عِشّق النغم

ريهام الدغيدي`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-08-05ضع على الرف
  • 163.4K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

فتاة فى السابعة والعشرين من عمرها تجلس في سيارتها حديثة الطراز تُتمم على ما ينقصُها ؛ هذه حقيبتها والاُخرى بطاقاتها، وهاتفها المحمول، ثم تترجل من السيارة بعدما صفّتها في مكانها المعتاد أمام منزلهما.
تقف مكانها ثم تتطلع إلى البناية التى تخصهما، ذات الطوابق العالية، ثم التفتت حولها تنظر إلى المدينة التى يقطنان بها الآن؛ فقد تغير الزمان، وكذلك المكان!
تخلع نظارتها الشمسية فتظهر من خلفهما عينان شديدتا القتامة، ورموش كثيفة ترفرف بهما بإستمرار دون إرادة، بشرة بيضاء ذات إحمرارٍ طفيف في الوجنتين، وتضع حجابًا بسيطًا حول وجهها؛ أعطاها مظهرًا جذابًا.

ثم نظرت إلى الطابق الأول، فهو يخص جدتها والثاني يخص خالتها وعمها والثالث لهما والرابع.... !
تنهيدة وابتسامة جانبية ظهرت على شفتيها ابتسامة وجع! أم سخرية أم ماذا ؟
( لا)
فهى حنين لا اكثر.
دخلت البناية، ثم ذهبت إلى جدتها أولاً كي تأخذ بركتها، ورسمت إبتسامتها الحقيقة هذه المرة،
كانت العجوز تنظر إليها بحنانها المعهود فهي حفيدتها الأولى…

(روح معتز ابو الخير)

هي أول من جاء، ومعها أتت السعادة، وكذلك تغير الحال..
ومعها كان الرزق، فَرزقِهم كان في تغير معيشاتِهم وكانت هي فاتحة الخير عليهم جميعًا

قَبلتها من رأسها باعتزاز ، وابتساماتها زيَنت ملامح وجهها، ثم تحدثت تطمئن على صحة العجوز:
_ازيك ياتيتا عاملة إيه النهاردة !
وإجابة جدتها كانت:
_الحمد لله ياروح قلبي
بدأ وجهها يشع بهجة في كل مرة تصفها بهذا اللفظ فهى دائماً تضع كلمة (قلبي) مع ذِكر اسمها
لكنها هتفت بتساؤل هذه المرة:
_ نفسي أعرف ليه دايما بتقوليلي روح قلبي ما كفايه روح بس ياتيتا!
نظرت جدتها إلى الصورة المعلقة خلفها على الحائط، فهي تشبه جدها الراحل كثيراً في حزمه وحنانه وصرامته، لذا هتفت جدتها سهى التي علي مشارف الثمانين من عمرها:
_عشان دايما بتفكرينى بجدك رشاد.
نظرت روح إلي صورة جدها فتمتمت بدعاء:
_ ربنا يرحمه يارب،
ثم حاولت جذبها بعيداً فهتفت غامزة إياها'
_ يعني جدو هو قلبك مش انا ؟
تجلجلت ضحكة العجوز بسبب تعليقها ، ومازالت عيناها معلقة علي هذه الصورة هاتفة:
_ الله يرحمه لو كان عايش كان هيحبك أوى، كان نفسه يشوف أحفاده، لكن انتِ أما جيتى كنتي السبب في إن الحزن اللى كنا فيه دا يتبدل وبعدك حمزة ونغم وأدهم وكلكم ياحبايبى
سمعتا صوتًا من الداخل يهتف:
_ياخالتو مش هتاكلي!
كانت عمتها ندى التي تُقيم مع جدتها بعدما تُوفي زوجها وسافر ابنها إلى الخارج،
تنحنحت روح ثم هتفت بتهذيب وهى تلقى السلام على عمتها:
_ازيك ياعمتو
نظرت إليها ندى التي تتجاوز الخمسون من عمرها وهي تبتسم ابتسامة نابعة من قلبها فهي تكِن لها حبًا خاصًا لكن الحياة تغيرت وأصبح الحال بينهما متوتراً
تحدثت أخيرًا وهي تنظر إليها:
_ ازيك ياروح تعالي يالا عشان تاكلي معانا
شكرتها روح ثم وضعت قُبلة علي كف جدتها واعتذرت بود قائلة:
_ بالهنا والشفا، أنا هطلع بقه أشوف الجماعة فوق
ثم تركتهما فنظرت ندى إلى ملامحها التى اختفت وأطلقت تنهيدة بداخلها ثم هتفت بشرود:
_ هتفضل لغايه إمته واخدة جنب مني!
والإجابة كانت من خالتها سهى، وهي تقول بغموض واضح علي ملامحها:
_ سبيها يا ندى الموضوع مكنش سهل عليها
…………………………………………………………………………

يتطلع إلى الورق الذي أمامه وينهي اللمسة الأخيرة ، ثم ينظر الى ساعته، ويظهر ابتسامة رضا علي وجهه ؛ فَلديه الوقت الكافي كي يذهب إلى محاضرته.
يرتشف مابقي من فنجان القهوة الذى أمامه مع صوت
طرقات على باب مكتبه جعله ينتبه، وهو يعدل من نضارته الطبية
وهتاف من التى دخلت قائلة:
_ ها يادكتور خلصت!
تطلع الأخير إليها وإبتسامته الجذابة أعطته مظهرًا رائعًا…
(حمزة خيرت)
الذى أصبح على مشارف الستين من عمره، ويعمل أستاذًا في جامعة التجارة،
وهذا العام هو النهاية بالنسبة إليه في حياته المهنية، يريد أن يتفرغ لشيء واحد فقط وهو بيته، على الرغم من كِبر سنه هذا إلا أنه دائما يحافظ علي لياقته البدنية، فعندما تراه تعتقد أنه في منتصف الأربعين لا أكثر.

تحدث وهو ينظر إلى زوجته التى تُدعى نغم وملامحها الهادئة التي تجذبه بحنانها مهما مر العمر بينهما

(نغم أبو الخير)

التي سلبت عقله قبل قلبه يومًا، وجعلته عاشقًا مجنونًا بها ، وقَضى معها أياماً وعمراً كاملًا ولم يتغير عشقهما هذا، بل ازداد بوجود ابنتيها نغم وشهد،
واحدة تشبهها في عنادها، وكبريائها ، أعطاها اسمها من شدة حبه لها
والآخري تشبهها أيضا؛ ولكن في حنانها وأحلامها الوردية.
لهذا أطلقو عليه لقب: ( أبو البنات)
تحدث، وهو ينظر إليها بإبتسامته الجذابة:
_أيون ياأم نغم خلصت ، ويادوب ألحق آخد منك بوسة عشان أنزل
ابتسمت نغم، وهي تقترب وتضع قُبلة علي خدّه هاتفه: مبتكبرش أبداً ياحمزة!
بادلها البسمة ، وغازلها قائلاً:
_ وأكبر ليه ؟ وأنا معايا ست البنات كلها!
أطلقت ضحكه عالية على تعليقه ، ثم تحدثت:
_بنات!! هو احنا هناخد زمنا وزمن غيرنا ياحمزة، دا أنا هدخل ف الخمسين أهو.
مازال قلبه ينبض بعِشق كلما أصدرت ضحكتها المجلجلة أمامه ؛ لذا قَبّل يديها بحب، ثم هتف:
_ انتِ عندي لسه نغم الصغيرة اللي كانت مجنناني معاها ودلوقت بقيتِ أم بناتي
وكأنها تذكرت سبب مجيأها إلي هنا وهو يُذَّكِرُها ببناتها، فبدأت إسطوانتها المعتادة:
_ بمناسبة بناتك بقى؛ نغم هانم مبتعملش معايا حاجة خالص، وشهد مبتسمع.....!
لم تستكمل حديثها ؛ فقد قاطعها بقِبلةٍ علي مقدمة رأسها، ثم عاد يأخذ سترته، وحقيبته، ويهتف بكلماته المعتادة:
_ طب ألحق أنا المحاضرة؛ لأنها هتفوتني، ونبقى نشوف البنات الوحشين دول مزعلينك في اية لم أرجع بالليل .
احتقن وجهها فهو دائما يفعل هذا، يهرب من مواجهتهما، ويدللهما على حسابها هي
لذا هتفت بصوت مرتفع:
_ هو دا اللي باخده منك أنت وبناتك ياحمزة ماشي
وانطلق ضاحكا وأغلق الباب خلفه وهو يرتدي سترته، وقبل أن يهبط الدرج كانت هي أمامه فظهرت ابتسامة أبوية على وجهه وهو يهتف:
_الحلو جاي منين كدا!
نظرت إليه وإللى وقاره وأناقته وابتسامته ثم خرجت الكلمات من فمها قائله:
_ تعرف ياخالو لما بشوفك كدا وأنت شيك وأستاذ في الجامعة وهيبه كدا وبتكلم معاك بحس إن ملكت الدنيا وما فيها
صدرت ضحكة منه على حديثها ثم أخذها في أحضانه يُقبل جَبينها ويهتف:
_ انتِ حبيبة خالك ياروح، زي شهد ونغم عندي
تفوهت روح بإبتسامة:
ربنا يخليك لينا يا خالو .
ثم وجهت سؤالها:
_ حضرتك نازل الجامعة؟!
أجابها:
أيون ياحببتي يادوب ألحق المحاضرة، وأرجع ع الشركة
ثم تحدث بجديه:
_ ها الشغل عامل ايه وأنا مش موجود!
أجابته وهي تلقي تحية أمامه:
_ تمام يافندم كله تحت السيطرة
ابتسم ثم علق:
_ طموحه زي خالك مازن، مش زي أبوكِ خالص
أصدرت ضحكتها مجلجلة فهي تعرف مقدار العداوة المرحة التي بين والدها وخالها من الصغر وحتى الآن بسبب عمتها نغم ومغازلة أبيها لها وغضب خالها الغيور علي زوجته
لذا هتفت مدافعة عن والدها الحبيب:
_ هو فى زى بابا دا حبيبي
رفع حاجبيه بضيق خفي مازال يغار من أبيها فيما يخصه، وحتى إن كانت ابنة شقيقته.
ضحكت علي نظرته المغتاظة هذه ثم سمعت صوتاً من الداخل فهرول حمزة قبل ان تفتح زوجته الباب قائلا:
_ هِيبتي راحت وأنا بلبس الجاكت على السلم بسبب عمتك واللى بتعمله معايا، ألحق المحاضرة قبل ما تطلعلنا
نظرت بذهول إلى خالها وهو ينطلق قبل أن تراه عمتها،
لكنه سمع صوتها وهي تهتف بصوت مرتفع نوعاً ما:
_ سمعتك، ماشي ياحمزة لما تيجي
ظلت تضحك بقوة على مرحهما وتمنت من الله أن يُطِيل من عمرهما،
نظرت نغم إلى روح ثم ألقت عليها التحية هاتفة:
_تعالي يابت ياروح أما أقولك
استجابت روح إلى عمتها ودخلت خلفها ثم هتفت وهي تغمز بعيناها:
_ أؤمري ياعمتو ها هنعمل مصيبة ولا إيه !
وكزتها نغم على كتفيها ثم هتفت:
_ يابت هو انتِ مبتحبيش غير المصايب طالعة لأبوكِ صحيح
ثم هتفت بجدية:
_ ادخلي بس كدا واقعدي عشان أقولك عاوزاكِ في إيه

…………………………………………………………………………….....

خرج حمزة من البناية التى يعيش فيها مع عائلته، حيث الأشجار في كل مكان والأزهار، وهو يحب هذا النوع من الأزهار والاهتمام بجمال الطبيعة والمظاهر الخلابة والنظافة وكذلك الهدوء،
سَخِرا من نفسه وهو يذكر كلمة الهدوء *مدينتي* أصبحت اليوم في غاية الزحام تشبه تمامًا -عين شمس-
لا يقصد بهذا غير الازدحام الذي هو يكرهه.
نعم كان في بداية مجيئهم هُنا الصمت يعُمها من كل مكان ومع مرور الوقت والزمن أصبحت منتشرة بالزحام،
أما إذا كانت هذه المدينة غير مزدحمة فهى من أرقى مُدن القاهرة
ذهب إلى سيارته ولكن لفت انتباهه شاباً يقترب من البناية
في منتصف الِعشرين من عمره
يضع خوذة على وجهه ويرتدى سروالاً من الجينز، وبهذا الإستايل الذى يشمئز منه ، ويخبرونه دائما أنها الموضة، وقميصا يفتح أزراره الأول و الثاني ويصف دراجته النارية

ويخلع عنه خوذاته ويُعدل من شعره الذي دائمًا يفرح به مع كل حِلاقة جديدة تعجبه من المشاهير يُقلدها،
وبشرته البيضاء التي تغيرت درجتها بسبب الشمس، وعيونه التي تأخذ عيون أبيه بالضبط
هز رأسه رافضًا الهيئة التي يراها أمامه ثم تحدث:
_ جاي منين يا أستاذ؟!
التفت إليه الشاب، ثم هتف بإبتسامته المرحة:
_ يا سلام عمو حمزة مرة واحدة
ثم ذهب في اتجاه سيارتة يُقبلهُ قبلته المستفزة هذه
وما يفعله معه عمه أنه يبعده وهو يعنفه بطريقته المغتاظة منه:
_ بطل يا رخم يا مستفز
ضحك آسر على تغير ملامح عمه وتحدث:
_ الله بحبك ياعمي
كز حمزة علي أسنانه بغيظ وهو يلعن نفسه أنه جعله يأتى إليه لذا هتف متسائلا:
_ جاي منين كدا ع الظهر
غمزه آسر ثم هتف بابتسامة :
_ كنت مع سمائي
قلدهُ حمزة:
_ سمائي ! انت يابنى مبتحترمش نفسك ليه وتنزل الشغل مع أبوك
تحدث آسر بمشاكسة:
_ ما أنا بنزل أخلصلكو اللي ناقص وكفاية أوى كدا
هتف حمزة بجدية:
تعرف ياآسر إنتَ ذكى جداً ودماغك حلوة
ابتسم أسِر علي حديثه ، ثم هتف وهو يعدِّل ياقة قميصه بغرور:
_ ربنا يخليك ياعمو دى شهادة أعتز بيها والله
استكمل حمزة حديثه وهو يعنفه:
_ لكن بتستخدمها ف التفاهات ياتافه،
ثم نظر إلى الدراجة التي تخصه قائلا:
_سباق وموتسكلات وبنطلون مقطع ايه المنظر دا!
رفع آسر حاجبيه ؛ فعمه تحول في أقل من الدقيقة ، وبدأ يأخذ الموشح الذي يعطيه إياه كلما رأه ويصمت احترامًا له ، ولكن هذه المرة هتف بعدما انهى عمه الحديث قائلا:
_ها ياعمو خلصت ؟ أقولك على حاجة بجد انت من ساعة ما قعدت مع مراتك وانت بقيت زيها
وكزه حمزة علي كتفيه هاتفا بجدية:
_ ولد! احترم نفسك!
ابتسم آسر ثم هتف بهدوء هذه المرة:
ياعمو أنا عاوز أعيش حياتى وأتجوز وأخرج وأجري ماليش أنا ف الجو بتاعكو دا
تحدث حمزه بحسرة على حال ابن أخيه:
_مش عارف مش طالع لأخوك حمزة ليه
نظر إليه بإبتسامة ورفع حاجبيه بتلاعب قائلا:
_ أنا طالعلك أنتَ ياعمو
ابتعد عنه حمزه:
_ أنتَ ياولد ابعد عني أحسن، عشان أنتَ فاضي ومش وراك حاجة غير العَط ورا البنات
نظر آسر بذهول إلى عمه وهو يهتف بهذه الكلمة، من أين أتى بها! ثم انفجر ضاحكاً وهو يهتف:
_ عط ! أنت جبت الكلمة دي منين ،دا أنا الولد الفاسد مبقولش كدا!
ثم تنحنح قائلا بهدوء:
_ وبعدين أنتَ عارف إني محترم وخاطب وهانت واتجوز
هتف بدعاء
_ ربنا يهديك هتتجوز امته؟
أجابه بإبتسامة:
_ هانت ، كلها شهرين أهو
تنهد حمزة ثم هتف بنصيحة أبوية:
_ إن شاء الله، خلي بالك من نفسك ياآسر، أنا بخاف عليك زى نغم وشهد
ابتسم آسر، ثم وضع يديه على كتفي عمه قائلا:
_وانا كمان بخاف عليك، وبعتبرك زي عمى كدا
نظر حمزة إلى يداه التي على كتفيه ثم أمسكها ضاغطاً عليها بقوة ألمته فهتف بألم:
_ إيه ياعمو مالك
ابتسم حمزة ثم عدل من وضع الشمسية هاتفاً:
_ ها شكلي حلو!
ابتسم آسر ثم هتف بغمزة:
_ بس بابا أشيك
كان يظن أنه يستفزه لكنه هتف بإبتسامة:
_ أبوك دا ابني وتمرت فيه التربية، الدور والباقي عليك
اتسعت عيناه قليلاً وهو يرى عمه يقصف جبهته فانفجر ضاحكاً وهو يودعه.
…………………………………………………………………………………

فى غرفة ما في مكتب خاص به يجلس رجل بصرامته المعهودة لدى الجميع، يدور بشرود بمقعده حول المقعد الذي يجلس عليه، يتطلع إلي الصورة التي أمامه،
وحنين بداخله إلى الشخص الذى بها، ويتذكر حياته منذ زمن كان صبياً في الرابعة عشر من عمره عندما انفصل والديه ثم أصبح شابا تائها ضائعا في ملكوته ، إلى أن تغير به الحال، وصار رجُلاً يُعتمد عليه منذ أن توفى والده
وتحول من كائن مستهتر إلى أب وزوج، والآن أصبح لديه حفيد ، رغم صغر سنه هذا فهو في منتصف الخمسين من عمره،
"شادي حازم"
الذي يمتلك من البشرة بياض ناصع، وإخضرار عيناه مازال علي حاله، لم يغيره مرور العمر، وشعره الأشقر الذي أصبحت تتداخل فيه شعيرات بيضاء، وذقنه البيضاء تعطيه جاذبية خاصة؛ كأنه شبيه للأخوين حسين ومصطفي فهمى
دخل عليه شاباً في منتصف العشرينات، يحمل بعضاً من ملامحه بإختلاف لون عينيه التي أخذهما من والدته، أراد أن يتحدث ؛ لكنه انتبه إلى شروده….
أو بالأصح طقوسه التي يعرفها مؤخراً عندما يدخل عليه ويراه عالقًا هكذا بصورة جده الراحل
كأنها نسخة من الصورة التي أمامه نفس الملامح وكذلك الهيئة مع اختلاف الأسماء فقط.
جده حازم صاحب هذه الشركة التى يعملون بها، أو من الأصح قبل أن يتشارك معهما خاله وأصدقاء والده.
تنحنح الشاب كى ينتبه إليه والده فهو لديه أعمالا يجب أن ينجزها
فانتبه إليه شادي قائلا:
_ تعال ياحازم
اقترب منه حازم وهو يعطيه الملف قائلا:
_ دا الملف اللى حضرتك طلبته من روح، هى قالتلى أسلمهولك بنفسى قبل ما تمشي
أومأ والده برأسه وكاد أن يتحدث لكن حازم أردف هاتفاً بعتاب:
_ حضرتك بقيت تتعب كتير في الشغل يابابا والأحسن إنك تكون فى البيت ترتاح
_ خليه ياحازم يعوض ويشيل اللى كنت شايله زمان
والصوت كان هذه المره من العجوز الصغير الذي مهما تغير الزمان لن يتغير هو ولن يظهر عليه الكِبر.

صديقه معتز الذي كان يعمل لدى جِده يوماً وهو من وقف بجانبه بعد وفاته حتى أصبح يكِن له مشاعر أخوية كبيرة حتى أصبح في يوماً شريكاً هو والعائلة.

ابتسم شادي ولم يُعلق فأستكمل معتز حديثه:
_ أكمل ولا أسكت أحسن؟
نظر حازم إليه بتهذيب هاتفا:
_ كمل ياأونكل
ضحك معتز ثم تحدث وهو يغمز شادي قائلا:
_ أبوك كان زمان عيونه حلوه وشعره أصفر وكان مدوخ البنات ساعتها ومكنش فاضي نهائي للشركة،
أما أنا بقه وعمك مازن من يومنا واحنا متمرمطين فيها أيام جدك الله يرحمه ما كان عايش
ثم وضع يديه علي كتفي حازم هاتفاً بجديه:
_ لولا أنا ياحازم يا ابني مكانتش الشركه دي بقت أول شركة استيراد وتصدير علي مستوى الشرق الأوسط.
لم ينتبه إلي الشخص الذي دخل وهو يستمع الى نصف حديثه الذي لم يمل منه وهو يردد :
_ أما قصة عبرة بصحيح
كتم شادى ضحكته وتنحنح حازم كي لا يُظهر هو الآخر هذه الضحكة فالأن قد اجتمع الثلاثي
مازن خيرت ومعتز أبو الخير وأبوه
عليه أن يذهب الآن قبل أن يخبروه عما كان يحدث في صغرهم وشبابهم
أخيرا انسحب بهدوء هاتفا:
_ طب أنا هستأذنكم لأن عندى شغل كتير،
خلع مازن نظارته الطبية ، وجلس على أقرب مقعد أمامه ووجه حديثه إلى حازم:
_ هتتجوز إمته ياواد ياحازم
نظر إليهم حازم ثم هتف بتلقائية:
_ مش لما تعرف العيلة الأول وتفهمها أبقى أتجوزها!
صدرت ضحكات عالية وقهقهة من معتز وهو يهتف بأسف مصطنع:
_ عندى أنا دى ياحازم معلش، حظك إنك دخلت العيلة
ابتسم قائلا:
_ انا ليا الشرف طبعا ياأونكل
ثم وجه حديثة الي مازن :
_ لسه ياعمو شويه كدا،
ثم أردف بابتسامة
_ أنتَ عاوز تخلص مني ولا إيه
ضحك مازن قائلا:
_ لا يابني أنا بقولك عشان أنصحك متستعجلش زيى أصل زمان كنت مستعجل وأهو أنت شايف دلوقت
هتف معتز محذرا:
_ ها أتصل عليها ؟
أردف مازن حديثة قائلاً .
_ وزي ما أنت شايف ياحازم بندم إن متجوزتش بدري خمس سنين كمان
انطلقت الضحكات من أفواههم ثم تركهم حازم ذاهباً إلي مكتبه،
فنظر معتز إلى مازن وما يرتديه:
_ ايه اللى انت لابسه دا مش هتكبر ؟
لابس بنطلون وتيشيرت وعاملي نفسك ف التلاتين
هتف مازن بشقاوته المعتادة:
_ أنا فعلا يبان عليا في التلاتين لا شعري أبيض ولا عندى الضغط زيك
هتف معتز بغيظ :
_ ماهو جالى منين يعنى جالى من أختك
نظر إليهما شادي ب ابتسامة فهو دائما يحب تجمعهما ومراوغتهما منذ زمن وهما على نفس الحال
التوأم كما يسميهما هو، فَهما أصدقاء العمر
وعندما صمت ولم يتحدث هتف معتز:
_ إيه ياشادي فينك
هتف شادى بإبتسامة:
_ بفتكر زمان عمركو ما هتكبروا أبداً
وشرد كل منهم في ماضيه والابتسامة على شفتي كل منهم
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي