عنبر الخواجات

إبراهيموڤ فريدويڤسكي`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-06-23ضع على الرف
  • 32.5K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الاول

بسم الله الرحمن الرحيم

{طه ۝ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}

صدق الله العظيم















- ١-

بعد أن جاوزت الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل، وأصبح السكون هو الضيف اللزج الذي يأبى الانصراف باحترام، دسّت فتاة هاتفها المحمول داخل حقيبة يدها، ثم استلّت مفاتيحها في لهفة من فوق الكومود بعد أن أنهت اتصالاً مروّعاً قبل لحظات.. كانت تلتحف بشالٍ طويل من الصوف، وتمشي بطريقة هي الأقرب للركض في سباقات العدو الطويل، وتتلاحق أنفاسها تِباعاً كما لو أنها قد تنازلت عن إحدى رئتيها.. وطفقت تهبط السُلّم في رعونة مفرطة بعد أن برحت بيتها؛ فكاد كعبها أن يخدعها مِراراً بعد محاولة فاشلة لاجتياز بضع درجات دفعةً واحدة.
وفي غضون نصف الدقيقة وربما أقلّ، كانت قد وصلت إلى سيّارتها البائسة؛ التي تقف بالقرب من بوّابة بيتها الحجري؛ فأولجت مفتاحها داخل الباب سريعاً، ثم دفعت بحقيبتها نحو المقعد الجانبي، ولم تنقضِ الثانية إلا واستيقظ الوحش الحديدي المريض من سباته العميق؛ فأخذت الفتاة تنهب الأسفلت في طيشٍ هائل بعد أن أحكمت يسراها حول المقود، وبالأخرى كانت تحاول إجراء مكالمة من هاتفها.. ولولا أن الطريق كان خالياً أمامها تماماً، لقرأت خبر وفاتها في صفحة الحوادث صبيحة اليوم التالي؛ فإطارات السيارة بلغت من حرارة الاحتكاك ما يجعلها تنافس الـ«لاڤا» في سخونتها.. وكلّما حاولت الاتصال برقمٍ محفوظ، كان الجرس يأتيها رخيماً لا روح فيه؛ تماماً كأن صاحبه قد فارق الحياة منذ برهة.
وفي نزقٍ جاوزت به صبياً لم يبلغ السابعة بعد، التفّ المقود بين راحتيها بعد أن سلكت مساراً عصيب الانحراف؛ فتعثّر المحرّك معلناً سطوته على غشومتها.. وقبل أن تنقضي الهنيهة، فارقت الفتاة قلب الخردة الخامدة بعد أن انقطعت زمجرة محرّكها، ثم مكثت تقطع المسافة الباقية بنعلين يتشابها وظيفياً مع حدوات حصانٍ أعرج؛ فوصلت أخيراً قبالة عقارٍ يفوق ناطحات السحاب طولاً.. وكمن تحجل في مشيتها، شرعت تجتاز درج البناية في جهدٍ جهيد بعد أن أحسّت بتفوّقها على تلكّؤ المصعد؛ فاستقرت بقلب أوشك على الانهيار أمام بابٍ مصفّح يتطابق تشريحياً مع أبواب الزنازين.. وبسرعة بالغة، دلفت إلى قلب الردهة، ثم ظلّت تنقّب عن بُغيتها المنشودة بين أرجاء المكان؛ تماماً كأمٍ تلفّتت حولها فلم تجد وليدها الرضيع.. وبأنامل مرتعشة لا يفارقها الاختلاج، دفعت باب دورة المياة إلى الأمام قليلاً، فتسمّرت مكانها للحظة قبل أن تتهاوى رئتيه إثر صرخة ملحمية تردّد صداها إلى أقصى المجرّة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي