الفصل الثالث

في صباح يوم جديد، أسدلت الشمس خيوطها الذهبية؛ لبداية يوم صادم للجميع .
في المستشفي العام بالبلدة 
كانت زينب تبكي وتتضرع إلي الله طالبة الرحمة والشفاء لإبنها الذي أصبح طريح الفراش ساكناً ، بينما كان عيسى يراقبها بشفقة وألم علي حال صديقه
- إستريحي لبعض الوقت ، وأنا سأجلس بجانبه
نظرت إليه زينب وهي تبكي بشدة
- ومن أين تأتي الراحة يا ولدي ؟ لا أصدق أن هناك من يكنُّ له كل هذا الحقد والكره .
- صدقي يا أمي ، ولكن أنا لن أترك من فعل هذا ب محمد سأخذ بالثأر ، وأجعله يتمني الموت علي يدي ، إنتظري فقط .
كانت زينب لا تصدق حديث عيسى ، هل سيفعل كالمجرمين ويأخذ الثأر بنفسه ، أم أنه يقصد اللجوء للشرطة .
- إترك الأمر للشرطة يا بني ، هم يستطيعون التصدي لمثل هؤلاء المجرمين
كان عيسى يريد أن ينهي الحديث ، لكي لا تعلم والدة محمد ما حدث حتي لا تقلق .
- حسناً ، يا أمي
_______________
في أحد أحياء القاهرة القديمة ، في حي الأزبكية، كان الجميع منشغلٍ بعمله  فكل شخصٍ يسعي إلي رزقه ، وكان السوق مكتظٍ بالنسوة وكانت من بينهم ، إسعاد  زوجة مصطفي منصور ووالدة نادر تتحدث إليها إحدي السيدات .
- هل خديجة إبنة أحمد منصور قامت برفض إبنك نادر ؟ كنتِ تتفوهين بأنها لو أخر فتيات العالم لم تأخذيها زوجة لإبنك ماذا حدث؟
- إنهم لم يقَّدورا المعروف ، أراد لها الستر ، بالنهاية هي إبنة عمه لم يُجدي حديثى نفعاً معه
كانت تنظر إليها تلك السيدة بنظرات شماتة وحقد ، لطالما كانت تبغض خديجة بشدة ، لإنها أجمل فتيات الحارة ، فتحدثت مُّدعية الصدمة
- ستر ؟ ما بها خديجة ؟
تعمدت إسعاد أن لا تُعطيها جواب حتي ينتشر هذا الخبر إنتقاماً لرفضهم تلك الزيجة ، وتركتها وذهبت ، أما السيدة ف كانت تنظر في ذهول فهذا بالنسبة لها ، خبر الموسم كما يقولون.
- سأجعل الجميع يتحدث عن تلك الفضيحة حتي تنغمس رأسك ف الطين يا خديجة ، لم أترك شخص إلا وأخبرته بتلك الأخبار .
____________
في منزل الحاج أحمد منصور ، كانت خديجة سجينة غرفتها  ، حزينة، تائهة ، صامتة ، لا تتحدث مع أحد ، حتي هاتفها لم ترد علي مكالمات مريم ، وعينيها لا تجف من البكاء، إلا إن سمعت جلبة بالخارج وصوت تعلمه جيداً يتحدث ولا يكف عن الحديث ، لم يكن سوى عمها مصطفي ، كان يتحدث بغضبٍ شديد وكأنها إفتعلت جريمة .
- ألهذا السبب ، قُمتي برفض نادر
كانت أمينة لا تفقه شيئاً من حديثه ، عن أي شئٍ يتحدث.

- عن أي سبب تتحدث مصطفي
- الشاب الذي تقابله إبنتك في الخفاء ، أخبرني نادر بكل شئ
- وهل أخبرك عن فعلته الشنعاء
- إن كنتِ تقصدين ضربه للشاب بالسكين  ، نعم أخبرنى كان يدافع عن شرف العائلة الذى أوحلته إبنتك ف الطين
خرجت خديجة من صمتها ، فهذا حقاً لا يُحتمل ، يكفي إتهامات تُوجه لها بهذا الشكل المُهين ، فقد فاض بها ، وتحدثت بكل ما أُوتي من قوة
- تلك هي الكذبة التي تريدون أن تُصدوقوها أليس كذالك ؟ ، ولكن هيهات فأنا لم أًقابل هذا الشاب في حياتي ، ولم أعرفه حتي ،ولن أتزوج نادر ، شِئت أم أبيت
نظر إليها مصطفي والشر يتطاير من عينيه وقام بصفعها ، وأدت تلك الصفعة إلي سقوطها أرضاً ، ثم تحدث بغضب فاق الحد
- ما تلك الوقاحة ، هل هذه هي الأخلاق الحميدة التي تربيتي عليها كما تقول والدتك
تدخلت أمينة وهي تبكي بشدة ، منذ وفاة زوجها وهو المتحكم في حياتهم
- إبنتي ليست وقحة ، إبنك كاذب يا مصطفي ، هي حقاً لا تعرف هذا الشاب ، فقد هاتفه في الحافلة فأخذته خديجة إلي أن تعثر علي صاحب الهاتف ، ثم قابلها وأخذ هاتفه فقط هذا ما حدث
نظر إليها مصطفي بسخرية ، فهو لا يصدق حديثها بالمرة
- نهاية الحديث ، إن لم يتزوجك ذلك الشاب حتي نتخلص من هذه الفضيحة ستتزوجين نادر رغماً عنكِ
نظرت إليه خديجة بصدمة ، كيف ذلك؟ هو لا يعلم عنها شئ هل ستطلب منه أن يتزوجها ؟ كانت تعلم أنها حتي وإن طلبت ذلك لن يوافق ، فهي بنظره شريكة بقتل أخيه ، ثم تحدثت بدون تفكير 
- حسناً ، سأقابله مرة أخري حتي أخبره بقرارك هذا
نظر إليها مصطفي بسخرية ، فهو يعلم الحقيقة ، ولكن هو أراد أن يزوجها ب نادر فهو يعلم أن نادر يريد خديجة بأي طريقة ، ويعلم أيضاً أنه ليس مناسب لها إطلاقاً
- لست متعجب من وقاحتك تلك
ثم تركهم ورحل من منزلهم
نظرت خديجة لأثره وإمتلئت الدموع في مقلتيها
- لما يحدث معي كل هذا ، أنا لم أرتكب شيئاً ، ماذا أفعل يا أمي؟
نظرت إليها أمينة بقلة حيلة
- لا يوجد حل سوى زواجك من نادر ، أم ستتزوجي بشخصٍ لا نعلم عنه شيئاً
نظرت إليها خديجة بسخرية
- لا نعلم عنه شيئاً ، أي شخص سيكون أفضل من نادر ، وهل يوجد شخص أسوأ منه ؟
قامت فاطمة بإحتضان شقيقتها بشدة فهذا حقاً لا يُحتمل ، بينما كانت خديجة تبكي بشدة علي ذلك المصير البائس ، ثم قررت محادثة مريم كى تخبرها ، ذهبت خديجة إلي غرفتها كالمعتاد ، وأمسكت هاتفها وقامت بالإتصال علي مريم حتي أتاها الرد
- مريم أنا بحاجة إليكِ
- لماذا تبكي ؟ ماذا حدث ؟
إنهارت خديجة بشدة
- عمي يريد أن يزوجني ب نادر ، أو أتزوج صاحب الهاتف
كانت مريم في حالة ذهول من حديث خديجة
- هل أصابه الجنون ؟ كيف ستتزوجين به؟
- هو يظن أنني كنت أقابله عمداً ، كما أخبره نادر ، أرجوكِ ساعديني ، ماذا أفعل؟
كانت مريم حزينة بشدة علي حال صديقتها وما توصلت إليه ، فهي لا تستحق هذا
- لا أعلم خديجة ، تحدثى معه وأخبريه لعله يساعدك،  وفي النهاية أي شخص في هذا العالم أفضل من إبن عمك
- كيف أحدثه يا مريم ، أنا حتي لا أعلم ما هو رقم هاتفه
- سأقابله في المستشفي وأخد الرقم منه
- حسناً ، يا مريم
_____________
في المستشفي العام بالبلدة ، في غرفة بيضاء متسخة بعض الشئ كان يجلس كلاً من زينب وعيسى بجانب محمد بعد إن تحسنت حالته وأصبح بخير بعض الشئ ، إقتحمت تلك الغرفة مريم حتي تخبر عيسى أن خديجة تريد الحديث معه ، نظرت في إتجاهها زينب بريبة
- من أنتِ يا إبنتي
- أنا صديقة عيسى يا خالة ، كيف حالك محمد؟ ، عيسى أخبرني بشأن الحادث الذي حدث معك
- هو بخير يا إبنتي
- عيسى أريد الحديث مع بالخارج
نظر إليها عيسى ولا يعلم سبب تلك الزيارة
- حسناً
خرج كلا من عيسى ومريم من الغرفة تحت نظرات زينب إليهم
نظر إليها عيسى وهو ينتظر أن تبدأ الحديث
- هل ستظلين هكذا لفترة طويلة ؟ ، ماذا تريدين ؟
- أريد رقم هاتفك
كانت عيسى لا يعلم ماذا تريد برقم هاتفه ، ماذا تريد منه
- لماذا ؟
- صديقتي تريد أن تحدثك
- وأنا أيضاً أريد ذلك ، يجب أن أعلم هوية قاتل أخي
- سأعطيك رقم هاتفها وأخبرها أنت
- حسنا
_______________
في منزل مصطفي منصور كان مصطفي يتناول الغداء مع أسرته وكأنه لم يفعل شئ ، بينما كان نادر في أسعد لحظات حياته وأخيراً سيتزوج خديجة
- أنا أنتظر مجيئها إليك يا أبي ، وهي تقول لك أنه رفض عرض زواجها ، سأكسر كبريائها هذا
كانت إسعاد تنظر إليه بفخر لطالما كانت تكره أمينة وإبنتيها الإثنتان
- إكسر أنفها،  إبنة أمينة ، إجعلها تعلم ما هي عقوبة رفضها لك
- سأفعل قريباً أتزوجها فقط ، وسأجعلها تري كل أنواع العذاب معي
كان ينظر إليهم مصطفي بيأس فقد سئم من حديثهم هذا
- إن إنتهيتي من الحديث إحضري لي كوبٍ من الشاي
كان نادر ينظر إلي والده وهو يعلم أنه يشعر ببعض الشفقة إتجاه إبنة أخيه ، فحاول أن يخفف من حدة ما يشعر به أبيه
- لا تظن يا أبي أنني أكره خديجة وسأُحيل حياتها إلي جحيم ، أنا سأُعيد تربيتها فقط ، حتي تنتقي كلامتها عند الحديث معي ، فهي وقحة كما تعلم
تحدث مصطفي إليه بحزن وترجي
- الفتيات كثيرات إبني لما لا تتزوج بفتاة غيرها وتتركها وشأنها
نظر إليه نادر وتحدث بغضب شديد وكان صوته يعلو شيئاً ف شيئاً
- لا يا أبي لن أتزوج بأخري ، خديجة ملكي أنا من حقي أنا لن أدعها تتزوج غيرى
ثم ترك المكان بأكمله ورحل دون كلمة أخري ، كان مصطفي ينظر إلي أثره بيأس ، لعنة الإنتقام أكلت ما تبقي من عقل إبنه
______________
في المستشفي وبعد ذهاب مريم كان عيسى ينظر إلي رقم هاتفها بحيرة ماذا تريد منه ، هل لديها أخبار بشأن المجرم أم ماذا ، ثم قرر أن يتصل بها ويعلم بذاته ماذا تريد منه ؟
- ألو ، أنا عيسى صاحب الهاتف ، هل تذكريني؟
كانت خديجة منهارة بالكامل
- نعم أريد مقابلتك ف الحال ،أرجوك
نظر عيسى إلي الهاتف بحيرة شديدة ما سر بكاءها
- حسناً ، بعد ساعة في نفس المكان
- حسناً ، سأنتظرك
أغلق عيسى الهاتف وكان لا يفقه شيئاً من حديثها هذا لما البكاء ! وماذا تريد؟
______________
في منزل الحاج أحمد منصور ، في غرفة خديجة بالأخص ، كانت خديجة ترتدي ثيابها وتنظر في المرآة بلا روح ومستعد للذهاب ، إستوقفتها والدتها
- هل ستذهبين حتي تطلبي منه أن يشفق عليكِ ويتزوجك
- نعم أمي ، ليس أمامي سوى هذا الخيار ، هل عندك خيار أخر ؟
- إذهبي خديجة ، عسى أن يكتب الله لكِ  الخير والتوفيق إبنتي
قامت خديجة بإحتضان والدتها بشدة وكانت تبكى بشدة ، ربتت إمينة عليها بحنوٍ شديد
- لا تقلقي خير بإذن الله
كانت خديجة في طريقها إليه ولكن إستوقفها نادر
- ستعودين كما رحلتي خديجة تذكرى هذا
نظرت إليه خديجة بعينٍ فارغة من أي شئ ، ثم تركته ورحلت
_______
في المكان المنشود بجانب كنيسة مارمرقس علي حافة البحر كان ينتظرها عيسى ويلتفت يميناً ويسارا إلي إن أتت.....
يتبع
إلى اللقاء أحبتي فى البارت القادم
بقلمى/ شيرين محمد الطيب ❤️
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي