صفحات من الحياة

أحمد سمير`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-07-13ضع على الرف
  • 1.4K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

1 أسطورة الحب

تقول أسطورة الحب أن شخصاً واحداً كان يعيش سعيداً فرحاً في عالم ما قد انشطر وانقسم لسبب ما، ثم افترق وتناثر في الدنيا إلي نصفين فأصبح رجلا وامرأة، كل منهما يشعر بالحيرة والضياع بدون نصفه الآخر وتوأم روحه الغائب عنه، ومن رحمة الله أنه قد جعل منهما متقاربان وفرصة لقائهما واردة وبشدة، ليكتملان ويندمجان من جديد فيظلان يبحثان عن بعضهما البعض ويرتادا الأماكن المتقاربة بدون أن يعرف أو يدري أي منهما، ولا يعرفان أيضا أن هناك اتصال روحي بينهما غير ظاهر، وتكامل وجداني تام وتواصل فكري مستمر، قد يشعر أحدهما بالحزن بلا سبب واضح فينطوي ويبحث عن العزلة ولا يبحث وقتها إلا على أن يكون وحيداً ويكون سبب هذه الحالة الحقيقي الغير ظاهر هو مرور الآخر بظروف محزنة ما، وقد يشعر أحدهما أحيانا بالسعادة بلا سبب وبالرغبة في الحياة والتفاؤل والأمل ويدب في جسده النشاط والحيوية والسبب هو أن نصفه الآخر يكون سعيداً لأجل شيئ ما قد حدث في أمور حياته وهو ما يفسر الكثير من أحاسيسنا ومشاعرنا الداخلية المتضاربة غير المفهومة والتي تظهر بغتة بدون أي أحداث فعلية قد تدعمها.

********************************************

إجتماعية كانت.. كثيرة الأصدقاء والمعارف، نانسي فتاة مرحة تحب الحياة بشدة وتحب الانطلاق والمرح، حياتها مليئة بالصخب المستمر وبالتجديد، رقيقة تشبة والدتها في المظهر خصوصاً في عينيها اللتين تنطقين بالسعادة والفرح والشقاوة، وتشبة والدها في الصفات.

كل هذه المزايا الجميلة اختفت عندما ارتبطت به، لم تحبه يوماً أو اكتشفت لاحقاً أنها لم تكن تحبه، كيف تحب من سلبها نفسها وتميزها وسحرها وتألقها، لم تكن جميلة أبداً إلا أنها كانت جذابة بشكل عجيب، كانت طاغية الأنوثة والحضور لا تعطي أي مجال لأي أحد للنظر والتدقيق في ملامحها العادية من شدة تميزها، حتى أطلق عليها البعض لقب الفاتنة الساحرة، الآن تظهر دميمة قبيحة بعد أن فقدت ما يميزها من سحر وبريق وجاذبية، كيف ظنت أنها تحبه في يوم ما!!؟؟
ألم تَر في أي يوم كم اختلاف الصفات بينهما؟؟ ألم تَر مدى قبح طباعه أمامها بوضوح؟؟ ألم تشعر للحظة بقدرته على الغدر والتدليس والخداع والخيانة المستمرة؟؟

نعم هو قد خدعها بكلامه المعسول ووهمها بحبه لها، إلا أنها يومياً كانت تكتشف حقيقته التي نجح في إخفائها والتعتيم عليها، الحقيقة التي خافت بأن تعترف لنفسها بها منذ البداية، أعطته المزيد من الفرص إلا أنه أصر على أن يهدرها بخيانته المستمرة الفاضحة وتبريراته الواهية وإهماله لها ولمشاعرها واللامبالاه التي كان يعاملها بها، حتى انفجرت عندما شعرت باستحالة أن يكون هذا هو زوجها ونصفها الآخر، وجاء الفراق المحتوم.

وقتها شعرت فعلاً بالسعادة والحرية إلا أن ما حدث قد ترك في أعماقها آثاراً لا تخفى على أحد ولا ُتمحى بسهولة، الغريب أن ما حدث لم يجعلها ترفض فكرة الارتباط من جديد بل جعلها تسعى إلى هذا وبشدة، هل السبب هو رغبتها في أن تسبب الضيق لخطيبها السابق وأن تثير غيرته؟؟ أم أن السبب هو كبرياؤها ورغبتها في إثبات وجودها أمامه ولترسيخ ثقتها في نفسها، لا تعرف، لا يهمها أن تعرف إلا أنها حاليا في راحة أقرب إلى السعادة، مؤخراً قرأت عن أسطورة الحب التي تتحدث عن أن الدنيا تحمل نصفان ذكرا وأنثى، كانا شخصاً واحداً وانقسما، مسبقا كانت سترفض هذا الهراء بالتأكيد أما الآن فهي بحاجة لتصديق أي شيء، أي شيء يساعدها على نسيان تجربتها السيئة والبدء من جديد، هل من الممكن أن يكون لها حقاً نصفاً آخراً، هل يحاول حقاً أن يبحث عنها وهي تبحث عنه بدون أن يدركا، هي الآن فعلاً تبحث عنه وتفكر فيه، فلم لا يكون هذا الأمر صحيح؟؟ فجاة بدأت تضحك وبشدة، لقد عرفت عن من تتحدث وتبحث، ظهر لها بغته بصورة واضحة وهوما يدعم من حقيقة الأسطورة التي تشير إلى أنهما سيعرفان بعضهما البعض بغتة.

خالد أحد زملائها كان واضحاً أنه يحبها ومغرم بها، صدته مرارا، وعندنا ارتبطت رسميا توقف عن مطاردتها، تتذكر الآن أنه قد تقبل الموقف في البداية وحاول الابتعاد عنها، تتذكر أنه كان يبدو حزيناً عندما كانت تتشاجر مع خطيبها رغم أنه كان يبدو مرتاحاً في أيام أخرى، فهل كان يشعر بها بدون تواصل فعلي بالحديث بينهما، إلى هذا الحد، يا إلهي الأيام التي كان يظهر فيها مرتاحاً كانت لحظات سلام مؤقتة لها مع خطيبها وهو ما يشير إلى أنه قد آثر سعادتها على نفسه، خفق قلبها بقوة وشعرت بحزن مفاجيء لا تدري سببه، عادت للأسطورة التي أشارت إلى أن حزنها المباغت المفاجيء قد يعني أنه حزين أو يواجة مشكلة ما، هل تصدق فعلا هذة الأوهام أم انها تخدع نفسها؟؟

جرت على هاتفها مسرعة لتحدثه، كان قد اختفى منذ فترة ولم تستطع وسط أحزانها أن تسأل عنه، هي تذكر أنه قد تحدث معها مؤخراً في موضوع ما إلا أنها لا تذكر إنها قد انتبهت إصلا لكلامه، كم يضايقها هذا حالياً بشكل مفاجيء، كان ما يهمها الآن هو أن تطمئن عليه فقط،ولكن هل تفعل هذا لأن أمره يهمها حقا وتريد فعلا الاطمئنان عليه أم أنها ترضي نفسها فقط بالاقتراب من شخص جديد وتحاول أن تملأ الفراغ العاطفي الموجود بداخلها حالياً بشكل مؤقت وحتى إشعار آخر؟؟
تجاهلت هذا الخاطر سريعا وضربت رقمه والذي قد وجدت نفسها تحفظه بدون صعوبة... دق جرس الهاتف طويلاً حتى رد عليها أخيراً صوتاً أنوثًيا أزعجها بعد أن سمعت منه ما أجزعها وحطم قلبها.

********************************************

عندما تمت خطبة نانسي تقبل خالد الأمر بصدر رحب وقرر الابتعاد عنها ومحاولة نسيانها فقد اعتقد وقتها أنها ليست نصفه الثاني الذي يبحث عنه، كان شابا وسيما حالما بسيطا، وقد سحرته أسطورة الحب منذ صغره وكان مؤمنا بها وبشدة، كان يبحث عنها في كل لحظة وفي كل مكان، عن فتاته وحبيبته ونصفه الآخر الناقص، يدرك أنه سيشعر بها عندما يراها وهو ما حدث عندما قابلها أو هكذا اعتقد، كان قد أستلم عملا جديدا عندما رأها لأول مرة فأدرك أنها هي.

كان يشعر عندما يراها بالأمان والاستقرار النفسي وبالثقة وبالقوة، وأعطاه حبها طاقة أكبر وحبا للحياة وللعمل وعطاء للجميع ورغبة في تطوير نفسه ومهاراته، جعله يشعر أكثر بالحرية بل وجعله أكثر قربا من الله، فالحب الحقيقي هو ما يجعل منا أقوى وأفضل وأكثر اطمئنانا ويقينا وأملا أما هذا الذي يضعفنا ويجعل النبضات تتزايد والأعصاب تسترخي وتستهلك ويقلل من طاقتنا الإيجابية ويحولها إلى طاقة سلبية ويجعل منا أسرى لمن نحب ومجرد تابع فهو ليس حبا في رأيه وهو ما زاد من يقينه تجاهها..

كم أدهشة عدم تجاوبها معه حتى ساورته الشكوك في أن يكون مخطئا، وكان خبر خطبتها صادما إلا أنه قد تقبله أملا في أن لا تكون هذه هي فتاته، وأنها لم تظهر حتى الآن لهذا ظهر متقبلا للأمر أو أوهم نفسه بذلك، إلا أن مرور الأيام بدونها كان يذبحه وكان يؤكد له أنها هي، وأن اعتقاده خاطيء وأن شعوره الفطري من البداية هو السليم.

لم تكن تعتريه الدهشة عندما كان يجد نفسة أحيانا يحاول لملمة شتات فكره المبعثر بها والتركيز والغوص والسباحة داخل أمواج عقلها الجارفة العميقة، وهي ليست أمامه لمعرفة ما يدور في الأعماق السحيقة لمخيلتها المستترة الشاقة الغامضة..

ما كان يدهشه فعلا أنه كثيرا ما كان يفلح!!! كان يشعر أنها حزينة فيزداد حزنه، كان يشعر أنها قد تكون في خلافات مع خطيبها فكان يحزن أيضا على عكس المتوقع والمفترض، كيف لا يحزن وهي جزء منه؟؟ جزء لا يشعر به حقيقة إلا أنه يظل منه، كان متأكدا أنها لن تشعر بالسعادة بدونه أبدا وكان هذا أيضا يخيفه، هو لن يشمت فيها مثلا إن تألمت وعانت وتعذبت فهو لن يسعى أبدا لأي انتقام منها وهو يحبها بهذه الطريقة فالحب الحقيقي يعني أن تتمنى لمن تحب السعادة حتى ولو كان مع غيرك ولو على حساب نفسك..هكذا يظن..

كانت تزداد حزنا رغم أن موعد زفافها يقترب وكان هذا يحطمه حزنا عليها وعلى فراقها الذي اقترب أن يصبح أبدي حتى أصبح الموقف عليه لا ُيطاق ولا يستطيع أن يتحمله أكثر من هذا فقرر أن يفعل شيئا قد يريحه.. سيسافر إلى الخارج، نعم سيقبل فرصة العمل التي رفضها مرارا أملا في الوصول إليها، لن يعود إلي الوطن بعد الآن، أو ربما حتى إشعار آخر، أحزنه للغاية عدم اهتمامها برحيله أو باختفائه المتدرج عنها وهو الذي كان دائم الظهور أمامها وكان يمني نفسه أن يحرك ابتعاده عنها فيها مشاعر الحنين إليه وأن تدرك قيمتة عندما يغيب إلا أن هذا لم يحدث، أخبرها أنه سيسافر إلا أنه يكاد يقسم أنها لم تسمعه، كان سيشعر إذا اهتمت أو تأثرت إلا أن رد فعلها كان على سبيل تأدية الواجب تقليديا جامدا..

وتمضي الأيام سريعا ولا يتبقى إلا ساعات قليلة قبل السفر، طلب من أمه الباكية أن لا تعطي رقمه الجديد أو أي معلومات عنه لأي شخص، لكنه طلب منها أن يترك معها هاتفه المحلى النقال وأن تتركه متاحا بعد سفره لفترة وأن تحرص علي شحنة باستمرار، لا يعرف لماذا طلب منها هذا، لم يشأ أن يربطه أي شخص قد يتصل به يذكره ببلده وبمن فيها إلا دائرة أسرته الصغيرة، فرفض أن يأخذ هاتفه معه أو أن يعرف أحد رقمة الجديد، إلا أنه طلب من أمه أن تجيب على الهاتف إن اتصل به أحد لسبب مجهول لا يعلمه أو ربما لأمل ضئيل يحاول إخفاءة أمام نفسه، بكى مع رحيله وبكت أسرته وبكى هو حبيبته الضائعة وبكى ضياع أسطورة الحب وخداعها له لسنين طويلة وتصديقه لها، وعندما وصل إلى أرض الغربة كان مهموما محدود الطاقة مسلوب الروح محطم القلب يشعر بالضياع واليأس فهيأ نفسه لاستقبال أوقات أصعب ولحظات أتعس مغلفة بالغربة وهمومها واكتئابها الذي لا ُيطاق والذي سمع عنها مرارا إلا أنه لا يملك حلا آخرا غير أن ينساها أو بالأحري يحاول أن ينساها وهذا لن يحدث إلا إذا عزل نفسه وابتعد عن كل شيء، وعندما اتصل بأمه ليطمئن عليها وعلى عائلته ويطمئنها عليه سمع منها ما أعاد له روحه وطيب قلبه وشحن روحة الفارغة المنهكة بطاقة الأمل من جديد في لحظة واحدة.

تمت
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي