البارت السادس 6

اه يا ورقى لو يعلمون كم من قلوب حكموا عليها بالموت وهى بين الجنبات تنبض. وكم من قلوب كالاشجار شامخة وفيها من الاحزان ما يكفيها فقد كانت كالنخيل الذى يطرح الرطب ومن حوله بقسوته يقذفونه بالحجر دون رحمة
قاربت يا يوم ميلادى على الرحيل وقاربت شمس يومك الى الغروب وانا كما استقبلتك بالدموع ساودعك بها فلا نهارك اسعدنى ولا ليلك دثرنى
اه من الليل ووحدته انه يظهرنا على حقيقتنا بلا رتوش يظهر ما نخفيه وراء البسمات عند النهار
ام من ليلى عندما تنطفى انوار يوم ميلادى وتستيقظ الجراح ونلقى برؤسنا على وسائد الشوك لتسقط كل اقنعة النهار ونتامل الجدران ونحاول ان نربت على قلوبنا المتعبة التى تفضح مواجعنا هنا على اكتاف الليل تسكب العبرات الساخنة وتطول الآنات وتتباعد الانفاس وتتلاحق ونهدا من انفسنا ونحن نزرع الدموع على صدر الليل لنبوح باسرارنا تحت ستائر العتمة
كل من حولى يحسبون ليلى هادىء وهو فى داخل اعماقى ثورات
يعتقدون انى لا ابالى او ان قلبى من حديد بينما ادركت انا ان الذاكرة لا تحفظ ملامح المارين بينما تحفظ كلماتهم وافعالهم وادركت ان جروح كلماتهم وافعالهم قابعة فى ارواحنا
لا يدركون هم ان آلآمنا تتجدد فى كل مرة يصر القدر على تقاطع طرقاتنا بذكر اسمائهم او لمح اطيافهم وصورهم
فى تلك الفترة يبدو ان كل شىء لا يستحق الذكر مهما كان جميلا. فى تلك الفترة ينطفىء نور العينين حتى الشمس تبدو منطفئة ويخبو ضياء الروح ويبهت لون القلب ويقل نبضه لتموت النفس فى اللحظة الف مرة
الان هل هدات يا قلمى ام ان حبرك قد جف ام ان اناملى قد تبدلت اذا لا باس يا قلمى من البكاء قليلا فبعض الدروس لا نستوعبها الا وجعا وتجعلنا نصل الى اللامبالاة حتى نغرق فيها فنتامل مرور الحياة بصمت وكانها لا تعنينا
فجاة اضاءت على شاشة هاتفها كلمة كانت لشاعر او ربما لبائس مثلها فلا يهم ولا هى نفسها اهتمت بقدر ما اهتمت بقيمة الكلمة ( من رقتها كانت اقسى انفعالاتها دمعة تغرغرت على الاهداب ولم تنساب )
لم تحاول ان تبحث عن صفة صاحب الجملة فقد قالت فى نفسها ربما هو بائس مثلى ولكنها اعتبرتها جبر من الله لتهدا لعل القادم خير
فكفكفت دمعها وكتبت عكس ما كانت تكتب وكان جبر الخواطر غسل كل جروحها
من الجميل لاننى تعلمت العزلة وانطويت على نفسى فاصبحت اكثر هدوءاً واشعر بالراحة كثيرا تعلمت ان احب نفسى لاجل غيرى لا لاجلى لانى على يقين انى خلقت لاجل مساعدة غيرى قبل نفسى والاجمل انى تعلمت ان احب الله حباً غير الذى كنت فيه فاعجبتنى العزلة ونفسى الجديدة اذ اصبحت اكثر ثقة لانى كنت بمعية الله اصبحت ارفض ما يزعجنى ويهدد سلامة نفسى
اصبحت على يقين ان شقاء الانسان ينبع من مجالسته لمن لا يفهمه بل ويسىء فهمه باستمرار
الشقاء الحقيقى لا ينبع من عدم وجود صحبة فما اجمل الجلوس فى معية الله وكيف بالوحدة وملائكته تحرسنى
سمعت صوت ابيها ينايها قطع عنها فيض الدموع فكفكفت دموعها فى عجاله وخرج تلبيه وما ان رآها الا وابتسم ابتسامة مريرة لانه كان يعلم ماذا تفعل وما الذى جعلها ككل مرة تختنق فيها تعتكف على دفترها فقال لها بحنان: كل عام وانتى طيبة يا بنيتى وكل عام وانتى عطيتنا من الله
ابتسمت له ومسحت عن راسه ومالت تقبل جبهته امتناناً له دون ان تتفوه بحرف
قل لها: اعلم انك تهوين النجاح فى كل شىء واعلم ايضا انك حقا تنجين فى كل شىء ولم يعد النجح بالنسبة لك مجرد هواية او امنية بل هو فعل ولكن يؤسفنى ان اخبرك انه على الرغم من نجاحك الا انه نجاح بالفطرة وليس بالمجازفة والتجارب
قالت له: كيف هذا؟
قال لها: النجاح والمجد ليس لمن يبذلون جهدا فينجحون فقط بل لمن يعرفون معنى المجد والنجاح الحقيقى فليس كل نجاح ناتجا عن عمل وجهد بل هناك نجاحات تاتى بمجرد المعرفة ولمجرد تجنب اناس حولنا شعرنا ان وجودهم هو تثبيط لقوتنا. النجاح لمن يفطن ان النجاح لا يرتكن على احد او انه بيد احد ومثلما النجاح بيدك فالسادة والحياة بيدك وحدها
المجد يا عطية للمنتصرين الذين يتجاوزون ايامهم ومواقفهم او حتى سيئات انفسهم. المجد والنجاح للذين بمقدورهم ان يلملمون ارواحهم وينهضون بقوة واندفاع كانهم لم يسقطوا من قبل. المجد والنجاح حا يا بنيتى للذات التى تعرف قيمتها
ابتسمت له ابتسامة باردة فعاد يقول: وكانك تلومين الله على خلقك
جحظت عيناها وقالت: حاشا لله يا ابى والله ما كنت كافرة يوما
قاطعها مردفاً: ولكنك كل ليلة ناقمة وهل هناك معنى اخر للنقم سوى عدم استيعاب قدرة الله؟
قالت بفزع: لا لا يا ابى لا تقول عنى هذا ولا تصفنى هكذا فانت اول الناس علما بايمانى
قال لها قاصدا ان يخرج من نفسها هذا الحزن: الايمان ليس بالكلام يا بنيتى ثم ما لك بكل هذا الحزن هل كان بيدك النصيب
اغرورقت عيناها واومأت بلا فعاد يردف ويسالها: وهل بيدك الجمال؟
ازداد نحيبها واومات بنفس الشىء وعاد هو ايضا يردف ولكن مع ذلك فالسعادة انتى الوحيدة الت تملكينها ومعك قرارها فالسعادة قرار وليست امكانيات يا بنيتى
ساد الصمت بينهما حاول ابيها ان يتنفس ولكن ارهاق قلبه كان قد تملك منه فقالت مشفقة عليه لاتجهد نفسك يا ابى فقد استوعبت كلامك
قال لها وهو لازال يتسابق مع سعاله: لابد ان اكمل معك كلماتى فالله اعلم هل سيكون بمقدورى ان اعيدها عليك مرة اخرى فى يوم ميلادك القادم ام ساكون بين يديه
جثت على ركبتيها واخذت تقبل كفوفه وتقول ببكاء: لا تقل هذا يا بنى ستعيش دهور معنا ربى لا يفجعنى فيك
قال مكملا: يا بنيتى حياتنا باختصار تتلخص فى كونها دائرة ولكنها ليست دائرة كاملة نحن بدايتها ونحاول ان نكملها سواء بشخص نحبه او حتى بمجموعة او بعمل نفنى فيه ايامنا حتى لا نشعر بالوحدة
وهناك من يحاولون ان يكملوا تلك الدائرة بسفر وسط اغراب يراقبهم ويرقبونه ولكن لا يختلط بهم ولا ينخرط فيهم , ومنا من يتصنع المشاكل ليجذب الناس حوله ليملاوا ذاك الفراغ ويغلق دائرته عليه حتى وان كانت بالمشاكل , ومنا من يفضل ان يتزوج لتمتلىء حياته بالحكايات والمواقف حتى وان لم يحب يوما من تزوجها فهو لم يتزوج من اجل الحب او الزواج بل تزوج لمجرد ان يملا الفراغ وهو يعلم ان جراء ذلك الاختيار ستتجلى مشاكل لا حصر لها ولكنه لم يشغل باله بما هو آت المهم ان يغلق دائرته
كما ان هناك من هم اكثر حنكة فيغلقون دوائرهم بالتخطيط وكلما نجحوا فى خطة اغلقوا جزء حتى وان حققوا كل خططهم بالترتيب شعروا بسعادة اكتمال دوائرهم ومنم من ينير الله بصيرته فيختار ان يغلق دائرته بالانعكاف على التعبد والصلاه لانه يعلم ان طرف نهاية الدائرة على اى حال من الاحوال تكون عند انتهاء الحياة لترتبط بالاخرة
اذن فالفكرة الاساسية ليست فى غلق الدائرة بقدرما هو التفكير فى كيف نغلق دوائرنا يبالطريقة السليمة حتى لا نجد انفسنا وقد سجنا ارواحنا فيها دون اية امل فى الفرار
اذا فالصحيح ان تبحثى حتى تجدين الجزء الدقيق الصحيح الذى به تكتمل دائرتك وان وصلتى لهذا الجزء ستجدين نفسك بفطرتك وتلقائيتك تحافظين عليه ولكن ان وجدتيه قد ضاع منك فجاة فهو من البداية ليس من نصيبك فحافظى على ما استطعتى ان تنجزيه واسعى من جديد فى جزء اخر اصح لك حتى لا تكملين بقية عمرك تعاقبين نفسك وتجلدين ذاتك بفعل او بتانيب ضمير
ساد الصمت هذه المرة للحظات عدة ثم عاد ابيها يقول: لقد قررت افعل بما قالته لك ولية الامر يوما
قالت بعدم فهم: ن اى ولية امر تتحدث يا ابى؟
قال لها: عن تلك التى اشارت عليكى بحديث الرسول ص ان المراة تنكح لمالها ولحسبها و لجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك
جحظت عيناها وقالت بقهر: اتشترى لى عريسا يا والدى؟
قال بهدوء: بل اعمل بحديث رسول الله يا بنيتى وقد فعلت بالفعل وقد كتبت لك هذا البيت باسمك وسجلته لك
قالت بفزع: لا يا ابى ارجوك فينشق عنى اخوتى ويكرهوننى وكفى ما يحملانه نحو من بغض وغيرة مغلفة بسبب حبك لوالدتى عن والدتهما وكانى انا التى املك مفتاح قلبك وجعلتك تحب امى عن امهما
والدها: هما اخذوا حقهما وزيادة يا بنيتى الم اشترى لاخيكى شقته التى تزوج فيها واقمت له حفل زفاف كبير ؟ الم انفق على اختك فى التعليم الخاص حتى انتهت من الجامعة ولازلت اصرف عليها رغم انها تعمل فهى تنفق كامل راتبها على زينتها وتاخذ منى ومنك وكانك يخفى عليك كل هذا بينما انتى من صغرك وانتى تكافحين وتنفقين على نفسك كما عودتك امك ولم تكلفينى بمصاريف تعليمك ولا جهازك ولا اى شىء ومع ذلك لم اتركهما فقد وضعت باسم كل منهما مبلغ من المال فى البنك لعلهما يرتكنان عليه فى الازمات مع انى متيقن ان شقيقتك ستنفقهم على زينتها وملابسها ككل شىء
عاد الصمت يسود بينهما ثم عاد الاب مرة اخرى يردف وكانه كان يصمت ليستعيد شيئا من انفاسه او قوته التى تعينه على مواصلة الحديث : اسمعى يا بنيتى اعلم ان اخوتك بقدر ما يكنون لك بقدر كبير من الحب الا انهما يكنان لكى شىء من الغيرة بسبب حب لامك فغيرة امهما قد اكسبتها لهم اذ انها كانت تسقيهم غلها من امك فنشأ كلاهما يحمل فى صدره شىء ويعلم الله انى كنت اعامل امهما بالمساواه مع امك ولكن هى ايضا كانت تعلم ان معاملة امك كانت تستحق ان تهدى باقيم الحب والعطايا فكانت طيبة القلب ولولا اصرارها على الزواج لاجل الذرية ما كنت فعلت فكنت راضى بها وبك ومكتفى ولكنى ما تزوجت الا لرضاها ومع هذا لم اخالف الله بل حاولت بكل ما فى وسعى ان اعدل
ونظر لها باشفاق وقال : صدقينى يا بنيتى لولا ان اخوتك قد لامسوا فيك طيبة وحنان ما كانوا حبوكى فانا لم اطعمهم حبك اطعاماً فهذا مهما فعلت ما كنت وصلت اليه فالحب ليس بالمنايا ولكنهم وجدوك عكس ما كانت امهما تصفك
عطيات: الحمد لله
والدها وهو يسعل ويلتقط الحروف متقطعة: اسمعى يا جميلة انا اعلم انك كنتى مثل امك على قدر كبير من الذكاء والحرفية وانك ماهرة فى تحويل اى مال صغير الى ثروة بفضل ذكاءك ف التجارة الصغيرة فانتى لم تخجلى من اى عملاً كان مادام شريفا ولهذا فانا قد وضعتى مالى فى محله وانا على ثقة انك لن تخذلى اخوتك ان احتاجو لمساعدتك
كاد ان يكمل كلامه الا ان قطع صوت رنين الجرس فابتسمت وقالت ها هما المجنونان قد وصلا وكانت تقصد اولاد اخيها وبالفعل فما هى الا لحظات وانقلب البيت من الهدوء للصخب ومن البكاء للضحكات التى لا تنقطع
ولج اخيها صالح من الباب وهو منزعج من شقاوة اولاده وعندما وجدهما يتعلقان برقبة عطيات ويقبلانها وينادونها بماما فابتسم وقال خذيهما وابعدى بهما عنى فانا فى حاجة الى القيلولة قبل ان اخرج فى المساء
عطيات بقلة حيلة بعدما تنهدت: اكل يوم هكذا تاتى باولادك وتتركهم لى وتنام وانا اتحمل همهما وهم مذاكرتهما وانت تعلم انى لدى عمل اخر
صالح وهو يستصغر عملها الاضافى: يا عطا انتى ماهرة ثم ان عملك الاضافى هذا ثلاث ساعات فقط وانا اعلم انك قوية وتتحملين ثم انى لا اعرف كيف اتابع دروس الاطفال وليس لى سعة صدر لشقاوتهما
عطيات: اذا تزوج
ابتسم لها بلامبالاه وقال لها ابحثى لى عن عروس وانا مستعد ولكن من تلك التى تتزوج لتحمل هم طفلان كهذان
عطيات بقلة حيله ذهبت لتجهز الغذاء وهى تقول له بصوت عالى: انتظر لتاكل معنا اولا
عاد الى المطبخ وناغشها وهو ينعكش فى الاطباق ويتذوق ويقول لها ماذا اعددتى لنا اليوم؟
ضربته بخفة على كفه وقالت انتظر لثوانى وستعرف وهنا رن هاتفه فضحكت لانها كانت تعلم هوية المتصل
صالح وهو يتأفف: ماذا جرى يا مهى؟ هل ككل يوم لم تجدين تاكسى؟
ما هى الا لحظات وانهى المكالمة والتقط لقيمة صغيرة اخرى وقال لها: انتظرى على تحضير السفرة حتى اعود فانا ذاهب ككل يوم لاجلب المحروسة السيدة مهى التى لا تتعامل مثلط او مثل اى فتاه ولا توافق على ركوب المواصلات العامة فاما تاكسى او انا السائق المخصوص لديها
ضحكت عطيات وقالت: قولت لك انفاً اجبلبها معك كل يوم بدلا من ان تعود باولادك ثم تعود لتاتى بها مرة اخرى
صالح: وهل اترك الطفلين فى مدرستهما كل تلك الفترة حتى ياتى ميعاد الهانم ؟ فموعد نهاية عملها بعد موعد مدرسة الاولاد وموعد عملى بساعة
عطيات: ولكنها كل يوم تتصل بك وتتافف هكذا وفى كل مرة تعود لتاتى بها
صالح وهو يزفر نفس ضيق وقلة حيلة: ما باليد حيلة
.................
على الجانب الاخر
هناك فى مكان كبير لتجهيز العرائس ( كوافير ) فى قاعة كبيرة منقسمة لغرف لكل غرفة منهم مهمة خاصة بها
وكانت عطا تعمل فى الغرفة المخصصة للبس الروس فقد كانت عطيات مختصة بتلبيس العروس فستان زفافها
كانت كل يوم عطيات تساعد عشرات العرائس بارتداء فساتينهن وهى فى كل مرة تتمنى الف مرة ان تبقى مثلهن وتظل تحلم بنفس الفستان عليها وكيف سيكون شكلها
فى تلك اللحظة وفى نفس اليوم الذى كانت تبكى وتنعى فيه ميلادها كانت تساعد عروس فى فستانها وتتاملها وهى فرحة وتسترسل فى الكلام وكيف انها ستبهر عريسها وكيف سيخطف جمالها كل المدعويين الى اخر تلك الكلمات التى تتفوه بها اغلب الفتايات وعطيات فى نفس الوقت تتخيل نفسها انها ارتدت نفس الفستان ولكن كانت على العكس من كلام تلك الفتاه وانها ستكون محض سخرية كل من يراها وربما يهرب منها عريسها ويعلن ندمه قطع صمتها وتفكيرها وهى تعدل وتفرد ذيل فستان العروس التى اخذت تدور حول نفسها فرحة صوت العريس ووقع خطواته وصوت الزغاريد التى ملات المكان
اخذت تتامل العريس بوجع وهو يقبل عروسه ويقدم لها الورود وقال لها وهو يقبل وجنتها ما اجملك واجمل عطرك ما كنت اعتقد انك ستصيرين هكذا والله انى لأود ان اخفيك عن العيون فقالت له الفتاه فى الحقيقة الفستان كان من ذوق جميلة ومثله العطر
نظر لها العريس وابتسم ابسامة باهته فور سماعه للاسم والنظر الى وجهها ومع ذلك قال لها بامتنان اشكرك يا مدام
انقبض قلبها واعتصر من تلك الكلمة وقالت بفتور: آنسة
تنحنح العريس ثم لم يبالى واخذ عروسه وسط الزغاريد وخرج من القاعة
غادرت العروس ولكن طيفها وطيف فرحتها كان لازال يملا المكان فبكت وفى تلك اللحظة دلفت السيدة نسرين صاحبة المكان وقالت لها هكذا هذه اخر عروس لدينا اليوم سلم يداك يا جميلة
حاولت جميلة ان تدارى عنها وجهها ورددت: حسنا يا سيدتى ساغادر لانى قد تاخرت
اقتربت منها السيدة نسرين وامسكت وجهها فما طالعتها جميلة الا وبكت بانهيار فاحتضنتها السيدة نسرين وقالت: تعالى يا جميلة فانا اود ان احكى معك فى شىء
جلست جميلة وبدات تكفكف دمعها وانصتت باهتمام
السيدة نسرين: ان كنتى تبكى لتنعى حظك فى الزواج فاعلمى انه ليس كل المتزوجات فى سعادة ورخاء وانا اول المعترفين بهذا فقد كنت احيا حياة كلها مشاكل وكم كنت امنى ان موت عن ان احيا تلك الحياة وفى الحقيقة لم ابدا حياتى العملية هذه ولم ابدا اعيش بسعادة الا بعدما انفصلت عن زوجى فقد كان لى بمثابة عشماوى الذى ولد فقط ليعدم كل المجرمين حتى انه سار متبلد الشعور ولم يحن قلبه لمعدوم فى الاصل برىء او لمعدوم يستحق الاعدام عشرات المرات فالكل اصبح عنده سواسية وتحجر قلبه فلم يعد مشهد الموت يهزة ولم يعد يخشى من النظر الى كفوف يديه التى نفذت الاحكام
هكذا كان زوجى يتلذذ بموتى كل يوم وانا على قيد الحياة وكنت كل مرة اهم ان انطق بالطلاق الا اعود لادراجى خوفا على مستقبل اولادى ولكن فى النهاية لم استطع وشعرت ان وجودنا مع بعض هو التدميربعينه لاولادى ولهذا فكرت مليا قبل ان اخذ القرار واخذته وانا كلى تعقل لما سيترتب ولهذا كنت قد حسبت كل حساباتى لكل صغيرة وكبيرة ولهذا لم افشل بل صارت حياتى افضل ولم احرم اولادى من ابيهما حفاظا على شعورهما وتكوينهما وها هما ولله الحمد يبرانى بعد زواجهما وانا لازلت اعمل فى مشرعى الذى انشاته من القدم لاجل الانفاق على اولاد والان هو ملاذى من الوحدة
قالت لها عطيات: ولكن نظرة المجتمع للمطلقة اهون من نظرتهم للعانس فهم وان نظروا لها على انها فاشلة فى حياتها الا ان نظرتهم قاسية لمن فاتها قطار الزواج فيقولون انها لم يرغب فيها الرجال وانها عانس وما اصعب الالقاب يا سيدتى فالنصيب لديهم ليس له اعتبار او مقام وكلما تقدم بى العمر كلما تذكرت كلمات زوجة ابى فما ان ماتت امى الا وكانت كل ليلة تقذفنى بكلمات موجعه ظل صداها حتى الان فى اذناى لم يعد فى لدى طاقة ان اتحمل عداد عمر وخوف كانت تقول لى متى ستتزوجى ومتى ستلحقين الانجاب ؟ ما اكثر جملها الشهيرة الساخرة انتى كالسحلية الناشفة من سينظر لكى حت الملابس لا تليق بك وجسدك كالرجال ليس به انوثة واسنانك وكانك من الشياطين ولونك اسود و...و...
بكت السيدة نسرين من وقع تاثير كلماتها وقالت: اين انتى من لا حول ولا قوة الا بالله فكرم الله يفوق الامانى ثم ان الزواج ليس هو كل شىء فى الدنيا فالحيوانات تتزوج اذن فالزواج ليس بمفازة ثم اين انتى من السيدة خديجة او السيدة ميمونة بنت لحارث فكلاهما بعد عمر طويل زوجهما الله من افضل خلق الله لديه بمحمد ص ومع ذلك لن انهرك على شعورك لان شعور الزواج غريزة بيننا وفينا ولا احد يستطيع نكرانها ولكن عليكى ان تعلمى ان الزواج مرحلة فى حياتنا وليس هدف
وكذلك فالزواج ابتلاء وعدمه ايضا ابتلاء فعليكى بالصبر فى عدمه حتى تعتادى الصبر ان تزوجتى
صمتت السيدة نسرين لبرهة وكانها تفكر فى شىء خطر فى بالها على حين غرة ثم اردفت تتحدث لحين ان تجلس بمفردها وتفكر جيدا فى تلك الفكرة: المهم يا جميلة هذا حسابك اليوم عن تلبيس العرائس وهذا المبلغ هو حسابك عما صممتيه من ورود لبوكيهات العرائس فحقاً ذوقك كان رائع خطف الانظار اما هذا المبلغ فهو مكافأتك عن التغير الذى اضفتيه للمكان مما جعلك تضيفين مساحة اضافية جعلتنا نقدم خدمة اضافية للعرائس
ابتسمت جميلة وقالت: الحمد لله فقد كنت حقا فى حاجة الى المال لعلاج ابى فاخر نقود استلفتها مهى منى
نسرين: لا تعطى لها كل ما تطلبه يا جميلة فهى تعمل وبمقدورها ان تنفق على نفسها ومع ذلك كل يوم اجدها هنا تلون شعرها وتنظف بشرتها ومانيكير الى اخره وانتى من تدفعين حسابها من مرتبك فلما كل هذا؟
جميلة بابتسامة: انها لازالت صغيرة وجميلة فلما لا اساعدها لكىتتمتع بجمالها؟
نسرين: هى عادية وليست فائقة الجمال ولكن من المستطاع ان تفعلى انتى ما تفعله هى وستصيرين اجمل منها
ابتسمت جميلة ابتسامة ساخرة وكان السيدة نسرين تجاملها
فى طريق عودتها اخذت تشترى لكل فرد فى البيت كل ما يريده الا نفسها لم تنفق عليها جنيهاً
عادت وهى محملة بالطلبات وما ان فتحت الباب حتى ركض عليها الطفلان يعانقنها كالعادة
دلفت الى اخيها صالح فوجدته يتحدث فى الهاتف الخلوى مع صديق له ولكن ما ان سمعت اسم راجح حتى اهتزت اوتار قلبها فهى تعلم صديق اخيها وهو يقارب لها فى العمر وكانت شديدة الاعجاب به الا انه لم ينجذب لها ولا مرة على الاطلاق
صمتت تسمع مزاحات خيها معه وما ان انهى المكالمة حتى سالته فى شغف: مع من كنت تتحدث؟
قال لها اخيها: هذا راح لقد عاد من الخارج اتتذكرينه؟
اومات بنعم دون ان تتفوه بحرف الا ان بالها كان مشغول وهذا ما دعاها لان تعاود سؤاله: هل تزوج؟
صالح: انى سالته بالفعل ولكنى وجدته لازال اعزبا واتى الى القاهرة ليتزوج ويستقر
تهللت اساريرها وتركته وهى تفكر وانتبهت على صوت ابيها يناديها فلبته فسالها عن دواءه فقالت: لقد اشتريته ها هو واعطته الدواء فى موعده
سمعت صوت صالح يناديها ويسالها ايعقل ان تتاخر مهى حتى الان؟
عطيات: دعها تسعد مع صديقاتها وان اردت شىء اطلبه منى
صالح بانزعاج: وهل اتى لخيالك انى اسال عنها لشىء اطلبه وهل علمتى من قبلل ان مهى تساعد رد منا لاطلب منها ؟ ولكنى اتسال بسبب تاخيرها
...........
مهى مع وفاء وريهام فى احد الكافيهات يتسامرن وكانت العيون معلقة بمهى وكلمات الغزل ممن حولها تحاوطها ولكنها لا تبالى بكل ثقة وتكبر
ريهام يعجبنى ما اختارتيه يا مهى اكثر مما اخترته انا لنفسى
هنا ضحكت وفاء وقالت: بالطبع يا سيدتى فالانسة مه ليس لها مثيل فى الاناقة والشياكة
ريهام: ولهذا صممت عل ان تاتى معى لتشاركنى بذوقها وخاصة فى اختيار المابس
وفاء بمناغشة: ولكن لا تهضمى حقى فى اختيارى لك فى نوع العطور فذوقى يفوق مهى فاعلنى هذا بكل فخر
هنا ردت مهى بثقة: لم تخلق تلك التى تتفوق علي فى ذوقها
ضحك الثلاثة فنظرت مهى فى ساعتها ثم قالت: لقد تاخرنا هيا بنا ولا تنسي يا وفاء انك ستوصلينى بسيارتك فانا لا اركب المواصلات العامة
وفاء بضحك بالطبع يا بنيتى وهل يعقل ان تركب الملكة مهى سيارات الشعب؟
.........
فى مكان اخر وبمعنى ادق فى بيت اخر وعائلة اخرى

وقفت ككل صباح وكل مساء تتشاجر معه لكونه لم يعد يشعر بها ويسر منها ويشبهها بالرجل وككل مرة تحاول ان تلتقى الدعم من طفليها اللذان لازال فى المرحلة الاعداية وجدتهما فى صف ابيهما ويشبهونها بالحازمة الروتينيه الرجل المدير فى البيت ولم يشعروا معها بانوثة وحنان الام

قالت بحدة وعصبية: هل كونى احاول ان ارتب البيت بقواعد واسس اننى اصبحت رجل قاسى؟ هل لاننى اطلب منكم المساعدة جردتونى من الامومة والانوثة وجعلتونى رجل اشعث الشعر حاد الملامح؟ وهل مكتوب على الام الانثى كما تفهمون صفاتها انها جلدة تتحمل فوق طاقتها دون ان تشتكى وان اشتكت تصبح فى بيتها كالرجل لانه يفشل فى ترتيب البيت او تحمله؟ اى مفاهيم تلك؟
الزوج ببرود: انتى حقا اصبحتى مثل الرجل فما الفرق بينى وبينك فانا اعمل واجتهد واتعب خارج البيت ولا اشتكى ولكنى لا اعرف كيف ادير البيت وانتى هكذا مثلى تعملين وتعطين الاوامر فى العمل بكل ثقة وجلد واذا ما وجدتى فى البيت بدات الشكوى والتعب

وما الذى على فعله لترأفوا بحالى وتشعرون بانوثتى؟
الاب: الانثى انثى اى لا تهتم سوى بترطيب جسدها ومداعبة ابناءها ومراعاة زوجها واستقباله بوجه بشوش وتتحمل معه اعباء الحياة فالزواج مشاركة
الزوجة: وهل لم افعل معك كل هذا؟ انك لظالم حقاً
الزوج: تفعلينه ولكن بصفتك رجل وليس انثى فاصبحت اشعر انى متزوج صديق لى
كلماته جعلت عيونها كما لو كانت تنزف دماً بدلا من الدموع فما اوجع على المراة ان تجردها من انوثتها كما هو الحال حين تنفى الزوجة عن زوجها صفة رجولته
قالت له وكانها تسترجى منه كلمة طيبة ترمم بها ما كسره فيها: اين كلماتك الطيبة واين حنانك واين غزلك فى ملامحى؟ لما كل هذا ضمر من بين حروفك؟ ان لم تعد تحبنى فاتركنى ولكن لا تهدمنى هكذا فما اقسى كلماتك
رد عليها الزوج: كنت اتغزل فى زوجى انثى اخترتها لجمالها وثقافتها كانت تتغزل في كما اتغزل فيها كنت مرغوب لديها كما كنت ارغب فيها
اشتقت لتلك التى كنت اجدها تلب مع اولادى بالمكعبات وتحفظهم دروسهم ولكن للاسف كل هذا ذهب مع الريح منذ ان اصبحتى وكيلة نيابة فاصبحتى تعاملينا كما لو كنا عمال عندك وتستقبلينا بالاسئلة والاتهامات وكل شىء عندك بقدر حتى اولادك افتقدوا حنانك ولم يعد يؤلمهم صراخك او بكاءك لانهما اعتادا عليه ولكن كل خوفى الان ليس عليك بل عل ابنتى التى اخشى ان تكتسب منك تلك الادات رغم انها تنفر منها ولكن الاعتياد على تلك التصرفات قد يجعلها عادة لديها فتفشل فى زواجها كما فشلتى انتى وربما لن تجد زوج يتحملها كما اتحملك انا
شعرت وكانه القى بها من اعلى قمة جبال ولم تعرف بما تجيب هل هى حقا اصبحت رجل دون اى ملامح انثوية وهل حقا كرهها اولادها؟
الزوج هنا هو السيد عصام يعمل نائباً لمدير لاحدى المستشفيات الحكومية بينما السيدة تقى تعمل وكيلة بالنيابة الادارية بمجلس الدولة
وكانت حياتهما تتسم بالبساطة والهدوء وقد تزوجا عن حب فهما فى الاساس جيران
وكانت السيدة تقى تتسم بالهدوء واخذت تعلو فى وظيفتها حتى اصبحت وكيلة نيابة فى وقت قياسى نظرا لذكاءها وتفوقها فى عملها ومنذ ذلك الحين اصبح العمل ياخذ حيزا كبيرا من وقتها ولكن ليس هذا باساس المشكلة وانما اساسها اصبح فى توترها منذ ان تولت هذا المنصب وقد خلق هذا منها شيئاً من العصبية وتغير المزاج بخصوص تلك التحقيقات الت تجريها يومياً مع موظفى الدولة واذا ما عادت لبيتها يظل عقلها مشغول فى كافة اسئلة لم تجد لها رد من الموظف المحقق معه او ربما اخذ عقلها يطرح لها اسئلة جديدة تقرر ان تواجه بها الموظفين فى اليوم التالى
اصبحت مسئولياتها كبيرة واصبحت اكثر انشغالا الا انها مع ذلك كانت تحاول بقصارى جهدها الا تقصر فى بيتها الا ان اسلوب حياتها فى العمل ربما انعكس منه شىء على سلوكها فى بيتها وان لم يصل للحد الذى يصفها به زوجها ولكن يبدو انه هو الاخر كان عنده قصور ولكنه لم يرغب ان يعترف بهذا فاراد ان يتملص من هذا بلقاء كامل اللوم عليها مستندا لفكرة ان الهجوم خير للانتصار ولكن لم يعلم ان بهروبه من مسئولياته وكثرة القاء اللوم على زوجته حرمه هدوء العيش ومن رحمة زوجته فمن اين سيجد جو هادىء هو نفسه مشارك فى صخبه
اخذ يقارن بين زوجته وذويها من النساء ولم يفتأ ان يذكر محاسنهن امامها قاصدا ان يجعلها تتخلص من تلك الصرامة والجدية ولم يكن يعلم انه بهذا يحطم فيها ما اراد ان يظهره منها
اما الطفلان خالد ونجلاء فكانا ضحية هذه الزيجة وللاسف فقد بداوا يميلون لنقد والدتهم كابيهم ربما لانهما وجدا ان موقف اباهم هو الاقوى وان والدتهما هى الطرف الضعيف
..........
ونعود عند جميلة
فى اخر اليوم تسطحت جميلة فى فراشها وجسدها مستهلك واستيقظت فى الصباح كالعادة ومارست نفس الروتين اليومى
فى المدرسة اعطتها المديرة فصل جديد وهمت جميلة ان تعترض لان هكذا هى تعطيها عدد فصول اكبر من طاقتها فقالت لها المديرة: اعلم يا جميلة ان هذا فوق طاقتك ولكن ان اردتى ان تتنازلين عن فصل او فصلين مقابل ان تقبلى هذا الفصل فلن امانع
فسالتها جميلة عن السبب فاجابتها المديرة: فى الحقيقة هذا الفصل هو اكثر فصل سىء فى المدرسة فجميع طلابه من الاغبياء وقليلى الفهم ويحتاجون الى سعة صدر تتحمل غباءهم ولان معظم المعلمين هنا درسوا لهم ولكنهم اعتذروا فشعرت انك الوحيدة التى ربما تاتين معهم بنتيجة ايجابية
قبلت على مضض وقالت لا امانع ولكن لما فى كل مرة تكهلينى بالاعباء اكثر من زملائى؟
شعرت المديرة ان جميلة بدات تناقشها وهى لم تعتاد منها على ذلك بل الكل فى المدرسة يعلمون ان جميلة شخصيتها ضعيفة فترضى باى شىء ولان المديرة كانت تلقب بالجبروت فلم تعاتد ان يناقشها احد فى قراراتها ولهذا رفعت احد حاجبيها وكشرت عن ملامحها وعادت لقسوتها التى كانت تحاول ان تواريها لاجل ان تتقبل جميلة الفصل بصدر رحب وقالت هذا امر وان لم تنفذى فقدمى استقالتك
تملك الحزن والهم من جميلة فهى تحتاج الى المال لمساندة اخيخا واختها فهم رغم انهم يعملان الا انهما يقضيان بقية ايامهما على الاستدانة من جميلة ثم انها هى التى تنفق على كامل البيت بما فيهم اولاد اخيها بالاضافة الى نفقات علاج ابيها
رضخت بعجز وتوجهت نحو الفصل وبعدما كانت قد قبلته برحابة اصبحت كارهة له من قبل ان تدخله من الاساس خاصة انها علمت انه مرحلة اعدادى اى سن مراهقة وبالتالى سيرهقونها
وقد كان وبدات اول حصة لها فى هذ الفصل واثناء ما كانت تشرح الدرس كان هناك طالب غير مستجيب معها وتركيزه يكاد يكون معدوم فحاولت ان تجذب انتباهه فنادته باسمه وامرته بالوقوف وسالته فلم يجيب كعادته فهمت ان تنهره الا انها تعجبت من تصرف الولد فوجدته يزيح زميله ويخرج خارج الفصل وهى لم تأمره بذلك فنادته وسالته الى اين؟
الطفل ببرود واستسلام: حاولت ان اخفف عنك مسئولية الكلام فحضرتك كبقية المدرسين ستضطردينى خارج الفصل لعقابى لانى لم افهم الدرس
تعجيت من تصرفه وكانه اعتاد على الاضطهاد وهذا وحده كفيل بان يجعله مشتت الذهن وشعرت ان بقية زملاءه يراقبونه ويراقبون تصرفها هى الاخرى فشعرت انها فرصتها لتكسب قلوب تلك الاطفال لانها لو كسبت حبهم لساعدوها على فهم الدروس والتفوق
فاقتربت منه وقالت ولكنى لن اعاقبك ووضعت يدها على كتفه واشارت الى بقية زملاءه هل وتذكرت انها لم تعرف اسمه بعد فعادت تبصره وهى مبتسمة وتقول ما اسمك؟
قال لها بابتسامة بريئة: اسمى احمد
فعادت تقول: هل احمد يحتاج الى عقاب؟
صدمت باجابة زملاءه عندما اجمعوا جميعهم انه لابد ان يعاقب فاخذت تفكر فى عجالة كيف ترد وبماذا ستجيبهم واخيرا قالت الاجابة على هيئة سؤال: لماذا علينا ان نعاقبه؟ فكانت الاجابة موحدة من الجميع لانه لم يفهم الدرس
فابتسمت واشارت لاحمد بان يعود الى مكانه وقالت للجميع: ان عاقبنا كل من لم يفهم لتعاقبنا جميعنا وهل منا من يفهم الاشياء من اول مرة؟ بالطبع لا فان كان منا من يفهم درس الرياضة من اول مرة فهو لن يفهم شرح اللغة العربية بنفس السرعة لان حبه للرياضه اعلى من حبه للغة العربية
وكذلك من يهوى اللغة الانجليزى سيكون ماهر فى قواعدها وطلاقة الحديث بها فى حين ان هناك يكره اللغة الانجليزة ويفضل اللغة العربية الفصحى ويهوى كتابة الشعر فالله قد خلقنا مختلفين لنتكامل اى ان من يفهم الرياضة يعلم من لا يفهم ومن يحب اللغة العربية يعلمها لمن يحب اللغة الانجليزية وهكذا وهذا اولا اما ثانيا فالانسان الذكى هو من يسال ومن يطلب من مدرسه ان يعيد ويعيد حتى يفهم والا فما لزوم مدرس يشرح المادة مادام ان حكمكم ان من لم يفهم يعاقب
صمت الجميع وانصتوا اليها فقد جذبت انتباههم
اخذت تدور بنظراتها فيهم وشعرت انها وصلت لمبتغاها وهو ان تكسب ودهم اولا ولهذا اردفت تقول هل نحن مثل الانبياء ام اقل منهم
الكل اجاب: اقل منهم بالطبع
قالت:وان كان الانبياء الذين هم اعلى منا درجة عند الله كرروا مرارا وتكرارا رسالتهم على كل من حولهم حتى يتيقنوا ويفهموا ولم يكلوا ولم يملوا حتى يدخل الناس فى عيادة الله وحده فهل تعتقدون اننكر نحن التكرار للتعلم وننكر قدور انبيائنا؟
صمتت لتسمع ردهم الا انهم خيبوا ظنها ولم يجيبوها
عادت تقول: من اليوم انا لن ابرح حصتى الا ان شعرت ان الكل قد حفظ الدرس ومن لن يفهم ساعاقبه ولكن ليس لانه لم يفهم بل لانه لم يسالنى التكرار ليفهم وعليكم ان تنتبهوا فعقابى على قدر صبرى اى انه مادمت ساصبر على كل منكم ليفهم فساعاقب بشدة من سالته ولم يجيب ولنبدا من اليوم وليكن احمد هو البادىء بالسؤال واشارت اليه لتشجعهفقام وهو متلعثم لا يعرف علام يسال وهو من الاساس لم يعى اى شىء بالدرس فقال بصوت خافض وبخجل: الم افهمه كله
قالت له بابتسامة هذا شىء عظيم ساعيد كل ما شرحت ولكن ان لم تفهم فاطلب منى التكرار وان لم تطلب فهذا اعلان منك انك قد فهمت وان لم تجب ساعاقبك
وبالفعل اعادت شرح الدرس ولكن الغريب انها لاحظت ان جميع الطلبة انتبهوا ليس لخوفهم من عدم الفهم وانما لخوفهم من عدم السؤال
انهت الدرس وانتظرت تراقبهم فوجدت ان الكل فى حالة عراك على التسابق للاسئلة بالتكرار فضحكت وقالت اذن يبدوا اننى المخطئة وان شرحى ليس بالجيد ولكن لن اترككم حتى تفهموا هيا بنا وبدات تستمع للاسئلة وتكرر حتى انتهت الى صمت جميع الطلبة فقالت: اذاً هذا اعلان منكم انكم فهمتم الدرس وجاء دورى لاسأل وبالفعل سالت وبدا الطلبة يتجاوبون معها ففرحت باول انتصار ووعدتهم بهديه فى اليوم التالى
............
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي