الحب تضحية

ندى سعيدى`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-07-03ضع على الرف
  • 1.8K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الاول المصارحة

المصارحة
الفصل الاول
المصارحة

أمسكت بكفه بتملك فطرى بينما يتجولان بين السهول و قادته نحو حقل القمح ثم تركت يده لتركض صائحة بجنون
_ إلحق بي إن إستطعت .

ركضت ومن بعد دارت حول نفسها، ليضيف إليها فستنانها الربيعي صفة الملاك، وزادت من سرعتها حينما إقترب منها أكثر، إعتقدت أنه سيسبقها، ستخسر الرهان، لكنه غير وجهته نحوها، أمسك بخصرها، قربها منه...حدق في عينيها مبتسما فبادلته إياها، بل تمعنت فى حدقتيه بجرأة أكبر، هذا الشاب كان أفضل هدايا القدر إليها، لهذا هي متمسكة به بكل جوارحها، تدعو دوما بأن يكون من نصيبها.

بدأت قصتهما معا منذ اربعة أشهر في مباراة كرة سلة، حين كانت عائدة من الجامعة كالعادة بتعب، بالكاد تحملها قدماها، لكنها توقفت لما إسترعي إنتباهها صوت ضحكات أطفال و تشجيع قادمة من الملعب، فسارت لتري ماذا يحصل، قد يكون شجارا بين هؤلاء الصغار وهي ستحله كما العادة، لكن ما نتظرها كان أفضل مفاجأة، شاب مفتول العضلات بثياب خفيفة ذات اللون الأسود، شعره الحريري الممشوط بعبثية يتطاير بمفعول الرياح، و الأفضل من كل هذا عيناه البندقية تلمع تحديا و تلك الإبتسامة الواثقة الي إستفزت كل خلية عاقلة لديها، شعور داخلي يدفعها لتقترب أكثر و تراقبه أكثر .

تقدم طفل صغير نحوها ليجذب طرف قميصها هاتفا
_ أنسة ليليا إنه يتحدانا، إن هزمنا فسنترك الملعب له كي ينام، أرجوك ساعدينا.

لم ترفض، ففرصة التقرب منه جاءت لها على طبق من ذهب، هي تحب كرة السلة و من الصعب عليها أن تخسر، إقترح عليها الشاب كالتالي، لو فازت فإنه سيترك الملعب للأطفال، وإن فاز!! فستعزمه على وجبة يختارها بنفسه ... بالتأكيد ليليا وافقت ، بل و لم تلعب بجدية، وحصل ماتمنته، فهما اجتمعا فى عشاء على حسابها وهو لم يرفض أو يمانع ...

عادت ليليا للواقع، و طوقت يديها حول عنقه، وهو زاد من ضمها لصدره، أسند ذقنه فوق كتفها يستنشق عبيرها، رائحتها كالنبيذ ، إن ثملت بها وأدمنتها، تورطت، وهى صارت تسرى فى عروقه...

بالمقابل عبثت فاتنته بشعره، أطبقت بشفتيها على عنقه، و عند هذا الفعل، تراجع للخلف ماسحا وجهه، لقد أخذت مشاعرهما منعرجا محرما، فتراجعت لليليا للخلف تحاول إستعاب مافعله زامة شفتيها بعدم رضا، وتساءلت باستنكار
_أديب ماذا دهاك ؟

_ مشاعرنا!! لقد أخذت منحنا خطيرا، لايجب علينا الإنجراف وراءها .. إنها نزوة محرمة ...

عظت على شفتيها السفلى بيأس، إنطفأت شعلة البهجة في عينيها و عاودت سؤاله
_ أهي نزوة ؟؟ أهذا تفسيرك لمشاعرك تجاهي ؟

فأجابها مؤكدا
_ بالطبع هي نزوة ... هل كل صديق تخرجين معه في نزهة تتصرفين معه بحميمية هكذا ؟

حللت ليليا كلامه بجدية واضحة، عبارات غريبة تنطلق منه، حميمية!! نزوة !!نزهة !!صديق!! قطبت حاجبيها بضيق و الأسئلة لا تكف عن غزو عقلها
_ أتقصد أننا صديقان فقط يا أديب ؟ فقط صديقان ؟

تنهد الأخر ولم يبدو عليه الضيق مطلقا، بل إرتخت ملامحه، و كأن مصراحتها كان مشكلة سابقا و الأن هو أزيل عن كاهله .
_ ليليا ، بحكم أني صديقك قبل كل شيء، فعليك التخلي عن بعض التصرفات الغبية ...

ردتت خلفه ببلاهة
_ غبية !!!
فأومأ مؤكدا
_ أجل ، غبية ...

فعاودت الترديد خلفه كأنها لا تعرف غير ذالك
_ غبية ...

إبتسم أديب لبراءة الواقفة أمامه، و أمسك بيدها ليحثها على السير حذوه
_ دعينا نسير و سأفسر لك ...

سارت معه وهي تشد على يده، تستشعر دفئ كفه، و الإبتسامة لا تفارق شفتيها، ثم إبتسمت أكثر و هي تسمعه يناديها باسمها و يواصل حديثه
_ ليليا من غير المنطقي الخروج مع غريب لاتعرفيه في غابة مهجورة بفستانك المغري ...

دارت ليليا حول نفسها و هي تقول
_ هل اعجبك فستاني حقا ؟؟!

فنظر لها بنبرة مهددة، لتعود كالفتاة الصغيرة المذنبة، فهتف مستنكرا
_هل حقا لم تسمعي من كلامي غير وصفي للفستان ؟!
_ أجل ...يكفي أنه أعجبك ..

و بحركة سريعة وقف أمامها و طوق وجهها بكفيه الغلظين وقال
_ ليليا ، كوني حذرة ...أنا واثق أنك تتصرفين معي بعفوية لأنك تثقين بي ...و انا لن أؤذيك ...لكن لاتثقي بجنس الذكور أبدأ ...لا تثقي بأحد ...أبدا...أبدا.

أومأت برأسها كالمنومة تطيعه، ثم شهقت فرحا وهي تشاهد عين الماء العذب، و كم أرادت الركض نحوها، فتركت كفه لكنه عاود الإمساك بيدها هاتفا بمزاح
_ عليك أن تكوني عاقلة ليليا ..
_ حاضر ...أنا أشعر بالعطش ... هلا سمحت لى بالذهاب!؟

سارا معا، فرفع كم قميصه للاعلي ثم ملأ كفه بالماء العذب و مده لها .

كم راقها سلوكه، أن يهتم بك أحد ويخاف عليك، أن تكون أولي أولوياته، شخص يشعرك أنك خياره الأول والأهم لهو شعور ممتاز ...

عادت إلي أول مرة تقابلا، حينما خسرت مباراة كرة السلة عمدا، سألته عن مايريد تناوله، فأخذها لمطعم شعبي كانت تترفع على دخوله سابقا، لم تتعرف على أية وجبة، كان المطعم بسيطا لكنه جعلها تشعر بالدفيء، عكس المطاعم الراقية التي ترتادها، الوجبات كانت مختلفة أيضا، كأنها معدة بالحب، أو ربما طعم هذه الوجبة مميز لأنها تستمتع بمراقبة الجالس أمامها، كان يأكل بنهم، كل حواسه مركزة على طعامه، كأنه لم يرى طعامامنذ مدة من الزمن..

سألته عن إسمه فتجاهلها بل لم يرفع حتي بصره لها ...وحينما إنتهي من الأكل ، نظر لها فوجدها تبتسم ببلاهة، وسمعته يتمتم بأنها مجنونة، فوعت على نفسها تحججت بذهابها لخلاص ثمن الوجبات، و عندما رجعت لم تجده!!

بالعودة للواقع، تلذذت ليليا بطعم الماء العذب، و أطلقت صوتا يدل على إستمتاعها، فأبتسم و رشها بالماء، لتشهق و تراجعت للخلف بصدمة، فلم تعى على نفسها وهي تنزلق لتسقط في البركة، لكنه كان أسرع حينما أمسك بيدها و قربها لحضنه، حضنها كما لم يفعل هذا من قبل، كان الأمر طبيعيا للجميع، إلا لليليا !! فهي إغتنمت الفرصة و حضنته، لفت ذراعيها حوله، جعلت من رأسها يستقر فوق موضع قلبه، ثم طبعت قبلة فوق مصدر نبضاته.

راقبت تهجم ملامحه، لكنها إبتسمت واخفت رأسها في صدره، فانفجر ضحكا
_ أنت حقا شقية يا فتاة ...
_ أنا أهرب منك إليك ...

مسح على شعرها وهو يطلق تنهيدة قوية، هذه الفتاة تلتصق به كظله، لا تتعب و لاتمل ... و هذا لايزعحه ...

أنزل أديب رأسه ليقبل جبينها قائلا
_ دعينا نواصل جولتنا ....
إبتعدت عنه لكنها مدت يدها إليه
_ أمسك بيدي ...لا أريد أن نسير متباعدين ...

طوال الطريق كان صوت ضحكه يعلو ويزداد على تصرفاتها فتظاهر بالاستنكار
_ ليليا توقفي عن التحرش بي ...

شهقت المسكينة واحمر خدها، و لسبب ما راقه كيف أصبحت تتهرب بنظراتها من عينيه،كلمة منه أربكتها، جعلتها تتوقف عن الثرثرة لتصبح أكثر شهية.
...........

تواصلت النزهة في الحقول، إستمتعت معه ليليا كما لم تفعل قط في حياتها، صنع لها طوقا من أزهار البنفسج، حرر لها خصلات شعرها، بدل تقييدها برباط، تحدثا، أخبرته عن شعورها، حدثته عن نفسها وكأنه لم يكن يكن يعرف سابقا أدق تفاصيلها! وهو كان يستمع و يبتسم و عندما تخبره عن شعور سيء، يشد علي يدها فتنظر لعيناه فيقترب بشفتيه من أذنها و يهمس
_ لا تقلقي ...أنا دوما معك ... لن اخذلك مهما حدث

لتخجل ثانية و ترمي برأسها فوق كتفه و يعودا لتأمل الطبيعة أمامهما، و لم يقطع السكون غير همستها
_ أديب أنا أحبك...
_ أنا أعلم ...
لتهتف باستنكار
_ لما لا تقوم بردة فعل ؟
فيرفع حاجبه الأيمن مستفسرا
_ مثل ماذا ؟
فترد عليه مقلدة صوته بطريقة فاشلة
_ مثل و أنا أيضا أبادلك الحب حبيبتي ...

_ أو كلا ...أنا أمقتك ..

فأبعدت رأسها عن كتفه ووقفت مكتفة يديها لصدرها
_ أنت تمزح صحيح !!؟؟

ليتظاهر بالبرود و يرفع كتفيه بلا مبالاة
_ لما سأمزح ؟؟ أنا دوما صريح معك خصوصا بشأن علاقتنا ...

تراجعت المسكينة خطوتين للخلف، ثم أولته ظهرها، و إذا به يشاهد إهتزاز كتفيها، بالتأكيد هي تبكي! الغبية صدقت ما قاله، فوقف و أمسك بيدها لتقابله وجها لوجه، لكنها رفضت المواجهة و غطت وجهها بيدها لتبكي أكثر و يرتفع صوت شهقاتها، عندها نزع يديها عن وجهها عنوة وهو يصيح
_ ليليا أنظري إلي ...أقسم لك أني كنت أمزح ..أنا حقا أقسم ...

لتهتف من بين شهقاتها وهي ترفض ان تنظر لعينيه
_ أعلم أنك تمزح ...أنا أبكي لأجل حالتي، لأجل ضعفي تجاهك، مشاعري واضحة للجميع ...و أنت لا تبالي ...أنت لا تكرهني ...لكنك لا تحبني أيضا ...

لعن أديب كل شئ يمنعه من عيش الحب كباقي البشر الطبيعيين و هتف فيها صائحا بعدما تمكن من إبعاد يديها نهائيا عن وجهها
_ ليليا، أنا حقا أحبك...لكن علاقتنا مستحيلة ...أنا متشرد بائس و أنت إبنة الحسب و النسب، وجودك معي يعني الشقاء ...و لأني أحبك فلن أرضي لك هذا ...

وهنا تحولت من حمل وديع إلي لبؤة شرسة وهي تهتف في وجهه بحدة
_ سأحارب لأجلك ....سأتحدي الجميع ....أنا لست جبانة ....إما أنت و إما فلا ...
فأبتسم بمرارة أكبر و دموعه كرجل عاجز تهدد بالنزول
_ حياتي كلها حرب .. حرب مع نفسي وحرب مع ظروفي و حرب مع هويتي ...ألا ترين أن حبك لي سيزيدني ألما مضاعفا .... أتعلمين لماذا؟! لأني لا أعرف هل سأربح أم سأخسرك ...و أنا لا أريد فقدانك، بالذات حربى مع الحب لا أريد خسارتها...

لتهتف فيه ليليا بتأكيد متخلية عن خجلها وتتقدم خطوات للامام ثم ضربت بإصبعها قلبه
_ الحب هو الحياة ...إجعل قلبك ينبض ..إجعل لنفسك سببا تقاوم لأجله ...أتعرف مالذي جعلني أحبك ...إنه إختلافك ...إهتمامك ، رجولتك، ظروفك ..لقد تغيرتُ ...أنا لم تعد تهمني السيارة و المال و النوادي بقدر ما يهمني شخص عندما افكر فيه ...أعود للحياة...شخص ... جعلني أعيش ... يشعرنى بأهمية أن ينبض قلبى واهمية وجودى فى هذه الحياة.

كلامها صحيح، هو أيضا يشعر بنفس الأمر، لكنه يخشى أن يكون طريقهما معا قصيرا، أو خطيرا لها، وهو لا يريد لها اى ضرر... لم يكن لديه أى حيلة غير أنه جذبها لحضنه مرددا حذو أذنها

_ سنحب بعضنا ....سنحب بعضنا كما لم يفعل أحد من قبل ...سنكون قوة لبعضنا .. أعدك سأحارب لأجلك...

إنتهت جولة كيلاهما مع حلول المساء، و بالتأكيد لم يفوتا لحظة الغروب أيضا .

أوصلها أمام بوابة قصرهم الراقي، و قبل تركه، قبلته على خده هامسة
_ ليلة سعيدة ..
ليرد قرب اذنها
_ و أنت من أهلي.

فدخلت قصر أسرتها ملوحة له بيدها، أما أديب فاختفت إبتسامته بمجرد رحيلها، هل يحبها؟! هذا أكيد، لكنه ليس من مقامها.

في طريق عودته للمستودع حيث يسكن تذكر كيف تعرف عليها، كان وقتها أول يوم له في هذه المدينة، و لم يجد أين ينام، لقد مر حينها بفترة صعبة وقاسية، حيث بدأ من الصفر كأنه ولد من جديد، وضعه كان مختلفا، فهو لا يعرف من يكون و لا يعلم في أية بقعة من العالم هو الأن، كان جائعا و لا يملك من المال إلا القليل، و هي كانت طوق نجاته وحلمه الدافىء الذى جعله يعيش، بداية حينما إختار ملعب كرة السلة لينام أزعجه الأطفال ثم جاءت ملاكه، عرف من ثيابها و سلوكها انها غنية فقبل التحدي مقابل أن تدفع ثمن وجبة ... وبعدها إختفي من حياتها ...
.............

قلبت ليليا عيناها بضجر من والدتها الواقفة امامها بغضب
_ أين كنت ؟ لما تغيبت عن محاضراتك ؟ وعن ضيفنا أيضا!!!

رفعت ليليا كتفيها بلا مبالاة ، هذا الفعل أخذته من أديب، و أجابت كأن الأمر بسيط
_ لم أكن في ميزاج يسمح لي بالمحاضرة أو رؤية ضيفك ...

لكن أباها أطل هاتفا
_ تعلمين ان الضيف جاء لأجلك صحيح !! أم أن التجول في السهول مع ذالك الحثالة ممتع ..

إلتفت له ليليا و هجمت عليه بكلماتها
_ أبي ...لا تتحدث عنه هكذا ...كل الناس إلا هو ..

شهقت امها من جرأتها امام أبيها ، و كبرياء والدها لم يتحمل فانهال عليها بصفعة اردتها ساقطة أرضا .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي