا؛ فقد شعرت بأضعاف ألمك كُلّ ليلةٍ منذ زواجِكَ بها.
ونهضت لتغادر الّا انها عادت اليه لتقول بصرامة:
- ارجوك افعل شيئًا واحدًا لأجل ابنتك، فلك لا تدري بما حدث، لا تجعلها تكره زوجها كما كرِهتُكَ من قبل.
شعرت بكمّ الألم الذي تسببت به اليه الّا انها اضافت:
- عزيز رفض ان يخبرك لأنه يحب فلك ولم يشأ ان يكدّر صفوها... وغيد بالنسبة له ليست سوى نصيبٍ ابعده الله عنه ليجد من تستحقّه، ومكالمتها تلك لم تزِده سوى ازدِراءً لها.
وهذه المرّة غادرت بالفعل ولم تلتفت خلفها، تركته يتلظّى بأوجاعه عسى ان يحرق الألمُ جوفه كما احرقها من قبل.
ولم تدري ان جلال يراقبها من بعيد وعلى شفتيه ابتسامةً عاشقة، يُدركُ انها لم تفعل شيئًا سوى انها دافعت عن نصيب ابنتها من السعادة، وما حدث من مساوئ ليس سوى تضامُنًا للقدر معها ليُذيق آدم من نفس الكأس، فالخيانةُ مُرّة وليس هنالك اكثر وجعًا من ألم تحمُّل الخيانة المشروعة، ان تُدِك ان زوجها برفقة أُخرى وانّ عليها ان تصمُت وتتعامل مع الأمر وكأنّه امرٌ عادي.
ليلى لا تستحق، هي من دون النساء تستحقُّ زوجًا يعاملها وكأنها المرأة الوحيدة على وجه الأرض، وهل من يراها يستطع رؤية أُخرى غيرها؟!
تنهّد بيأسٍ وهو يراقبها تمُرّ من جواره وترمقه بإحدى ابتساماتها المُهذّبة وتبتعد بهدوء وقد احدثت إعصارًا لا يهدأ بقلبه، بالرغم من سِنّه الذي سيتجاوز الخمسين بعد بضعة أشهُر يشعر امامها وكأنه عاد مُراهِقًا من جديد، يؤلمه هذا التعلُّق ويجعله يشعر بالخيانة لزوجته المرحومة، لقد كانت امرأةً رائعة عاشت معه ايامًا لن ينساها وكان هو وفيًّا لها طوال حياتها بحياته لم يُفكّر بأن يتزوّج من أُخرى، حتى عقب وفاتها كرّس حياته لإبنه، واختفت من حياته كل تلك الرغبات الى ان لمح ابنة الزيات.
.
.
عندما وصلت ليلى كانت الأمطار قد هدأت وباتت الأجواء أكثر إنتعاشًا وكما توقعت كانت حور تجلس على احد المقاعد المُطِلة على الحديقة تمدُّ يداها لتلتقط حبّات المطر، وحيدةً بعيدةً عن الجميع كما تُحبّ دائمًا، كانت قد ابتاعت بعض الحلوى من المتجر المجاور قبل دخولها لتدلف الى المنزل وتتجه اليها لتجلس بجانبها.
ابتسمت حور برقّه وهي تأخذ قِطع الحلوى لتتناول منها لتقول ليلى ودموع بهجتها تعود لتسقط على خدها:
- حبيبتي، لقد ظهرت نتائج تحاليلكِ الأخيرة، لقد اكّد الطبيبُ انّكِ بخير، لم يعُد ذلك المرض بدمكِ، لقد هزمته.
ابتسمت حور بدهشة ووالدتها تحتضنها بفرحةٍ، تُقبّلُ وجهها وشهقةً مُختنقةً تشقُّ دموعها لتضحك حور بسعادة وتهمسُ بعدم تصديق:
- انا بخير؟!
- نعم! نعم يا صغيرتي لقد مات المرضُ الى الأبد.
شعرت فجأةً بأن دموعها تنسابُ رُغمًا عنها وهي تتذكّر تلك الليالي المؤلمة، صدمة المرض.. دموع الجميع.. بكائها وحيدة.. انهيارها بعد فترةٍ لم تستطِع فيها الصمود لينتهي بها الأمر تحت رعايةٍ طبيبةٍ نفسية.
يا إلهي! لقد مرّ اكثر من ستّة أشهُرٍ على مرضها، اعتادت على أوجاع العلاج وما يليها من نوبات، فقدت صحتها وشعرها وابتسامتها ولكنها لم تفقد الأمل بأن تعيش هذه اللحظة، وها هي بالفعل تقولها.
- نجوت... قد نجوت من الموت.
بكت حينها لأوّل مرّةً دون ان تشعر بالخجل، بكت بفرحة من تحرر اخيرًا من اكبر عقدةٍ تخنِقُ حياتها لتستنشِق طعم الأيام، لتتوضح الرؤية امامها من جديد وكأن تلك الغشاوة السوداء قد أُزيلت عن ناظريها، إن الدنيا بألوانٍ مُبِهجة، للحياةِ طعم.. طعمٌ لذيذٌ ولاذِع كقُبلة حبيبين.
.
.
ليلة زواجها كانت كمهرجان، كما خُطِط لها تمامًا، بصالةٍ مناسبات انيقة الطِراز لا يتزوج فيها ايّ كان، تتدلى الثريا الكريستالية بإضائتها الملوّنة لتنعكس على الأرضية ذات الزخام الأبيض الناصع، والطاولات الدائرية محاطة بكراسي من خشب الزان المطلي بألوانٍ بين الأبيض والأزرق، اصدقاء بحر من الصيادين، اصحاب النفوذ، زملاء العمل وعددٌ وفيرٌ من اهل الحي كانو حضورا في ذلك المكان المُبهِر، وبالرغم من بساطة بحر وتواضعه مع كل من حوله الّا انّهُ اصرّ على ان يكون زواجه من ميرال اسطوريًّا لكي لا تشعُر للحظةٍ بأنه يقلل من قيمتها، ولو كان بإستطاعته لتزوجها على سطح القمر فقطعًا لا يليقُ بها شيئًا عادي.
على الممر الأحمر الدافئ خبت الأضواء لتتسلط فقط على وجهها، تتقدم كأميرٍة في ثوب ملاك، بيضاء كغيمة، وجهها يشعُ سعادةً وعيناها لا تبحث عن احدٍ سواه، تُمسِكُ بيد بلال الذي تعلوه ببضع سنتميترات بعد ارتدائها لكعب عالٍ جدًا، يساورها ذات الشعور الذي لا تستطيع تفسيره وهو بجانبها وكأنه قطعةٌ منها، بينما يبتسمُ هو بسعادةٍ وزهو وهو يقدم خالته لبحر، نعم لقد عرِف بالأمر.
إنها المرأة التي ربّته في صغره بالرغم من انه لا يذكرها ولكن يكفي شعوره نحوها والذي تعاظم ما ان عرِف بالأمر، فمنذ ان بدأ بالسؤال عن حياته واسم ابيه الذي لا يماثل اسم الرجل الذي يناديه "ابي" توجب على العم جمال بإخباره بحقيقته، لقد ثار وبكى بل وحاول الهرب منهم عندما علِم انه ليس سوى ابنًا يحملُ نفس اسم عائلتهم وهم يعطفون عليه لأن والديه متوفيان، ولكنه كان صغيرًا، لم يستطع ان يحمل ضغينةً تجاههم وسرعان ما نسى الأمر وتأقلم مع حياته، بحر وليلى كانا اخواه وابيه ذلك الرجل الصارم طيب القلب الذي لا يحتمل عليه الأذى.
كان سعيدًا بذلك واصبح اليوم اكثر بهجةً وهو يرى تلك الفتاة الجميلة التي عرِف منذُ بضعة ايامٍ بأنها خالته ويتكتم على الأمر بناءً على طلب بحر الذي قال انّ إخبارها بالأمر الآن ليس صائبًا، ولكنه وعده بأن يخبرها فور عودتهما من شهر العسل.
وسيظلُّ هو بإنتظار ذلك الموعد على احرّ من الجمر ليخبرها بنفسه بأنّ الصغير الذي ظنّت لسنواتٍ بأنه قد مات لم يمُت، وان والدته المسكينة تحلّت ببعض القوّة وهي تأتي به لمنزل عمّ والده، الذي اتخذه ابنًا له قبل ان تنتحر بالبحر الذي يبعد عن ذلك المنزل عدّة امتار.
- اعتني بها ارجوك.
همس ببراءةٍ لأخيه الذي مال نحوه ليحتضنه ويقول بسعادة:
- انها زوجتي يا بلال، حبيبة عمري، لن يحبها احدٌ مثلي.
- قد اكون مشوشًا الحين الّا انني سأكون مُنافِسًا شرِسًا فإحذرني.
همس بلال ضاحِكًا بينما نست ميرال ما حولها وهي تستمع لضحكته الطفوليّة ولكن يد بحر التي جذبتها فجأةً جعلتها تشهقُ بدهشةٍ قبل تشعر بأنها ترتفع عن الأرض وذراعاه ترفعانها وكأنما يداعِبُ دُمية، وقد بدت في تلك اللحظة كأميرةً كرتونيّةٍ بثوبٍ مُنتفشٍ كهالة القمر وعينان كبيرتان مُمتلئتان بالبهجةٍ والإثارة.
ضحِكت وصوته المتأثّر يُدغدِغُ اُذنيها بهمسٍ صريحٍ بالحُبّ والشوق والمباركة التي ذكرتها انهما قد تزوجا أخيرًا.. عندما لامست قدماها الأرض وجدته يقتربُ ليضع شفتيه على جبينها بقُبلة إعتذارٍ عن كل ما مضى من حياتها بدونه بينما ظلّت هي تطالعه بإنبهارٍ ذاهل، وقلبها ينطِقُ اسمه مع كلّ نبضة.. بحر، الأمير.. المغوار.. النبيل.. الحُب.. الأمان.. المنزل، كلها كلماتًا ترادف اسمه بمعجمها، إنه بحر حبيبها الذي وضع النجوم بين يديها بالرغم من غضبه منها ومن تصرفاتها الغريبةُ بالفترة الأخيرة الّا انّهُ منحها اليوم اسمه بأجمل طريقةٍ مُمكِنة.
فبأقصى احلامها جموحًا لم تتخيل ان يكون زواجها بهذه الروعة، كل شيءٍ مثالي، ابتداءً منه، بحلته السوداء الأنيقة وشعره الهمجية الطويل وعيناه... آهٍ منهما حبيبتاها، إنها تغرقُ معهُ بحُلُمٍ جميلٍ لا ترغبُ بالإستيقاظ منه، حُلُمًا نست فيه كل مآسيها لتتذكّر فقط لحظة ان قالت للمأذون:
- نعم... أقبلُ بهذا الأمير بطلًا لي مدى الحياة.
.
.
لمحته من بين الحضور، يجلسُ بعيدًا عن الأضواء كعادته، بثيابه التي باتت تجذبُ نظرها اكثر من اي شيءٍ آخر، عصاته الأنيقة تمنح هيئته لمحةً خيالية لشخصيةٍ شديدة الهيبة، عيناه وكأن الله منحها ميزة الأحجار الكريمة تُضيئُ كوهجٍ من نورٍ يخرج في عُمق الظلام، عيناه تسري عليها بنظرةٍ لا تشبه نظراته القديمة، نظرة حنانٍ مُختلِطٍ بالحُزن، وكأنما فقد برفضها حلمًا طالما تمنّاه.
اخفضت بصرها وشعورًا غريبًا يغمرها، تريد البكاء بأعلى صوت، نظراته الحنونة تلك تُظهر ضعفها واحتياجها لكتفًا تستندُ عليه لتنتحب الى ان يزول ألم قلبها.. ربّتت على جبينها بإرهاقٍ وتقدمت لتستنشق هواءً نقيًّا بعيدًا عن الضوضاء، رفعت رأسها للسماء وهي تشاهد الغيوم الكثيفة المُنذِرة بليلة شديدة الأمطار، وعادت لتخفض بصرها لتربت على ثوبها الطويل المُحتشم سوى من ضيقٍ عفوي على خصرها مُمتدًّا بتموّجاتٍ طويلة الى ان يغطي قدميها، تقدم نحوها في تلك الأثناء ولا زال يحافظ على ابتسامته الودودة الى ان توقّف خلفها مباشرةً، ليقول بحزم:
- يا غالية!
دغدغت الكلمة قلبها فإبتسمت، لا احد يناديها غاليةً سواه، هل يا ترى يراها بالفعل غالية؟! بل هل هي تشعر بأنها لا زالت غالية بعد ما فعله بها آدم؟! غصّت بذكرياتها المُرّة وهي تلتفت اليه، تواجه عيناه التي تعترف من اول وهلةٍ انها جميلة.
- أنتظِرُ ردّكِ.
اقترن حاجبيها بحيرةٍ وهمست بثباتٍ زائف وقد خشِيت ان يلمح تردُدها:
- ردّي وصلكَ منذُ ايامٍ يا سيد جلال.
الّا انّهُ عاد ليرمقها بنظرةٍ صامتة، وقال بلُطفٍ غريب:
- ظننتُ انّ حور اخبرتكِ برغبتي بأن ادعوها وأختها على الغداء.
شعرت حينها بأن دلوًا بارِدًا سُكِب عليها الى درجة انها شحبت بشدّة ولكنها همست بحدّةٍ تداري بها حماقتها الغير مقصودة:
- نعم لقد اخبرتني ورفضت، اعتذر لا يمكن لبناتي قبول دعوة غريب.
الّا انّها عضّت لسانها بعد ان لمحت ابتسامته الغبية ذاتها مع لمحةٍ من الحُزن جعلتها ترغبُ بأن تصفع نفسها مرارًا وتكرارا، فهذا الرجُل يملِكُ ملامحًا حزينةً تثيرُ بداخلها روح الأُمهات فترغب حينها بأنه تحتضنه بحنان جارف.
زفرت بشدّة عندما اعتذر اليها وابتعد لتظلّ ساكنةً مكانها تهمسُ بإختناق:
- ماذا فعلت! لقد جُننتُ تماما!
ولم تدري ان قلبها كان ينظر اليها بدهشةٍ وهو يجرب شعورًا آخر، غريبا عليه.
.
.
عندما انتهى الحفلُ غادرا الى بيته الصغير المُتاخم للبحر ليقضيا فيه شهر العسل كما اراد، وما ان وصلا لم تتفاجأ عندما حملها بين لتحيط عنقه بذراعيها تستسلمُ للتلذُذ برائحته العاقلة بروحها تُذكر نفسها بكُل ثانية بأن هذا الرجُل الرائع اصبح زوجها، وانها اخيرًا حصلت على سعادتها.
عندما وصلا الى الغُرفة انزلها لتطالع المكان بحرج وُرُغمًا عنها تتذكر هذه الغُرفة التي غفت فيها ذات يومٍ وهي مجرد متسوّلة لتدخلها اليوم عروسًا، لاحظ بحر عيناها المُظللتان بالحُزن ليهمس بحنانٍ افلت رُغمًا عنه:
- مُتعبة؟!
اومأت وهي تتشبّث بذراعه لتخلع كعبها العالي لتبدوا اقصر بكثير مما كانت، واستغلّت عدم هروبه منها كالعادة لتتسائل بحُزن:
- ألا زِلت غاضبًا منّي؟
اجابها ببساطة يطالع وجهها الذي يبدوا اكثر فِتنة بتلك الزينة المُبهِرة:
- نعم يا ميرال، غاضبٌ بشدّة من هروبكِ منّي وعدم ثقتكِ بي واكثر ما اغضبني اليوم هو مجيئ ذلك الرجُل اللزج لزفافنا، صدقيني لو لم أُمسك اعصابي لكُنت اقضي الليلة بمركز الشُرطة.
انحنى حاجباها بيأس ليقول لها بجفاء:
- ابدلي ثوبك لتستريحي قليلا.
ابتعدت عنه وقد بهتت فرحتها فبحياتها لم تتوقع ان تكون ليلة زفافها بهذا البؤس، لم تُرِد ان تبدأ حياتهما بمُشكلة وبالرغم من ذلك لم تستطع فعل شيءٍ عندما تفاجأت بمجيئ خليل لتهنئتها بزواجها، وهي تعلم مُسبقًا بأنه ليس بالرجُل السيئ خاصة وانه تقبّل رفضها ببساطة بل واخبرها انه سيكون دومًا صديقها إن احتاجت اليه الّا ان بحر يأبى ان يُحكّم عقله.
اتجهت لطاولة الزينة لتجلس بالكرسي وتحاول فكّ دبابيس طرحتها ولكنها لم تُفلح، نظرت اليه برجاء ليرفع حاجبه بلؤمٍ ولكن سرعان ما اقترب منها عندما شعر بأن عيناها الجميلة ستذرف الدموع، اخذ يتعامل مع تلك المشابك الصغيرة بهدوء ليزيح القماش الأبيض الشفاف عن شعرها لينسدل ناعمًا مُبهجًا ليحوّل ملامحها الى أُخرى اكثر انوثة وبهاء.
وقبل ان تدعوه لمساعدةٍ أُخرى قام بفكّ رباط فستانها الناعم ليترك ظهرها اللدِن عاريًا، كان سينهض ليتركها الّا ان شيئًا ما لفت انتباهه، اقترب من جديد ليزيح طرف الفستان لتمُر يده بإرتجافٍ على ذلك الأثر الواضح المُمتد من جانب كليتها الى منتصف ظهرها وقبل ان يسألها وجدها تهمسُ وجسدها يرتجف من لمسته:
- إنه جُرح قديم.
- من سببه؟!
كان صوته مشروخٌ بألمٍ بينما عيناها تزدادُ احتراقًا وهي تكتم دموعها وتجيب بخفوت:
- إحدى السجينات، لأنني رفضتُ ان اقوم بحصتها من الأعمال.
عادت لتتذكر تلك الحادثة وتشعر بوخذٍ بقلبها وكأنه بالأمس، لتُردف وهي تلتفتُ اليه:
- لم يعُد يؤلمُني، بالرغم من انه اخذ وقتًا طويلًا ليُشفى، وكدتُ بسببه ان افقد كليتي ولكنني نجوت.
شعرت بفمها يذوب بين شفتيه بقُبلاتٍ حانية وكأنه يواسيها عن كُلّ لحظةٍ لم يكُن فيها بجانبها، يتمنى لو ان بإمكانه إعادة عجلة الوقت ليعرفها قبل سنوات، لم يكُن ليسمح بأن يُصيبها اي مكروه.
- سيطيب، لن يعود له اثر أعِدُكِ.
همس وهو يتحسسه لتنظر الى وجهه المُتغضّن بالألم وتهمس بعذاب:
- آسفة...آسفة يا حبيبي.
- ماذا؟!
تسائل بغباءٍ وهو يحثها على قول تلك الكلمة التي لم يسمعها منها مُطلقًا لتُجيبه برقّةٍ ودموعها تسقُط بفرحٍ يمتزجُ بالحُزن:
- آسفة لأنني قلبتُ حياتك رأسا على عقِب.
- قلتِ يا حبيبي.
همس وشفتيه تقتربان من فمها لتضحك فجأةً وتقول بصِدق:
- حبيبي، وعمري وحياتي واجمل هدية منحتني لها الحياة.
فغر شفتيه يستجدي انفاسًا لاهثة بينما عيناه ترمقانها بجنونٍ وهي تهمسُ بكلمات الحُب بكلّ براءةٍ غير مُدرِكةٍ للأعاصير التي اضرمتها بداخله، غرس انامله بين خصلات شعرها يجذبها نحوه هامِسًا بشوق:
- غزالتي، آهٍ يا ميرال، كم اشتقتُ إليكِ!
وفي اللحظة التي تراخت يداه حولها وانامله ترسِمُ خصرها بلمساتٍ حنونة ووجهه يقتربُ منها ليحتفي بإعترافها كما يجب شعر بأنها تُجفِلُ من لمساته، بل تجمّدت كل حواسه وهو يشعر بيداها التي تبعده عنها بمقاومةٍ واضحة، ابتعد حينها وعيناه تشتعل بمشاعر أُخرى خليطًا من الغضب والحيرةٍ والخُذلان، حاول الإبتعاد عنها الّا انّهُ وجدها تتعلّقُ بعنقه وتبكِ دون صوت، يشعر بدموعها وشهقاتها المكتومة كإبرٍ تنهشُ جدران قلبه، حاول ان يبعدها عنه قليلًا ليرى وجهها الّا انها ازدادت تمسُّكًا به وكأنما ترفض ان يرى انهيارها المُخزي الذي لا تعلم سببًا له سوى انها تحتاج فقط للبكاء لتستريح قليلًا.
اغمض عينيه وشعورًا موجعًا يجتاحه، لا يستطع حتى ان يحكم يداه حولها ليطمئنها وهو في اوّج لحظات حزنه منها، لا يجدُ سببًا لتباعدها عنه، ليس بهذه الليلة التي اراد ان يتذكراها طوال حياتهما، ليس وهو يعملُ جاهِدًا لينتزِع البسمةُ من شفتيها، ماذا فعل لتشعُر بالذُعر منه؟! لم يجد إجابةً لذلك السؤال وهو يسمعها تقول بعد وقتٍ طويل بنبرةٍ مُجهدة:
- سأُبدل هذا الثوب.
نظر الى وجهها الشاحب وقد جفّت دموعها ليضع يداه حول ظهرها ولا زال يرمقها بنظرةٍ لم تستطع تفسيرها لتجد انه يمرر يديه على كتفيها ليخرج كُمّي الفستان ليسقُط ارضًا تارِكًا جسدها النحيل عاريًا سوى من قطعتين تغطيان مفاتنها، كانت تنظر اليه وحسرةً تحرِقُ قلبها، لا تشعر بالخوف او الارتباك وكأنه زوجها منذ آلاف السنين الّا انّها افسدت كل شيءٍ ببكائها الغير مُبرر، هي لم تُخطِط لتُفسِد هذه الليلة، قطعًا لم ترغب بأن تمنحه هذه الكآبة بعد ان توّجها اميرةً على حياته.
اما بحر فقد كان وجهه جامِدًا لا يوحي بما يجيشُ بداخله من مشاعر، لقد صدمته ببكائها وجعلته يشعر بأن اعترافها بحبه ليس سوى امتنانًا لوجوده بحياتها وهذا ما لا يريده، يتمنى أن تأتيه برغبتها دون ان تُظِهر وكأنها تردُّ له جميلًا.
تنهّد بحُزنٍ وهو يرفع جسدها الرقيق من تلك الكومة البيضاء ويتجه ليضعها على الفِراش قبل ان يبتعد ليجلب لها ثوبًا دون اهتمام ويعود ليضعه بجانبها ويخرج بهدوء لتُبدل ثيابها سريعا ولا زالت عيناها تفيضُ بالدموع بينما رأسها يدور بصورةٍ مُفزِعة، الى درجة انّ الأرض تميدُ من تحتها الّا انّها قاومت ذلك الدوار لتخرج اليه تترنّحُ بمشيتها لتجده مُستلقيًا على احد الأرائك واضعًا إحدى يديه اسفل رأسه والأخرى يغطي بها وجهه لتهمس اليه بضعف:
- حبيبي!
انتفخ صدره بأنفاسٍ حادّة وغضبه يتفاقم منها، فلتتوقف عن قول كِلماتٍ لا تعنيها! فقط فلتتوقف عن إيلام قلبه بهذه الطريقة.
اغمض عينيه بشدّة وهو يشعر بها تقترب منه، تجلسُ على ركبتيها امامه، تزيحُ يده عن وجهه، تضعُ رأسها فوق قلبه مُباشرةً لتستمع لتلك المدافع المدوّية التي تنبِضُ بداخله، خفتت انفاسه فجأةً وازدادت حرارة جسده من قربها، تنفّس بصوتٍ اشبه بزئير اسدٍ حبيسٍ وهو يشعر بأصابعها تتحسس موضع قلبه ليقول بصوتٍ خافِتٍ ثقيل:
- ابتعدي يا ميرال.
الّا انها ازدادت تشبُّثًا به وهي تقول بحُزن:
- عندما كنتُ بالثامنة من العمر ذلك الحقير فعل لي شيئًا سيئًا...
شعرت بأن قلبه يكاد يخرج بين يديها الّا انها لم ترحمه مُضيفةً بإرتجاف وهي تُغمض عينيها لتعود لتلك الذكرى التي لم تستطع محوها من حياتها:
- لقد حاولتُ ان أُقاومه، ضربته طويلًا لكنه لم يبتعد، حاولتُ ان أصرُخ، صدقني حاولت ولكن يده الكبيرة كانت تخرسني، في غرفتي الوردية، على فِراشي الصغير لوّثني الى الأبد..
- يكفي! يكفي يا ميرال.
هدر بألمٍ وعيناه تدمعُ بقهرٍ وهو يستقيم ليجذبها نحوه لتستسلم لعناقه الذي كاد ان يمزّق عظامها، لقد اراد ان يعرف عنها كل شيء ولكن ها هو يجبن امام اولى تلك الظلال السوداء التي تحيط بحياتها، يتألم، لا يستطيع تحمُّل هذا الوجع، ولا يعلمُ كيف تحمّلت طفلةً بالثامنة ألمًا بهذا القدر، لا يريد ان يتخيلها، لن يستطيع ان يرسم صورتها بتلك اللحظة...
اغمضت عينيها وهي تتنفّسُ بصعوبة وتُكمل ودموعها تُماثل دموع تلك الليلة:
- لقد انقذتني منه نوال، بآخر لحظةٍ قبل ان...
صمتت بوجعٍ وقد باتت روحها تئن بتعبٍ من ذلك الجُرح الذي لم يُشفى الى الآن وهي اليوم تضغطُ عليه بشدّة ليسيل قيحه المتجمّع منذ اكثر من عشرين عاما.
- لم تصدقني امي، بل ضربتني، واخبرتني انني بِتُّ فتاةً سيئة كنوال التي لم تستطع إثبات افعاله بها مثلي تماما، فقد كان يختار اوقاتًا لا تتواجد فيها امي بالمنزل وعندما تعود تجده يلعب دور زوج الأم الحنون الذي كان يتلذذُ برفض والدتنا وكراهيتها لنا ما ان نأتي بسيرته.
- يكفي!
همس بتعبٍ لتتجاهله وتُكمل وهي تبتلعُ عذاب تلك اللحظات:
- ولكنها اخذتني لطبيبة لتفحص عذريتي.
- اخرسي! ارجوكِ.
وضع يداه على فمها وعيناها تحكي اكثر مما نطقت، اكثر بكثير مما استطاعت ان تصفه بكلماتٍ باهتة، إنها ماتت، ماتت على قيد الحياة.
ظلّت تنتحب بصوتٍ مكتوم الى ان اغمضت عينيها بإرهاقٍ ليبعد يده عن فمها ويتفاجأ بنظرتها الغريبة لعينيه وهي تقول بنعاس:
- ولكنها كذبتني عندما اتضح اني لا زلتُ عذراء، لأتمنى ان اكون عكس ذلك فقط لتصدقني...
قبل ان تعود لتسقط في بئر النوم بصورةٍ لا ارادية وكأنها تتهرّبُ من احزانها وكل حياتها.
رفعها بين ذراعيه واعادها للداخل ليدثرها ويخرج، فما يعانيه الآن من وجعٍ قادِرٍ على تحطيم الكون بأسره.
ظلّ يهيمُ بالشوارع بضياعٍ وعيناه تبكِ على تلك الطفلة التي ظلّت اسيرة ذنبٍ لم ترتكبه، تلك الصغيرة التي لم يكن موجودًا ليحميها من ذلك الحقير الذي اخذه الموت ليريحه مما كان سيفعله به.. كان قد وصل بسيارته الى بُقعةٍ بعيدة عندما خرج ليصرخ بجنون، يصرخ ويصرخ علّ صوت نشيجها يبخو الّا انه يزداد وتزداد معه اوجاع قلبه.
عاد ليشتم بأقذع الألفاظ مواجهًا عدوًّا غير موجودٍ بهذا العالم، يصرخ مُدرِكًا ان السافل لن يسمعه مطلقًا الى سقط على ركبتيه يلهث بعمق، اغمض عينيه ليفكر بأن ذلك الرجُل قد مات، مهما فعل لن يستطع ان يعاقبه ولكن غزالته الصغيرة لا زالت على قيد الحياة، بالرغم من كل شيء، حبيبته هناك تنتظره لينتشلها من تلك الذكريات، تريده ان يلوّن حياتها بعد ان مُلئت بالسواد، سقطت دموعه وهو يتذكر همستها الخافتة وهو يبتعد عنها.
- لا تتركني ارجوك.
قالتها بالرغم من تشبُّث عينيها بالنوم الّا ان قلبها كان واعيًا لإبتعاده.
نهض فجأةً وهو ينظر حوله بضياع:
- ما الذي افعله هنا؟! يجب ان أكون بجانبها، هل سأنهار مع اوّل هزائمها؟!
اتجه الى سيارته يقودها بسُرعةٍ وقد اقسم على ان يتحمّل عذابه ويحمل عنها عبء ماضيها، لن يسمح لنفسه بأن يعاقبها بالإبتعاد، ليس وهي تغزوا كل ذرّةٍ بكيانه.
عاد بالفعل، ووجدها لا زالت نائمة، تتقوقع على نفسها وقد بدت له في تلك اللحظة ابنة الثامنة.
اقترب منها، يضع يده على شعرها، يمسح عليه بحنان، يبتسم وهو يسمع تنهيدتها كصغيرٍ غفا بعد بكاء.
جلس بجانبها يتأملها وشعورًا جديدًا يغزوا قلبه وكأنه يرتقي معها مراتب الحُبّ خطوةً بخطوة، ويقِفُ الآن على شفا الجنون، يراقبها دون ملل ويتذكر انه بالفعل تزوجها وهذه الليلة هي ليلتهما الأولى.
عند تلك الخاطرة استلقى بجانبها وجذبها لترقد بين ذراعيه بسلام، لم تكن الليلة المثالية ولكنها ستظلّ الليلة الأكثر اهميةً بحياتهما، فقد قررت ان تفتح له قلبها الذي يبدوا كفناءٍ مليئ بالفوضى، وقرر هو ان يعتني بكل رُكنٍ فيه، سيرتبه، ويزيل تلك الحشائش الميتة ليزرعه بحبه ويراقبه ينمو بداخلها.
.
.
يحيط بها من كل الإتجاهات، يحاصرها كأنفاسها، يسحب بساط الراحة من تحتها لتسبح بالقلق، تحاول ليلى التأقلم مع حياتها الجديدة عقِب طلاقها، تسعى للحفاظ على جو الهدوء والراحة التي شعرت بها فور تحررها من آدم ولكن طلب جلال بعثر تلك البهجة الوليدة، لقد ارادت ان تعيش حياةً رائقة برفقة ابنتيها واي امرٍ آخر سيكون في خانة الممنوعات، يكفي ما عانته من مرض حور، لن تتحمل ان تكون بعيدةٌ عنهما بعد اليوم، لقد دفعت ثمن انشغالها عنهما غاليًا، تدثرت بحزنها وكرامتها المُهدرة ونست ان ابنتيها تتتألمان، لن تسامِح نفسها ابدًا على ما عاشتاه من حزن، وبما انها قد افترقت تمامًا عن والدهما لن تكون انانية وتُفكر بنفسها.
تقلّبت على فراشها بمللٍ وقد جافاها النوم، لا تعلم لماذا اصبحت تفكر فيه كثيرًا بالرغم من انها رفضت طلبه بتهذيب قبل زواج بحر ببضعة ايام وتفاجأت بقبوله رفضها بإبتسامةٍ هادئة مُستفزّة جعلتها ترغبُ بضرب رأسه بأقرب حائط فقد ظنّت انه قد يُبدي إعتراضًا لرفضها، يخبرها انه متمسكٌ بها او على الأقل يُصرّ على اخذ موافقها الّا انه لم يفعل ايّ من ذلك وقد خيب هذا املها بعض الشيء، هي ليست طفلة ومُدركة تمامًا لرغبته بها الّا انها بذات الوقت لا تريد ان تدخل لتلك المطحنة من جديد، لم يعُد لها قُدرةٌ لتحمُّل المزيد من الألم والحزن.
إنساب صوت هاتفها كلحنٍ جميلٍ لتلتقطه ولا زالت مستلقية على الفراش، لتُجيب ونبرتها الناعمة تغشاها خشونة النعاس:
- مرحبا، من معي؟!
اتاها صوته من الجهة الأُخرى اكثر رقّةً وحنانًا:
- مساء الخير يا غالية، اظن اننا يجب ان نتزوّج لنُنهي وصلة المراهقة المُتأخرة تلك...
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
مساء الخير اعزائي.
اول فصل من فصول النهاية اتمنى ان يعجبكم.
ثمة مشاهد جاهزة سأضيف عليها مشاهد جديدة وسيكون الفصل القادم جاهز بنهاية هذا الإسبوع بإذن الله.
مع حبي ❤❤❤
فايا