الجانب الآخر

Shahdaiah123`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-09-15ضع على الرف
  • 2.2K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

١ إذا نجحت التجربة، فَـحتمًا هناكَ شيء ما خطأ

_ إنْ أتيتَ لِي منذُ سنةٍ وقلتَ أنَّ النار شيءٌ يُمكنُ التحكُّم بهِ، وأنَّ السحرَ حقيقيّ، وأنَّه في أرضٍ بعيدةٍ معزولةٍ عن العالَمِ أُنَاسٌ يتحكمون بِـالماءِ والترابِ، ويُبحرونَ بِـذيولٍ مُلَوّنةٍ ويقرؤونَ العقولَ.. وأنَّني سَـأُصادِقُهُم..؟
لـلَكَمْتُكَ في وجهِكَ واصطحبتُكَ إلى مكانٍ لِـتتعالج فيه مِن أمراضِكَ العقلية!
.......................................

ظلّت واقفة متسمّرة ، تعلم المكان جيدًا... تعلمه جيدًا جدًا.... طريقٌ ما ينتهي بذلك الباب العتيق ،صغير تشعُّ منه الإضاءة الذهبية ممّا هو قابِعٌ وراء الباب.. وكأنه بابٌ لِـكوخٍ خشبيّ عتيق تفوحُ منه رائحةَ الغُبارِ ، ليست المرة الأولي التي تجد فيها نفسها هنا وكالعادة، النهاية واحدة... كل ما تريده أن تعبر ذلك الباب لتصل الي مُبتغاها، فقط عليها أن تجريَ لِـتصل إليه، تعرف أنها ستصل... وأسرع مما تتخيل..
وحين أتت لها الفكرة.. وجدت قدماها تتحركان بتلقائية ناحية الباب وجرَت... جرَت وجرَت وجرَت... لا تعلم كم ظلت تجري بالضبط ولكن على ما يبدو أنَّ المسافةَ تزداد مع كل خطوة تخطوها ناحية الباب، وكأنها كلما تقترب من الباب يبتعد أكثر.. فـأكثر..
حتى سمعت صوتًا... أنثويًا مطمْئِنًا يُشعرك بالدفء والأمان..
- نعتقد أنكِ أصبحتِ مستعدة.
شعرت به يحاصرها... وكأنه من داخل عقلها لا من خارجه، وهذا ما أثار قلقًا أكثر في نفسِها..
-مستعدًة لماذا؟ من أنتِ ؟ وأين أنا؟
-فقط اهدئي وستعرفين كل شيء
صرخت قائلة :-
- ما اللعنة التي تحدث؟؟!
وما شعرت به بعدها لم يكن كأي شعور.. طَيْفًا رجوليًا باردًا، شعرت بحركة الهواء حولها عند مروره عابِرًا بلمح البصر.. غير مكترثًا بما يحدث، ليس اهتمامًا بكَ ولا خوفًا، يعطيك إيحاءً بالقوة والغلظة، ويبدو أنه نجح في وضع انطباعٍ أول مخيف؛ لأنها ها هي، تسمّرت في مكانها مرة أخرى، وشعرت وكأن دلوًا من الماء البارد قد سُكب عليها، ولم تستطع قدماها التحرك وكأن مغناطيسًا ما يثبّت قدميها.
شعرت بالفزع؛ أربكها .. إنها تعرفه، رأته من قبل، لكن أين!
حاولت جاهدًة أن تتذكر ولكن هباءً ، إنه حلمٌ وستستيقظ منه في النهاية..
- نعم هذا حلم، بالتأكيد هو حلم!
أخذت ترددها بينها وبين نفسها وعيناها تبحثان عن شيء ما يفيقها وسط الظلمة.. ماذا تفعل الآن، ماذا...
أخذت خطوة وراء خطوة الي الخلف لا تعلم لِمَ تتصرف بتلك الغرابة، ولِمَ تشعر أنّ جسدهَا بهذا الثقل، هل ماتت؟
-فقط اتركوني وشأني!!
لم تُخْفِ حدة صوتها وقوته، تلك الرجفة الخفيفة التي كانت تجتاحها، وبنفس الطريقة التي سمعت بها صوت المرأة، سمعَتْهُ ؛ من داخل عقلها
ضحك بسخرية مستفزة ثم قال بنفاذ صبر :-
-أعتقدُ أنّ وقتَ تركك لشأنكِ قد انتهى الآن فلتصمتي !
ظلت واقفة في المنتصف لا تقوَ على التحدُّث ولا الحركة، وكان الممر مظلم، كان مظلمًا إلا من تلك الومضاتِ الذهبية الخافتة العابِرة من فتحاتِ الباب، وما كان منها إلا أنْ بدأت توهم نفسها بوجود الضوء ، لا تعلم كيف أتت لها تلك الخاطرة ولكنها تمنت بشدة أن يضيء المكان، إنها تخاف الظلام.. تخافه بشدة.
وفجأة، ومض ضوءًا ساطعًا قويًا وبصوتٍ هائل جعلها تضع يدها على أذنها ، وحين انتصر فضولها على خوفها وفتحت عينيها لتعرف ما ذلك حتى صُدمت..
لقد كان البرق والرعد يضربا الممر!
وصوت ضحكاتِ الشاب القاسية تخترق أذنها فَـنظرت تجاههما بصدمة، كيف يُعقل أن يضرب البرق والرعد ذلك الممر الأرضي .. هذا جنون!!
- هذا حلم... بالطبع هذا حلم... هذا حلم.. وسأستيقظ منه الآن... نعم.. سأستيقظ منه.. وسأذهب لعملي.. وكل شيء سيكون على ما يرام..

ليتها كانت مؤمنةً بِـذلك حقًا..

-ماذا يحدث لكِ أيتها الجميلة؟ ألم تكن أنتِ من طلبتِ الضوء؟
- لقد طلبتُ الضوء أيها الأخرق لم أطلب رعدًا يملأ المكان!!!
لا تعلم كيف أتتها الشجاعة للتحدُّث، لكنّها سمعت ضحكة طريفة صادرة عن الفتاة قائلة :-
لقد انتصرَت عليك، أعتقد أن معها حق.
ضحك الشاب بِـسخافة ثم قال بـصوتٍ كأنه فحيح الأفعى :-
لقد انخدعتِ، لقد انخدعتِ كَـكُل من كانوا قبلك.
ثم شعرت بالهواء يدور بسرعة مرة أخرى وحين كانت على وشك التحدُّث توقف الرعد ثمّ شعرت بجسدها أخفّ بكثير وكأنها تعود للحياةِ، حتي...
- يا إلهي!!!

.......................................

في مكانٍ آخر :-...

يقف شاب في أوائل الثلاثينات أمام شاشة كبيرة باللون الأبيض وينظر لها بدقة، وكأنه يرى من خلالها شيئًا لا يراه أحد.
لكن إذا كنت تشعر بالغرابة من تلك الشاشة الكبيرة الغامضة عليك أن تنظر لباقي الغرفة..
كانت كلها باللون الأبيض ، وبغضّ النظر عن كل تلك الأجهزة الغريبة المُوزّعَة بطريقة ليست عشوائية ، دعنا ننظر له :
كان شابًا مهيبًا، قويًا لا تظهر الغلظة على وجهه بل بعينيه الصارمتين الرماديتين، يقفُ بِـشعره الداكن،
وبشرته البيضاء أمام تلك الشاشة الغريبة ومعه جهاز لوحي صغير في يديه ، وينظر بتمعُّن وتركيز شديدين إلى الشاشة، ثم يحوّل نظره ويسجل على الجهاز اللوحي.
حتى طرق الباب ودخلت فتاة.
ولن تتخيل مدى جمالها، انطباعها الأول لا شيء سوى العفوية والبساطة بالرغم من جمالها الشديد، بِـشعرٍ مُتموّج أحمر مميز، يحوي وجهها ذاك النمش الطفولي المتوزع بعشوائية جميلة، وبالرغم من ذلك، إلا أنكَ مازلتَ ترى المرح يملأ عينيها.
- اوه.. أمازلت تعمل أيها الأخرق؟
-حسنًا حسنًا..
-ماذا؟ أتعتقدها إهانة؟
-فقط تأتي وسأعلمها الأدب تلك المخلوقة الصغيرة!
-إنها.. لم تعد كذلك..
نظر لها بغموض وظُلمة قائلًا :
- كانت.. ومازلت، وسـتظل.
-إنني بالفعل مبهورة بها.. أعني.. كم منّا استطاع السيطرة الكاملة على نفسِه لهذا السن؟ لكن أتعتقد أن ذلك الوقت المناسب حقًا ؟
صمت الشاب لثوانٍ، ثم تحدّث بنبرةٍ حكيمة :
-أعتقد أنها مناسبة ، سيكون انضمامها لنا فوزًا كبيرًا ، أما للجواب على سؤالك، فإننا إن انتظرنا الوقت المناسب فسنلقي حتفنا قبل أن يأتي، كان لابد أن نتخذ تلك الخطوة خاصًة مع الظروف الحالية..
طُرق الباب مرة أخرى ثم أطل وجه شاب صغير السن حوالي الخمسة عشر عامًا بشعر وردي مميز وملامح طفولية لم تستطع الجدية التي يحاول إظهارها إخفاؤها قائلا :-
-الحكيم يطلبكَ.
تذمرت الفتاة قائلة :
ولكنّه لم يتناول غداؤه بعد! كنت للتوِّ قادمةً لأُخبره..
قاطعها الولد قائلًا بتردد :
-آسف... ولكنها الأوامر.
ثم تركهم وذهب فقالت الفتاة :
- أنا لا أدري لمَ لا يمكنه الاعتماد على "زين" وتركك لتناول غداؤك !!
-زين ليس هنا... إنه يؤمّن لنا الطريق ويضع الخطة التي سنسير عليها... إنه لا يلهو، كما أنني لا يمكنني طلب ذلك منه لقد طلبني أنا.
واندفع خارجًا من الغرفة التي أطفأت أنوارها خلفه.
صدر عن الفتاة صوت تذمر ثم خرجت من الغرفة بعصبية قائلة :
-لابد أن أتحدثَ معه !

........................................

علي بعد آلاف الأميال تستيقظ فتاتنا فزعة من نومها ووجهها يتصبب عرقًا..
اعتدلت فمسحت وجهها بيديها ثم تناولت كوب الماء بجانبها ولا تزال تسمع دقات قلبها المضطربة.
وقفت وأخذت طريقها إلى المرآة ووقفت تتأمل نفسها..
ما تشعر به الآن يُزعجها، دائمًا ما يُزعجها.
لم تكن تلك المرة الأولى، تكره ذلك الشعور بأنها مُقيّدة حتى في أحلامها، تراودها الكوابيس كل ليلةٍ.
وكأن جاثومًا ما يعشقُ رؤيتها تتألم يوميًا حين تخلد إلى الفراش.
لم تتوقف لِـتتساءل حتى عن ذلك الشاب ذو المشاعر السلبيّة الصادرة منه حين سخرت من نفسها قائلةً :
- حتى الشياطين ومخلوقات الليل لا تُطيقكِ يا فتاة، لِمَ أنتِ على قيد الحياة!
وظلّت أفكارها تهاجمها كالوحوش الجائعة، تتغذى على كل لحظة سعادةٍ شعرت بها.
- الشيء الوحيد الذي لمْ يتخلَّ عني إلى الآن : هي رُوحي.
ومَن يعلمُ السبب!
مؤكد لِـتستمر في تعذيبها ومعاناتها.
فكرت بها بِسخرية وهي تتذكر ذلك اليوم..
وألقتْ عينيها إلى رقبتها في المرآة ، وتلك الندبة.
تلك الندبة التي ظلّت تُذَكّرها بذلك اليوم، بِـتلك الحادثة يوم وفاة والديها.. حين هبّت عاصفةً شديدة أخطأتْ هيئة الأرصاد الجوية في التنبؤ بها، مما تسبّب في انعدام الرؤية فالتفّ الظلام حول السيارة وانقلبت رأسًا على عقبٍ وتدحرجت، وبِـطريقةٍ ما : لمْ تتخلَّ روحها عنها وصمدت.
اعتبروها محظوظة لِـنجاتها، لم يدرِ أحدٌ أبدًا الحكاية من جميع الزوايا..
لمْ تكن محظوظة مطلقًا.

..................................

" جلو _ Glow ... فتاة في الثالثة والعشرين من عمرها ، تعيش بمفردها في حي صغير بنيويورك..

بـعيونٍ بُنيّةٍ ليست ضيّقة متناسبة مع لونِ شعرها الطويل، ينسابُ بِـرقةٍ كَـأمواجِ البحر ، وبشرتها البيضاء الوردية وأنفها المتناسق الصغير، وشفتيها الورديّتين.

واسمها : لا تعرف من قام باختياره لها ولكنه يعجبها بشدة ؛ لمعناه المميز المعبر عنها : المتألقة.

بعد وفاة والديها، توقفت عن الدراسة في الجامعة، كانت تحرص أثناء صرف أيًا من أموال والديها التي ورثتها عنهم، لذا اكتفت بالدراسة في منزلها ثم التقدم للاختبار في نهاية العام حتى تخرجت .

بعد التخرج، اكتفت بإنشاء محل مخبوزاتٍ صغير تقوم فيه بصنع الحلويات والكب كيك وغيرها من الوصفات اللذيذة.

..................................

ظلّت واقفة تتأمل نفسها في المرآة وعقلها لا يتوقف عن التفكير،تشعر وكأن جسدها سينفجر، وكلما تعمقت في التفكير تشعر بفقدان السيطرة والرغبة في إطلاق العنان لِـنفسها..
تسكن مع زميلتها في المنزل _ "مايا" _ والتي أصبحت صديقتها، بعدما قضت معها ما يقارب الأربع سنوات في نفس المنزل.
سمعت طرقًا رقيقًا على الباب ودخلت فتاةٌ بسيطةٌ متوسطة الجمال بشعرها الأسود المنسدل على كتفيها في حرية وتلك الغمازة على وجنتها اليسرى..
-يا إلهي!! لقد ظننتكِ مازلتِ نائمة وفزعت!
اتجهت مايا ناحية جلو وصُدمت حين رأت لونها الأحمر الملتهب، وضعت يدها لِتتحسس حرارتها لِـترتدّ إلى الوراء مرتعبةً..
-يا إلهي! إنّ حرارتَكِ.. مرتفعةٌ!
نظرت جلو فجأة لِـرُسغ يدها لتتفاجأ بالحرق الذي ظهر.. كَـ نقطة صغيرة..
- جلو في نفسها : يا إلهي..
- مايا التي أوشكت على البكاء : يا إلهي، ما بكِ؟ سأتصل بالطبيب فورًا!
وجرت مايا ناحية الهاتف لكن أسرعت جلو قائلةً :
- لا لا يا مايا! إنّي بخير، أقسمُ أنّي بخير لا تقلقي!
- مايا : وكيف لي ألّا أقلق! إن حرارتكِ مرتفعة للغاية.
- لا تقلقي يا مايا... كل شيء على ما يرام.
لاحظت مايا نظرات جلو الصارمة والمؤكِدة فتوقفت وقالت بقلق : أرجو أن تكونِ حقًا بخير.
الآن، لقد تأخرتِ واتصل مارك، يقول: إنه نسي المفاتيح في المخزن ليلة أمس ولا يستطيع الدخول، والزبائن بالفعل متراكمة أمام الباب!
-حسنًا حسنًا أنا قادمة، فقط سأبدّل ملابسي بسرعة وأذهب.
ارتدت ملابسها واستعدت للذهاب ومن ثَمّ عرضت عليها مايا أن توصلها فوافقت ؛ فلا يجدر بها ترك مارك مُنتظِرًا أكثر من ذلك.
لم يخفَ عن جلو تلك النظرات القلقة التي كانت ترميها بها مايا كل ثانيتين تقريبًا حتى وصلت..
وتفاجأت بـ كمّ الأشخاص المنتظرين، لم تتعدَ الساعة الثامنة صباحًا، حتي رأت مارك يتجه نحوها..
_ جلو! يا إلهي، إنكِ هنا أخيرًا، ها أعطِيني المفاتيح!
أعطته جلو المفاتيح ففتح ودخل الزبائن، فاتجهت إلى المطبخ الوردي الصغير وأسرعت تجهز الطلبات
_ طلب ١ " دوناتس بالشوكولاة والفراولة تكفي لثلاث أشخاص"
_ أمهلني بعض الدقائق فقط..
_ طلب ٢ " كعكة التفاح والقرفة لشخص واحد"
_ الآن..
_ طلب ٣ " الكثير والكثير من البان كيك بالعسل"
_ قيد التحضير..
وبدأت الرائحة تنتشر بالمكان ويدخل المزيد من الأنام يريدون تذوق ما تفعله جلو الجميلة، وأسرع مارك يقف بجانبها وظلّا يعملا حتى الليل.

.......................................

جلو : ياا إلهي لقد كان يومًا مُتعِبًا بـحق.
أغلق مارك باب المحل الزجاجيّ ثم سار جنبًا إلى جنبٍ مع جلو قائلًا بابتسامة مشاغبة : حسنًا، أعتقد أنهم محظوظون لتكن جلو معهم بالمدينة، لابد أن يعتادوا غيابها أكثر من ذلك، سيكون في صالحهم تعرفين.
ضحكت جلو ضحكة رقيقة وارتفعت يدها إلي فمها كعادتها قائلة : يالكَ من منافق ! ، أتعتقد أنكَ بكلامك المعسول هذا سأسمح لك بالتغيب عن العمل لمدة يومين؟ أنت تحلم !
أظهر مارك وجهًا مليئًا بالإحباط قائلًا : حسنًا لقد كانت محاولة.
نظرت له جلو مرة أخرى ثم انفجرت في الضحك قائلة : حسنًا حسنًا، لكَ هذا، لكن لا داعي لذاك الوجه الملائكي البرئ الذي تُظهره!
قفز مارك فرحًا ثم أعطاها قطعة كعك بالليمون كان يحملها وانحنى قائلًا : أشكركِ آنستي.
أخذتها جلو ضاحكة وقضمت منها ، فـقال في نفسِه : لم تخطئ تلك الطريقة قط..

............................................

عادت جلو إلى منزِلها ووجدت مايا نائمةً بالفعل، فاتجهت لغرفتها وبدّلت ملابسها، وألقت بنفسها على السرير بإرهاق.. وغرقت في التفكير..
يا إلهي، ليلةٌ جديدةٌ مع أصدقائي الشياطين الأعزّاء الذين يحاولون القضاء علىّ كل ليلةٍ، اوف ماذا يحدث لي؟
تشعر وكأن موجةَ غضبٍ عارمةٍ تجتاحها، وكأنها ستحترق.
أخذ العرق يتصبب على جبهتها في سرعةٍ وشعرت بالسرير يدور بها.
هل من الضروري أن تتحدث مع متخصص؟
_ يا إلهي..
أخذت جفونها تتثاقل وهي تفكر : وحتى ولو قررتُ التحدُّث.. عن أي نوعٍ من المتخصصين من المفترض أن أبحثَ؟ طبيبٌ نفسيّ؟
_ آه بالفعل؟ لم أتوقعُ ذلك! إنها ..
_ شششش اصمت!
_ جلو تفكر : وما كل تلك الأحلام؟ وما ذلك الشعور؟ هل هذه أصوات أُناسٍ قادمة من بعيد؟
تغرق في النوم أكثر مُحدّثةً نفسِها : لا لا لا جلو ، أُحذّركِ من التفكير في مثل تلك الأمورِ مرة أخرى!
إنها هلوسات..
شعرَت بِـشيء يُغرسْ فيها ثمّ بِـقلبها يخفق بشدة..
لا تشعر أنها بخير..
هل تموت؟..
أم تطفو؟..

_قومٌ كثير.. ينظرون لِأحد عشر شخصًا على منصةٍ عُليا، عشرةٌ يرتدون بذلات رسمية باللون الأسود ، جالسون على مقاعدَ ذهبية اللون، تتماشى مع الأسود الحالك للبذلات، وأكبرهم جالسًا على مقعد في المنتصف مرتديًا عباءةً طويلة، يجتمع الجميع على منضدة كبيرة بِـلونِ المقاعد،
يبدو وكأنّه اجتماعٌ مهمٌ.
حسنًا لِـنترك الأمر للزمن لكي يثبته لنا ، ولِـنري عمّا يدور الحديث..
يجتمع حول الطاولة فتاتان إلى ثماني رجلًا تقريبًا،
أعمارهم متفاوتة، وكبيرهم.

وقف أكبرهم محدّثًا من هم أسفل بنبرةٍ حكيمة وصوتٍ جَهوريّ عميق :
- يا شعب أتلانتس العظيم : بعضكم سـيُصدّق ما أنا على وشكِ قوله، وبعضكم سـيُكَذّبه
في الحالتين يتوجّب عليَّ توضيح الأمور، وفي النهايةِ : ما ذلك إلّا تفنيدًا للشائعات.
صمت بُرهةً ثم أكمل :
- أمامنا عدوٌ عظيم، عدوٌ درّبته بنفسي ليكن المختار الاثني عشر لحماية الوطن ضد استبداد عالَم الظلام ، ولِأول مرةٍ : أخطأ حكيمكم وطغت مشاعره على عقله فأساء الاختيار..
ثم طأطأ رأسه بألمٍ قائلاً :
- ولا يوجد من هو أكثرُ أسفًا مني..

عَلت الأصوات أسفل المنصة، وأمكنكَ الآن الرؤية بوضوح :
أُناسٌ بأجنحة بيضاء يطيرون كالملائكة ، وتلك هي الفئة الوحيدة التي ظلّت صامدةً في الهواء تحملها أجنحتها العظيمة احترامًا للحكيم.
ولِأول مرةٍ ترى ما تحتهم :
ماءٌ زرقته كالسماء، بحرٌ واسعٌ لا ترى نهايته من موقعك، يقف فوقه المجنّحون في اصطفاف منظّم، وتخرج منه أنصاف أجسادٍ بشريّة، ويظهر النصف الآخر منها أسفل الماء، بـذيول كـالحوريات، ألوانها مشرقةٌ
وبرّاقة تسحرك بجمالِها الأخّاذ..
وفي مقدّمة البحر، يجلس مجموعة من البشر مقسّمون إلى سبع مجموعات تقريبًا، ليس هناك ما يميّز كل مجموعة عن الأخرى في الشكل..
عَلت الأصوات أكثر وأكثر فقال الحكيم بهدوء :
_ أعتقد أنّا وصلنا لِـمفترق طرق، أستطيع سماع الاعتراضات من هنا..
حسنًا سـأترك منصبي.
همّ العشرة أشخاص حول الطاولة بالإعتراض ولكنّه أسكتهم بإشارةٍ من يده ثمّ أكمل :
- أرجو أن تختاروا إلى من سـأُسلّم المنصب وإنّي لَـمستعد.
نظر نظرةً أخيرةً لِـشعبه العظيم الذي حكمهم لمدة تزيد عن المئتي والخمسين عام، ثم دار في الهواء دورة سريعة واختفى..
وقف الجميع احترامًا له مطأطئي الرأس، والدموع تنزلق على وجوههم.. وفي مشهدٍ مهيب، وضعوا أيديهم اليُمنى على صدورهم اليُسرى احترامًا له..
ثم انتشروا في المكان..

نعم عزيزي، نحن في أرض أتلانتس العظيمة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي