الفصل الاول

بقلب شارد وروح تائهه في خيال لا ينتمي إلى الواقع الذي اعيشه ب أي صلة.
ذاك الخيال، الذي بات مهربي الوحيد في جُل اوقاتي العصيبة، أفقت منه إلى ذاك الصوت الذي اعرفه جيدًا، مُتحدثًا:
: من هنا ورايح انتي هتعيشي هنا يا نور وهجبلك احسن مدرسيين عشان تتعلمي وهتروحي المدرسة علي الامتحانات وبس مفهوم!
نظرت له بمُقلتين ترغرغا من الدمع، كأنما أصبحت دموعي تيار ماجن ينخر في صُلب قلبي في ايامي الاخير، فلم أستطع أن احبسهما وامنعهما عن السقوط هذه المرة،فتحدثت باكية:

: انت ليه بتعمل فيا كدا يا قاسم بيه!
انا مغلطش في حاجه، سبني ارجع عند خالي انا مش عايزة اعيش هنا المكان مخيف اوي ارجوك.

للحظة شعرت وكأن قلب قاسم المُتحجر ذاك، لان لحالي ورق، ذاك الأمر الذي ظهر على وجهه مليًا، إلا أن سرعان ما أخفاه خاف تعابير وجهه الجبلية القاسية ثم تحدث وكأنه لم يسمع مني شئ قائلا:
: نور انا مش عايز كلام كتير ، وحياتك زمان دي تنسيها خالص انتي دلوقتي بقيتي ملكي انا وبس والبيت اهو غيريه زي ما تحبي .

صمتت للحظات، احاول فيها تفهم ذاك الكائن الغريب، تاره أشعر وكأنه يشعر بقلبي، وتاره أخرى أشعر وكان قلبه خلق من حجر صوان لا يشعر ولا يأن لاشئ،وكأن الصوان نفسه احن منه.
جففت آدمعي بيدي محاولة استجماع ولو جزء من طاقتي، ثم تحدثت بعنف: هو بالعافية انا مش عايزاك ولا عايزة اعيش معاك انت عايز مني اي حرام عليك هو انت عشان غني ومعاك فلوس هتتحكم فينا عشان فقراء انا غلطانه كنت فكراك ملاك طلعت اكتر من شيطان انا ههرب من هنا مش هسيبك تتحكم فيا ابدا او هموت نفسي واخلص.

نظر لي بعينين يكادا ينطحان شرارًا، ثم اقترب مني بخطوات مطباطئة، فامسكني من بوصيلات شعري، بقوة شهرتها منها وكأن شعري أُنتزع من راسي في يده وقال: انا بحاول اطول بالي عليكي بس متسوقيش فيها عشان متشفيش الوش التاني انتي فاهمه ولا لا يا نور.

ثم دفعني إلى الأرض وأكمل حديثه : يا داده خدي نور علي اوضتها خليها تاخد دش وتلبس لبس النوم وحضرلها الاكل وكوباية اللبن اهم حاجه

تحدثت بعينين دامعتين : حاضر يا قاسم بيه، قومت وقفت وقولت: لبن اي يا قاسم انا مش بحبه ومش هشربه خالص انسي الموضوع دا

نظر لي بعينين ضاحكتبدين ووجهه ظهرت عليه ملامح البسمه التي حاول اخفاءها وتحدث: قلبتي طفلة في ثواني واي راحت فين كلمة بيه بقيت عبدالرحمن دلوقتي يلا هعديهالك انا كلامي يتنفذ وابقي متشربهوش وشوفي هعمل اي يلا اطلعي مع داده.

تركته ثم خرجت وداخلي يغلي غضب وعصبيه مما يحدث أو يفعله ذلك الكائن، حتى أتاني صوته يتحدث بهدوء:
: اهدي بس يا بنتي في اي صدقيني قاسم طيب اوي وهو اكيد بيعمل كدا عشان مصلحتك

لم اتمالك آدمعي مجددا ثم تحدثت باكيه: وهو مصلحتي يخطفني من اهلي ويحبسني هنا دا شيطان انا مش هسكتله وهسيبه وهمشي اول ما تيجي فرصة.

اقتربت مني ثم ضمتني بين أحضانها وتحدثت بحنان : اوعي تعملي كدا يا بنتي زعل وعصبيه قاسم وحشين اوي وبينسي نفسه بلاش تخليه يأذيكي اسمعي كلامه وهو هيفضل كويس قومي يلا بقي خدي حمامك عقبال ما اجبلك الاكل ربنا يهديكي يا حبيبتي يارب يلا قومي بقي.

شعرت وكأن قلبي لان لحديثها، فقررت العمل به، نهضت متحركه إلى الحمام، ارد إن اُنعش جسدي بأكمله بقليل من الماء لعلي اعود لحيويتي كما كنت، اما قاسم تحرك إلى مكتبه وظل جالس في صمته المخيف ذاك.
حتى أستاذت السيده فاطمة منه للدخول، فاجابها ثم تحدثت
قائله: ليه عملت كدا يا ابني البنت باين عليها صغيرة اوي مش زي اللي تعرفهم سيبها ترجع لاهلها دي ميتة عياط.

رد بحزن ينهش بقلبه قائلا: مش هينفع يا داده انا كدا بحميها هنا احسن ليها صدقيني انا مش في نيتي حاجه وحشه ومتقلقيش هحافظ عليها اكتر من نفسي بس انتي خليكي جانبها اليومين دوال

أجابت السيده فاطمه: ماشي يا ابني ربنا يستر هروح احضرلها الاكل عن اذنك.
غادرت السيده فاطمة المكتب، تاركه قاسم منه خلفها يعود برأسه للخلف تاركاً رأسه تعود بن لذكريات ولت، ذاك الاجتماع الذي حضره من عدة أشهر، ذاك الذي كان في الشركه، وحين انتها وخرج اصطدم بي.
ثم ظل حائرا وكأنه في عالم غير الذي نحن فيه، أما عني فظللت مستمره أمامه برعب يضرب اعماق قلبي، كان عملاق بالنسبه لي، حاولت الهرب منه قائله:

انا اسفه مكنش قصدي اخبط فيك والله بلاش تزعقلي والنبي

افاق قاسم مما كان عليه قائلا بعصبيه: انتي مين وبتعملي اي هنا في شركتي وازاي تجري كدا في المكان جايه مع مين بلبسك الزبالة دا
لم اتحمل حديثه القاسي فتحدثت باكيه
: في اي يا بيه مالك بتزعق كدا ليه محدش احسن من حد ولا هو عشان معاك شوية فلوس هتتنطط علينا تواضع لله يا شيخ

ازدادت عصبيه قاسم بشده من حديثي ثم قال : بقي حته طفلة زايك تعالي صوتها عليا انا هوريكي قاسم السيوفي هيعمل فيكي اي

جه بسرعه خالي سيد وهو الساعي بتاع الشركة وقال بخوف: قاسم بيه انا اسف جدا علي اللي حصل نور اكيد مكنش قصدها حاجه

رد وقال: مين دي وبتعمل اي هنا يا سيد هو احنا فتحناها حضانه وانا معرفش ازاي دي موجوده في شركتي رد عليا

اتكلم بخوف وقال: اصل يا بيه دي نور بنت اختي هي عايشه معايا بعد وفاة اختي ومراتي وابني مسافرين خوفت اسيبها في البيت لوحدها فجبتها معايا انا اسف والله مش هكررها تاني

رديت انا وقولت: هو انت خايف منه كدا ليه يا خالي هو بياكل بني ادمين وانا معرفش ولا اي وبعدين انا هاجي هنا كل يوم لحد ما مرات خالي تيجي ووريني هتعمل اي يا ديناصور انت

خالي زعق وقال: نور اخرسي كفايه كدا في اي احترمي اني موجود مش هينفع اللي بتعمليه دا انتي متعرفيش ان دا قاسم بيه صاحب الشركة دي هتودينا في داهيه اتفضلي اعتذري

بصتله بغضب وقولت: انا اسفه اني خبط فيك بس كلامي مش هعتذر عنه لانك انت اللي غلط في الاول يا قاسم بيه عن اذنكم انا هنزل البوفيه تحت

مشيت وانا متغاظه منه اوي وهو قال لخالي: انت ازاي تعمل كدا من غير ما تاخد موافقتي يا سيد هي الشركة بقيت ماشيه من غير قوانين ولا اي انت عارف اني ممكن ارفضك علي غلطك

رد بحزن وقال: انا اسف يا قاسم بيه اوعدك دي اول واخر مره وهخليها تمشي دلوقتي ومش هتشوفها في الشركة تاني

قاسم قاله بغرور: لا خليها تيجي هتسيبها فين يعني بس انا مش عايز مشاكل ولا اي غلطه متنساش ان دا مكان شغل مفهوم

فرح خالي اوي وقال: شكرا جدا يا بيه متقلقش مفيش اي غلط هيحصل ومش هتحس بوجودها خالص عن اذنك يا بيه

فاق قاسم من شروده علي صوت زعيق في الاوضة طلع يشوف في اي واول ما دخل قال: انتي صوتك عالي كدا ليه في اي وليه مشربتيش اللبن لحد دلوقتي

رديت وقولت: مش هشربه واللي يحصل يحصل انا مش بحبه هو مش بالعافية اتفضل خده واطلع بره خليني انام

بصلي وقال: داده اتفضلي انتي انا هشربها تعالي بقي كنتي بتقولي اي ما هو بصي اشربيه لوحدك احسن ما اشربهولك بطرقتي

كنت خايفه منه بس حاولت مبينش دا وقولت: لا مش هشرب ووريني هتعمل اي بقي فاكرني هخاف منك ولا اي

ولسه مكملتش كلامي راح شدني وقعدني علي رجله وبقي يشربني اللبن بالعافية واول ما خلصت قال: شاطرة ايوة كدا اي رايك في طرقتي بقي افتكريها كويس كل يوم لو مرضتيش تشربيه

جيت اقوم شدني اكتر قولتله: عيب كدا مينفعش انت فاكرني اي من البنات اللي تعرفهم ابعد عني لو سمحت

مردش علي كلامي وشدني في حضنه وقال بصدق حسيته في صوته: انتي غيرهم كلهم يا نور انتي احسن وانضف مني انا شخصياً اوعي تخافي مني انا بحبك والله وبعمل كدا عشانك متتعبنيش معاكي بقي واسمعي كلامي مش هتندمي يا نور حياتي

حسيت برعشه في جسمي وقلبي كان فرحان اوي بكلامه ومن كتر ما انا مطمنه محستش بنفسي لما نمت في حضنه وهو اول ما شافني نمت شالني وحطني في السرير وسابني وخرج

في بيت خالي رجع البيت وقابله محمد وهو بيقول: فين نور يا بابا انا رجعت من السفر وملقتهاش وافتكرتها معاك في الشركة كالعادة انا عايزاها ضروري جيبلها كل حاجه بتحبها وبعدين مالك شكلك عامل كدا ليه نور حصلها حاجه متتكلم يا بابا حصل اي

رد وقال: خلاص يا محمد انسي نور خالص هي مبقاش ليها عيش هنا نور ضاعت مني ومش لاقيها ضيعت امانة اختي ليا انا معرفش ازاي عملت كدا استغفر الله العظيم

محمد اتصدم وقال بوجع: انت بتقولي اي يا بابا ازاي يعني نور ضاعت انت عملت اي حرام عليك ضيعت حب عمري انت دمرتني انا لازم ادور عليها وهبلغ البوليس انا مستحيل اسكت

رد وقالها: انا عملت كل دا يا ابني ومفيش فايدة في غابة قريبة من الشركة وهي كانت بتلعب ناحيتها وكلها حيوانات مفترسة البوليس قال اكيد حيوان اتهجم عليها خلاص يا محمد نور تعيش انت يا ابني

محمد مكنش مصدق وقال: لا لا مستحيل انا قلبي لسه بيدق يبقي نور كويسه ومحصلهاش حاجه اكيد في حاجه غلط انا هدور عليها بنفسي واكيد هلاقيها لازم الاقيها

خرج محمد من البيت وهو مصدوم ومش عارف يعمل اي وخرجت نادية مرات خالي وقالت: انت ليه عملت كدا يا سيد انت عارف ان ابنك بيحبها وكان مستنيها تكبر عشان يتجوزها

رد بحزن وقال: كنتي عايزني اعمل اي يعني يا ناادية ما انتي شايفه الحال عامل ازاي والبيه دا دفع كتير اوي ووعدني هيحافظ عليها وهتبقي في امانه معه وهيخليها زي ما اختي اتمنت

قربت وقالتله: انا نفسي اعرف ليه البيه صمم ياخدها اوي كدا ولا يدفع كل الفلوس دي يمكن هيتاجر في اعضاءها بس مش مهم انت دلوقتي هتقول اي لابنك علي الفلوس دي اكيد هيستغرب

رد بسرعه وقال: انتي بتقولي اي يا ولية انتي البيه دا محترم اوي متقلقيش وكمان هو باين عليه بيحبها يعني هيحافظ عليها المشكلة دلوقتي فعلا في ابنك

قالتله: انا عندي فكرة اي رايك نقوله ان اخوك اللي مهاجر دا اتوفي ومكنش متجوز ولا عنده عيال وعشان كدا كتب كل حاجه باسمك انت وبكدا بقينا اغنياء

فكر شوية وقال: تصدقي فكرة بس اكيد هيسال عن الورق انا هبقي اشوف محامي يظبطلنا الدنيا دي احسن ابنك لو عرف الحقيقه هيضيعنا بسبب حبه وغباءه دا

رديت وقالت: ربنا يستر بقي الواد والله مقطع قلبي معرفش البت دي عملاله اي هي كل اللي فيها جمالها دا معرفش طالعه حلوة كدا ازاي

خالي استغرب وقالها: في اي يا ولية انتي هتقري علي البت حته بعد ما مشيت سبيها في حالها بقي مش كفايه كنتي مشغالها خدامه هنا وانا كنت ساكتلك عشان منعملش مشكله اديها مشيت اهو شليها من دماغك بقي ومتنسيش انها بنت اختي

ضحكت وقالت: احبك وانت فاهمني كدا وكمان متمثلش عليا هي لو تهمك كنت بعتها يلا انا هقوم اعمل الاكل وانت شوف ابنك

في نايت كاب بعد ما محمد تعب وقرر يروح يشرب مع صحابه اللي فضلوا يتصلوا بيه واول ما شافته نسمه قالت: اخيراً يا محمد جيت دا انا كنت بداءت افقد الامل بس مالك في اي

اجاب صديقه قائلا: سيبك منه يا نسمة اصل الحلوة بتاعته شكلها الحيوانات المفترسة اكلتها وملحقش يتهني بيها يا عيني معلش يا ميدو بكره تلاقي الاحسن او هي بين ايدك اهي

غصب محمد فتحدث: بقولك اي هتقعد تتريقوا هسيبكم وامشي والله شكلي غلط اصلا لما جيت اوعي يا نسمة بعد اذنك

إجابت نسمه مسرعه: اهدي يا محمد متزعلش وخلاص يا عم انت اسكت محدش ليه دعوة بيه خد يا محمد اشرب الكاس دا هيخليك كويس

حمل محمد الكأس، فظل يتناول ما به باستمرار حتى فقد وعيه تماما، حاولت نسمه استغلال تلك الفرصه الذهبيه، فاقتربت منه وهو يتخيلها نور فتحدث:
: ليه سبتيني يا نور انتي عارفه اني بحبك اوي وهضيع من غيرك خليكي معايا انا محتاجك معايا اوي


شعرت نسمه بضيق في قلبها، بسبب أنه لا يراها، يرى فقط نور، فأردت استغلال ذلك وقالت
: مش هسيبك يا حبيبي انا كمان بحبك اوي وهفضل معاك لاخر عمري
حاول محمد ان يجمع تركيزه الاستيعاب ما يسمعه، لا يكاد يصدق ما يسمعه، إلا أنه اكتشف انها نسمه، فدفعها بعيدا عنه وتحدثت :
: ابعدي عني انتي مش نور ومستحيل تكوني هي نور حبيبتي خلاص ماتت وسابتني لوحدي انا مش هعرف اعيش من غيرها.

فور أن أنهى حديثه نهض مغادر المكان، اوقف تكسي متجها إلى منزله، فور أن وصل المنزل ادلف داخله متجه الى غرفته والقى بجسده على فراشع، ثم غرف في النوم حتى أنه لم يشعر بنفسه.

ف اليوم التالي بالشركه وصل قاسم، دلف بكل هيبه وخدتء ورزان، تحت أنظار الجميع، ونظرات الاعجاب المتلاحقة من العاملين، تقدم إلى مكتبه ثم جلس وطلب من السكرتيرة الخاصه به، ان تأتيه ب الاستاذه منى على وجه السرعه
لك يطل الوقت كثيرا حتى عادت منى متحدثه'

: خير يا باشا اختفيت فين امبارح واي اللي حصل انا حسيت انك هتعمل مصيبه احكيلي يلا عملت اي اكيد بخصوص نور صح

ابتسم قاسم ثم تحدث: دايما قفشاني كدا ماشي يا ستي ايوة بخصوص نور انا خدتها تعيش عندي في البيت وهستناها تكبر عشان اتجوزها انا مبقتش قادر علي بعدها

صدمت منى ثم أجابت: لا انت اتجننت رسمي يا قاسم بانهي حق تاخدها عندك البيت ازاي عملت كدا اصلا وازاي سيد وافق

تحدث قائلا : انا اديته فلوس وعشان كدا وافق وكمان كنتي عايزني اعمل اي يعني انا بحبها يا منه افهمي لاول مره قلب قاسم يدق لواحده عايزني اسيبها بسهولة كدا دا انا لما كنت بشوف حد بيقربلها كنت بتجنن

نظرت له بوجه ضاحك، رُسمت ابتسامته على محياه ثم أجابت : في دي عندك حق انا مش مصدقة انك حبيت بجد يا قاسم بس دي طفلة انا صدقت لما شوفت غيرتك عليها فاكر عملت اي في ابن العميل المهم بتاعنا.

رُسمت ابتسامه ساحرة على وجه قاسم وهو يتذكر ما حدث من قبل.
يتذكر ذاك العميل الذي أتاه ومعه ابنته ليحضرا الاجتماع، حين كنت اعطيه فنجان القهوة الخاص به، ذلك الأمر الذي أراده بنفسه.
إن اقدم القهوة خصيصا، وقبل أن اخطوا خطوة واحده داخل المكتب اوقفني العميل وقال لي:



: اي القمر دا بجد هو انتي حقيقيه ولا عروسة لعبة انا اول مره اشوف بنت بالحلاوة دي انتي بتعملي اي هنا يا قمر

تحول وجهي إلى الاحمرار وكأنه قطعه من جهنم، شعرت بالخجل ثم اجبت : شكرا جدا انا كنت بودي القهوة لقاسم بيه حضرتك عايز حاجه اعملهالك تحب اجبلك قهوة زايها انا بعملها حلو

ضحك وقال: بقي القمر دا شغال في البوفيه بجد حرام دا انتي مكانك في القصر يا حلوة طب بقولك اي متيجي معايا هقولك حاجه سر كدا
تعجبت حين حاول امساك يدي، حينها هممت في الحديث إلا أن الكلمات توقفت في حلقي حين رأيت قاسم أمام عيني، هاجم العميل كأنه اسد ذائر، ابرحه ضربًا دون توقف أو سماع أي حرف، فقط كل ما كان يتفوه به هو:
: انت اتجننت ازاي تلمسها انا هوريك اي اللي بيحصل لما حد يقرب من حاجه ملكي.

حينها تجمع جميع الموظفين بالشركه على صوت قاسم المُرتفع وهو يُبرح العميل ضربا، فحاول الموظفين انتزاع بن العميل من بين يديه، حتى نجحوا بعد مقاومه كبيرة من قاسم ف منعهم، فتحدث العميل قائلا:
: انت اتجننت ازاي تمد ايدك علي ابني انت عارف دا هيكلفك اي يا استاذ انا هلغي الصفقة دي خالص ووريني مين هيتعامل معاك

تحدث قاسم بغضب: ومين قالك اني عايز اتعامل مع ناس زايكوا انت معرفتش ترابي ابنك ازاي يمد ايده علي واحده في مكتبي اتفضل خد ابنك وامشي وانسي اي شغل بينا.

وفور أن أنهى حديثه، لم ينتظر رد العميل، فجزبني من يدي أمام الجميع، ثم أردف إلى المكتب الخاص به وتحدث لي بغضب:

: انتي ازاي يا محترمه تسمحيله يمسك ايدك انتي اي مبتفهميش انتي المفروض تحافظي علي نفسك

لم اتمالك ادمعي، فأجبت باكيه: انا كنت لسه هبعده عني لولا انت طلعت انا كنت جيبالك القهوة بس هو وقفني افتكرت عايز حاجه يشربها

علا صوته أضعاف ما كان عليه، حتى شعرت وكأن جدران المكان قد تسقط قائلا: وهو انتي شغاله هنا انتي متعمليش حاجه لحد غيري انتي فاهمه يا نور انتي بتاعتي انا وبس اياك اشوفك بتتكلمي مع اي راجل تاني مفهوم

جفتت آدمعي ثم تحدثت بعصبيه: هو انا لعبة عشان تتحكم فيها في اي انا مش بحب حد يزعقلي انت شيطان انا بخاف منك ومش هاجي الشركة دي تاني ومش عايزة اشوفك تاني

زاد غضب قاسم أضعاف ما كان عليه، حينراى خوفي منه، وشعر اني اتحدث بجديه، فحاول أن بهدوء الأجواء متصلا ب السكرتيره قائلا:
: لو سمحتي ابعتيلي عصير واطلبي بيتزا وشكولاته ويجوا مكتبي حالا

تعجبت من رد فعله، فظظلت انظر له بعدم فهم لما يفعله، حتى تقابلت أعيننا ثم تحدث بهدوء : انا اسف اني اتعصبت عليكي بس مستحملتش يسلمك عشان انتي غالية يا نور وعشان اصالحك يا ستي هنتغداء سوي وجبتلك شكولاته كمان

اجبت: بس انا مش عايزة منك حاجه ومش مصالحك عشان انت من ساعة ما شوفتني مبتعملش حاجه غير انك تزعقلي وبس انا ماما الله يرحمها عمرها ما زعقتلي

غضب قاسم من حاله كثيرا ثم أجاب: خلاص مش هزعقلك تاني دا وعد وهتشوفي انسان تاني خالص اديني يا ستي فرصه ولو فشلت اعملي اللي انتي عايزاه ها اتفقنا تقبلي نكون صحاب

ابتسمت واجبت: ماشي هي فرصة واحده بس وبعدها همشي واسيبك ومش هنكون صحاب خالص مهما حصل مفهوم

ضحك وقال: ماشي يا ستي مفهوم يلا بقي اهو الاكل جه وهتاكلي اكلك كله او اقولك انا اللي هاكلك بي ايدي كمان


بالفعل بدا قائم يطعمني بنفسه، في ذاك التوقيت بدات لاول مرة أشعر بالامان في هذا العالم المرعب، للمرة الأولى يشعر قلبي بالراحه والاطمئنان، شعور الاب لابنته، ذلك الشعور الذي غاب عني سنون بسبب غياب ابي من سنون طويله ولا اعلم عنه شي.
افاق قاسم من شروده على ضحكات منه قائله:


: اه ساعتها دخلت وشوفتك وانت بتاكلها ومكنتش مصدقه نفسي كان شكلك حلو اوي كانت اول مره اشوفك مهتمه بحد

اجاب قائلا: فعلا يا منه نور غيرتني خالص مبقتش عايز اي حاجه غير وجودها جانبي معرفش ازاي دا حصل بس هي بقيت كل حياتي المهم عايزاك تنزلي معانا بكره نجبلها هدوم جديده

أجابت : ماشي يا سيدي لما نشوف اخرتها معاك هروح اشوف شغلي بقي وانت بطل تفكير فيها وركز في شغلك يا باشا

ضحك قاسم وبداء في إنهاء أعماله.
استيقظت من النوم، وانا للمره الاولى لا انهض على أصوات صريخ وعويل من زوجه خالي، لتنظيف المنزل وانهاء أعماله، اتجهت إلى الحمام ثم تسبحت، وتحركت للاسفل لاري المنزل الجديد.
دا

تحدثت السيده حين رأتني قائله: صباح الفل علي عيونك يا حبيبتي اي كل دا نوم انا حسيتك تعبانه مرضتش اصحيكي قوليلي نمتي كويس

ابتسمت واجبت : معلش بقي يا داده انا فعلا حاسه اني بقالي سنين مش نمت بس اي الريحه الحلوة دي انا جعانه اوي

ضحكت السيده على حالي الطفولي ثم تحدثت
: تعالي يا حبيبتي اقعدي وانا هحطلك تاكلي حالا وتقوليلي بقي عايزة تغيري اي في البيت عشان نعمله ليكي اهم حاجه تبقي مبسوطه دي اوامر قاسم بيه

تعجبت ثم تحدثت : هو ليه يا داده البيت كله اسود كدا ولا الشبابيك بتتفتح ولا في حد في البيت غيرك انتي هو ابيه معندهوش اهل

ضحكت وهي تقول : نهار ابيض قاسم بيه ابقي يتقاله ابيه ربنا يستر لما يسمعك المهم يا ستي هو قاسم اهله متوافيين وقرايبه فين وفين لما بيجوا اما بالنسبة للبيت فهو بيحب اللون الاسود ياما نفسي الالوان تدخل حياته

شعرت بالحزن على أمره ثم تحدثت : خلاص يا داده انا عندي فكره بس انتي لازم تساعديني فيها بس خليني اكل الاول بعد اذنك لاني ميته من الجوع والله

ضحكت وقالت: حاضر يا ست البنات انا معاكي في اي حاجه بس ناكل الاول زي ما قولتلي.
أنهى قاسم عمله في وقت متأخر من الليل د،بسرته تحرك إلى سيارته مستقل ايها وعائد إلى المنزل.



أما زوجة خالي دخلت علي محمد ثم تحدثت: وبعدين معاك يا ابني هو اللي خلقها مخلقش غيرها يعني استهدي بالله يا حبيبي دا قضاء ربنا

أجاب قائلا: مش قادر يا امي انا بحبها اوي انا كنت بشتغل وعايز اكبر من نفسي عشان اقدر اجيب شقة واتجوزها واخليها اسعد واحده في الدنيا كنت بتعب عشانها هي وبس

حزنت زوجه خالي على فتاها قم أجابت: قول الحمدالله يا حبيبي وادعيلها هي اكيد عند الاحسن ومش هتغلي علي اللي خلقها ولا اي

رد قائلا: الحمدالله يا امي بس معرفش ليه حاسس انها عايشه يمكن عشان مش قادر استوعب فكرة موتها بس هي هتفضل عايشه جوايا ومش هنساها ابدا

اقتربت منه ثم وضعت يدها على كتفيه قائله: ربنا يريح بالك وقلبك يا حبيبي قوم بقي اتعشاء معايا اصل ابوك هيتاخر بره وانا مش بحب اكل لوحدي

تعجب محمد من الفعل الذي لم يتعود عليه ثم قال : من امتا وابويا بيتاخر يا امي في حاجه ولا اي هو كويس ولا صاحب الشركة لسه بيتحكم فيه ومش مراعي سنه

اجبت قائله: لا يا حبيبي مش كدا خالص بس في محامي كلمه وراح يشوفه وفهمت ان الموضوع بخصوص عمك اللي كان مهاجر دا مات وفي حوار ورث وكدا

تعجب محمد ثم تحدث: انا مش فاهم حاجه خالص واي علاقة ابويا بورث عمي اكيد عمي اتجوز يعني وعنده عيال متنسيش انه اكبر من ابويا ومهاجر من زمان اوي

اجبت بتوتر: لا ما هو متجوزش يا حبيبي انا معرفش تفاصيل لما يجي ابوك هنفهم منه بقي يلا قوم ناكل انا جعانه اوي


نهض محمد معها كي لا يُشعرها بالحرج او الكسوف، أما قاسم فقد وصل أمام الفيلا، وقبل أن يردف من سيارته رن هاتفه، فكانت زيزي ابنه خالته هي المتصله، ااجاب بضيق :
وقال: خير يا زيزي في اي مش ملاحظه ان الوقت متاخر اوي عايزة اي اتفضلي

أجابت قائله: في اي بس يا بيبي كنت عايزة اقولك في سهره حلوة النهارده مش ناوي تيجي بقي ولا اي انت بقالك كتير مبتخرجش معانا

قالها: خليها مره تانية يا زيزي انا جاي من الشغل تعبان ومحتاج ارتاح ويمكن مقدرش اخرج الفترة الجاية عشان هكون مشغول اوي فاتبسطي انتي يا ستي

اجبت قائله: هو انت في اي مالك يا قاسم انت متغير اوي اي الحكاية بجد هو انا زعلتك في حاجه يا حبيبي

اجاب بعصبية : قولتلك عندي شغل يا زيزي اي انتي مش بتفهمي اقفلي يا ستي خليني ادخل ارتاح.
ثم أغلق قاسم الهاتف، وارتجل من السيارة داخلا إلى الفيلا، إلا أنه حين وطئت قدماه الفيلا، صُدم مما رأته أعينه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي