الفصل الأول

مقدمة
اختبأت شابة في بداية ربيعها العشرون خلف بناية مرتفعة بينما تراقب بترقب ذلك المنزل ذو الأربع طوابق بحذر شديد ,وهي تتمتم بقلق:
"أنهم مازالوا ينتظرون.. يا الله ماذا سأفعل بهذا الشأن؟"
وسمعت أحدهم يقول :
"يبدو أنها تهرب كي لا تدفع الدين"
فرد عليه الأخر بغضب شديد :
-"سوف تدفع رغماً عنها .. فهل تظن أننا سنتركها لحالها؟.."
استمعت لكلامهم بيأس شديد ورغبة في الموت فلقد كانت في سنها الصغير بدأت تنظر للحياة نظرة امرأة عجوز فقدت بقايا عمرها بلا أمل في النجاة
فتنهدت بعصبية, وهي تشعر بثقل الحياة وصعوبتها ..
لكنها لم تكن تدرك أن الحياة تخبأ لها كثير من المفاجآت علي هيئة ثروة
كبيرة لكن كما يقول بعض الناس أن كل ثروة دوماً تصاحبها لعنة..
,حقد
,جشع
ونفاق من أصحاب النفوس المريضة
فهل ستُصاب سارة بهذه اللعنة؟..
**********
الفصل الأول
أنتشر نسيم المساء البارد ليعم تلك المنطقة الريفية الهادئة بينما سارت سارة بلا حماس تخترق ظلام الليل لتصل لوجهتها ذلك المنزل البسيط بمحافظة كفر الشيخ التي هي واحدة من محافظات جمهورية مصر العربية فدلفت للمدخل ,ودقت جرس الباب بشكل مزعج بينما تسمع صوت عمتها يصدر من الداخل تقول بتذمر :
-"صبراً يا من تطرق الباب ..ما هذا الإزعاج بالمساء!!.."
ثم فتحت الباب لتري من الطارق لكن سارة لم تمهلها أبداً فلقد هجمت عليها مقبلة إياها بحب شديد ,وود بينما تضحك قائلة بمزاح :
"مساء الخير علي أفضل عمة بالوجود .. كم أفتقدتك"
أدركت عمتها عل الفور أنها هي قبل حتى أن تسمع صوتها فصاحت بها وهي تدفعها قائلة برفق:
"حقاً!!.. من يسمع هذا سوف يظن أننا لم نري بعضنا منذ فترة طويلة بالرغم من إنكِ لاجئة هنا دوماً "
ضحكت سارة قائلة لها بمرح بينما تمازحها :-
" ألست سعيدة كوني أقوم بتسليتك بدلاً من أن كل منا يعيش وحده هكذا!!.."
نظرت لها عمتها بتذمر قائلة ,وهي تهز رأسها بحنق :
"لقد بح صوتي من محاولة أقناعك كي تأتي للاستقرار هنا لكنك فقط تعاندين ,ولا تريدين ترك منزل والديكِ مع ذكرياتك السعيدة معهم كما تقولين "
حاولت سارة أن تبتسم بسعادة ومرح كعادتها دوماً لكن كان الأمر صعباً لها كثيراً وهي تقول :
"لا تقلقي يا عمتي فلقد قررت ...سوف أتي لأستقر معك هنا"
أندهشت عمتها كثيراً ,ونظرت لها بريبة قائلة لها :
"غريب لماذا الآن؟؟.. لابد إن هناك سبب لهذا ماذا حدث؟ "
ابتسمت سارة بحزن ,والدموع تترقرق بعينيها بينما تحاول منعها واقتربت من عمتها ,وعانقتها قائلة لها بحب:
"ماذا أقول يا عمتي لقد كنت فقط عنيدة ,وظننت أنني سأتمكن من مجابهة الحياة بقوة لكن ما العمل ؟..أعباء الحياة صعبة .. الإيجار لم أعد قادرة علي دفعه ..فلقد تركت عملي أنتِ تعرفين بعد تلك الحركة السخيفة لصاحب المكتب ..,وها أنا أبحث منذ شهران دون فائدة ...لكن أخر فرصة لي أن هناك مقابلة عمل غداً لشركة ما أرسلت لها سيرتي الذاتية ,وإن حدث ونجحت في المقابلة سيكون هذا جيد جداً لأن راتبها سيتيح لي العيش بشكل كريم ..بينما لو فشلت كسواها ستجديني أبق هنا ,وأستقر ,وأبحث عن عمل هنا بالبلدة "
نظرت إليها عمتها لا تشعر بالراحة لكلامها فهي رفضت بقوة البقاء هنا ,وتمسكت بالبقاء في القاهرة بمنزل والديها ,والإنسان لا يغير رأيه بهذا الشكل مرة واحدة فقالت لها بريبة :
"لكن إن كان لديك مقابلة عمل غداً بالصباح لماذا أتيت الليلة !!.. فمن المفترض أن تبقي في القاهرة الليلة حتى تنهي المقابلة أولاً بدلاً من السفر بهذا الشكل ,والسفر مجدداً بالغد"
يا ألهي ماذا تقول لها؟.. فهل تخبرها أنها لم تتمكن من الدخول للمنزل بسبب الديانة الذين يقفون كالجراد علي باب منزلها ليأخذوا المال منها بعد وفاة والدها كم أن الأمر صعب فقالت مبتسمة لعمتها لتخفي خيبتها :
"رغبت فقط في البقاء معك الليلة فهل ترفضين؟.."
رطمتها عمتها علي كتفها بتذمر قائلة لها بحب شديد:
"أيتها الحمقاء .. هذا منزلك طبعاً.. لكن كان عليك بإخباري بمجيئك الليلة حتى أصنع لكي أصناف الطعام التي تفضلينها علي الأقل ثم .."
ابتسمت سارة بحزن وهي تنظر لعمتها بحب خالص لتلك المرأة الحنون فعمتها الأرملة دوماً تهتم بها هي ,وأبنتها هند ,وكأنهم أشقاء ,ولكم هي محظوظة كثيراً لوجود عمتها بحياتها فمنذ ستة أشهر بعد أن توفي والدها ,وأصبحت وحيدة في الحياة لم يكن لديها ملجأ ,وسند سوي عمتها ,وهند بالرغم أن علاقتها بهند ليست قوية ولا تعرف السبب لذلك لكنها تحبها كثيراً.. أه لو عرفت عمتها كم من الصعب عليها ترك منزل والديها ...فلقد عاشت بسعادة ,وهناء مع كلاهم حتى توفت والدتها وهي في الخامسة عشر أثر مرض السرطان فوالدتها ما أن تعبت لم تخبر أحدًا بالأمر وذهبت للكشف عند الطبيب بسرية تامة وما أن عرفت بمرضها أدركت أن الوضع سيكون صعب وسيكلف الكثير من المال لا يملكونه لذا أخفته جيداً عنها ,وعن والدها وعندما أكتشف والدها الأمر أنهار كثيراً وكان يبحث في كل مكان عن أشخاص يستدين منهم المال ليقوم لها بتلك الجراحة التي كلفت كثيراً جداً هي ,والعلاج خاصةً أنه لم يسنح بأن يعالجها بمستشفي رخيصة بل حجز لها غرفة في مستشفي أستثماري قائلاً وقتها :
"والدتك طيلة عمرها عاشت عزيزة ولن أقوم بمعالجتها سوي بمكان يستحقها"
وبعد عديد من الأشعة ,والعلاج الباهظ ,والعملية الجراحية كانت أرادة السماء أسرع من الجميع بخطفها من بينهم كنسمة صيف باردة ..,ووالدها كان نعم الأب ,والسند لم يشعرها بحزنه ,ولا بألمه ..بل كان قوي ولعب دور الأم والأب ببراعة يُحسد عليها ,وكان دوماً يدخل عليها البهجة ..ولم يكن يجعلها تشعر أبداً بالحاجة لأي شيء دون أن يوفره لها ...لكنه لم يستطع خداعها طويلاً فهي كانت تسمع مناجاته لوالدتها ليلاً وهو يعتقد أنها نائمة ,وبكائه كالطفل الرضيع ,وهو يقول أشعاراً في عشقها ,ويرجو منها مسامحته في تقصيره معها بالرغم من أنه لم يقصر أبداً فهي لم تري في حياتها رجل أحب امرأة كما أحب والدها والدتها ..كم هو جميل أن يجمع الحب بين قلبين ...لكن الحياة لا تعطي أبداً كل شيء فها هو قد أجتمع مع من يحب ,وتركها وحيدة الآن لكن .. كانت مفاجأتها كبيرة عندما عرفت بشأن ديونه التي لم يحملها همها أبداً ,وهذا ألمها كثيراً كونه مات دون أن يصفي ديونه بالدنيا لابد أنه يتعذب بسبب هذا ..لذا هي ومنذ ستة أشهر وهي تنحت بالصخر لتسدد قيمة ديونه التي لا تريد الانتهاء أبداً ..فلقد أستدان كثيراً عند موت والدتها وأيضاً صمم علي إدخالها للجامعة رغم صعوبة الحياة ,والآن بسبب هذه الديون أضطرت لتأجيل أخر عام لها في الليسانس ولا تعرف إن كانت ستتمكن من نيل شهادتها يوماً.. لترك شقة والديها ,وذكرياتها وكل شيء ..لقد باعت المفروشات بالأمس لكنها لم تأتي سوي بمبلغ زهيد والديانه وجدتهم ينتظرونها أمام باب شقتها فاضطرت أن تأتي لهنا في جنح الليل هرباً منهم فلم يعد لديها أي شيء ,ولا تعرف كيف ستسد باقي ديون والدها .. لحسن الحظ أن عمتها لا تعرف هذه المأساة ..لكن حتى لو عرفت ماذا ستفعل؟..هي تعرف ظروف عمتها ومعاش زوجها القليل رحمه الله بالكاد يكفيها لذا لا يمكنها تحميلها فوق طاقتها فقالت عمتها مخرجة إياها من أفكارها :
"في الواقع يا سارة لا أعرف ما أقوله لك فأنا بعد ساعة سوف أسافر للصعيد في القطار ..فأنت تعرفين أن هند تبقي لدي عمها في الصعيد بسبب الجامعة ,ويجب كل فترة أذهب للزيارة ,ومعي كل ما لذ وطاب حتى يكرموها لذا لقد أفرغت الثلاجة لأني سأبقي معها لبضعة أسابيع بسبب زواج أبنة عمها ,وزوجة عمها تعرفين طِباعها فلقد طلبت مني أنها تحتاج لمساعدتي في إعداد فرش العروس وإعداد الولائم ,وخلافه.. ولن أستطيع رد طلبها فابنتي تقيم هناك حالياً "
يا لحظها التعيس حتى عمتها حالياً لن تكون موجودة معها ..فابتسمت سارة وقالت لها بود :
"أذهبي يا حبي ,ولا تقلقي بشأني ..أنا أعرف طريقي جيدا ,وما أحتاجه سأشتريه من الخارج "
حاولت إخفاء وجهها عن عمتها فهي لا تحمل سوي مبلغ زهيد في حقيبتها لن يكفيها حتى طعام ليومين فقالت عمتها وبدا عليها الشعور بالذنب لترك سارة وحدها ,والذهاب :
"حسناً يا سارة انتبهي لحالك يا حبيبتي "
فقالت لها سارة مصطنعة حماس مفتعل:
"هل أعددت كل حقائبك؟.. هيا دعيني أساعدك"
ثم قبلت عمتها ,وظلت ترسم الابتسامة وهي تساعدها حتى وصلت السيارة التي أتفقت معها عمتها لتقلها لمحطة القطار فودعت عمتها بقلب مثقل وأغلقت باب المنزل عليها ,وقالت لنفسها بقلق:
-"عظيم وها يوم أخر دون عشاء ...لا بأس نحن من نصنع المال وليس المال من يصنعنا كما قال أبي دوماً ..أتمني فقط أن أقبل بتلك الشركة فلقد أفلست تقريباً ,ويجب أن أحافظ علي القليل الذي أملكة حتى لا أضطر للتسول"
**************
"يا ألهي ما هذا؟.. أنها تبدو شركة كبيرة جداً ..هل يعقل أنني لم أخطأ بالعنوان؟.."
قالت سارة هذا لنفسها بقلق ,وهي علي باب الشركة التي أرسلت سيرتها الذاتية إليها ,وتنهدت بيأس قائلة :
"اللعنة ..هل يجب أن أنسحب الآن ..فمن المستحيل أن شركة كهذه ستقبل بخبراتي القليلة "
ظلت تقف مترددة في البهو الخارجي للشركة تفكر بألم هل تدخل أم لا.. فتنهدت بيأس ,وقررت الرحيل فيبدو أن لا حظ لها هنا اليوم ,ومن مكان قريب منها للغاية تحرك شاب وسيم وقد كان يحدث أحدهم هاتفيًا وهو يقول بجدية تامة:
"هل أنت واثق أنها بهذا المكان الآن؟ أنا لا أراها"
فقال له محدثه بهدوء:
"لقد تبعها رجلنا إلي هنا يا سيدي سوف تجدها في البهو الخارجي للشركة"
فنظر الشاب حوله جيدًا وهو يتابع الجميع بالداخل حتى وقعت عيناه علي بغيته فتنهد في راحة وقال لمحدثه:
"حسنًا لقد وجدتها"
ثم نظر إلي سارة بثقة وهو يراقبها جيدًا ثم أقترب منها وقال لها ليوقفها بينما كانت تهم بالرحيل من المكان:
"أنتِ آنسة سارة بيومي أليس كذلك؟.."
جفلت عندما سمعت شخصاً يدعوها بأسمها فألتفتت بقلق ثم نظرت لذلك الرجل الطويل القاسي الملامح رغم وسامته ..من يكون هذا الرجل؟.. فكرت سارة بريبة ..مستحيل!!.. هل يمكن أن يكون شخص أخر من الديانة ؟.. كيف عثر عليها؟.. خفق قلبها بعنف وأعدت نفسها للركض بعيداً عنه فلن يكون طبعاً من الأشخاص المسئولين بالشركة فقالت له بتوتر وهي تتراجع للخلف أكثر :
"من أنت ؟.. وماذا تريد؟.."
لكنه خالف توقعاتها تماماً عندما بادرها قائلاً ببرود :
"ستعرفين حتماً ما أريده عندما تأتين معي ..فأنا أبحث عنك منذ بعض الوقت"
لقد حسم الأمر أنه حقاً أحد الديانة فظهر القلق علي وجهها كيف عرف أين يجدها؟.. هل عرف عنوان عمتها ,وهو خلفها منذ أن غادرت بالصباح فوجدته فجأة يبتسم قائلاً:
"يبدو عليكي القلق ..لا تفعلي فما سأقوله سيروقك حتماً."
سيروقها!.. لابد أنه يمزح منذ متي يروق المدين للدائن؟.. فقالت بقلق :
"وما الذي ستقوله بالضبط؟..."
قست ملامح وجه الشاب قليلاً لكنه أخفي تلك النظرة بسرعة وهو يقول:
"الأمر يخص جدك ..والد والدتك "
وهنا ظهرت السخرية علي وجهها فوراً جدها حقاً !!.. وهل يظن أنها تعتبر أن لها جداً؟.. يا ألهي فهي نست بأمر كل عائلة والدتها تماماً لذا هل لديه الجراءة ليظهر بحياتها ,ويرسل لها أحدهم!.. أنه حتى لم يحضر عزاء أبنته عندما ماتت فهو أعتبرها ماتت في اللحظة التي خرجت فيها عن إرادته وتزوجت برجل يرفضة ,ولم يهتم ليري حفيدته ولو لمرة واحده وكل هذا لماذا؟.. ألانها خالفت أوامره وتزوجت ممن تحب فتبرئ منها ..أن هذا حقاً مثير للسخرية فهذا الأمر يذكرها دوماً بالأفلام القديمة عندما تحب أبنه الباشا الخادم ..طبعاً فجدها باشا حقاً ..وكما سمعت قديماً أنه ثري للغاية ,وقد حرم أبنته من ميراثها الشرعي فقالت له باستهتار :
"أن كان الموضوع كذلك لا يهمني إذن"
وكادت أن تبتعد عندما قال فجأة:
"جدك مات منذ أسبوع "
ابتسمت باستهتار وقالت بسخرية:
"أراح الدنيا إذن ..فهو لم ينفذ شرع الله في ابنته ..ولم يعتبرني يوماً من نسله"
وجدت نظرات الشاب تضيق وهو يقول لها بحدة:
"حقاً لست مهتمة ...حتى لو كان وضع أسمك من ضمن الورثة!!.."
عقدت سارة حاجبيها ناظرة له بدهشة كبيرة فهل هو جدي أم يمزح ؟..أحقاً ترك لها نصيب فقالت باهتمام :
"أتقصد أنه كتب لي بعض المال؟. "
ضم ذراعية لصدره وهو يقول بعجرفة ضايقتها :
"كم أنتِ ضيقة الأفق.. هو لم يترك لك بعض المال ..بل ترك لكي ثروة ..هل أثرت اهتمامك؟..."
هل يمزح بالتأكيد أثار اهتمامها؟.. أنه كمن يعطي جائع رغيف من الخبز فنظرت له وفاها مفتوح بذهول ,وبدأت تتفحصه باهتمام هل هو المحامي الخاص بجدها؟.. فهو شاب طويل رشيق الجسد وتلك البذلة الرسمية تجعله يبدو كرئيس شركة وليس محامي.. شعره كثيف بني ينزل علي وجهه مما يجعله أشبه بأبطال المسلسلات الكوري التي تهواها ,وعيناه بلون البحر الثائر.. رغماً عنها ضحكت للتشبيه فأوصافه حقاً تشبه للرجال الأسيويين ..لابد أنه يعتقد أنها تضحك من السعادة ..لكن مهلاً ليس هذا وقت السعادة عليها التأكد من مزاعمه ربما كان نصاب ...أو شخص يريد خداعها لمأرب ما فقالت له:
"ومن أنت إذاً؟.. وما هي علاقتك بجدي!.. ثم كيف عرفت بمكاني هنا؟.."
نظرت لشفتيه التي أنفرجت لقول الإجابة علي تساؤلاتها بلهفة لكن قبل أن يخرج منها أي حرف ,وجدت امرأة شابة أنيقة جداً ,وجمالها هادئ تقترب منه قائلة بدهشة :
"لا يعقل ..سليم الحسيني حقاً أمامي!.. كيف عرفت ؟؟..بالتأكيد أنت هنا للمباركة "
تساءلت سارة عن شخصية تلك المرأة خاصاً أن ذلك المدعو سليم دفعها جانباً وكأنه لم يرد لتلك المرأة أن تلاحظ وجودها.. أهي خطيبته؟.. لكن نظرات تلك المرأة قد لاحظت وجودها بالفعل ووجدتها تنظر له وسألته قائلة بأهتمام :
"ألن تعرفني بالآنسة ؟ "
ابتسمت لها سارة ,ولاحظت الغيرة التي ظهرت بعيناها عليه وأنتظرت لتري كيف سيقدمها هو لخطيبته فوجدته يقول بهدوء:
"أنها شخص غير مهم...وهي سترحل الآن "
فنظرت له سارة ,وكادت أن تطلق صيحة غضب بوجهه هل يمزح؟.. هل ينوي التخلص منها بعد أن أشعل فضولها بشأن تلك الثروة المزعومة؟.. أشتعلت عيناها بنيران الغضب وقررت أن تجعله يدفع ثمن أستهتاره بها والغريب أنها وجدته ينظر لها قائلاً بهدوء مثير للغضب :
"يمكنك الذهاب الآن يا سارة ,وسنكمل حديثنا غداً بمكتبي أنا سوف أرسل لكي السائق "
يا ألهي لهذه الدرجة يتم الأستخفاف بها ..ذلك الوغد فهو لا يدري أنها لا تملك حتى ما يكفي لتطعم نفسها ,ولن تتحمل الفضول للغد حسناً هي ستجعله يري كم هي شخص غير مهم فقالت فوراً لتغضبه :
"هل تمزح يا حبيبي ألم تعدني أننا سنتناول الغداء معاً"
كادت أن تطلق ضحكة عالية من ردة فعله المذهولة خاصة عندما قالت مكمله لتلك المرأة التي اتسعت عيناها بغيرة شديدة :
"دعيني أنا أقوم بتعريف نفسي أنا سارة خطيبته"
وقالت بداخلها بخبث:
"أريني أيها الوغد كيف ستخرج من هذا المأزق؟.. فلست أنا من تتخلص منها بهذه السهولة بعد ما قلت لي "
لكن الغريب أن سليم خالف توقعاتها تماماً عندما وجدته يضع ذراعية حول كتفيها وهو يقول لتلك المرأة:
"هذا صحيح يا جيجي فسارة فعلاً خطيبتي"
انكمشت سارة في مكانها من لمسته ,ومن المفاجأة لدرجة أنها لم تزيح يداه من حول كتفيها رغم أنها من ذلك النوع الذي قد يثير المشاكل لو جرؤ رجل علي لمس جزء من جسدها خاصة عندما أكمل هو :
"هي ابنة عمتي بالمناسبة وليست شخص غريب"
ثم نظر لسارة بتحدي صريح وهو يقول لها بكل برود :
"أما جيجي فهي صديقة عزيزة يا سارة "
"أهلاً وسهلاً"
قالتها سارة بتوتر ,ودهشة بينما تحاول التخلص من يداه حولها فأزالهم هو ببساطة وهربت الكلمان من فمها ولم تعرف ما تقوله لكن بالتأكيد هي تريد التخلص من هذه المرأة الآن لتعرف تفاصيل هذه الثروة ..لكن ما دفعها لإكمال اللعبة هو رد فعل تلك المرأة التي أختفي الغرور ,والثقة من وجهها ليحل محلة نظرات خبيثة ,وقاتلة خاصة عندما قالت بصوت يقطر حقداً لها:
-"مستحيل ومتي حصل هذا؟.."
فلم تسمح له سارة بالرد بل تدخلت هي قائلة لتغيظها:
"يمكنك أن تقولي ..حب من أول نظرة "
وكادت أن تضحك من غربة هذا الموقف السخيف بينما رفعت جيجي رأسها بتعالي وقالت:
"لابد أنكِ تمزحين ..فهل تغيرت لهذا الحد يا سليم؟.. "
فقال هو ببساطة شديدة وهو يدعم كلام سارة:
"القلب ,وأحكامه يا جيجي أنتِ تفهمين "
,وهذا جعل سارة توضع تحت ذهول غير عادي فما الذي يريده هذا الرجل هل يتخلص من تلك المرأة بإدعاء أنه خاطب لها هي؟..لكن بدا من طريقته منذ وهلة للتخلص منها أن تلك المرأة مهمة بالنسبة له أليس كذلك؟ هل يحاول أن يجعلها تغار علية مثلاً ...يكون غبي أن فكر بهذا الشكل فقالت جيجي لهم بعجرفة لم تعجب سارة:
"إذا يجب أن أدعوكم أنا علي الغداء بمناسبة الخطوبة "
غداء شعرت سارة بمعدتها تتلوي طلباً للطعام.. أن تتناول الطعام مجاناً هذا رائع ,وتقبله بكل سرورحتى لو كان من شخص بغيض كتلك المرأة فقالت بسرعة حتى لا تسحب تلك المرأة الدعوة :
"فكرة ممتازة ..,وستكون فرصة مناسبة لكي نتعرف أكثر "
نظر لها الشاب بحنق ,وبدا أن الأمر لا يعجبه ,وأنه يريد الاعتراض لذا تحركت سارة بسرعة ,وهي تجذب ذراع المرأة للخارج حتى تغلق عليه باب الاعتراض.., وبالفعل لم يعترض ,وتبعهم ,فقالت المرأة لهم ببرود:
"هذا المطعم الذي بجوار الشركة طعامه جيد جداً ,وسوف يعجبك يا سليم فأنا أعرفك لا شيء يضاهي ذوقك الرفيع"
عرفت سارة أن الكلام موجه إليها فتلك المرأة توضح أن ذوق سليم في الأختيار صار سيء بإقترانه بها فشعرت بالضيق صحيح تلك المرأة أنيقة جداً بشكل يوحي بالثراء,وشعرها الذي يبدو أنها لم تخرج إلا بعد تصفيفه عن طريق خبيرة لذا هي تحقر منها فهي ليست بهذا الجمال بل عادية جمالها هادئ ,والتنورة السوداء الواسعة التي ترتديها مع قميص حريري أحمر ,وحجاب يغطي شعرها بلون أسود مع زهور صغيرة حمراء فتلك المرأة بالتأكيد لا تعرف أن هذا أفضل ما تملكه هي من ملابس ,وهي لا تملك الكثير للأسف ,وطبعاً مظهرها يبدو لا شيء أمام أناقة تلك المرأة فتنهدت ,وهي تتظاهر باللا مبالاة بينما تتبعهم متناسية أمر المقابلة الشخصية ..ولاحظت اتجاه المرأة لمطعم فخم قريب من الشركة ...وضحكت سراً عندما فكرت أنها لم تحلم يوماً بتناول طعامها بمكان كهذا ...كل شيء له مرة أولي كما يقولون ,وبالنسبة لها بالتأكيد الأخيرة فهي لن تفكر بدخول هذا المكان مجدداً ..جلس سليم بهدوء ,وتناول القائمة من النادل ووجدته يطلب لها الطعام دون حتى أن يهتم بأن يأخذ رأيها..لكنها لم تعترض فأي طعام في هذه اللحظة سيكون جيد لمعدة خاوية فقالت لتغيظه:
"شكراً يا سليم ..دوماً تعرف ما أفضله من طعام"
نظر لها ولم يرد ..وعرفت فوراً أنه مستاء, وبشدة لما فعلته ..حسناً هو من بدأ عندما همَشها بعد أن فجر قنبلته التي بالتأكيد تجعل أعتي الرجال رأسه يدور من مجرد الفكرة ...أن ترث يا ألهي ..قالت لنفسها بشوق :
"أه ..كم أشعر بالدوار من كلامه عن الميراث ..هل يعقل أن تنتهي كل مشاكلي المادية بلحمة واحدة؟.."
فقالت تلك المرأة جيجي :
"متى تمت خطبتكم ؟...فمن الغريب لشخص مثلك أن يقوم بهذا دون سابق معرفة"
هز سليم رأسه ونظر لسارة تاركاً الدفة لها وكأنه يقول لها ساخراً ..الدفة معك قولي ما شئت فلا يهمني فاغتاظت هي منه بشدة لكن هذا لم يمنعها من قول:
" الموضوع كان عائلي ..وأغلبية الناس لم تعرف بعد.. لكن الغريب أن سليم لم يذكر أمرك أمامي أبداً "
نظرت لها المرأة بكل برود وقالت بطريقة مستفزة:
"شيء طبيعي فليس هناك رجل يحدث خطيبته عن..حبيبته السابقة"
وها هي تعترف أنه كانت حبيبته وربما فعل الماضي في كلامها يوحي أنها للحظة سابقة قبل معرفتها بخطوبته المزعومه كانت لازالت تأمل أنه يحبها يالها من ثعلبة وواضح جداً أنها مازالت تحبه ,وتريد افتراسها حية فقال سليم لكلاهم بحسم:
"أعتقد أن من الأحسن تغيير الموضوع ألا ترون هذا؟.."
ونظر لسارة نظرة غاضبة يتحداها كي تتوقف فتوترت سارة وقالت لتغيير الموضوع:
"صحيح يا جيجي ..أنتِ تبدين امرأة مستقلة ..تري ماذا تعملين؟.."
نظرت لها جيجي وقالت بكل عجرفة:
"أنا المديرة التنفيذية للشركة التي كنا فيها منذ قليل ...ووالدي هو صاحب الشركة"
ماذا؟..شعرت سارة وكأن أحدهم رش وجهها بماء بارد فظلت تنظر لها والصدمة تبدو جليه علي وجهها وفكرت وهي تكاد تبكي:
"ماذا! هل تمزح تلك المرأة؟.. لماذا لم تقل مبكراً علي الأقل كنت مدحت بها ولم أغيظها بهذا الشكل فمن يضمن كلام هذا المأفون عن الميراث؟.."
فقال سليم هذه المرة:
"أه.. إذن هذا هو الفرع الجديد الذي قمتم بافتتاحه حديثاً؟.."
نظرت له جيجي مبتسمة وهي تقول:
"غريب ألم تكن تعرف؟.. أفهم من هذا أنك لم تكن هنا لتبارك لي"
ظلت سارة تتابع الكلام وقد صمتت تماماً وشعرت بالأختناق فماذا تفعل هنا مع هؤلاء؟.. هذا ليس مكانها ولا تظن أن هذا الشاب كان جدي في كلامه فهل ستخرج من هذا المكان بيدي فارغتان سمعت سليم يقول بهدوء لجيجي:
"في الحقيقة ..وجودي بالشركة كان صدفة تامة فلقد كنت أتبع أحدهم ..,والشركة طبعاً كانت مليئة بالزحام بسبب مقابلات العمل للطاقم الجديد"
"هذا صحيح "
وجدت السخرية ترتسم علي وجهه وهو يقول ناظراً لسارة:
"أعتقد أن هناك كثيرون يتمنوا الآن العمل بالشركة "
شعرت سارة بالغضب ..لابد أنه يعرف أنها كانت هناك لتقوم بعمل مقابلة شخصية كي تعمل بالشركة فقالت جيجي بزهو:
"طبعاً ..شركتنا أي شخص يتمني العمل بها"
وصل الطعام بهذه اللحظة لكن للأسف كانت سارة فقدت شهيتها فأولئك الاثنان استفزاها لأقصي حد فانشغلت بالطعام لتداري حرجها فتنفست بعصبية ولم تعد ترغب بلعب هذه اللعبة السخيفة وودت فقط لو تختفي من أمام كلاهم فوجدت جيجي تقول:
"دعك من الشركة ,وأخبرني يا سليم ...كيف تقابل كلاكم؟.."
قال بهدوء وهو يمضغ الطعام:
"لقد قلت لكي مسبقاً أن سارة تكون ابنة عمتي"
هل يمزح ذلك الشاب؟.. هل خياله جامح بعض الشيء ؟..أم هي التي تمادت بخيالها فأكمل سليم:
"وتعرفنا ببعض حديثاً ..,وقررت الزواج بها"
فنظرت له جيجي بصدمة قائلة بدهشة كبيرة:
"بهذه البساطة؟.. مستحيل ,وكأنك تتحدث عن شخص غيرك"
شعرت سارة أن وجودها لم يعد مرغوب به وإن هناك شيء خاطئ فما الذي تفعله هنا بينهم حقًا رغبت بالهرب فاستأذنتهم لدخول الحمام ,وكانت مستاءه للغاية ..ما الذي فعلته بنفسها للدخول بمشاكسة مع شخصان من مستوى أخر تماماً عن مستواها الاجتماعي ..أه كم تود الهرب الآن أبعد ما يكون عن هنا فلا يمكنها أن تصدق أن هناك ثروات تتساقط من السماء بهذه الطريقة ولا تعرف مدي جدية هذا الرجل ..لكن عليها أن تصبر ولو لقليل من الوقت فيجب أن تعرف أولاً أمر ذلك الميراث العجيب فهل شعر جدها بالذنب لهذا كتب لها شيئاً من ثروته!!.. هذا أمر عجيب لكنه قد يكون وارد تنهدت بعصبية وفضولها يشتعل كثيرًا ففعلًا من يعرف.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي