القاسية قلوبهم

sohilakhalil`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-05-28ضع على الرف
  • 60K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الاول

الفصل الاول


فى منزل يعمه الدفء والسكينة والطمأنينة كان يجلس رجل وقار وعلى قدميه طفل حديث العهد ،يطالعه بكل حب العالم وكأنه يخبره بأنه لجواره ولا يتركه قط

حتى وإن تخلى عنه الجميع،فكيف السبيل لقلوب قاسية او أشد قسوة،فهل بالصدفة تعلما البشر القساوة واصبحا يعاملان بعضهم هكذا،بينما كان عاصى يضحك لجده والحاج فايز بدوره يذوب من ضحكاته البريئة مقبلا إياه من وجنتيه قائلا:

_محدش هيكسرك ولا أنت ولا امك طول ما جدك جنبك يا قلب جدو ربنا ينتقم من أبوك ازاى يتخلى عن الملاك دا هو مش عارف أنك يا روح قلبى اللى هدخله الجنة بس هنقول ايه ابوك الغباء بتاعه متوارث يا عين جدك يلا نوديك لماما تغيرلك وتنام شوية يا روح جدك

صاح الحاج فايز المنشاوى على أبنته التى كانت تقف بالمطبخ تعد لوالدها قهوته الصباحية التى اعتاد إن يحتسيها كعادة كل يوم

أنهت مشيرة اعداد قدح القهوة وذهبت به لوالدها وجدته يلاعب عاصى ،أقتربت منه ووضعت امامه قدح القهوة قائلة:

_اتفضل القهوة يا احلى بابا اكيد عاصى تعبك الشقى دا تعالى يا قلب ماما

حملت مشيرة طفلها من والدها وجلست بجواره وربتت على ساقيه وتنهدت تنهيدة حارة قائلة:

_بابا انا عايزة افاتح حضرتك فى موضوع انا قررت ادور على شغل عشان اصرف على عاصى انت عارف انى اللى جاى على قد اللى رايح وكفاية على حضرتك علاج ماما الشهرى ومصاريف البيت عشان كدة أنا هدور على شغل وحضانة يعرفوا يتعاملوا فيها مع عاصى عشان ميتعبش ماما ومريم فى الكلية الله يقويها يارب

اعتدل الحاج فايز فى جلسته وبيده قدح القهوة خاصته ارتشف منه رشفتين وراح يطالعها ربما يجد بعيناها القوة التى يتمنى إن يجدها،ولكنه وجد نظرة تهز الوجدان وتزلالال القلوب،ربما هذا قدرها بأن تنجب طفلآ مختلفا عن الاطفال ويتخلى عنه والده فى اكثر الاوقات التى احتاجت فيها لدعمه لها ولطفلهما ليواجهان به،بشر عقيم اللذان اعتادا التطلع الى الاشياء المختلفة بأنها نقمة

متناسين بان المختلف من الممكن بأن يصنع المعجزات لطالما يجد من يقدم له يد العون ليسير بالحياة مطالبا بحقوقه كإنسان قدر له بأن يعيش ويتكايف مع بشر لا تدرٍ

كيف إن تكون مختلف من بينهما وتعيش عزيزا مطالبا باقل حقوقك التى اعطها رب العباد لك،فكيف للأب تجردت من قلبه الرحمة والإنسانية بان يفعل ذلك لمجرد بان خشى نظرة المجتمع لوليده ،فاختار إن يلوذ بالفرار من خضم المعركة على إن يحارب ويتقاتل من اجله مخبرا إياه بأنه لجواره،تنهد الحاج فايز وقال:

_يا بنتي انت لسة قايمة من ولادة ويدوب حتى مكلمتيش الإربعين استنى شوية لما تشدى حيلك وعاصى يكبر شوية ابقى روحى اشتغلى مش همنعك يعنى براحتك

طالعته مشيرة بنظرة دافئة وراحت تعانقه قائلة:

_يا حاج فايز طول ما أنت جنبى انا وعاصى بخير والله العظيم خليك جنبى عشان اللى جى صعب ويمكن يكون الحمل ثقيل بس أنا واثقة فى ربنا وعارفة أنه هيقف جنبى انا والغلبان دا انا هشد حيلى واروح ياقلبى اشتغل اتقفنا مش هدور دلوقتى ربنا يخليك ليا بابا وما يحرمنيش منك يارب ولا من حنيتك ويخليك سند ليا انا وعاصى

ربت الحاج فايز على ظهرها هامسا لها بحنو شديد قائلا:

_يابنتى انا سند ليكى ولأبنى عاصى أنا ابوه وربنا يقدرنى على تربيته يارب ربنا ما يحرمنى منكم ويخليكم ليا كلكم يارب يلا قومى غيرى لعاصى وناموا شوية الولد مسهرك طول الليل
**
يجلس سليم على فراشه متطالعا للسقف بشرود تام ضاجرا بالحد الذى لا يطاق،ليس بنادم على ما فعله مع زوجته الذى قرر الانفصال عنها،فكيف سيكمل حياته معها،ويواجه الحياة بطفل مختلف،فماذا عساه يمحى نظرة الشفقة فى عينيهما،حين يروه ممسكا بطفل من متلازمة الحب ،فهذا أكبر من احتماله على إن يرى ذلك مناسبا له ولشخصيته التى اعتادت إن تلوذ بالفرار حين لمحت الخطر

يقترب منها نهض من الفراش وذهب للحمام الملحق بالغرفة يغتسل ويذهب لعمله،فهو من سيخرجه من شرنقة الحياة تلك التى فرضت عليه،فهو لا يقو على الاستكمال قط

مهما كانت العواقب التى ستواجههه فيما بعد ،بعد ربع ساعة خرج من الحمام لففا المنشفة فى الجزء الاسفل
وذهب الى الخزانة اخرج له تيشرت اسود وبنطال جينز باللون الازرق وسرح شعره ونمقه جيدا وراح ينتعل حذائه وارتدى ساعته

وخرج من الغرفة يسير بتعجرف وغرور وكأن الإرض لا تملك سواه،هبطا الدرج ووصل للاسفل وجد والدته تتشاجر مع الخادمة الفلبنية كاتيا،تأفف فهو اكثر من يمقته الشجار من بداية الصباح،اقترب من والدته وراح يقول لكاتيا:

_كاتيا أريد قدح من القهوة مضبوط

تطلعت إليه كاتيا وهزت راسها موافقة وانصرفت بينما سليم طالع والدته قائلا:

_يا ماما براحة على كاتيا مش هغيرها ثانى لو طفشتيها انا تعبت اجبلك فى خدامات بقى والمكتب تعب مننا والله اهدى شوية عليها مفيش اطيب من كاتيا والله انتى مش رايحة النهاردة عند خالتو المنصورة لو كدة اسيبلك العربية

تلاعبت والدته بأظافرها وقالت:

_لا مش النهاردة هروح البيوتى سنتر اعمل نيولوك حلو كدة ارجع بيه صبية اجدد شبابى

طالعها سليم بامتعاض قائلا:

_سوسو انتى كبرتى يا حلوة وبعدين بقى مش ناوية تلبسى الحجاب كفاية كدة يا امى انا بقيت بتكسف من اصحابى وهما بيقوللى امك بتحلو وبتصغر انا تعبت من كلامهم ارحمينى ياماما بقى

وضعت الأم ساقا فوق الأخرى وراحت تبرد أضافرها دون إن تعيره اهتماما قط ،مما اشعل الغيظ بداخله من تجاهلها له وراح يقول لها:

_سوسو أنا بكلمك والله أفتكرتى تبردى ظوافرك دلوقتى رد على

اعتدلت بجلستها وبغتته قائلة:

_حضر نفسك عشان هنروح نقابل سيادة المستشار عشان نطلب ايد بنته ومش عايزة اوصيك انت كنت متجوز بس ومحصلش نصيب واتطلقتوا بس مجبش سيرة أبنك ها مش عايزين الموضوع يتعرف بين المجتمعات

لؤى سليم فمه وتشدق قائلا:

_أبنى مين أنا معنديش عيال متخلفة ومتقوليش أبنك ثانى هو ابن امه مشيرة بس مش ابنى

ابتسمت سعادة بأنتصار وقالت:

_ايوة يا حبيبى برافو عليك قوللتك بلاش تتجوز بنت بياع الفول دا برده اتجوزتهاش تستاهل اللى جرالك بقى واخرتها خلفتلك عيل متخلف عقليا

وفى اثناء حديثهما اتت ميرا شقيقته وصرخت فى وجههيهما قائلة:

_عاصى مش متخلف عاصى متلازمة الحب بكرة تندموا على كلامكم دا وانت يا استاذ سليم اللى المفروض تقف جنب ابنك بتقول عليه متخلف عقليا ياه يا خسارة والف خسارة الملاك دا خسارة فيك وربنا بس هنقول ايه أنا رايحة الشغل سلام

ذهبت ميرا بينما تحلطمت سعادة وقالت من بين سنونها:

_ملكش دعوة بالمتخلفة دى هى كدة بتحاول تعمل فيها راعية الفضيلة والشرف وتلقيها بتتواصل بالتليفون مع مراتك البيئة دى سيبك منها هى كدا ميرا هتجلطنى من شوية مش كفاية مسترجلة وبطفش منها العرسان بعمايلها السودة دى

ظل يردد أسم ابنه وكأنه يحفظه ما كان يعلم بان زوجته قد أسميته عاصى،فكم اعجبه ذاك الاسم لطالما كان يثق فى ذوق مشيرة محبوبته التى تحدى عائلته من أجلها وتركها بكل نذالة تواجه بمفردها حياة طفلهما القادمة
**
فى آحد مكاتب الاستشارات الهندسية كان يجلس شاب فى اوائل الثلاثنيات يعمل على تصميم فيلا جديدة،اعاد ظهره للخلف يريحه قليلا ،فهذا التصميم ملك لمعتصم الدويدار ملك الاقتصاد الذى قرر المجىء لمصر والمكوث بها بعد غياب دام لعشرون عاما ،فهذه الفيلا التى سيقطن بها وعائلته

فهو مصرى الجنسية مقيم بروسيا فقد تزوج من فتاة روسية وانجب منها ولدين وفتاة،فقد اتى زيارة لمصر وابتع قطعة إرض بمدينتى وعلم عن طريق الصدفة البحتة بمكتب

راكان الزهيري مالك اكبر مكتب للاستشارات الهندسية ومن تعامل معه ،اشاد به وبعمله المتقن على الدوام تفأجا بمن يقتحم مكتبه بدون طرق وما كانت سوى

ميرا البندرى أمهر مصممة لديه،آخذ نفسا عميقا ليقو على استقبال ما ستقوله من مصائب تلك الفتاة التى تنتوى على إن تجلطه ،اقتربت منه وطرقت على المكتب بقوة قائلة:

_بقولك ايه يا راكان الرجل اللى اسمه ممدوح الطحاوى دا زهق اهلى تعرف التصميم دا انا عيدته كم مرة وفى الآخر ميعجبهوش شوفله حد غيره يصمملهوله يا راكان انا طفشت منه الراجل دا انا مقدمة استقالتى ارفضنى وريحينى الله يباركلك

حاول راكان آخذ نفسا عميقا وزفره ببطء شديد لطالما يعلم مدى جنون صديقه ،نعم فهى بالنسبة له رفيقه نهض من جلسته واقترب منها قائلا بهدوء تام:

_مالك يا صحبى بس اللى مزعلك قوللى وانا اموته اقعدى هطلبك ليمون نفسى احس انك انثى يا شيخة هيجى اليوم دا امتى يخربيبنك

اشارت بيدها امام وجهه قائلة:

_راكان بقولك ايه هو دا المستحيل بعينه اللى بتطلبه والله انا صاحبك يا صحبى ودلوقتى اقدم استقالتى ولا تشوف غيرى يعمل تصميم للزفت دا اللى اسمه ممدوح الطحاوى شوفلك صرفة بقى

تنهد راكان تنهيدة حارة قائلا:

_خلاص يا ميرا هدي التصميم لسهام اهدى بس انتى انا شغال على تصميم معتصم الدويدار وهموت واكل حاجة والله ما تجى نروح الكافتيريا اللى جنب المكتب جعان اوى هترجعى مزاجك حلو يلا

طالعته ميرا بغيظ شديد وهزت راسها موافقة،لطالما تعلم طيبة راكان شقيق رفيقتها فهو قد تخرج من الكلية دفعة قديمة، وتعرفا على بعضهم البعض ،وظلا على تواصل وحين تخرجت من الجامعة عملت معه فى مكتبه
**
شعرت مشيرة بانها فى حالة من الضعف ربما كانت لا تتوقع بأن سليم من أحبته يفعل بها ذلك بان يتركها لمجرد بأن رزقا بطفل من متلازمة الحب فهل كان سببا ليتركها تعانى الامرين

تطلعت الى ملاكها تمسك بيده وهى تخبره بانها لا تتركه ما حييت لطالما اقسمت الأ تدعى شيئا يعكر صفو ايامه فكفاه ما إتاه ،نام الصغير بين يدى والدته قبلته من وجنتيه قائلة:

_نام بامان يا عمرى امك جنبك واستحالة تسيبك ابدا ابدا

داهمتها ذاكرتها لليوم الذى كانت تساعد والدها فى عربة الفول خاصته،حين كان يشعر بوعكة صحية وصارت تساعده ،وحينها كان سليم يتردد على عربة والدها واتى فى ذات اليوم

وهى من اعطته الشندوتشات خاصته ورحل وقتئذ كان ياتى الحى لرفيقه هيثم،وسال عليه هيثم وظل ياتى خصيصا من أجلها

فقد كانت تساعد والدها لمدة شهر كامل حتى تعافى واضحى يعمل بمفرده،وقد طلب فى آحد المرآت يدها من والدها

وظل يحاول مع عائلته مرارآ وتكرارآ حتى وافقا على مضص ،وتزوجا فكم كان يردد على مسامعها ابيات من الشعر ليبث لها كم يحبها وبشدة،كانت بين ذراعيه ملكة على عرش قلبه،رغم انها كانت تعانى الآمرين من معاملة والدته الفظة لها،الا أنها كانت صبورة لأبعد درجة من الممكن إن يتخيلها بشر فكم كانت تحتمل ما لم يقو آحد على تحمله

عادت من ذاكرها على وقوف مريم شقيقتها امامها قائلة:

_يا مشيرة نامى شوية يا حبيبتى انتى مبتنميش خالص سيبها على الله يا مشمشة يا روحى

طالعتها مشيرة بنصف عين وراحت تشير لها بجوارها لتجلس مربتة على ساقيها وقالت:

_هو اللى زيى يعرف الراحة اجيبها منين وابنى دا احميه من نظرات المجتمع ازاى بس انا عارفة أنى محتاجة قوى كبيرة الحمد لله على كل حال خايفة على عاصى اوى اوى يا مريم

ربتت مريم على ساقيها قائلة:

_ربنا هيدكى القوة يا حبيبتى باذن الله انا رايحة اساعد بابا النهاردة فى العربية هوديله البطاطس اللى حمرتهله واكمل معاه اليوم محمود جاى من البلد بكرة مش عايزة حاجة لازم تبقى قوية ونامى شوية بدل ما عاصى يصحى ويجننك
**
ذهب سليم لشركته فهو اليوم متضجرا ولا يدرٍ سببا لذلك دلف مكتبه وضغط على الزر لتاتى إليه السكرتارية وتقف امامه قائلة:

_اؤمرنى يا فندم

قلب سليم الاوراق التى امامه يطالعها بتمعن شديد وراح يقول لها:

_سيلينا رجعى الميلات عشان فيه ميل مهم على وصول وهاتلى كوباية شاى متتاخريش على يلا روحى اعملى اللى قوللتلك عليه بسرعة

انصرفت السكرتارية وفتح سليم هاتفه يطالع زوجته الذى تتؤق لرؤياها فهما سينفصلان قريبا،وبينما هو يطالع صورتهما التى جمعتهما يوما،فكيف تركها حين علم بان ولده من متلازمة داون،هل حقا هان عليه تركه وحيدا

بدون إن يهمس له بأن لجواره وعليه إن يتقبل بأن ذاك الملاك طفله ،ولكنه كان نذل بالحد الذى لا يطاق وتركها تعانى وحيدة مع طفلهما الذى

يحتاج لرعاية خاصة وهل يقو على فعل ذلك ولكنه لاذ بالفرار من خضم المعركة،وترك كل شىء خلفه وكانه علة يريد الابتعاد عنها بشتى الطرق

بعد عدات دقائق من شروده طرق باب مكتبه سمح للطارق بالدلوف،دلف رفيقه عامر وافترب منه وجلس قبالته قائلا:

_مالك ياخويا شكلك مش مضبط اليومين دول فيه حاجة مضايقك ولا ايه قوللى بس مش انت سليم صحبى بتاع زمان حاسس فيك شىء احكلى ما انا بئر اسرارك والله

تنهد سليم تنهيدة حارة،بينما آخرج عامر سيجارة ليرتشفها صاح سليم به قائلا:

_قوللتك مية مرة لا بحب السجائر ولا بحب ريحتها دخن لما ترجع مكتبك ام هنا لا مضيقنيش يا جدع

تأفف عامر وقال:

_نسيت انك هادم اللذات ومفرق الجماعات يا جدع انت خلاص مش هشرب اتسد بقى عيل رخم رخامة يا جدع بقولك سيف قالى اننا هنتقابل بالليل فى شقته نسهر شوية نفك على نفسنا وقالى اقولك قول للنذل انه بيكلمك وانت مبتعبهروش خالص خالص كلمه بقى عشان ميزعلش يلا انا رايح مكتبى ادخن براحتى وانت كمل شغلك الله معاك يارب

انصرف عامر بينما عاد سليم لشروده مرة اخرى لا يدرٍ ماذا يفعل بتلك المصيبة التى حلت عليه من حيث لا يدرٍ ،وكم المه بأنه هدم ما عاش يشييده مخبرأ ذاته بأنه ليس ذنبه بأنه يكن لديه طفل متخلف عقليا ماذا فعل ليحدث له

ما حدث وكانه يعاقب على ذنب لن تفترقه يداه لن يقبل بمثل هذا الطفل قط،وعليها تقبل العواقب بمفردها فهل هى المخطئة أم هو القدر فحسب..
**
يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي