سلمى والمجهول

batol ali`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-07-31ضع على الرف
  • 62.8K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

ترددت صرخاتها في أنحاء الزنزانة التي تقطنها فأيقظت النسوة التي تشاركها تلك الزنزانة.
صرخت بها إحدى النسوة التي تدعى عايدة:
-"الله يخرب بيتك كل يوم تصحينا من أحلى نومة".
ردت عليها أخرى تدعى عزة:
-"معلشي يا عايدة اعذريها من يوم ما اتحكم عليها بالإعدام وهي حالها حال".
اقتربت فريدة وهي إحدى المسجونات المحكوم عليها بالسجن المؤبد في تهمة تهريب مخدرات من سلمى تربت على كتفيها هي تقول لها:
-"وحدي الله يا بنتي إن شاء الله ربنا ما بينساش عباده".
كانت سلمى ترتعش بسبب الكابوس الذي رأته منذ قليل فقد رأت نفسها معلقة على حبل المشنقة كانت تنتفض وهي تقول:
-"أنا بريئة يا خالة فريدة ليه مفيش حد عايز يصدقني؟"
ردت عليها فريدة:
-"لسة فيه الإستئناف وربنا يظهر براءتك".
-"أنا كل اللي مزعلني أن جوزي مش مصدقني لو بس يجي أتكلم معاه وأشوفه".
قالت ذلك ثم انخرطت في نوبة من البكاء جعل فريدة تقول:
-"لا حول ولا قوة إلا بالله نامي يا بنتي تبات نار تصبح رماد".
حاولت سلمى النوم ولكن كانت كأنها تنام على سرير من الجمر أخذت تتقلب على إحدى جنبيها بعد أن جفاها النوم لساعات طويلة مرت خلالها حياتها كشريط سينمائي هي بطلته.
كانت الطفلة الكبرى لأبويها يصغرها ثلاثة من الصبية تربت في أسرة معدمة في إحدى قرى الريف المصري حيث كان يعمل أباها بالأجرة عند أصحاب الأملاك بالقرية في موسم جني المحصول أو في رعاية الماشية ورغم ذلك فقد اهتم والدها بتعليمها هي وإخوتها حتى يعيشوا عيشة كريمة ولا يعانوا من نفس المعاناة التي يحياها.
أما والدتها فقد كانت مثال للسيدة الريفية التي ترعى بيتها وتحافظ على أولادها وقد كانت تساعد في البيت البسيط على قدر إستطاعتها حيث كانت تقوم بتربية الطيور وبيعها في الأسواق وشراء مستلزمات بيتها ولم تكن تبخل على أولادها بالحب والحنان.
كانت سلمى رغم صغرها تساعد والدتها في أعمال المنزل وكان إخوتها الذكور في الأجازة الصيفية يذهبوا مع والدهم ليعملوا معه ولكن أثناء الدراسة كانوا يركزوا جميعا في دراستهم حيث كان والدهم فخور بهم لتفوقهم.
ظل الحال هكذا سنوات حتى وصلت سلمى للمرحلة الثانوية كان حلمها الأول أن تدخل الجامعة حتى أتى اليوم الذي غير حياتها.
كانت تسير عبر الطريق الزراعي في طريقها إلى المدرسة الثانوية عندما تقابلت مع هشام وهو بن أحد العائلات الثرية بالقرية وقد كان يرتدي بذلة طلاب كلية الشرطة عندما رأها حيث لفتت إنتباهه بجمالها الملفت للنظر بجدائلها الطويلة وجسدها الممشوق وعينيها الزمردية وشفتيها المكتنذة مرتدية بذلة المدرسة البنية اللون تتهادى في مشيتها وكأنها تملك كل العالم ببراءتها العفوية.
قرر أن يتعرف عليها فالتفت إليها يحدثها:
-"أنتِ إسمك إيه".
-"سلمى".
-"أهلا يا سلمى وأنا ياستي أبقى هشام محمود البنهاوي".
شعرت سلمى بالخجل فتلون وجهها باللون الأحمر وهي تقول له:
-"أنا عرفاك شفتك قبل كدة من بعيد".
نظر لها هشام بتسلية وقد شعر بالغرور فهو يعلم تأثيره على الجنس الأخر بسبب وسامته والبذلة التي يرتديها التي زادته وسامة على وسامته.
استأنف حديثه معها فقام بسؤالها عن إسم والدها.
ترددت سلمى بعض الشيء لكنها في النهاية قالت له:
-"والدي يبقى عبد الفتاح الليثي".
فكر هشام بعض الوقت ثم التفت أليها يقول:
-"أيوة عرفته مش هو اللي بيساعدنا في الأرض؟"
أحنت سلمى رأسها للأرض وهي تشير له بالموافقة.
إبتسم هشام وهو يستكمل طريقه بجوارها قائلا:
-"أنا سعيد أوي أني أتعرفت عليكٍ".
لم تجيبه سلمى بل التزمت الصمت فاستأنف هشام حديثه قائلا:
-"أنا في أجازة يومين إيه رأيك هقابلك في نفس الميعاد هنا على الطريق الزراعي وأنتِ رايحة المدرسة؟"
وافقته سلمى بإيماءة من رأسها وهي لا تصدق نفسها أن هشام البنهاوي حديث كل فتيات القرية قد أعجب بها ولبس هذا فقط بل أخذ منها موعدا لمقابلتها.
عندما تركها استأنفت طريقها إلى المدرسة حيث شعرت أنها تطير كالفراشة.
رجع هشام إلى الدوار فوجد والدته قد أعدت طعام الإفطار المكون من فطير مشلتت وبيض بلدي وعسل نحل وقشطة فلاحي فقال لها:
-"إيه دا كله يا ست الكل أنتِ عاملة وليمة؟!"
إبتسمت والدته في وجهه وهي تقول له:
-"إحنا في ديك الساعة أن حضرة الظابط هينورنا على الفطور يلا أنت روح غير البدلة علشلن متتوسخش على بال ما الحاج يجي علشان نفطر كلنا وبعدين ميت مرة أقولك لما تروح تتمشى أبقى اخلعها العين فلقت الحجر يا بني رينا يحفظك".
إبتسم هشام بسبب حديث والدته التي تخاف عليه من الحسد ثم تركها وذهب ليغير ملابسه.
أثناء تغيير ملابسه تذكر سلمى بملامحها البريئة وابتسامتها الخجولة فشعر بنشوة غريبة ودفء يملىء قلبه الذي زادت ضرباته بمجرد أن تذكرها فشكر حظه لأنه أخذ منها موعدا.
ظلت سلمى شاردة في مقابلتها لهشام فلم تركز فيما كان يقوله مدرس اللغة العربية.
أفاقت من شرودها عندما نادى عليها المدرس لتعيد عليه ما قاله مرة أخرى عن مظاهر الجمال في بيت الشعر.
تلألأت سلمى ولم تعرف بماذا تجيب فطلب منها أن تظل واقفة مكانها وطلب من زميلاتها فاتن أن تجيب هي فأجابته بمنتهى السهولة ثم نظرت بعد ذلك لسلمى بسخرية وهي تبتسم بمكر.
عنف المدرس سلمى ثم طلب منها الجلوس.
احتقن وجهها بحمرة الخجل والإحراج من الموقف الذي تعرضت له لأول مرة في المدرسة.
نفضت عنها أفكارها وحاولت طرد شبح هشام من مخيلتها وقررت أن تركز في باقي دروسها حتى لا تتعرض لهذا الموقف مرة أخرى.
عادت سلمى إلى بيتهم البسيط وجدت والدتها فايزة تقوم بطهو طعام الغذاء لهم فقامت بمساعدتها وعندما انتهوا حضر والدها يجر قدميه من التعب فعرضت له سلمى أن تقوم بتسخين بعض الماء ليضع قدميه به فشكرها وهو يقبل رأسها فقامت مسرعة وجهزت له الماء وقامت بتدليك قدميه وأثناء ذلك حضر أخواتها من دروسهم على التوالي.
قاموا بتناول الغذاء وبعد إنتهائهم قامت فايزة بإعداد الشاي على جمر الحطب كما يحبه عبد الفتاح كانوا ملتفين حول طبلية بسيطة في جو يحيطه السعادة والهدوء.
إنفض الجمع فذهب عبد الفتاح ليرتاح في غرفته من تعب طوال النهار وذهبت سلمى لمذاكرة دروسها وكذلك أخواتها وقامت فايزة لشؤنها تطعم الطيور والعنزات التي تربيها.
في اليوم التالي قابلها هشام كما وعدها ورافقها حتى إقتربوا من المدرسة فغادرها بعد أن أخبرها أنه سيسافر في الغد إلى كليته ولن يحضر ألا بعد مرور شهر وتواعدا على اللقاء في الأجازة القادمة ومن هنا بدأت قصة حبهما وفصول مأساتها.
لم تعلم أن زميلتها في المدرسة فاتن قد رأتها بصحبة هشام وتطلعت إليها بحقد وغيرة لم تستطع أن تداريهما.
دخلت سلمى الفصل وهي في قمة النشوى عندما سمعت زميلتها فاتن تتحدث بصوت عالي مع زميلتها هند وهي تنظر إليها:
-"متبوصيش لفوق يا هند أصل رقبتك تنكسر شوفي أنتِ بنت مين وهو بن مين متفكريش أنه هيبوصلك هو بس حابب يتسلى شوية وساعة الجد مش هيعبرك".
استغربت سلمى حديث فاتن لكنها لم تعلق فلم تكن تستوعب أو يخطر ببالها أنها هي المقصودة بهذا الحديث حتى نظرت إيها فاتن بخبث وهي تقول:
-"بس بجد الشرايط عامله عمايلها ولسة بقى لما تتعلق الدبورة".
شحب وجه سلمى بعد أن فهمت ما ترمي إليه فاتن فخافت من الفضيحة وسط زملائها إذا ردت عليها أو أظهرت أي تعليق ففاتن معروفة بغرورها وتسلطها لأنها الإبنة الوحيدة لعمدة القرية.
انكبت على كتبها ولم ترفع عينيها طوال اليوم الدراسي.
عندما انتهت الدراسة لملمت كتبها وخرجت مسرعة من الفصل عائدة إلى منزلها حتى لا تحتك أو تصتدم بفاتن.
أفاقت سلمى من ذكرياتها على صوت أذان الفجر فقامت تصلي وتدعو ربها أن يزيح عنها الغمة ويظهر براءتها كنت تبكي بصمت على حالها وتذكرت حال والدتها المريضة منذ تم القبض عليها.
شعرت بيد تربت على ظهرها التفتت لتجدها عزة زميلتها في الزنزانة وهي فتاة قد تم القبض عليها في تهمة سرقة قالت لها:
-"معرفتيش تنامي بردك يا سلمي؟"
-"هيجيلي نوم إزاي بعد ما اتحكم عليا بالإعدام وجوزي اللي المفروض يقف جانبي مش مصدق أني بريئة".
-"غصب عنه يا سلمى الموضوع مش سهل عليه أي حد في مكانه كان هيعمل كدة".
-"طب وابني اللي رفض يديه لأخويه علشان يجيبه أشوفه هتجنن يا عزو نفسي أشوفه خايفة أموت قبل ما أخده في حضني".
-"إن شاء الله كل حاجة هتبقى تمام وبراءتك هتظهر في الإستئناف وهتشوفي ابنك وهتخديه في حضنك أنتِ طيبة يا سلمى وقريبة من ربنا وتستهلي كل خير".
تطلعت سلمى إلى السماء في رجاء وهي تقول:
-"يارب المستضعفين أجرني يا الله".
ظل ممدوح يتقلب في فراشه قد جفاه النوم لقد أصبح ليله طويل بسبب الصدمات التي تعرض لها.
أنه يفكر بجدية أن يعود إلى أميريكا مرة أخرى وخاصة أن الجامعة التي كان يعمل بها تلح عليه في الرجوع فهل يحمل همومه معه ويعود؟
عندما سافر في المرة الأولى بعد تخرجه من كلية الهندسة كانت أحلامه تسبقه فقد كان الأول على دفعته طوال سنوات دراسته الخمس بكلية الهندسه جامعة القاهرة لذلك تم ترشيحه للسفر في بعثة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
رغم غضب والده في البدايه وحزن والدته لأنه ولدهم البكر فقد صمم على السفر حتى لا يدمر مستقبله فقد كان حلمه أن يسافر في هذه البعثة والعيش في أرض الأحلام كما ظنها في ذلك الوقت.
توالت الأيام عليه وهو منشغل في دراسته فقد مرت أيامه الأولى بصعوبة فقد أراد أن يثبت نفسه من أول
دقيقة كمثال للطالب المصري المجتهد وليس كزملائه الذين أغرتهم الحياة المتحررة فنسوا قيمهم ومبادئهم التي تربوا عليها.
توالت الأيام عليه على هذا المنوال حتى تعرف على كارولين الفتاة الأمريكية التي كانت تدرس معه في نفس الجامعة.
بهرته في البداية بجمالها ثم بعد ذلك بهره ذكائها وثقافتها فوقع في غرامها.
لم يكن له أي خبرة في الحياة أو تجارب بعكس كارولين التي كانت حسب ثقافتها تتمتع بحرية جعلتها تتمتع بالكثير من الخبرة وبخبرتها هذه إستطاعت أن تجذب ممدوح في شباكها.
كان ممدوح مثال للرجل الشرقي الذي يمتاز برجوله ووسامه ملفتة للنظر فوجدت فيه كارولين الزوج المناسب الذي تحلم به وخاصة أن أمامه مستقبل باهر فقد رأت فيه عبقريا ينتظر الإشارة له للظهور وعلمت أنه بالنسبة لها سيكون صيدا سهلا فلن يصمد كثيرا أمام جمالها وخاصة أن شباب الشرق يتمتعون بدماء حارة وهي ستستخدم كل أسلحتها الأنثوية لتحكم سيطرتها عليه.
الأن فقط يعترف ممدوح أنه كان ساذجا أمام إغراء كارولين له وخاصة عندما كانت تغريه ثم تلعب معه دور صعبة المنال.
ظن في البداية أنها تتمتع بقيم وأخلاق فتيات المجتمع الشرقي الذي أتى منه رغم ملابسها المتحررة لكنه اكتشف بعد ذلك أنه كان واهما.
أفاق ممدوح من أفكاره على صوت صلاة الفجر فقام لبتوضأ ثم ذهب للمسجد ليصلي وأخذ يدعوا ربه أن يزيل همه ويوفقه لما فيه الخير.
عندما انتهى من صلاته توجه للخروج من المسجد التقت عينيه بعين أحمد الذي كان ينظر له نظرات عاتبة ثم تركه وذهب.
جر ممدوح قدميه جرا عائدا إلى منزله وهو يشعر بشيء يجسم على صدره يكاد يقتله ظل شاردا وهو في طربقه غافلا عما حوله.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي