الفصل الثاني

في أقل من ثانية تم فتح باب الخزانة عليها، رفعت يديها بخوف مخفية وجهها، كيف لها أن تختبئ من مصاص دماء يقتفي رائحتها عن بعد أمتار!

"انظروا من هنا! .. حمل وديع يختبئ في الخزانة!"


تحولت عيناه للون الأحمر ينظر إليها كفريسة، ومن ثم أخرجها ممسكاً بها من رقبتها مشيراً بيده الأخرى للحارس:

"اتركني الآن وأرسل رسالة لعمي وأخبره الآن بالمخطط الذي سنفعله؛ لقد حان موعد مساعدته لي"
"ماذا ستفعلون له؟ رجاءً لا تؤذه فهو أخاك"

أجنى الحارس جسده:
"أمرك سيدي، فنحن ننتظر هذا اليوم منذ فترة"

خرج الحارس فترك سيلينا ودفعها على الأرض:

" أنت جميلة للغاية! ولا أشعر بأنك من سكان مدينة ميرامالا"

اغمضت سيلينا عيناها وضمت يدها على القلادة التي ترتديها بعنقها وقالت في داخلها:
«روديان أرجوك انقذني ولا تدعه يقتلني»

خبئ جلاور مخالبة وبدأ يتقرب من سيلينا ليستغلها قبل النيل منها، حاولت سيلينا تذكر الذي سيحدث للخادمة بالرواية؛ لكنها من توترها ما عادت تتذكر شيء، تكلمت بلغتها العادية وبقيت تردد بخوف:
"روديان استيقظ هيا"


وقف جلاور بأرضه يوجه جهة أذنه نحوها ويقول بسخرية:

"ماذا تقولين؟ ملامحك الغريبة عنا كانت تجعلني أشك بكِ، لكنني تأكدت عندما سمعت كلماتك الغير مفهومة، هل أنتِ من النبلاء خارج المملكة؟ ولماذا كنتِ في سوق البيع؟"


في هذا اللحظة كان روديان مايزال مستلقياً على الفراش ولا يشعر بشيء، أما جلاور فقد اقترب من الهجوم على سيلينا، والفتاة خائفة وتبكي بصوت مرتفع وتردد اسم روديان باستمرار.

"توقفي عن ذكر اسمه أيتها الحمقاء البائسة"

كتمت أنفاسها وهي تزحف على الأرض، اقترب منها جلاور أكثر وأمسك بذقنها، كان على وشك تقبيلها فأتته ضربة عنيفة جعلته يتدحرج إلى الجانب.

ثم رأى روديان بعينيه اللامبالية يقف أمامها.

مد يده لسيلينا وسحبها نحوه بقوة:
"هل أنتِ بخير؟"

أومأت برأسها فشعر روديان بشيء خاطئ يحدث فأردف:
"أنا فعلت ذلك لأنك الآن خادمتي، ومن حقي أنا وحدي، فحتى لو كان أخي هو من يريد أخذك مني، في قانوننا ليس مسموح لأحد بأخذ شيء ينتمي لشخص آخر"

أصدر جلاور صوت من فمه، فأمسكه روديان من ثيابه، وأخرجه من الغرفة بغضب وأغلق الباب بالقفل من الداخل، من أجل أن لا يزعجهم مرة أخرى"

ارتعبت سيلينا « ياإلهي لا بد وأنه جائع وسيشرب دمائي حتى ينهي حياتي.» فكرت بتوتر.


ثم جلست على ركبتيها وخبئت وجهها بيديها، وهي تدعوا الله بأن يتركها هذا الوحش وشأنها.

فسمعت صوت شيء يرتطم بالأرض، رفعت رأسها للأعلى، ووجدت روديان بجانبها فاقداً لوعيه.


بدأت تتنفس براحة وتشعر ببشاعة الذي حدث للآن، تفقدت أنفاسه و وجدتها ضعيفة، وعندما حركت يدها على جبهته، كانت حرارته مرتفعة، فكرت «كيف لمصاص دماء أن يتقلب جسده هكذا؟ هل كل ما أعرفه مجرد خرافات؟»


ثم فتحت عينيها بدهشة «صحيح، روديان نصف بشري، كدت أنسى ذلك، وهو لا يعلم»


ثم وضعت يدها على وجهها وهمست في صوت مسموع:
"لا أعرف لما أنا هنا، صحيح أنني كنت أحبك من الرواية؛ ولكن حياتي بخطر معك، والاسوأ بأني لا أعرف كيفية الخروج من هنا!"

تنهدت:
"على الأقل أنت أنقذتني منذ قليل، لن أدعك في خطر"


نظرت في الأرجاء ووجدت حماماً داخلياً، جلبت منه الماء البارد في وعاء، خلعت شالها عن عنقها ووضعته في الماء وبدأت بتخفيف حرارته، استمرت على هذا الوضع طوال الليل، إلى أن غفت دون أن تدرك.

..

طرق باب الغرفة، فتحت عينيها ووجدت بأنها تنام على صدره، ابتعدت وهي خائفة من أن يستيقظ ويجدها بهذا القرب منه.

ذهب صوت الطرق فنظرت حولها ومن ثم خطر على بالها أنه مات «يا إلهي لا يمكن لهذا أن يحدث.»

فأقتربت بأذنها من وجهه تتفقد انفاسه وهي تهمس:

"روديان، لا تجعلني أقلق عليك.."


ففتح عيناه وبثانية قلبها على الأرض يعتليها، فشهقت الأخرى من الدهشة.


انزعج بعدما نظر في عينيها، وهو يقول:
"أنا أشعر بالاستياء كلما رأيتك، لما تورطت واشتريتك"

رمشت بخوف وشاهد البراءة في عينيها، لتقول:
"ماذا فعلت لك؟"

ابتعد عنها وقال ساخطاً:
"لا أعرف لماذا أنا أبقيكِ في غرفتي حتى"

ابتسمت وقالت له وهي تقف أمامه:
"ربما لأن أخاك حاول قتلي!؟"

أخرج روديان ثيابه من الخزانة ليقول:
"اتركيني وشأني."

أسرعت إلى الحمام وأغلقت على نفسها، وتركت الآخر في صدمة من تصرفها، عرف أنها لا تريد الخروج بسبب الخوف.

بدل ثيابه وحمل شالها المبلل عن الأرض، ينظر اليه بتتعجب:
"انتِ.. يمكنك الخروج الآن"


أصبحت أمامه، تستمع له:

"ماتفسير وجود هذا مبللاً على الأرض؟ هل كنت تبكين على نفسك؟"


رمقته بتعجب وبعدها جلست على الفراش وهي عابثة بأصابعها السبابة تلمسهم ببعض:

"بعدما تركنا أخاك فقدت وعيك، وكانت حرارتك مرتفعة، لهذا بللت شالي لتخفيض حرارتك"

أمسكها روديان من يدها وقال لها:
"أنا لا أمرض يا هذه"

شعرت سيلينا بالخوف، فسألها بذات النبرة:
"من أنت؟"

ردت بينما تتعمد عدم النظر في وجهه:
"أنا… أنا… سيلينا"

أجابها وهو يضغط على ذراعها:
"لماذا تلبسين هكذا! وملامحك مختلفة عنا، حتى أنك تفهمين حديثي بصعوبة، من أين جئتي؟"

لم ترد عليه، فأكمل:
"هل أنتِ حقًا لستي من هذه المدينة؟"

مجدداً، لا جواب منها.

ترك يدها وهمَ على المغادرة، أوقفه صوتها عندما قالت:

"أنا جائعة لم أكل شيئاً منذ أن وصلت، هل يمكن أن أجد الطعام هنا؟"

رجع لها وهو يقول:
"هل تعلمين بأننا لا نأكل الطعام؟ أم أنك تدعين الجهل؟"


ردت بحماس:
"أجل أعرف ذلك، ولكن ما رأيك أن تجرب تناوله معي ستحبه كثيراً"

كتم غضبه من طريقة حديثها مع أمير مبجل مثله وقال:

"فمنذ ١٩عام لم يأت أي طعام لغرفتي، هل تريدين مخالفة نظامنا؟ اذهبِ للأسفل وتناولي ما تشائين مع الخدم ما شأني بكِ"


حكت وجهها وقالت:
"ولكن من المحتمل أن أرى أخاك و عندها سيقوم بامتصاص دمي"


عندما نطقت بذلك، اشعلت نار الغيرة في قلبه، انقلب لون عينيه وشدها نحوه ليغرس أنيابه في عنقها.

فتحت فمها بألم فضيع يجتاح عنقها:

"أنت تؤلمني.. اتركني..أرجوك"

ابتسم بخبث وقال لها بعد أن مسح الدماء من شفتيه:

"عليكِ أن تخافي مني أكثر"


أمسكت رقبتها لتقوم بوضع شالها مكان العضة، لتقول في نفسها
«لن أسامحك طوال حياتي على فعلتك هذه»


تركها وغادر دون أن يقول شيئاً لها، وبعد مضي نصف ساعة، ارتعبت عندما سمعت صوت طرقات على الباب.

فدخل شخص عملاق للغرفة، رفعت رأسها من خلف الفراش وتنهدت براحة بعد أن رأته يمسك بيده الطعام.

ترك ما جاء به على الطاولة ورحل، خرجت من خلف الفراش وذهبت وهي تركض لإغلاق الباب بإحكام.

ومن ثم جلست على الكرسي أمام المائدة:

"أنا جائعة للغاية، ولكن عندما أتناول الطعام، سيظن بأني سامحته ويعود ويشرب من دمي مرة أخرى"

تركت الطعام من يدها، وأردفت:

"للأسف ما قرأته بالرواية يوضح بأنهم لا يوجد لهم قوانين تمنعهم من عدم إيذاء البشر، فهم يتلذذون بمص الدماء منا، كيف سأعيش معه وأنا خائفة هكذا؟"


سمعت صوت أقدام من الخارج، وقفت بخوف خلف الباب لتسمع الحديث الذي يقال وبيدها سكين تم إحضاره مع المائدة:

"ماذا حدث أخبرني؟ لماذا روديان ذهب إلى قصر عمي جرير"

رد الحارس الشخصي لـ جلاور:

"لا اعلم سيدي، ولكن لاحظت بأن صحته تحسنت كثيراً في الصباح"

رد جلاور وهو يحك ذقنه مفكراً:
"هل سيخبره بتلك الرسالة؟." قلق جلاور ووضع يده على رأسه مكملاً تفكيره، "لا أعتقد حدوث ذلك الشيء، ولو حدث سيحفر قبره بنفسه"


أزاحت سيلينا رأسها من الباب بعدما اختفى الصوت، فانخفض توترها.

شعرت بمعدتها تكاد تتمزق من الجوع، فحاولت أن تأكل، لتتراجع:
"لم يعد لي شهية للأكل قريباً سوف أصبح طعاماً"


وقفت تنظر للمدينة من النافذة، تبدلت ملامحها وأظهرت ابتسامة خفيفة برغم التعب الذي يظهر عليها وقالت:

"لم أتخيل بأن هذه المدينة ستكون جميلة هكذا، ما أراه أبدع من الخيال بمراحل"


ألقت سيلينا جسدها على الفراش، وأغمضت عيونها مستسلمة للنوم.

يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي