ما دونه الهالكون

عبقرينو`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-01-17ضع على الرف
  • 1.5K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

ربما كلماتي لا تكون منمقة، فأتمنى أن تفهموا كل كلمة أخطها؛ لأنني لا أرى ما أكتب. لا أعلم هل الحبر ما يخط كلماتي أم دمي أصبح حبرًا! فليس هناك فارق سوى أن قطرات من روحي تتجزأ مع كل حرف أبثهُ على تلك
الوريقات التي ستقرؤونها الآن، هل تساءلتم يومًا لماذا بيت العنكبوت هو أوهن البيوت!
بيت يقام على علاقة جنسية غرضها المتعة فقط، تظل الأنثى تغري الذكور عبر نغمات طنانة حتى يقع في شِركها، وحين تأخذ غرضها تلقي برفاته خارج حدود شباكها وكأنه لم يكن! ولكن بعدما تتغذى على جسده، ثم تأتي ببيضتها؛ ليأتي أولادها فيتغذون عليها حتى تموت وتلقى نفس مصيره، ويظلون في قتالهم الأعمى.. أيهم يتغذى على الأضعف! حتى يتبقى القوي منهم ليكون سيدًا للبيت، ومن هنا يتم
اصطياده عن طريق حشرة أخُرى وتعُاد الكَرّة
من جديد.
نحن البشر لا نختلف كثيرًا عنهم، تلك الأسطورة التي حفظتها عن ظهر قلب، لحواء التي جعلت أدم يأكل تفاحة الخلود! لطالما أيقنت بأنها كانت تعرف من البداية أنه خلود
في الكَبَد والشقاء، ورغم تضررها بذلك إلا أنها لن تأبه! فضرر زوجها بالنسبة إليها سيكون بمثابة المتعة!
لطالما تساءلت لمَ أنجباني، ولا أعرف الإجابة وأظن أنهم أيضًا لم يجدا لها من سبيل، فمن أجل
متعة جنسية لا تتعدى نيف من الدقائق أنجباني لأعيش ما يقارب الثلاثين عامًا في العناء والكبد، طفولة سوداء مررت بها مع أبوين لا يطاقا بكل ما تحمله الكلمة من معنى! وأخ أقل ما يقال عنه أنه نكرة، فلم يكن أحد منهم يحبني بالرغم من أنني كنت أفعل ما يطلبون؛ عكس أخي الأصغر، وكأنني ناقة صالح سيقت إليهم لتلبي احتياجاتهم وما نالها منهم سوى الجحود قبل الذبح! كفرت بكل شيء، حتى المبادئ التي لطالما علمونا إياها ولم يفعلوا بها، تلك القاعدة التي لم أهزها أبدًا أود تحطيمها، علمونا أن لها شواذ ووضعونا فيها لنكتشف أننا نتبعهم دون تفكير مسبق وما هم إلا شواذ للقاعدة!
قاعدة الإيمان بالغد، مجرد كذبة! ولذلك حين وصلت للسابعة عشر من عمري قررت ترك البيت لهم، فضّلت أن أكون وحدي؛ لأواجه مصيري، علنّي أكسر القاعدة وحدي، واجتهدت في دراستي وحققت ما كنت أحلم به، وأعرف أنني لم أكن سأحقق أي شيء وأنا معهم، لطالما أضحكني قانون الجدب "إذا أردت شيئاُ بشدة فكل الكون يتآمر معك لتحقيق ذلك الشيء" فالحقيقة غير ذلك، القانون الأوحد
على هذه الأرض هو أنه إذا أردت شيئاً بشدة فإن جميع قوى العالم ستتحد ضدك ليحطموك.
سافرت لأكمل وحدتي بغربة عن أرضي، فلم يكن هناك فارق بين غربتي ووحدتي، فالوحدة غربة كغربة السفر، حققت بالخارج ما لم يحققه شاب في مثل عمري، ادخرت أموالًا لكي تعينني على متطلبات الحياة؛ وقررت الرجوع لبلدي مرة ثانية، ولكن تساءلت عن مصيري!
هل الوحدة ستقتلني؟ هل سأكون كآخر جرثومة قد قضى المطهر على تسع وتسعين في المائة من ذويها! حتى وجدتها، إنها حورية وقد كانت بالفعل حورية، تزوجتها دون تفكير
وقضيت معها أيامًا وأيام ظننت أنها ستدوم، آمنتها على كل ما أملك وكتبت كل شيء لها، لو كانت أرادت قطعة من جسدي ما كنت أرفض، لقد ظننت أنها جنة دائمة ولكن
الشيطان أذلّها عنها فأخرجها وأخرجني، لقد تغيرت طباعها كثيرًا، لم تعُد كما كانت، حتى أنني فوجئت حين عرفت أنها رفعت ضدي دعوى للخلع! وبادعاءات كاذبة تم قبول
دعوتها وخسرت كل شيء، قديمًا خسرت أهلي والآن خسرت عمري وأموالي، سبحت داخل بحور من اليأس فقد سقطت من عليين إلى أسفل سافلين، ولكن هل خسرت بالفعل! تعلمت أن الحرب معركة كبرى بداخلها صراعات، ولكل صراع خطة والفائز هو من يحسم الصراع في الجولة الأخيرة.
لقد كانت حياتي مجرد صراعات، صراعي مع أهلي على
البقاء، لقد كنت أعاني أشد المعاناة طوال سبعة عشر عامًا وانتصرت في النهاية باختياري العزلة، عانيت من الوحدة ولكنني قاومت وتغلبت على الوحشة، هزيمتي الوحيدة جاءت ممن أحب، حاولت التفكير في شيء يعيد لي كل ما تم سلبه مني ولكن بلا فائدة، حتى جاءت الطامة الكبرى، اتصال من مجهول يخُبرني فيه بأن طليقتي قد خُطبت! ولمن لأخي! لم أكن أعلم أن البشر بمثل هذا القبح، رسائل كثيرة
تبُعث إلي عبر "الواتساب " بمحادثات لطليقتي
مع أخي، أكانا يتواعدان وهي معي! كيف عرف السبيل إليّ؟
أفكار تراودني بأن أقتلهما معاً، من بعث لي تلك الرسائل؟
انعزلت ثانية عن العالم.. أنعي نفسي، فلا للعائلة من شرف، ولا راحة في الدنيا، حتى ذلك اليوم الذي اتصل بي أخي ليخبرني بأن زفافه على طليقتي في اليوم الذي يليه، لقد وصلت به الدناءة بأن يزف لي خبر زواجه منها، بل
أخبرني بأنه كان ينتظر تلك اللحظة من وقت طويل، فلقد عانى كثيرًا من الفقر، أما أنا فقد ترفهت كثيرًا، أخي الذي استولى قديمًا على
حب والدئّ، طمع في أموالي بل سلبني زوجتي وسنوات من عمري قضيتها في الغربة!
رتبت خطتي جيدًا لدخول بيتي الذي سلبته تلك العاهرة في يوم زفافهما، ومن الغريب أنهما لم يغيرا الترابيس، إذاً فمفتاحي يفتح الأبواب، تسللت داخل البيت وانتظرتهما في غرفة النوم خلف الستار، ساعة، اثنان، ثلاثة، حتى دخل
الغرفة وهو يحملها بين يديه، أسمع تنهداتهما، صوتها وهي تتغنج، رأيت كل شيء ممكن أن يقتل آدميتي، كان يقُبلها وهي تبادله قبلاته مثلما كانت تفعل معي، لم أتحمل أكثر من ذلك، فما أبشع الإحساس حين تكون زوجتك
المسلوبة وأخيك أمامك في وضعٍ مُخِّلٍ، أعرف أنها أصبحت زوجته ولكن الحيلة التي أوصلته ليكون مكاني في بيتي الذي من مالي هي ما أصابتني بالقهر، لقد دبر لكل شيء ليكون مكاني، فمن جبروته لم يبدل أي شيء في
المنزل، حتى المفاتيح كانت كما هي، لقد أراد فقط أن يأخذ مكاني، لقد تملك الحقد قلبه الأسود.
هل أقتلهما معاً وأخسر كل شيء؟
تخيلت نفسي وأنا خلف الستار لو أني أشهرت سلاحي في وجوههم، فأصوب عليها أولًا وأطلق رصاصتي في منتصف جبهتها، لأرى جسدها وهو يرتعش فيرتعش قلبي فرحًا مع كل ارتعاشة من جسدها، ويصاب أخي بالهلع، وتوقف الصدمة حواسه، بأن أراه وهو ينظر يميناً ويسارًا كقط بائس جال على مسامعه هسيس أفعى ماكرة، ولكن ماذا ستكون فائدة حياتي لو قتلته ما وقتلت نفسي ! أشعر وكأن قلبي أضحى موبوءً، كمدينة أصاب الطاعون قاطنيها فأهلكهم، لا قادرٍ على التطهير، ولا الطاعون ممعنٍ تركه! تنهيداته ما صَمّْت أذُني، علاقة كاملة يمارسونها أمامي وأنا لا حول لي ولا قوة؛ وأخيرًا خرجا من الغرفة متجهين إلى دورة المياه، خرجت من خلف الستار معتزمًا الرحيل، وقبول الهزيمة في أول جولتين ورفع راية التسليم، ولكن هل أبقى مقيد اليد؟ خرجت من البيت ومائة ألف خطة في رأسي، فما أجمل نرجسيتهما وما أحقر أفكارهما، تساءلت هل جريمتهما لم تكن كاملة وعدم
تغييرهما للترابيس غير مقصود! أم ظنّا أني لن أعود؟ كل هذا لا يهم فأنا أدخل وأخرج
دون قيود، ولحسن الحظ أن ما كنت أتمناه قد حدث، لقد سافرا معًا لقضاء شهر العسل!
ركبت كاميرات في غرفة نومهما حتى يتسني لي تصوير ما يحدث على الفراش، حتى رجعا وتأقلما على زواجهما ومازال التصوير يبث لي كل ما يحدث، اشتريت هاتفًا جديدًا برقم جديد وقررت أن أبعث برسائل غرامية لتلك الأفعى، وكما ظننت فلقد تجاوبت معي، كنت أتغزل بجمالها عبر الرسائل وأراها وهي تكلمني عبر الشاشة، لقد فتُنت ثانية وتمنت لو كنت بجانبها، لقد ظنت أنني شخص آخر، لا أعلم كم الكره الذي أحمله لها ولكنها لم تكن سوى كلبة سوداء وحياتها تشبه موسم التزاوج، فكل ما تفعله هو أن تخرج ريحها لينجذب إليها باقي الكلاب ليعاشروها، كانت
كمرحاض مخصص للرجال فقط! أوقعتها في شِركي حتى أحبتني كما قالت، لم يكن متبقي معي من الأموال سوى القليل، أخذت بعض المقاطع الجنسية المصورة لها وهي مع أخي ودفعت كل ما أملك للمبرمج حتى يضع رجلًا
آخر مكان ه في الفيديو، ثم بعثتها إليه مدمجة
مع رسائلها معي والتي أخبرتني فيها بأنها لا
تحترمه! رأيت نظرة انكسار في أعين أخي، لا أعرف إذا كان نادمًا عما فعله بي، رأيته وهو
يواجهها بالمقاطع المصورة، محاولتها لتبرئة نفسها، رؤية كاملة له وهو ينتقم لي منها، لقد لعبت معهما لعبة القدر، الخيانة جزاؤها القتل، اتصلت بالشرطة وقمت بالتبليغ عن جريمة القتل وأنا بعيد كل البعد عنه، لقد قدم كل الأدلة التي تثبت بأن زوجته خائنة وتستحق القتل، وببعض الأموالمني استطعت أن أساعده، لقد رشيت ضابط الشرطة حتى يضبط تحرياته، ليأتي القضاء فيما بعد بحكم بتبرئته، ولكنه خرج من التجربة منكسرًا لم يعدُ مثلما كان، لقد تم
وصمه أمام الجميع، انعزل عن الناس، كُنت أراه يبكي ويصرخ، يمزق ملابس زوجته ويصرخ بها أن تبتعد عنه!
لقد أصيب بالجنون، رغم أنه ورث كل ما تملك، لقد أصبح المتحكم الوحيد في أموالي، يوم فالذي يليه وهو يموت من الداخل ووجهه يشحب من الخارج، حتى تحققت عدالة السماء في اللحظة التي رأيته وهو يحمل مقعد خشبي ويضعه تحت جنش موضع بالسقف، عانى
قليلاً وهو يحاول أن يقف فوق المقعد، فقد كانت كل ذرة في جسده ترتعش، أمسك بحبل سميك وعلقه في السقف، قام بعمل عقدة واسعة ثم أدخل رأسه بداخلها، أزاح بكعب قدميه المقعد ليتعلق في الهواء ينازع أنفاسه الأخيرة،
لحظات من التأمل مرت عليه، نظراته بدت سارحة، ووجهه شحب وأصبح أحمر كحبة الطماطم، أعلم أن إحساسه كان ممزوجًا ما بين فرحة وندم، وبالتأكيد كسائر المنتحرين
سيتساءل بداخله هل لو عاد به الزمن للخلف لمدة دقيقة واحدة هل كان سيفعلها ثانية! ولكنه كسابقيه ستتفتح بصيرته ويعاد شريط من الذكريات أمام عينيه ليرى كم كان ظالمًا جهولًا، وجه عينيه تجاه خزانة الملابس ليلقي نظرة أخيرة لثياب زوجته قبل أن يزفر أنفاسه
الأخيرة! فكرت حينها لو كنت قتلتهما هل كنت سأتشفى فيهما، هل كان حقي سيعود؟
لقد مات أخي ولم يكن له وريث سواي، لقد
استرجعت بيتي وأموالي، أكتب ما أكتبه الآن لأخبركم أنني سرقت حقي من الذين سلبوني آدميتي، فمن قال أن كل السرقات حرام ! فنحن أحيانا نسرق السعادة من باطن الحزن الذي يقتلنا، نسرق الحب من قلوب امتلأت بالكره فنحاول ترميمهم. نسرق الأمل من سراديب اليأس، نسرق النور من قلب الظُلمة.. نحن لسنا بلصوص، نحن مساكين نستحق الشفقة!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي