الفصل السابع

كانتا تسيران بين الأزقة حينما هتفت زينب بضيق أظن أن مجيئك معي دون علم أخي يعقوب غير صائب يا مريم، وقد نبهنا أن نلتزم بأوامره دون اخلال

- لا داعي لكل هذا القلق أساسا لا يحتاجونني، وأنا اخبرتهم أنني ذاهبة إلى البيت نعود قبلهم
- حسنا فليكن خيرا

كان بيت المرأة مملوءا عن آخره بالنساء اللاتي قدمنا للعزاء، فلم تستطيعا الاقتراب من المرأة بسبب تجمهر قريباتها حولها

جلستا في طرف قصي قبل أن تشعر مارية بالضجر وتهمس في أذن زينب، ماذا سنفعل الان؟ مضى أكثر النهار ونحن على هذا الحال وجميع النسوة حولنا يتحدثن في أمور تافهة كيف سنحصل على هذه المعلومات؟

- لا اعلم يا مارية ولكن سنجد حلا، لا يمكن أن نعود إلى أخي يعقوب خالي الوفاض، التفتت زينب الى امرأة جالسة بجانبهم،

ويبدو أنها قد استمعت إلى جزء من حديثهم، إذ كانت تنظر لهم بريبة، نحن بائعوا دواجن لنا على المرحوم بضعة قروش أتينا لاستيفائها

- لن تجدي شيئا تاخذينه منها، المرحوم كان مدينا بقرض كبير باعوا ما أمامهم وما خلفهم دون أن يستطيعوا الوصول الى ربع ما استدانوه

مصمصت زينب شفتيها وقد اظهرت الأسى: يا لهم من بؤساء يبدو أن قروشنا قد ضاعت علينا ولكن لما استدانوا كل هذا المبلغ

- كان لديه ابن سيقوم بعدة عمليات في المشفى ولكن مات بعد القضاء على كل ما يملكونه

انهت المراه كلماتها ونهضت متحججة بالاولاد الذين تركتهم وحدهم بالبيت، تناقش كل من زينب ومارية في ما قالته المرأة والتي لم تكن لتقدم فائدة أكثر من ما قالته الجارة لسراج

نهضت زينب تتجول بين الجالسين لعل اذنيها تلتقط شيئا، بينما بقيت مارية بانتظارها دقائق وجلست بجانبها امرأة ذات ملابس بالية ورائحة قذرة، فلم تستطع التحمل أو الذهاب بعيدا عنها

بما أن المكان مزدحم عن آخره، التفتت إليها وهي تضع طرف غطاء رأسها على فمها: هيه أنتِ، لماذا لا تستحمين فى بيتكم قبل المجئ إلى بيوت الناس

نظرت لها المرأة شذراً: هل تتحدثين إلى؟
-لا أرى أحداً قذراً غيركِ هنا
-من تظنين نفسك حتى تصفيننى بالقذرة!

ومن ثم زعقت زعقه وانقضت عليها، حينها وجدت مارية نفسها محاطة بأكوام من اللحم، ولم تعد تدري ما يحدث حولها حتى أنها لم تشعر بيد زينب التي سحبتها من بينهم بصعوبه وهي تهتف: مداهمة، البوليس قادم

خرج جميع النسوة يهربون على ذكر هذا الاعلان وتمكنت مارية وزينب من الفرار خلال ذلك، كانت مارية تسير بصعوبة بينما تسندها زينب وهي تتسائل: ماذا حدث يا مارية! غبت عنك عدة دقائق وحسب

- المرأة الجالسة بجانبي كانت تفوح رائحتها كالجيفة، وعندما اخبرتها بذلك غضبت

- لدي هؤلاء النسوة طباع حادة بسبب حالة العوز اللاتي يعشنها ، لا تستغربي إن قلت لك أن تلك المرأة في هذه الحالة لأنها لا تمتلك ثمن ماء أو صابون فضلا عن ملابس

ومن ثم ضحكت زينب بسخريه وهي تتابع: قليل ما فعلته بك

-أظن أنني أخطأت و لكن لماذا اجتمع الجميع حولي هكذا!
ضحكت زينب بملئ فيها و هى تجيبها: الجميع هنا ينتظرون شجارا بفارغ الصبر كي يدخلوا فيه ولكن رأيت كيف هربن عندما سمعوا سيرة البوليس

ضحكوا قليلاً و لكن سرعان ما ارتسمت على ملامح مارية الكآبة: لم نستطع النجاح في مهمتنا أليس كذلك؟
- لا تقلقي سأطلب من أخي يعقوب ان يعطينا فرصه اخرى المهم أنك بخير ولم يصبكِ مكروه

- كان على الاستماع إليه عندما طلب إلى عدم الذهاب معك
- أتعلمين يا ماريه منذ ان تعرفت عليك وأنا أشعر أنك مختلفه عنا
-لم افهم مقصدكِ!

- لا أعلم بالضبط ولكن تقرفين من كل شيء حولك، ويصيبك الدهشة كثيرا وكأنك لم تري أناسا من قبل تاكلين وتتحدثين

بطريقة راقية، ولا تجيدين التعامل وربما تصدرين أوامر بين الفينة والاخرى، تبدين كأميرة تربت في القصور أكثر من كونك فتاة من عامة الشعب

ابتلعت مارية ريقها فلم تدرك أن أمرها مكشوف إلى هذه الدرجة: والدي كان قد عزلني عن العالم منذ ولادتي ما أريدك أن تعلميه أنه قد دللني كثيراً

-لا بد أنك تفتقدينه الآن
تذكرت على الفور والدها الملك وكيف أنه تغير ناحيتها منذ وفاة والدتها، وكأنه استحال إلى شخص آخر، درجة أنها اعتادت

على الجفاء الذي يقابلها به، ودون وعي منها اجابتها: افتقده كثيرا يا زينب ولا اعلم متى سيعود
ربتت زينب على كتفها: الموتى لا يعودون يا أختى

كانت كلمة أختي غريبة على مسامع مارية فاخوتها الحقيقيون لم ينادوها بأختي ابدا، منذ ان كانوا صغارا وقد مضى وقت طويل على سماعها لهذه الكلمة: هل اختي!

- نعم انت اختي من الآن فصاعدا تشاركن الطعام والهموم هذا ما يفعله الأخوة دائما
تأثرت مارية قليلاً بكلماتها: أنا حقاً محظوظة بمقابلة أشخاص مثلكم

جلس حاكم عيلم على مكتبه محاولا التركيز في الملفات المكدسة أمامه، عقله يجيء ويذهب في التفكير بأمر جوهرة شقيقته هدى فكيف وجدها الخدم ملقاة في شرفته وهي التي من المفترض

أن تكون من ضمن المسروقات من الخزينة، فمن أعادها؟ وما مصلحته! إنه حاكم مملكة كبيرة، ينشغل مع الشعب من جهة

والفردوسيين من جهة أخرى، ليس بحاجة إلى طرف ثالث للانشغال به وإن اكتشف بقية أفراد العائلة أن مجوهراتهم أو أموالهم قد فقدت من الخزينة، فسيحقدون عليه ولا يستبعد أن

يحيكوا المؤامرات ضده ، وخصوصا ان معظمهم أفراد في الجيش ولديهم شراكات مع أصحاب النفوذ من الفردوسيين وبإمكانهم ببعض الجهد إعفاءه من الحكم وربما إنهاء حياته

اصيب الجميع بصدمة حينما رأوا حالة مارية، وقد اسندتها زينب وأعلنتا بأسف عن فشل المهمة
تجهم وجه يعقوب: ماذا حدث معكم؟ الم اطلب منك ان تعودي الى البيت يا مارية

تلعثمت زينب ولم تعرف ماذا تقول، فتداركتها مارية: أنا آسفة حقا يا أخي يعقوب، أردت مساعدة زينب فاصررت عليها ولم تستطع منعي

- هذا ما يحدث عندما لا تستمعون لأوامري، برأيك يا زينب لما رفضت ذهاب مارية معك منذ البداية
اجابته زينب بصوت خفيض:لما؟

-لأنني اعلم جيدا أنها لا تفقه في التعامل مع العامة شيئاً وستكون عائقا كبيرا لك، ومن ثم نهض إلى غرفته وهو يتمتم: استمروا على هذا الهج بالضبط وستكون نهايتنا وشيكة

تحلقوا حول المائدة وقد شرد كل منهم في ملكوته الخاص، بينما أنظارهم موجهه الى باب الضابط المغلق، دخلت زينب عليهم تحمل فى يدها طبقاً يحوى معجوناً من خليط الأعشاب، من أجل

الكدمات التي اصيبت بها مريم وبدأت في دعك أسفل عينيها، الذي تورم بشكل ما أثناء الشجار، ومن ثم نظرت إلى سراج فوجدت علامات الإحباط عليه: لا تقل لي أنكم فشلتم في مهمتكم أنتم أيضا

أجابها بحنق: لا تسألي عدنا صفر اليدين، تجولنا في الشوارع إلى أن تقرحت أقدامنا ولكن دون جدوى
تدخل سعد في الحديث: لا تقل دون جدوى

نظرت إليه زينب باهتمام: هل عثرت على طرف خيط
- لا ولكن وجدت امرأة تبيع حساء عدس رائع، ربما لم أكن لأعثر عليها في البقيه المتبقيه من حياتي لولا هذه الجولة

نظرت اليه زينب بخيبة أمل: استسلم حقا يا سعد تفكر في الطعام حتى في وضعنا هذا
- ماذا أفعل يا زينب! هل اموت من الجوع؟

- لا حذاري أن تموت من الجوع ومن ثم تتخيلنا دجاجاً أمامك لا سمح الله وتأكلنا
ضحكوا جميعا على المجادلة بين زينب و سعد ونسوا لبرهة الفشل الذي اصابهم

حل الظلام وهي لا تزال تقود حصانها في مجاهل الصحراء، سرعان ما تعب الحصان وتوقف رغما عنها، أنزلت الرجل واتخذت من جوف صخرة كبيرة مأوى لهم، الرجل الملقى

بجانبها سيستيقظ عاجلا أم آجلاً، فكيف ستبرر له ما فعلته، وإن كان من بين اولئك المطاردين قصاصي الاثر فسيصلون اليها في وقت قياسي، نظرت إلى النجوم وقد ارتسمت على فمها ابتسامة

ساخرة، تموت في هذه الصحراء ولم يتذكرها أحد إنها مجرد خادمة في النهاية، عندما يعلمون أن الاميرة بخير سيتنفسون الصعداء ولن يأبه احد بالقاتل أو المقتول، لم يمضي انتظارها

لاستيقاظه طويلا فقد بدأ بالتحرك في مكانه ينظر حوله وهو يحاول تذكر ما حدث عندما بادرته مليكة قائلة: أخيرا استيقظت
- ماذا حدث سموك!

- لا اعلم فقدت وعيك فجأة وفقدت السيطرة على الحصان، وهو من احضرنا الى هذا المكان

نظر حوله محاولا تبين مكانهم بالضبط: ابتعدنا كثيرا عن الحدود وعن قبيلة الخاله ايضا، توقف عن الحديث فجأة ونظر إليها قائلا: لقد تذكرت الآن سموك من أفقدتني الوعي ولكن لماذا!

صمتت قليلا ترتب الكلمات في عقلها فلا تعلم ما ستكون ردة فعل هذا الرجل إن علم حقيقتها، احتمال أن يقتلها على الفور وارد

وبقوة: هناك مشاكل بيني وبين أبي أعني جلالة الملك وزوجته لذلك لا اريد العودة

- هذا ليس موضوعا قابلا للنقاش حياة سموك في هذا المكان على المحك
- يمكننا أن نحاول الوصول الى قبيله خالتي

- للاسف هذا هو الخيار الوحيد أمامنا بعد الآن، منذ متى ونحن هنا؟
-منذ ما يقارب الساعة
-علينا التحرك فوراً فلا بد أن قصاصي الأثر قد اقتربوا منا

-و لكن الحصان لا يزال متعباً
- هناك قبيلة أعرفها بالقرب من هنا، إن وصلنا إليهم فسيوفر لنا رجالها الحماية

اصيبت مليكة بالغضب: ولكن ألا تسمع ما أقوله: هذا الحصان لا يستطيع أن يأخذنا إلى أي مكان، اجهد كثيرا، هذا غير العطش الذي أصابه

- إن كان هناك حل آخر فاخبريني به، أساسا انا اجهد هنا من أجل حياة سموك، منذ أن ولدنا وهم يلقنوننا أن حياتنا رخيصة أمام فرد من العائله الملكيه

شعرت مليكه بالضيق من كلماته وتحدثت دون وعي منها: أنا لست اميرة
-ماذا تعنين؟

انتبهت إلى ما قالت وحاولت تدارك الموقف: اعني أننا اصبحنا في الصحراء، لا يوجد مملكة أو قصر أو أي شيء فقط انسانين عاديين، لذا فإن حياة كلانا بنفس الأهمية

- ربما كنت سأصدقك لو لم أرى رفاقي بعيني يقتلون منذ قليل
صمتت مليكه وقد استنزفت مشاعرها وقواها في الساعات الماضية حينها تابع وهو يصعد على الحصان: لنذهب

وقفت أمام المرآة في بهو جناح الملكة، تتأكد من تسريحة شعرها وهندامها وهي تسأل الوصيفة الواقفة بجانبها: ألا تعلمين ما سبب استدعاء أمي لي من بكرة الصباح

- لا علم لي سيدتي ولكنها بقيت مستيقظة طوال ليلة أمس ولم تنم سوى وقت الفجر، دهشت أساسا عندما استيقظت باكرا وطلبت مني فنجان قهوه وحبوبا للصداع

- ما هو عدد فناجين القهوة التي شربتها إلى الآن؟
- إنه الفنجان العاشر سيدتي
- يا إلهي يبدو انها وصلت الى ذروة غضبها

تنفست الصعداء ودلفت الى غرفة نومها لتأخذ توبيخها أيا كان هذه المرة، ابتلعت ريقها عندما رأتها جالسة بملابس النوم

وفنجان القهوة في يدها، فلم تظهر والدتها أبدا بمظهر مهمل أمام أحد: صباح الخير جلالتك
- من اين سياتي الخير للإنسان ولديه ابنه مثلك

- ماذا هناك يا أمي هل فعلت شيئا خاطئا؟
- لا تعرفين حقا ماذا فعلت!
- لابد ان هناك سوء فهم

- اين ذهبت اثناء حفلة البارحه؟
- تمشيت في الحديقه قليلا هل يعد هذا جرما!
- تقصدين انك تسكعتي مع أحد ضباط البحرية

- لا أفهم ما المشكلة في هذا
- المشكله انني كل يوم تقريبا اعيد على مسامعك نفس الجمل ثمر عليك ان تدرسي وتثبتي لوالدك والفردوسيين أنك أهل لتولي احد

الوزارات، الزواج من رجل عادي ليس مكتوبا في قدرك يا ابنتي
-أساسا لم أفكر فى الزواج أن اتسلى مع الرجال الذين اقابلهم و حسب

- وتضحين بسمعتك في سبيل ذلك، الجميع في القصر يتحدث عن عبثك مع الرجال، وإن وصل الامر إلى والدك فسيزوجك بأحد حراسه وينتهي كل ما تحلمين بالوصول اليه

عند هذه النقطة ظهر الرعب في عيني سمر: لا يمكن لأبي أن يفعل شيئا كهذا
- انت كرري حماقاتك تلك مرة أخرى، فسأخبر والدك وعندها

ترين ما سيفعله، انظري قليلا الى مارية، لا أحد يستطيع التحدث إليها دون أن يهابها، لم يجرؤ أحد على التحدث عليها بكلمة من خلف ظهرها، ولولا وجودي هنا لتولت منصبا كبيرا في الوزارة

جن جنون سمر وهتفت: لماذا تقارنني بهذه المعتوهة؟
- اياك ان ترفعي صوتك في حضرتي مره اخرى قبل ان اكون أمك فأنا جلالة الملك

انحنت نصف انحناءة: آسفة جلالتك
- اذهبي من امامي الان لا تراك يا عيني لفتره
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي