أنا والدوق

NourShaban`بقلم

  • أعمال الترجمة

    النوع
  • 2022-05-27ضع على الرف
  • 1.5K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

مقدمة

استقبل الجميع خبر مولد سايمون ارثر هنري فيتزيرنولف باسيت، ايرل كليڤدون باحتفال كبير. اجراس الكنيسه دقت لساعات، الشمبانيا كانت تُسكب بسخاءٍ بالغ في قلعة جارجانتون التي ستكون منزل الطفل المولود حديثاً، وقرية كليڤدون بأكملها توقفت عن أعمالها لتلبية طلبات الاحتفال والمأدبة التي نظمها والد الايرل الصغير.

"هذا ليس طفلاً عادياً" هذا ما قاله الخباز للحداد.
حيث ان سايمون ارثر هنري فيتزيرنولف باسيت لن يقضي حياته بأكملها ك إيرل كليڤدون. تلك مجرد مجاملة صورية. سايمون ارثر هنري فيتزيرنولف باسيت - الطفل الذي يحمل اسماءاً تفوق الأسماء التي يحملها او يحتاجها اي طفل مماثل - كان الوريث لواحدة من أعرق وأغني دوقيات انجلترا. ووالده، دوق هيستنغس التاسع، كان في انتظار هذه اللحظة لسنوات طويلة.
بينما كان يقف في الممر أمام غرفة زوجته الخاصه، حاملاً الرضيع الباكي، كان قلب الدوق يخفق بالفخر. لقد تخطى سن الأربعين بعدة سنوات، كان يرى أقربائه -أدواق وإيرلات، جميعهم- ينجبون وريث بعد الاخر. بعضهم كان يمر بمعاناة إنجاب فتيات في البداية حتى تمكنوا من تعيين وريث نفيس من الذكور، لكن في النهاية، تمكنوا جميعهم من تأمين استمرار نسلهم، وان تستمر دمائهم بين نخبة عائلات إنجلترا.
لكن لم يكن ذلك حظ دوق هيستنغس. خلال حياته حملت زوجته خمس مرات خلال الخمسة عشر عاماً من الزواج، و لمرتين فقط حافظت على الحمل حتى النهايه، و كلاً من هذين الطفلين ولدوا فاقدي الحياة. بعد الحمل الخامس والذي انتهى بشكل دموي في الشهر الخامس، قام الجراحين والأطباء على حد سواء بنصح أصحاب السمو أن يتوقفوا بشكل نهائي عن محاولة الإنجاب. حياة الدوقة كانت في خطرٍ محتوم. كانت واهنة جداً وضعيفة للغاية، وقالوا بأدب مغلف انها قد أصبحت كبيرة في السن. الدوق كان قد أوشك على التعايش مع حقيقة أن الدوقية في عائلته ستندثر بموته.
لكن الدوقة، حماها الرب، كانت تعرف واجبها في الحياة، وبعد ستة أشهر من التعافي، فتحت الباب الذي يصل غرفتها بغرفة زوجها، وأشتعلت رغبة الدوق في وريث مرة أخري.
بعد ذلك بخمسة أشهر أعلنت الدوقة للدوق خبر حملها. سعادة الدوق البالغة ظهرت في إصراره البالغ ان لا شئ - لا شئ نهائياً - سيتسبب بفقدان ذلك الطفل. لذا أصبحت الدوقة أسيرة الفراش بمجرد ان انقطعت عادتها الشهرية. تم تعيين طبيب كان يأتي لمعاينتها يومياً، وعندما أصبحت في منتصف فترة الحمل، عين الدوق أهم طبيب في لندن ودفع له ما يماثل ما قد يتقاضاه من الملوك كي يترك عمله الحالي ويقيم في قصر كليڤدون حتى موعد الولادة.
الدوق لم يترك أي أمر للصدفة هذه المرة. سيحصل على إبن، ولقب الدوقية سيظل في عائلة باسيت.
داهمت الدوقة ألام قبل شهر من موعد الولادة، عندها قاموا بدثر وسادات أسفل فخذيها."قد تساعد الجاذبية في إبقاء الطفل داخلها" هذا ما قاله دكتور ستبس. فكر الدوق في واقعية ذلك، وبمجرد أن ذهب الطبيب للراحة في المساء وضع الدوق وسادة أخرى أسفل زوجته، لترتفع بزاوية عشرين درجة، وظلت هكذا لمدة شهر.
وأخيراً، حانت لحظة الحقيقة، القصر بأكمله كان يدعي من أجل الدوق الذي كان يحلم بوريث، وتبقى قلة منهم تدعو للدوقة، التي ازدادت نحافة وضعفاً بنمو بطنها أكبر وأعرض. حاولوا ان لا يتأملوا كثيراً - فبعد كل شئ- الدوقة قد أنجبت من قبل طفلين لتواريهم تحت التراب. و حتى إن تمكنت من إنجاب هذا الطفل بسلام فقد يكون فتاة.
بينما تزداد صرخات الدوقة وتتكرر وجد الدوق طريقه إلي داخل غرفتها، متجاهلاً إعتراض الأطباء، القابلة، وخدم زوجته.
كانت فوضى دموية لكن الدوق أصر على التواجد عندما يتم الإعلان عن جنس المولود.
ظهر الرأس، بعدها الأكتاف. أنحني الجميع للأمام نحو الدوقة التي تتألم و تدفع، وعندها….
عندها تماماً علم الدوق أن هناك رب، و ظل يبتسم نحو آل باسيت، سمح للقابله بدقيقه واحده لتنظيف الطفل، ثم حمل ابنه بين ذراعيه واندفع نحو الممر المؤدي للغرفه لإستعراض إبنه للجميع.
"لدي إبن" صاح بحماس. "إبن مثالي صغير!"
وبينما تعالى صياح ونواح بعض الخدم في إرتياح، نظر الدوق نحو الإيرل الصغير وقال "أنت مثالي. أنت من باسيت. أنت مِلكي."
كان يرغب الدوق أن يأخذ ابنه لخارج القصر حتى يرى الجميع أنه استطاع في النهاية تعيين وريث معافى وبصحة جيدة، لكنه تراجع بسبب البرودة التي يبعثها هواء إبريل في ذلك الوقت المبكر من اليوم، لذا سمح للقابلة أن تعيد الرضيع لوالدته. أمتطي الدوق واحد من أحصنته من فصيلة جيلدنجز الحاصدة للجوائز للإحتفال، صارخاً بمدى حظه لكل من تمكن من سماعه.
في تلك الأثناء، الدوقة التي كانت تنزف بغزارة منذ لحظة الولادة، فقدت الوعي إثر ذلك، وفجأه فقدت حياتها.
أقام الدوق الحداد على زوجته. فعل ذلك بصدق، لم يكن واقع في حبها، هذا أكيد وهي أيضاً لم تكن تفعل، لكنهما كانا أصدقاء بأغرب وأعجب طريقة ممكنة، الدوق لم يكن يتوقع من الزواج أكثر من إبن ووريث، وبالنسبه لذلك الموضوع فلقد أثبتت زوجته أنها كانت الزوجة المثالية لذلك. أمر بوضع الورود الجديدة على قبرها كل أسبوع، بغض النظر عن الفصل، و اللوحة التي كانت مرسومة لها تم نقلها من غرفة المعيشة للقاعة الرئيسية أعلى الدرج تكريماً لمنزلتها العليا الشريفة.
بعد ذلك ألتفت الدوق لأمور تربية إبنه.
بالطبع لم يكن هناك الكثير من ما يمكن فعله من جانبه في السنة الأولى من حياة الوريث. فالطفل كان صغيراً على تعلم دروس إدارة الأملاك والمسئولية التي سترمي على عاتقه، لذا ترك الدوق إبنه في أمانة المربية وذهب للندن، عاود متابعة حياتة من حيث توقفت قبل أن ينعم بالأبوة، عدا أنه أجبر الجميع - بما في ذلك الملك- على النظر إلى الرسمة المصغرة التي أمر برسمها فور ولادة إبنه.
ظل الدوق يزور كليڤدون من وقت لآخر لكنه عاد نهائياً في عيد مولد سايمون الثاني، إستعداداً ليبدأ بنفسه تعليم إبنه. تم شراء فرس صغير، وتم إختيار مسدس صغير لاستخدامه مستقبلاً في صيد الثعالب، وتم تعيين معلمين في كل مجال يخص الرجال.
"مازال صغيراً على كل ذلك" وضحت المربية هوبكينز للدوق.
"هذا هراء، بالطبع أنا لا أتوقع أن يجيد كل تلك المهارات في أي وقت قريب لكن ليس من المبكر أبداً أن يبدأ بالتعلم كدوق." قالها الدوق بتنازل
"إنه ليس دوقاً؛" تمتمت المربية
"سيصبح في يوم من الأيام" قالها الدوق و هو يجلس بجانب إبنه الذي كان يبني قلعة من مجموعة قوالب كانت على الأرض.
لم يزر الدوق كليڤدون منذ أشهر، فكان سعيداً بنمو سايمون. كان طفلاً شاباً ببنيه قوية صحية بشعر بني لامع و عينان زرقاء صافية.
"ما الذي تبنيه يا بني؟"
أبتسم سايمون وأشار على قلعتة الصغيرة.
ألتفت هيستنغس نحو المربية وسألها "ألا يتحدث؟"
هزت رأسها نافية "ليس بعد يا صاحب السمو"
أستنكر الدوق بحنق "إنه في الثانية، أليس من المفترض أن يتحدث؟"
"هناك أطفال تأخذ وقتاً أطول من الآخرين يا صاحب السمو، لكنه بالتأكيد أذكي من أقرانه"
"بالطبع هو ذكي، فهو من آل باسيت"
أومأت المربية، فهي تفعل ذلك دوماً كلما تحدث الدوق عن مكانة عائلته المرموقة.
"ربما ليس لديه ما يرغب بقوله" قالت المربية كتوضيح.
لم يبدو الإقتناع على الدوق بهذا التبرير، لكنه مرر لسايمون لعبة على شكل جندي وربت على رأسه، ثم ترك الغرفة وذهب للتدرب على الفرس الجديد الذي ابتاعه من لورد وورث.

وبعد عامين، لم تكن فترة مليئة بالتفاؤل رغم ذلك.
"لماذا لا يتحدث؟" سألها بحنق
"لاأعلم" أجابت المربية وهي تفرك يدها بتوتر.
"ما الذي فعلتيه له؟"
"لم أفعل أي شئ!"
"لو تمكنتِ من القيام بوظيفتك بشكل صحيح لكان يتحدث بحلول الآن"
قالها للمربية وهو يشير غاضباً نحو سايمون
بينما سايمون الذي كان يتدرب على الأبجدية على لوحة الخشبي الخاص كان يراقب النقاش باهتمام.
"لديه أربع سنوات واللعنة، من المفترض أن يتحدث" قالها الدوق بغضب واضح.
"يستطيع الكتابة، علمت خمسة أطفال من قبل ولم يتمكن واحداً منهم تعلم الأبجدية بالسرعة التي تعلمها بها السيد سايمون"
"يحتاج للكثير والكثير من الكتابة الجيدة إن لم يستطع التحدث" ألتفت الدوق لسايمون و الشرر يتطاير من عيناه.
"تحدث إلي أيها الملعون"
انكمش سايمون للخلف وشفتاه ترتعش.
"صاحب السمو، أنت تخيف الطفل" تدخلت المربية.
ألتفت الدوق ليواجهها. "ربما يحتاج أن يتم تخويفه، ربما ما يحتاجه هو جرعة جيدة من الإنضباط. العقاب الجيد ربما سيساعده لإيجاد صوته"
التقط الدوق فرشاة الشعر الفضية التي تستخدمها المربية لتمشيط شعر سايمون ورفعها مستعداً لضرب إبنه "سأجعلك تتحدث أيها الغبي الصغير—"
"لا"
شهقت المربية وسقطت الفرشاة من يد الدوق. كانت تلك المرة الأولى التي يسمع أي منهما صوت سايمون.
"ما الذي قلته؟" همس الدوق والدموع تتجمع في عيناه.
تكورت قبضتا سايمون بجانب جسده، وتجعد ذقنه وهو يقول "لا تقوم بض-ض-ض-ض—"
شحب وجه الدوق كأن روحه فارقت جسده.
"ما الذي يقوله؟" حاول سايمون أن يتحدث مجدداً. "ل-ل-ل-ل-ل-ل—"
"إلهي" تنفس الدوق بفزع وتابع "إنه متخلف"
"إنه ليس متخلف" صرخت المربية وهي تحتضن الفتي بين يداها.
"ل-ل-ل-ل-ل— لا تقوم بض-ض-ض-ض-ض-ضرب" توقف سايمون وأخذ نفساً عميقاً لينهي جملته "ضربي"
غاص جسد هيستنغس في المقعد قرب النافذة، محيطاً رأسه بكفيه. "ما الذي فعلته لأستحق ذلك؟ ما الذي من الممكن أن أكون قد ارتكبت…."
"يجب أن تمدح الصبي، لأربع سنوات انتظرته أن يتحدث وفي النهاية"
"في النهاية هو غبي" صرخ هيستنغز وتابع "إنه صغير غبي ملعون"
بدأ سايمون يبكي.
"دوقية هيستنغس ستؤول لنصف مختل" أنتحب الدوق وتابع " كل تلك السنوات منتظراً وريث والآن كل ذلك يذهب سدى، كان يجب أن أدع إبن عمي يستحوذ على اللقب" عاد ينظر نحو ابنه الباكي وهو يمسح عيناه من الدموع في محاولة منه للتظاهر بالقوة أمام والده.
"لا يمكنني حتى النظر إليه" شهق وتابع "لا يمكنني تحمل النظر إليه"
وبعدها هرع الدوق لخارج الغرفة .
احتضنت المربية هوبكينز سايمون الصغير وقالت بحزم
"أنت لست غبياً، أنت أذكي طفل رأيته في حياتي وإن كان يمكن لأحد أن يتحدث بلباقة، أعلم أن ذلك الشخص سيكون أنت"
ليلتفت الصبي إلى عناقها وبكى. لتتابع حديثها بوعدٍ
"نحن سنجعله يرى ذلك، سأجعله يبتلع كلماته تلك ولو كان ذلك آخر ما أفعله في حياتي"
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي