الفصل الثالث

وكأن العالم قد توقف والهواء أصبح معدوم وضربات قلبها تكاد تسمع بالاذن من شدة سرعتها، شعور بالغضب، والألم، والخوف فقط لأنها سمعت صوت والدها، سؤال دائمًا ما كان يراودها هل شعورها تجاه والدها صحيح؟! لا تعلم تمنت لو كانت مثل باقي البشر تشعر بدفء الأب وحنانه، والراحة إلى جواره، كم مرت عليها الكثير من اللحظات تريد اخباره بما يحدث معها لكي يذهب معها ويخرس تلك الافواه التي تتحدث عنه، ولكن دائمًا ما كان بداخلها خوف يمنعها حتى من الحديث معه، وصراع بداخلها بين حبها اليه وخوفها منه، لم تكره أبيها يومًا، ولكن أحيانًا يكون ما بداخلنا صعب تفسيره.
نظرت إليه والدتها وقالت: كنا نازلين على طول.
الجدة: عامل ايه يا ابني، واخبارك ايه؟
الأب ببرود: الحمد لله، انتي عامله ايه؟
الجدة: فضل ونعمة.
قالت والدة هبه بسرعة فهي تعلم أن زوجها ووالدتها لا يرتاح كل منهم بالآخر: يلا بينا، وأن شاء الله آخر الاسبوع هجيلك يا حبيبتي خلي بالك من نفسك
حينها ضمت هبه جدتها إليها بقوة وهي تقول بهمس وصوت مكتوم،
هبه: هتوحشيني قوي لحد ما اجي تاني
الجدة بحب: هستناكي
خرجت هبه برفقة والديها، واصبح الصمت رفيقها مرة اخري كانت بعالم اخر لا تستمع إليهم ، عالم رسمته بخيالها وضعت به جميع أمانيها وما تريده بتلك الحياة، فاقت من شرودها على صوت والدتها وهى تخبرها انهم قد وصلوا إلى المنزل
ترجلت هبه مسرعة وهى تبحث عن اشقائها وتسلم عليهم بشوق وحب،
كان لديها من الاخوة ثلاث غيرها جيلان، وباسم،وسيف توالت الايام في صراع بين الام والاب، والابناء لا حول ولا قوة لهم لا يعلم اي منهم ماذا يفعل؟! كل منهم اصابه الحزن، والالم، وكانت هى تكبر يومًا عن يوم
وفي أحد الايام وهي بالمدرسة كانت تلاحظ نظرات غريبة من زملائها اليها واحاديث جانبية، وابتسامات تجعلها تتساءل ماذا يحدث؟ واخيرا عرفت السبب فقد وجدت هبه خبر انتشر بين زملائها بسرعة البرق
ان عمر وهبه يعشق كل منهم الآخر، لم تبدي اي ردة فعل، ولكن سألت نفسها هل بالفعل هي تحبه، هل تلك النظرات والابتسامات وخفقان قلبها بتلك السرعة حين رؤيته هل هذا هو الحب؟ ان كان ما تشعر به يسمي حب فنعم تحبه وبقوة بل تعشقه، وتعشقه روحها بكل ما اوتيت من قوة، ولكنها لم تستطع ان تقول هذا، وان تخبره انها تحبه منعها الخوف والخجل منعها هذا الحاجز من الصمت بينهم، لم يكن اي منهم يتحدث إلى الآخر رغم انه كان يتحدث إلى غيرها وكانت الغيرة تنهشها في ذلك الوقت، ولكن لم يكن اي منهم يملك تلك الجرأة لكي يخبر الاخر بما يحمله بداخله.
وفي أحد الأيام اصابتها حسرة جديدة فتاه تخبرها وبكل برود انها تحبه وكانت تتحدث إليه كثيرا، وهو دائم الحديث معها حبنها اعتقدت ان الأمر قد انتهي وان حظها العاثر وقف مرة اخري حاجز بينها وبين سعادتها
ألم بالقلب، والروح ودموع ترفض ان تنهمر من عينيها ودون ان تنتظر قررت الانتقال إلى مدرسة اخري بجانب جدتها وبالفعل، دون وداع ابتعدت عنه، وليكن الصمت هو المنتصر بيهم.
انتقلت هبه إلى المرحلة الثانوية وقررت أن تحبس الماضي بداخلها واقسمت ألا تعشق مرة اخري مهما حدث، وحاولت بقدر المستطاع ان تكون طبيعيه في التعامل مع والدها، تزوجت شقيقتها الكبري وفي تلك المرحلة وكحال الكثير من الفتييات في القري كان يتقدم لخطبتها العديد من الشباب، ولكنها كانت دائمه الرفض.
حتى جاء ذلك اليوم في احد المرات تقدم لخطبتها شاب في كليه الطب في السنه الأخيرة وكان هناك فرق سن بينهم، وهى لم تكن تريده، ولكن الأم ارادت ان تزوجها إليه وحاولت بكل الطرق ان تجعلها توافق عليه، وفي ذلك الوقت ايضا تقدم لخطبتها اثنان من اقاربها، وكان كل منهم له حياه مختلفه اختارت هي من اعتقدت انه سيكون من السهل الهروب منه وفسخ خطبتها به
هبه: انا موافقه اتجوز يوسف
الأم بصدمة: يوسف! منقيه يوسف ترفضي دكتور ووكيل نيابه وغيرهم وتاخدي ده
هبه: ماما لو سمحتي انا خدت اللي اقدر اتفاهم معاه
الأم بغضب: ده اللي هتقدري تتفاهمي معاه ده يا شيخه حرام عليكي
في تلك اللحظة تدخل الأب وقال: بقولك ايه هي اختارت وكل واحد يتحمل نتيجه اختياره
الأم بعصبية مفرطة: انت عاوز تجنني دي عيلة ازاي هتاخد بكلامها دي اصلا ولا فاهمه حاجه يا بنتي اسمعي كلامي
هبه بتصميم: ماما لو سمحتي ده قرار نهائي مني وخلاص انتم قلتم اختار وافكر وارد عليكم، وانا فكرت وقررت خلاص انا هتجوز يوسف
الأم بحزن: ماشي يا بنتي بس خدي بالك بكرة تندمي وتقولي ياريتني سمعت كلام امي بس ساعتها هيكون الأوان فات
نظرت لها هبه وهي لا تعي في ذلك الوقت معني حديث والدتها، لكنها مع الوقت أدركت معني تلك الكلمات جيدا، وادركت ان الزمن لا يعود إلى الخلف، وانه حين يتخد اي شخص قرار مصيري لابد ان يكون لديه الوعي والادراك الكافي لاتخاذ القرارات.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي