نصف شيطان

Sara_Mousa1`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-06-29ضع على الرف
  • 68.6K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول حُطام العائلة

أسند الفتى المدعو " ايڤاندار بِلايز" رأسه إلى الحائط وقد ضاقت به الدنيا وأحوالها، وأمست أيامه حزينة بعد أن صُدم بالحقيقة... حتى أنه صار يرى أن العيش لا جدوى منه، فمن الأفضل له وللجميع أن ينهي حياته..
أخذ الفتى البالغ من العمر خمسة عشر عاما يبكي بكاء الطفل..
وأخذ يحادث نفسه وهو يكتب ما يقول على ورقة بيضاء قائلا:
ألهذا السبب كان أبي يتلذذ بدموعها؟
هل هو مجنون؟
بالفعل هو مجنون!
لا أستطيع تصديق ما قرأت، ولا يقوى عقلي على استيعاب أن ماكُتب على تلك السطور هو حقيقة لا يمكن انكارها..
أما زال أبي لهذه الدرجة لا يعي كم ضحت أمي بالكثير من أجله..!
ألا يرى كم أطفأ الحزن ملامحها بأفعاله!!
كم بكت من عبثك بمشاعرها حتى أصبحت في ذلك اليوم الموعود جسدا بلا روح!!
غابت عنا وعن الدنيا من أجلك، وتوددت إليك بكل الطرق حتى لا تؤذيها..
صبرت وتحملت ما لا يتحمله بشر.. فقط لأنها تحبك.
لو أنها فقط لم تقابلك، ولم تحبك ولم تتزوجك.
ياليتك لم تكن وياليتني لم أولد!
أنا الطفل الملقب بـ "ايڤان العنيد" وأحيانا المتمرد! كيف بإمكانك أن تخفي عني كل تلك الحقائق؟
حتى بعد موتك.. قد دُستَ على قلب إمرأة أحبتك وسلبتَ منها حياتها.. ودمرتني أيضا ودمرت حياتي بأكملها!
قد كنتُ مرتابا، مليئا بالشكوك، محفوفا بالمخاطر والمهالك، ولا أدري أن أعز من أملك قد جنت بسببك، بل كنت أنت الجنون نفسه بداخلها!
قد تخللت روحك الفاسدة إلى جسدها وطافت هيئتك الشريرة داخل عقلها كالسحب الغاضبة في السماء استعدادا لأمطار حامضية لا خير فيها..
لم يشغل حياتها البائسة سوى الأسى والقسوة والالام.. لم تنعم بيوم رائع معك..
واليوم بعد أن حسبنا أنك فارقتنا منذ ثلاثة أعوام.. اليوم نتيقن أن من فارقتنا هي أمي..
فارقتنا روحها منذ ثلاثة أعوام، واليوم يفارقنا جسدها إلى الأبد.. اليوم ترحل عنا إلى الأبد..
وتخلدَ روحك الشريرة يا أبي إلى الأبد..!!!
أكتب تلك الكلمات بدمي، فاقرأها جيدا..
لن تستطيع أن تنال مني كما فعلت مع أمي..
سأنهي حياتي قبل أن تفكر حتى في المكان الذي ربما أتواجد فيه الآن..
وداعا أيها المسخ، ووداعا لجبروتك..
قام الفتى بإلقاء الورقة جانبا..
ثم أحدث جرحا عميقا بسكينا حادة في فخذه، وحاول جاهدا أن يكتم صوت الآمه..

أسكب دمائه في قنينة وأخذ فرشاة وحاول ان يكتب كلمة على الحائط ، بدمائه.. كان يكتبها بدون وعي وبدون ارادة منه! وكأن هنالك شئ غير مرئي يمسك يده ويكتب، وكان متعجبا مما فعل.. فهو لم يفعل هذا بإرادته!
حاول أن ينطق الحروف التي كتبها ولكنه فشل ، ولم يفهم معاني الكلمات التي كتبها بيده..
ثم وضع السكين على رقبته، وسقط أرضا إلى جوار دمائه.












"ايڤاندار ايڤاندار !"
قالتها السيدة في تعجب.

ألا تعلم لماذا أطلق عليك وعلى جميع أفراد عائلتك تلك الأسماء الغريبة والفريدة من نوعها؟
بالطبع لا تعلم شيئا أيها البكّاء الصغير، ولكن هذا لا يهم الآن..
اسمع مني يا ايڤان.. اسمع ولا تقاوم ، لا بد أن تفعل كل ما أُملي عليك.. لامفر! أتفهم؟!
أتعلم؟ لقد أحببت والدتك رحمة الله عليها كثيرا ؛ كانت إمرأة صبورة وجميلة ، وكانت عينيها وكأنها ملجأ للورود ، أما عن ابتسامتها فقد كانت شمسُ لا تغرب على الرغم من المآسي التي عاشتها..
أحيانا أشعر بالذنب لأنني لم أستطع فعل أي شيء لها، ولكنني حاولت وحاولت... وفشلت! والسبب في ذلك هو والدك..
قد زُرتُها كثيرا في الاحلام كما أزورك الآن تماما ، ولكنها كانت خاضعة وضعيفة، لم أفهم سبب ذلك إلا متأخرا... جبروت والدك هو السبب مع الأسف الشديد.
بدت الصورة مشوشة، لا يستطيع الفتى تمييز قائلة تلك الكلمات ، ولا يعرف أصلا أين هو.. هل هو ميت؟
يشعر بوخز خفيف في فخذه الايمن وألم في رقبته يقوى على تحمله.. ولكن كيف؟ من المفترض أن يكون ميتا أو مصابا اصابة خطيرة ، ولا يستطيع حتى ان يتحرك أو يفيق من دون تدخل طبي سريع.
أما عن تلك المرأة.. فأنا لا أستطيع رؤية ملامحها.
أخذت أصوات دماغه تتحدث:
لو أنني مثلا أحلم، كيف لي أن أحلم وأنا ميت؟ أنا متأكد أن اصابتي أهلكتني!
هناك العديد من علامات الاستفهام التي تدور داخل رأسي ، والكثير من الأشياء التي بحاجة إلى تفسير!!
تلك المرأة صوتها عال جدا ، لدرجة أنني أصبت بالصداع ، أنا منهك للغاية.. يا إلهي ما الذي يحدث؟
وكأن المرأة كانت تقرأ أفكاره في هذا الأحيان قالت :

أنا لا أتكلم بصوت عالي ؛ فنبرة صوتي عادية وناعمة وجميلة.. آه لو أنك فقط تمكنت من رؤيتي في صغري.. كنت فاتنة الجمال.
حاول الفتى أن يرفع صوته، ولكن لم يستطع.. وكأن هناك شيئا قيّد عنقه ومنعه من التحدث..أي كابوس هذا!!
استمرت أفكاره في الكلام بلا صوت:
تلك السيدة تخاطبني وكأنني فعلت بها شيئا، أو أزعجتها مثلا، ولكن تبين لي فيما بعد أنها تعاتب الحياة وما فعلته بها.. لا أدرى ذنب من هذا!! لا أستطيع رؤية وجهها بعد. هناك ضباب أو تشويش على وجهها وجسدها وكل شيء أراه تقريبا.. هذا يعني أن العيب في عيني الآن. لماذا لا أستطيع الرؤية بوضوح؟!
ظلت تتحدث وتتحدث ، و لم يكن الفتي يصب تركيزه على كلامها لأنه كان منشغلا بآلام رأسه ، ثم شعر بيدين تتشبثان بكتفيه وكأنها تحاول لفت انتباهه او ايقاظه ثم سمع صوتها :
إيفاندار! يجب أن تنصت إلي!! أنت الأمل المتبقي ، ولن يكلف أي شخص غيرك بهذه المهمة.
انتفض الفتى ذُعرا بعد أن شعر وكأن شخصا ما يجره وينقله من مكانه ، كانت هي تلك المرأة التي لازالت محجوبه ، ولم يكن هناك أي شخص آخر غيرها في المكان. حاول المقاومة ولكنه فشل.
ثم قال : هل تستطيعين قراءة الأفكار؟
فأجابت ضاحكة:
لا .. لا أستطيع قراءة الأفكار أيها الأبله، أنا فقط امرأة شديدة الذكاء ولماحة وسريعة الفهم..
عرفت أن صوتي مزعج بالنسبة لك على الرغم من أنني لا اتحدث بصوت عالي؛ لأنك ممسك برأسك منذ فترة طويلة..فترة قدرها بضع ساعات.. .أنا أملك قدرات أخرى بالطبع ، ولكنها لا تشمل قراءة الأفكار... يمكنني توقع ما تفكر به بناء على شخصيتك.
اعترت نبرة صوت المرأة مزيج من الفخر والانكسار معا في آن واحد...عجيب أليس كذلك!
أفلتته أخيرا وأجلسته بالقرب منها... وأخذت تكرر:
آه إيفاندار! إيفاندار!
لا أعلم من أين أبدأ... ولكنني واثقة تمام الثقة بأنك سوف تتحمل المسئولية وتؤدي واجبك تمام الأداء ، وسوف تجعل الجميع فخورين بك...ستكون بطلا في يوم من الأيام يابني.
تنفس الفتى بعُمق وحاول ترتيب أفكاره ؛ فهناك ألف سؤالا يدور في رأسه ، وقال على استحياء:
هل لي أن أسألك بعض الاسئلة؟

قالت : نعم بالطبع...طالما ستتكلم بأدب ولن ترفع صوتك على صوتي. إياك وأن تعيدها مرة أخرى مفهوم!
أجاب : لم أرفع صوتي عليك
قالت: أعلم أنك أردت ذلك؛ لذا إذا كنت تنوي أن ترفع صوتك أو تتحدث بطريقة غير مؤدبة معي..فلا تفعل لأن هذا ليس من مصلحتك.
فقال الفتى متسائلا : اذن أنتِ تقرأين الأفكار!!
- أعلم أنك عنيد ومصرٌ على رأيك ، فأنت واحد من "بلايز"
- بلايز؟ كيف تعرفين عائلة بلايز؟ رجاءا عرفيني بنفسك وكيف تعرفين عائلتي!
قالت في جدية :
الآن استمع وانصت..
لن يكون أسلوبي معك هو الوضوح التام ، ستعرف كل شيء في وقته ، ولكن في الوقت الذي أحدده أنا والذي أريده أنا ، وغير مسموح لك أن تعترض.
سمع الفتى صوت رشفة من فنجان ، وحاول أن يشم ولكنه لا يستطيع الشم.... لا يستطيع الشم ولا الرؤية هو فقط يسمع..
يسمع بشكل أقوى من المعتاد ، ولم يستطع أن يميز الشيء الذي شربته المرأة. لا بد أن كل قوته تتمثل في سمعه الآن ؛ ومن الواضح أن هناك معلومات هامة قادمة في الطريق.
صمت والتفت لمصدر صوتها وكله آذان صاغية..
قالت السيدة :
حتى أتأكد بشكل كامل أنني أستطيع الوثوق بك ، لن أتعامل معك الآن بكل وضوح وشفافية.لن ترى وجهي ، ولن تعرف الكثير عني الآن.
عائلتك.. عائلة "بلايز" فعلت الكثير والكثير.. لا بد أنك عرفت بالفعل جزءا من الذي اقترفته تلك العائلة ، ولكنه جزء صغير وتافه بالنسبة لكل الذي حدث بالفعل، وهناك شيء آخر. أنت في خطر.. نعم أنت الآن في خطر ، وهناك من يحاول قتلك.
أجاب الفتى بكل هدوء :
لقد قتلت نفسي بالفعل، وأعلم أنني ميت الآن. أنا لا أريد العيش على كل حال، فلا تجهدي نفسك محاولة اخافتي.

زفرت السيدة في ضيق وكانت قد يأست من قلة فهم الفتى ، ثم قالت:
انصت يا ابن "بلايز". أنت الآن نائم! هل هذه نومة طبيعية؟ لا هل أنت في غيبوبة؟ أيضا لا.
لكنك ستستيقظ وستعيش حياة صعبة ، ستقاوم وتحاول أن تهرب إلى حياة أخرى، لا أعرف كيف ستحاول ولكنك ستفعل دون جدوى.. .أنا لا أعرف المستقبل ، ولكن لطالما كانت دائما توقعاتي صحيحة.. توقعاتي المبنية على أسس منطقية وأدلة حقيقية.
هذا المكان الغير مرتب.. هو أفكارك..
هذا بمثابة حلم يا عزيزي، وأنت الآن تحلم....
أما عن الرؤية والشم فقد تحكمت بنفسي فيهما.. لا أريدك أن تفعل أي شيء في أول لقاء بيننا سوى السمع.استمع ونفذ.. فقط!
أتري؟ ليس لديك أي خيار.. لابد أن تنفذ وإلا فإن الهلاك على يد "بلايز" سيكون شيئا محتوما.. دمار العالم قد يكون على يد عائلتك.. وأنا أعلم أن بداخلك روح مقاتلة.. هذا ليس توقعا.. هذه حقيقة.. لأن أمك كانت سيدة صالحة.. فهي لم تكن من آل بلايز.. أنت تحمل الكثير والكثير من صفاتها.. فضلا عن أن ملامحك طبق الأصل عنها.
لديك روح طيبة.. تأبى الذل والظلم والطغيان.. مثلما كانت أمك تماما.. لكن أمك لم يكن لديها رفاهية الدفاع ولا حرية المقاتلة.. أما عنك.. فأنت تملك كل شيء...تملك كل شيء عدا أن تأبى البدء واتمام هذه المهمة بنجاح.. فإن أبيت.. هلكت أنت وعالمك والكثير الكثير من الابرياء.. الذين لا ذنب لهم في أي شيء حدث.

ينبغي عليك أن ترمم ما أحدثته العائلة من حطام، أو حتى أن تصلح ما بوسعك اصلاحه.. أنا أعلم أنك مازلت في سن صغيرة ، ولكنك تستطيع...أنت رجل صالح يا "ايڤ" من الآن سوف أناديك "ايڤ" كما كانت تناديك أمك..
واعتبرني أمك يابني ؛ فأنا سأكون بجانبك دائما.. وسأفعل كل ما بوسعي لتكون بخير...ولإتمام العملية بنجاح.
كان الفتى محدقا نحو مصدر الصوت في ذهول ، ولديه فضول قاتل لمعرفة من تكون هذه ، أو حتى رؤية ملامحها.
أيقن الفتى أنه لا خيار لديه بالفعل، وعليه أن يحترم هذه السيدة وينفذ أوامرها ؛ لأنه من الواضح أنه لا مفر ولا منجى...ستعثر عليه أينما كان.. فهي في أفكاره ، في رأسه.. في هواجسه وهلاوسه.. ربما حتى في أحلامه!
لازال الفتى لا يعرف ما الذي يحدث.. أو أين هو! أو ما اذا كانت هذه المرأة صادقة... كل ما كان يشعر به في هذا الوقت هو الخضوع لكل ما تقوله.. لا يجب أن يتفوه بكلمة ، بل عليه أن ينصت إلى كل حرف تقوله تلك المرأة.
أحس لوهلة أنه مسحور.. عندما قالت له: اعتبرني أمك.
في ظل احتياجه الشديد للحنان ، وافتقاده القوي لأمه.التي فارقته بعد أن كانت أغلى مايملك.. هو بالفعل بحاجة إلى يد تربت على كتفيه وتوجهه.. شيء ما بداخله كان يقوده إلى تصديق تلك المرأة التي لا يعرف ما اسمها حتى.. شيء كالخضوع، أو ربما الاستسلام للأمر الواقع ، أو حتى لأن جزءًا فارغًا بداخله يفتقر إلى العطف ويفتقد الراحة بين أحضان الأمان.. بين أحضان الأم..
قاطع "إيفاندار" كلام السيدة في أدب قائلا :
معذرة سيدتي.. هل هناك اسم ولو كان حتى اسما مستعارا أستطيع أن أناديك به حتى أجد سهولة في التواصل معكِ؟
حاوطته بذراعيها وألقت برأسه بين أحضانها قائلة في حنان : بالطبع يا "ايڤ".. اسمي المستعار هو.. أو بمعنى أصح يمكنك أن تناديني بـ "كيـه" حتى يأتي الأوان لـ أن تعرف كل شيء عني... بداية من اسمي إلى آخر يوم في حياتي..
رفع الفتى حاجبيه في دهشه ونظر إلى الضباب المشوش أمامه متسائلا :
آخر يوم في حياتك؟
قالت : نعم يا "ايڤ" لقد مت.. أنا ميتة منذ سنوات طويلة يابني.
ابتعد "إيڤ" عن أحضانها في خوف وأخذ يستجمع قواه ليبتعد عنها وأخذ يخطو بضع خطوات إلى الخلف ، وبدأ يشعر بتسارع نبضات قلبه وتعرق جبينه!
اقتربت السيدة منه وقالت ضاحكة:
اطمئن لن أؤذيك، عليك أن تهدأ لتفهم كل شيء..
ولتعلم أنه مهما حاولت الهروب في هذا المكان ، بين تلك الأفكار لن تجد ملجأ تحتمي فيه أكثر من وجودك هنا بجانبي ، وهنا لن تجد سواي..لذلك لا تحاول الهروب فهذا محال.

عد إلى أحضاني ولا تجادلني في هذا...
سأقص عليك أغرب قصة يمكن أن تستمع إليها أذنيك ، وسأكلفك بمهمة عظيمة ، وستصبح رجلا عظيما إذا أتممتها كما يجب أن تكون.
هيا اصغ إلى نصحي.. هل تريد أن تنتقم لوالدتك؟! أعلم أنك تريد أن تنتقم لوالدتك انتقاما يثلج صدرك.. سأضمن لك هذا اذا نفذت ما أُملي عليك.. هيا هيا يا "إيڤ".
بعد أن كان الفتى يستعد ليدير ظهره تاركا تلك السيدة غريبة الأطوار خلفه، عاد إليها كالمسحور وقال :

أقسم أنني سأنتقم إلى والدتي.. أوامرك!!

ثم..!!








استيقظ الفتى مذعورا والدماء من حوله تملأ المكان ، وتغطي ملابسه.. والغريب أنه كان يوجد هناك حطاما كثيرا حوله.. حطام المنزل ، وكأن المنزل قد تدمر بالكامل وسقط عليه ، أو بمعنى أصح تحطم من حوله ، ولم يمسه.. فلم يصبه خدش!!

كان في حال لا يُحسد عليها؛ فقد كانت ملابسه ممزقة ومتسخة بشكل كبير.. أما عن عينيه فكانتا منتفختان ولونهما أحمر بشكل ملحوظ... كالذي بكى بحرا كاملا!
أخذ يمشي على الخطوات القليلة الفارغة من أي حطام أمامه.. أخذ يمشي ويمشي ويجر جسده بصعوبة ؛ فقد كان مُنهكا حقًا.
حتى تعثرت قدميه في بعض الحجارة والردم ، وسقط على وجهه ، وكان أمام رأسه الكثير من بقايا البيت المتهدم ، ولأنه لا يقوى على شيء.. سقطت عليه الكثير تلك البقايا ولم يستطع أن يحرك ساكنا.
أراد أن يستغيث ولكن صوته لم يُسعفه ؛ فقد اكتشف أنه لا يقوى حتى على الكلام. أخذ يحرك يديه ورجليه ببطء شديد ، ولكن مع الأسف كان هذا كل ما يستطيع. أراد الفتى أن يُحدث صوتا لعل أحدا يراه أو يشعر باستغاثته. استمر على هذا الوضع قرابة الخمسة وأربعين دقيقة.. خمسة وأربعين دقيقة من العذاب. لا يدري ماحدث! كيف وصل إلى هنا؟ أو حتى لمن هذا المنزل! ومن الذي هدمه أو أحرقه بهذا الشكل!
الكثير والكثير من التساؤلات دارت في دماغ مُنهكة، لا تستطيع رؤية الكثير من الأشياء، ولا حتى التمييز بين بعض الأشياء.
استمر الوضع هكذا وقد كان وجهه ملتصق بالأرض حتى غطته الأتربة.
وفجأة أحس بيدين حوله، وأخيرا أتى شخص ما لينتشله من تحت تلك الأنقاض. لم يستطع معرفة من كان يجره ، ولكنه بعد ثوان تيقن أنهما شخصان ، وسمع كلمة تٌقال من على بعد ، ولم يعلم من قائلها.. سمع شخصا يقول: ماهذا! لقد جُننت أنت وابنتك!
ثم نظر أمامه فاستطاع أن يرى سيارة لونها أحمر.
وفجأة..
غاب الفتى عن الوعي مرة ثانية.




يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي