روايه محطة القطار.

Rihamahmed`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-05-07ضع على الرف
  • 66.1K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

رواية محطة القطار. ريهام أحمد
كان دائما يذكرها القطار بأحلامها التي تهيم بها في كل مكان رافضة أن تكن صورة طبق الأصل من الجميع مما هم حولها فكان وقوع منزلها بقرب القطار اثر في نفسها ففي كل يوم تري القطار وتسمع صوته وهي تشيع فيه كل أحلامها التي كان من الصعب الوصول إليها وهي في هذا المكان الذي يصادر ن فيه الحالم والذي مازالت فيه عادت قتل الحالم جرم لا يعاقب عليه القانون ,لكنها لم تعبا بشيء الجميع يراها جامحة لا قلاع تمنعها ولا منازل وحياة تقوضها وعلي الرغم من شدة الانتقادات التي تتعرض لها لم تهتم وأصرت ورغم كل شيء حولها أن تكمل دراستها وتتفوق فيها لتقدم علي الكلية التي تحلم بها.

وهي ليست موجودة في الجامعة التابعة لمدينتها فكانت كل يوم تنتظر القطار لتستعيد معه أحلامها التي تنتظرها وتحلم بها لتأخذ ذات يوم القطار وتذهب وهي سعيدة ترسم علي ثغرها ابتسامة النجاح والانتصار معا .



"الفصل الأول"

لم يكن صوت القطار فقط وهو ذلك الحلم المعلق لتلك القناة التي تقع في مكان ما في الأرض أقصي ما تعلمه عن العالم من حولها وهو حلمها المعلق بين سماء الآمل وواقع المستحيل فهي فتاة تقع في أقصي الأرض في الصعيد كيف لها أن ترى لون مختلف للحياة في تلك الأرض؟
لا ترى النساء من شرفة ولا تعرف طريق لباب المنزل في تلك القرى المعدمة التي ويعمل معظمها في زراعة الأرض. التعليم لديهم أمر مختلفا فالأغلبية العظمي لا يتعلمون سوي فنون الطهي والزراعة والري وتربية الماشية والحيوانات وعلي الرغم من اتساع منازلهم إلا أنها سجون لتلك الحريات المصادرة فالجهل هو سيد تلك البلاد كيف أن اكمل دراستي ؟
واقعة بين أسرة مكونه من تسع أبناء ثمانية منهم بنات وولد أخير كان لأجله فقط ولد ذلك الكم من الفتيات . فجميع أخواتي متزوجات و حياتهن لا تختلف كثيرا عن حياة الآخرين هنا ولكني لا أريد أن تكن حياتي مثلهم فالتمرد يجرى في دمائي كما تجري الدماء بالعروق.

فصافرة القطار تذكرني في كل وقت بحلمي والتحدي الكبير الذي أمامي وبخاصة حين أري القطار مسرعا واري نفسي بداخله ذات يوم. لم يكن القطار فقط هو تلك الوسيلة للخلاص من كل ذلك الواقع والخروج منه بل حرب لتصل بها إلي كل ما تريد فأمامها الكثير والدها وعقليته المتحجرة التي لا يغيرها طموح ولا يتخللها صوت ليستمع إليه فكل حديثه أمر لنا جميعا فمن يستطيع أن يرفع بصره في وجهه تلك الدكتاتور الأعظم الذي صنعناه نحن بالخضوع والخنوع التام له فلا نعرف معه إلا تنفيذ الأوامر في صمت وذلك مهما كان شعورنا بأننا نرفض تلك الأوامر ولكن لم يفرق كثيرا لأنه بالنهاية سنرضخ وننفذ كل هذه الأوامر فما السبب الذي استطيع به أن أصل لما أصبو إليه تذكرني صافرة القطار ويقطع علي كل هذه الأفكار الجامحة حتي أعود لواقع أمري فلا سبيل إلي الخلاص من ذلك سوي بالخلاص نفسه لعلي اجد وسيلة أخرج بها عن أصنام الأفكار التي تسيطر علي الجميع في هذه القرية.....
نعم أنا تلك الفتاة التي تقاذفها القدار إلي أن انتهي بها المقام في تلك القرية التي اختارت أن تكون سجينة تلك العادات والتقاليد خوفا من بعضهم البعض ,لكن بداخل كل منهم رغبة جامحة للتغيير والتحول ،ولكن مخاوفهم أكبر من تلك الرغبة الجامحة في التغيير فارتضي الجميع أن يمارس تلك الحياة علي نفس شاكلتها التي اعتدوها جميعاً مجرد التفكير في الخروج عنها يقتله.
الليل يبدأ مبكرا هنا فمنذ أن تبدأ الشمس رحلتها في الغروب يبدا الليل ويهرع الجميع لمنازلهم ،ولكن للنساء هنا شأن آخر فهن كالآت المصانع في العمل عملهن لا ينتهي بوقت فالكفاح دائما في المنزل حين في حربها إعداد الطعام وحين ترعي الأطفال وحين آخر تنظف المنزل وحتى سدول الليل يتوقف عملهن ..
كنت دائما ما انبري أساعد أمي في كل تلك المهام التي علي كاهلها بمفردها لم اعد سوي أنا معها بالمنزل واخي الصغير الذي مازال لم يخطو بعد جالس يلعب علي الأرض. فدلف والدي إلي داخل المنزل واغلق الباب بالكثير من الأقفال ثم اغلق المزلاج الأول الذي في أعلي الباب والآخر الذي في منتصف الباب ثم اغلق المزلاج الأخير ودلف للداخل نظر إلي بكل كبرياء.
عهدت منذ زمن طويل واعتدت عليه وانحني بجذعه علي أخي يقبله في رأسه وحمله وهو يداعبه. نعم أتذكرها تلك النظرة التي تقول الكثير من الحديث دون حديث فأري بها ندمه علي أنه انجبنا وكان انتصاره الوحيد هو أخي الصغير. لم يقنع يوماً بأننا يمكن أن ننجح في شيء بل يعدنا هو بلا أهمية وقيمة. لم أريد سوي أن اقتلع تلك الأفكار من رأسه كاقتلاع النباتات من جذورها بالأرض لعلي استطيع إن أغير ذلك الواقع البائس وأثبت للجميع إنني قادرة علي أن افعل كل شيء لا كما يجهل والدي والجميع ويظنوننا دمية يعبثون بها وقتما أرادوا دون سمة اعتراض بسيط منا فحديثا هو صبر وصمت..
البعض ينظر لهؤلاء الذين ينتمون لعائلة كبيرة علي أنهم فوق البشر مميزون لا أعلم وجه التميز في ذلك. بل اعلم جيداً عيوب هذا في انهم محط أنظار الجميع وتصرفاتهم مراقبة وخطواتهم محسوبة عليهم قبل أن يخطوها فإن والدي كان دافعه الوحيد للزج بأخواتي الفتيات للزواج وهم في سن صغير وهو خوفه من حديث الناس وألسنهم القاتلة. لا اعلم وجه خوف أبي من آخرون نحن أكبر منهم في كل شيء,لكن طبيعة المجتمع تفرض علي الجميع الرسوخ له والانقياد والتسليم لذلك المجتمع التي حتي الأنفاس لا تأخذ فيه بحرية بل تأخذ فيه تبعاً للعادات والتقاليد وصل بهم الجهل إلي أن يفعلون كل شيء بنمطية معتادة في حدوثها كدوران عقارب الساعة بل حتي الساعة يغلبها عامل الزمن وتتوقف ولكن هم لا...
أخذت ارتب مع والدتي المنزل فقد اعتادوا أقاربنا علي الاجتماع ليالً في منزلنا مع والدي ويتحدثون معا. أكره تلك الاجتماعات المغلقة التي يخرجون منها بقرارات مصيرية لا يرهقهم أخذها ولكن يقتلنا سماعها فما بال أن ننصاع لها خاضعين دون حق اعتراض وزمجرة عليهم كتلك الاجتماعات التي تأخذها الدول العظمى وتلزم بها الدول الضعيفة الفقيرة.
كنت خائفة أن يقرر والدي مصيري في أحدي هذه الاجتماعات وبخاصة هذا الاجتماع فوالدي لا يفرق معه شيء ولا ينقصه شيء لينتظره وانا أيضا كنت في عامي الأخير بالثانوية العامة وأخاف إن يقضي والدي علي كل ما أحلم بكلمة مصاهرة منه لأحد بشأني.
فكنت أجلس بالداخل ارتعد وأخاف إن أدفع أنا الثمن لهذا الاجتماع بمفردي وأتحول من تلك الزهرة الصغيرة المتفتحة إلي زهرة تذيل في تربة غريبة لم يكن هذا المصير جديد. رأيت أخواتي وهم يحتضرنا في ثوب الزفاف فكان نفسه الثوب ثوب الزفاف وثوبا للدفن بقيد الحياة وسط دائرة هم صغارعليها .
صدق حدسي فكان هذا الاجتماع الذي استخرجت فيه شهادة وفاتي وأنا علي قيد الحياة فقد قرر والدي عقد قراني بعد نهاية العام الدراسي علي ابن أخيه كعاداتنا بالصعيد . ورغم علم والدي بأن ابن عمي أقل مني في كل شيء يكبرني بالسن,لكن العقل توقف به علي المراهق الفارغ ورحب هو وعمي بذلك لأنهم يطمعون في أملاك أبي وبخاصة أن أخي مازال صغير وأبي كبر وبلغ به من العمر عقده السادس. فرضخ أخيرا لإرادتهم بعد أن رفض ذلك في كل زواجات أخواتي فلا اعلم لماذا انتهي به الأمر للرسوخ لهم والاقتناع بهذا ؟ وافق وحدد موعدا القران لم أصدق ولم اعترف بذلك رغم اني سمعت الحديث من وأمي ظننتها تعبث بي لتقلقني لا أكثر,لكنه دلف خلفها يرمقني بنفس نظرة الاحتقار ذاتها.
وهو يقول: قررت بأن زواجك من ابن عمك نهاية هذا العام .
اعتدلت في جلستي ونظرت له كأني لم استوعب جيداً ما قاله فردد علي ما سماعي ما قاله بصوت أعلي مما قاله في المرة الأولى فاعتدلت له وأنا واقفة ولأول مرة ارفع وجهي لأنظر آليه وكأنني قطعت عقداً كاملاً استعد لتلك المواجهة.
وقلت : أبي اني ما زلت ادرس وأريد أن...
كاد يخرج من حجرتي ,لكنه في لحظة لا أعرف متي لا أتخيل ما حدث و لا كيف وقف بسرعة بجانبي ؟ اقترب مني ولطمني علي وجهي بشدة حتي انفجرت الدماء من انفي عليه وكذلك شفاهي ظننت أنه انتهي بهذه اللطمة التي شعرت بأنها حركت رأسي من مكانها المعتاد ثم امسك بخصلات شعرى المنسدلة علي ظهري واخذ يكمل سلسلة الضرب المتلاحقة في وانا بجسدي النحيف لا أملك أمامه حتى القدرة علي أن اخلص نفسي من بين براثنه.
لم يتركني إلا بعد أن خلصتني أمي من بين يديه وانا قد تورمت من كفيه بعد أن تركت آثارها علي جسدي ووجهي لم احتمل كل هذا فسقطت علي الأرض ووجهي ينزف وانا لا اشعر بشيء مما يحدث جولي كل ما كنت استشعاره هو الألم الذي في أجزاء متفرقة بي..
دلف لحجرته وقد تركني هكذا,لكني ظللت هكذا لم استطيع القيام حتي جاءت والدتي واكتشفت نزيف في رأسي فصرخت ففزع والدي من صرختها وجاء ونظر للدماء التي في المكان من رأسي وخرج بسرعة ليحضر طبيب من الوحدة الصحية القريبة من منزلنا.
تأخر كثيراً حاولت والدتي أن توقف النزيف لم تستطيع حتي دلف والدي للداخل ووضعتني أمي علي فراشي ومعه طبيب يدعي "أحمد" قد أحضره من منزله عندما لم يجد أحد في الوحدة الصحية هناك كعاداتهم. فذهب أحضره من منزله وبخاصة أننا في القري الصغيرة كهذه الجميع يعرفون بعضهم البعض جيدا اخذ الطبيب يومض جراج رأسي ووضع عليها رباط من الشاش ليوقف النزيف ويطهر الجرح وكان والدي يقف بجواره.
أنها المرة الأولى التي أري فيها والدي ذلك الرجل الذي كالجبال في قوتها رأيت عيناه وهي بها دمعة تحاول السقوط فيحجمها بيده حتي لا أراها ,لكني رأيتها واشحت بوجهي بعيد حتي لايري اني رأيته خرج الجميع وأنا بالحجرة بمفردي أحاول أن أجد مكان بجسدي يمكنني النوم عليه واستلقيت علي ظهري وانا أعاني الكثير من الألم به ، حدث شيء جعلني ابتسم وهو مرور القطار بصافرته المميزة بالنسبة لي فارتسمت علي وجهي ابتسامة الطموح نفسها .
مرت أمي لترى كيف أصبحت حالتي الصحية ؟ وأنا أغلقت عيناي للغرق في سبات عميق لشدة ما مر بي وقسوته.أخذت أتحرك وانا نائمة أتألم كلما اصطدم جسدي بالأوجاع التي فيه حتي أشرقت شمس يوم جديد علي وانا في ذلك الفراش أشعر باني مقيدة. لا أطيق تلك الجلسات الطويلة والمريحة التي يعتدها المرضي ,لكني أشعر بالتقيد في هذا الفراش فعصفورة جامحة مثلي لا يوقفها شيء أكره ما عليها هو التقيد حاولت كثير القيام ولكني لم أتمكن من ذلك لأن الألم شمل جميع جسدي بلا استثناء. مرت علي أمي بالطعام لم أتناول الكثير منه ورأيت أخي الصغير وابتسمت في وجهه وقلت له : ليتني كنت بمكانك.
نظرت لي أمي وهي غاضبة وشعرت من ذلك اعتراضها علي حديثي هذا فاعلم أنها لم ترقي حتي بتفكيرها لسماع ما أطمح ولا تفهمه فاخترت الصمت وأيضا لأنها لم تختلف في مصيرها عن مصير أخواتي فاقدر جهلها بما أريد وأنها لم تتلقي من التعليم سوي حتي صفها السادس الابتدائي فلم أرهق نفسي في أن اشغلها بما أريد يكفيها أعباء المنزل واخي الصغير .
مر والدي من أمام حجرتي وهو يسترق النظر إلي ليعرف كيف أصبحت حالتي الصحية؟ بخاصة بجسدي الهزيل هذا. هكذا فلسفة وقوانين الرجال يرفضون الانحناء والاعتراف بأخطائهم مهما أحدثت أخطائهم من نتائج فالكبرياء هو ما يجرى في عروقهم محل الدماء. لم اقصد بذلك أن يعتذر والدي عن أخطائه أو حديثه ,لكن فقط لمرة واحدة يشعرني بأنه أبي لا أكثر رأيته وهو ينظر إلي من بعيد كعادته بتلك النظرة التي امقتها بشدة منه وكأنه يعلم ذلك فيعيدها علي في كل مرة يراني فيها.
جاء والدي ومعه الطبيب " أحمد" وأخذ يباشر عمله في تغيير الشاش من علي رأسي وأنا أتألم ووالدي ينظر إليه وهو يغير الشاش .لم اهتم بكل هذا فكان التفكير يهلك عقلي حتي أجد سبيل بأن إلا أتزوج ابن عمي ذلك الجاهل الفاسد الذي أنفق كل نقودهم وأموالهم هو وإخوته الثلاثة الرجال ومبررهم في ذلك هو كونهم رجال لا أكثر من ذلك لا أعرف تلك العادات والتقاليد التي تكبل بها النساء وتطلق للرجل الحرية جامحة بلا قيد ولا شرط ولا يحاسبهم مهما اقترفوا من الذنوب فقط لكونهم رجال ..
تطورت حالتي الصحية بسرعة وبعد حرب شديدة حاولت إلا أكون تلك العاجزة التي يقدم لها الآخرين مختلف الخدمات. تنهال عليها نظرات الأشفاق لا أرفض أن أكون تلك الخاضعة الضعيفة هزيلة الصحة فأنا تلك التي تمردت علي التمرد نفسه وحاربته وانتصرت عليه وقوضت كل محاولاته وأصبته فأصبحت احمل أنا اسمه بدل عنه لم يخيفني ذلك.
أعرف حدود مجتمعي جيدا والا أحيد عنها لا أحتاج كل يوم لنصائح أمي لتذكرني بالاحترام والأخلاق وأنها لا تريد أحد يتحدث عنا بشيء ولا يذكرنا بسوء. هكذا نشأت أمي وأرادت أن أكون مثلها وأخواتي ،لكني كالأمواج حين تشتد تقتلع كل شيء أمامها لا يوقفها خوف وهلع الآخرين منها فالبحار ابتلعت الكثير من البشر في ثورة أمواجها واخفت أماكن وخلقت غيرها أماكن أخرى.
كنت انصاع لحديث أمي لا التي تخاف من والدي بل لأني لا أريد أن أفعل شيء ادفع ثمنه طوال حياتي. فالحياة قليلاً ما تمهلنا فرص ونحن أقل منها في استغلال هذه الفرص.لذلك اكتفي بما في حياتي كنت كل يوم أتوجه إلي الله عز وجل بالدعاء والاستغفار والذكر. فاعلم أن الأقدا تتغير ربما يصادف هذا التغير تغير لقدري. فلا أتزوج ابن عمي الذي يظنني جزء من ممتلكات أبيه وكثيرا ما جاء لزيارتنا ليراني .ليجلس معي ,لكني كنت ابغضه وابغض حديثه وكثيرا ما تهربت من رؤيته بالخروج للمدرسة والنوم طوال اليوم .
اعلم انه يفهم كل أساليبي في الهروب واعلم أنه لا يريد من هذا الزواج سوي لاموال أبي. أما أنا فوجودي لا يمثل له الكثير فهو صادق فتيات بعدد شعر رأسه فأنا بالنسبة له مازالت تلك التي يعرفها جيدا ويثق بخلقها وتربيتها وبخاصة بعد كل الفتيات التي عرفها قبل أن يلتقي مصيرنا معا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي