اقدار لا مفر

سندريلا القلم`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-07-08ضع على الرف
  • 1.3K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

بارت ١

البداية

في ليلة مظلمة تضرب الأمطار الغزيرة شوارع مدينة ساوثهامبتون البريطانية، وفي إحدى الحارات الصغيرة تعلو صرخات ثلاثة أطفال، لا تتعدى أعمارهم بضعة أيام، بالرغم من وجودهم بين احضان أمهاتهم إلا أنهم يشعرون بالخطر، وكأنهم يعلمون أنهم سيتركون على تلك الأرض الغارقة بمياه الأمطار، تلك الأصوات المرعبة التي تصدرها السماء وكأنها شخص شديد الغضب فقد السيطرة على نفسه فانفجر بغضبه؛ ليخبر الجميع أن يحذروا منه.

صراعات بين السماء والأرض وبين القلب والعقل، قلوب امهات تنادي بألا تفعل، وعقول ترغب في الانتقام بشدة وتجبرهم على الرحيل.

تركوا الامهات وبناتهم الثلاث أمام باب إحدى الملاجئ، واختبئوا مراقبين من خلف الجدران حتى خرجت سيدة يتراوح عمرها بين الاربعون والخمس منها، تدعى السيدة "اميليا ويكيد" ينادونها ب "ايميلي الحمقاء"؛ لانها كانت حادة الطباع وشديدة في التعامل وجدية، بعدما سمعت صرخات تلك الاطفال، تنادي وهي تدنوا إليهم بعدما تحققت منهم على العم "نائل" مساعدها في الدار وهو المسؤول عن سجلات الدار جميعها، من أصول مصرية، هاجر إلى بريطانيا بحثاً عن العمل بطريقة غير شرعية، تدهورت به الأحوال ولم تكن رحلته كما كان يتمنى، ولم يكن الهروب والغربة ابدا طريقا للسعادة.

حمل "العم نائل" والسيدة " ويكيد" الأطفال إلى داخل الدار، قامت المربية بتبديل ملابسهم المبللة، وتنشيفهم وتدفئتهم، وحاولت السيدة "ويكيد" أن تجد أي شيء في ملابسهم يدل على هوياتهم ك ورقة تحمل اسمائهم او ما شابه لكنها لم تجد شيء سوى قلادة تحملها كل منهم في عنقها بنفس الرمز ونفس الشكل فقط تختلف في لونها، وهذا ما كان يميز كل منهم عن الاخرى.

كان هذا الرمز مكتوباً باللغة الصينية وهو معناه (الاسطورة) وكان يميز اللون اسطورة كل منهن، اللون الأحمر هو (اسطورة الرومانسية)، واللون الابيض هو (اسطورة العزف والغناء)، اللون الأسود هو (اسطورة الحرب).


كان لكل قلادة من تلك الثلاث قصة ومغزى وراء تسميتها وشكلها، لم تكن تلك القلادات مجرد زينة بمعنى معين توضع حول العنق، إنما كانت تحمل ايضاً قوة سحرية لا يمكن لأحد استخدامها سوى مالكها.

السيدة ايميليا وهي تنظر إلى تلك القلادات باستغراب وتمعن، تقول للمربية بعدما شعرت بتسارع ضربات قلبها للمرة الأولى تجاه أي طفل تجده، بتنهيدة متأسفة على ما أصاب تلك الجميلات الثلاث:
-هيا أيتها المربية ميلا خذيهم إلى النوم، ضعيهم في غرفة واحدة حتى يشعرون بالدفء، يبدو انهن اخوات.

-أجل سيدة ايميلي سأفعل، عمت مساءاً.
-وانتِ ايضاً، رجاءا نائل ساعدها في حمل الاطفال.

تقدم نائل وحمل طفلتين بين يديه بلطف قائلاً:
-بالطبع سيدة ويكيد، هيا ميلا دعيني اساعدك.
-حسناً هيا.

اخذوا الاطفال إلى غرفتة خاصة بهم، وكانت المربية ميلا هي المسؤولة عن الاعتناء بهم، وهكذا كان النظام عندما يدخل الدار طفل صغير، تخصص له العناية اللازمة وتوظف كل مربية للاعتناء بعدد معين من الاطفال، بالرغم من وجود النظام والعناية الكاملة إلا أن قسوة قلب السيدة "اميليا ويكيد" في معاملتها لهم وعقابها القاسي عند الخطأ جعل رحلتهم اصعب بكثير.

في داخل حجرة صغيرة بالكاد تتسع سريران، تنام المربية واحدى الفتيات على واحد، وتنام الفتاتان على الآخر، بين احضان تلك الجدران القديمة، التي يتخلل منها صقيع الامطار وقسوة اصوات السماء المرعبة، كانت تلك هي بداية لحياة الثلاث فتيات، في نفس اليوم ونفس الوقت الذي علت فيه صرخاتهم بعد فراق امهاتهم، علت ايضا صرخات ثلاث صبية بين احضان امهاتهم في منازل فخمة، وملابس باهظة الثمن، وعناية فائقة بين الخدم والحشم، ودفء شديد بين احضان امهاتهم وابائهم.

ثلاث فتيات وثلاث اولاد يحملوا نفس تاريخ الميلاد ونفس التوقيت ولكن لم يكن مصيرهم واحد ولم تختارهم نفس الحياة، وظلت الحياة مستمرة بين هذا وذاك حتى بلغ الفتيات السادسة من عمرهم، وبدأت حياتهم الدراسية ومن هنا بدأت رحلتهم الشاقة ومعاناتهم.

في صباح يوم الاحد في الساعة السابعة صباحا دخلت المربية ميلا غرفتة الفتيات حاملة جرس بيدها:
-هيا ايتها الفتيات اليوم هو اليوم الاول في المدرسة، هيا يا جميلات استيقظوا قبل أن تأتي السيدة ويكيد، هيا جين، هيا لين، هيا ايلن، هيا استيقظوا.

استيقظ الفتيات بحماس شديد يركضون خلف بعضهم إلى الحمام؛ لتنظيف إيمانهم وتبديل ملابسهم، وقفت ميلا تساعد كل منهن في ارتداء ملابسها:
-لحظة من انتي من بينهم؟! اه صاحبة القلادة الحمراء انتي جين، هيا ساربط لم الحذاء، ها انت ذا لقد انتهيت، وانت من؟ القلاة البيضاء هذه انت لين هيا ارتدي قميصك حسنا هكذا، هل قمتِ بربط الحذاء جيداً؟
-أجل ماما ميلا لقد فعلت.
-عزيزتي الم نتفق الا تناديني ب ماما سوى وقت النوم فقط؟ تتعلمين ماذا سيحدث إن علمت بذلك السيدة ويكيد؟
-أجل اعلم ستعاقبني بقسوة، لكن لم لا يمكنني أن اناديك ماما؟ الست والدتي؟
-بالطبع عزيزتي انا والدتكم، لكن هذه هي قواعد العمل هنا، تعلمين أن جميع الاطفال هنا ليس لديهم امهات ولا آباء، علينا أن تراعي مشاعرهم اليس كذلك؟
-بالطبع ماما، اقصد سيدة ميلا.
-ها هي فتاتي الجميلة هيا اذهبي مع شقيقتك، هيا ايلن لم يتبقى سواك يا صاحبة القلادة السوداء، كيف يمكنني مساعدتك؟

نظرت إليها بثقة مطلقة وكأنها فتاة في العشرينات، تتحدث بجدية وحزم:
-شكرا لك سيدتي، لا احتاج للمساعدة لقد قمت بعمل كل شيء لنفسي على اكمل وجه.

نظرت إليها باستغراب وفرح في نفس الوقت:
-اوووه لقد كبرت فتاتي الجميلة واصبحت شابة تعتمد على نفسها، حسنا إذا فلنرى إن كان كل شيء على ما يرام، اووووه يا الهي انظري الى هذا الزر كيف فعلت ذلك ايتها الشابة لقد قمت بتبديل اماكن الازرار حتى اصبح قميصك غير منتظم، قفي رجاءا.

شعرت ايلن بالغضب الشديد لأنها احرجت نفسها، لكن ميلا اعادت إليها الثقة مجددا قائلة:
-ها انت ذا ايتها الفتاة ربما انا من تسبب في إرباكك وجعلتك تخطأين، لن اقوم باستعجالك مرة ثانية اتفقنا.

نظرت بابتسامة لطيفة وبريئة تسخر مازحة وتقول:
-حسناً ميلا لا تفعلي ذلك مرة اخرى وإلا ساقوم بمعاقبتك بشدة، ساذهب الآن.

قامت بضربها على خلفيتها مازحة وهي تركض خلفهم إلى خارج الغرفة:
-هيا هيا سامسك بكن ها انتم هيا هي…
بترت كلمتها تلك التي صدمت بها على باب الغرفة، بنظراتها الحادة ووجهها الذي يشع غضبا من معاملة ميلا اللطيفة للاطفال:
-ماذا تفعلين آنسة ميلا.

قامت ميلا منتصبة وهي تصرخ في الفتيات خلفها:
-هيا هيا لا اريد ان ارى احدا خارج الصف، ستعاقبون إن تأخرتم امامكم دقيقتان هيا انصرفوا.

مسحت براحتها جبينها الذي يتصبب عرقا، ونبضات قلبها المتسارعة التي بالكاد تلتقط انفاسها منها، بابتسامة مزيفة:
-اوه سيدة ويكيد، كل شيء على ما يرام هنا، لقد فعلت اللازم مع هؤلاء الاشقياء لا تقلقي، تفضلي من هنا سيبدأ طابور الصباح بعد خمس دقائق، هذه هي كلمتك سيدتي تفضلي.

نظرت إليها بحاجب مرتفع ترمقها ثم اردفت تتقدم إلى الدرج، وهي تمسك بعصاها الصغيرة التي تخيف بها الاولاد تتجه إلى ساحة المدرسة الخاصة بالدار.

وقفت أمام الميكروفون وارتص الاطفال في طابور منتظم، تتحدث بحزم قائلة:
-صباح الخير، اليوم هو اليوم الاول للعام الدراسي الجديد، بالطبع هذا الحديث موجه للطلاب الجدد والذي يعد هذا العام بالنسبة إليهم عامهم الاول، اما الباقي فيعلمون ماهي القوانين وما الذي يحدث لهم عند اختراقها.

-انتم جميعا سواء لافرق بين احد منكم، من يلتزم بالنظام والقواعد سيكافء على ذلك ومن لم يلتزم سيعاقب على ذلك ايضاً.

بينما كانت تتحدث السيدة اميليا عن النظام والقواعد، تحدثت الثلاث فتيات بصوت منخفض جدا فقالت جين:
-اوه يا ايميلي الحمقاء لقد سئمت هذا الحديث.
تحدثت لين بحماس قائلة:
-ما رأيكم في أن نلقنها دراسا قاسياً حتى تعلم ما هو العقاب.
ضحكت ايلن بسخرية وهي تتحدث قائلة:
-لمَ يجدي معها هذا نفعا يا فتيات انها حقاً حمقاء، لكن انظرن ماذا سأفعل اخفوني.
-حسناً حسناً.

ذهبت ايلن من وسط الطابور تزحف حتى خرجت إلى مكان وقوف السيدة ويكيد، وقامت بفك قدم الكرسي الخلفية الذي كانت ستجلس عليه، رأتها المربية ميلا وحاولت ابعادها بالاشارات لكنها لم تستطيع، نظرت خلفها السيدة ويكيد لترى ماذا يحدث وما هذه الاصوات، فوجدت ميلا متكأة على الكرسي وهي تبتسم بتوتر:
-كدت أن اسقط على الكرسي اعتذر منك سيدتي رجاءا اكملي حديثك.

نظرت إليها بتقزز قائلة:
-حمقاء.

انتهت من حديثها ورجعت إلى الخلف للجلوس على الكرسي فسقط بها ارضا وضحك الجميع على سقوطها، اشطاطت غضبا وقررت معاقبة من فعل ذلك، ظنت انها ميلا ولكن القت بنظرها خلف ميلا فوجد ايلن تركض باتجاه الطابور، صرخت قائلة بصوت اهتزت له الجدران وقلوب الاطفال رعباً:
-ايتها الحمقاء ايلن تعالي إلى هنا.

امسكت بها من ملابسها وهي تأخذها، تركض خلفها ميلا تحاول تهدئتها قائلة:
-سيدي ويكيد رجاءا مازالوا لا يعرفون القوانين، لقد كان ذلك خطأ وحادثا، ارجوك اصفحي عنها مازالت طفلة لا تفهم ارجوك سيدة ويكيد، اخربيني الى اين تأخذينها رجاءا، سيدة ويكيد اجيبيني من فضلك.

اخذت السيدة ويكيد ايلن إلى الغرفة المظلمة والتى لم يكن شخصا بها يرى حتى اصابع يده، شديدة الظلام، وتعلم إن اكثر مايخيف الاطفال هو الظلام، القت بها داخل الغرفة وقالت:
- لنرى إن كنت سترين الكرسي مجددا هنا ايتها المشاغبة.

صرخت ايلن صرخة موجعة، وكانت تلك اول صرخة لها في بداية حياتها صرخة الخوف، والتي نادت بها باعلى صوتها:
-ماماااااا

وهذا ما يفعله الطفل عند الشعور بالخوف اللجوء إلى حضن والدته، لكن هنا إلى من ستلجأ ايلن في خوفها؟.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي