Black swan

الكاتبة_سحر30`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-11-27ضع على الرف
  • 1.9K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

goodbye

هل سبق وأن شعرتم أنه في لحظة واحدة كل شيء سُلِبَ منكم بسهولة ؟

في لحظة تكونون مستمتعين بالحياة غير مقدرين للكثير من الأشياء الموجودة في حياتكم وتتذمرون بخصوص تفاصيل صغيرة لا تساوي شيئا ، ثم بينغو...

حتى تلك التفاصيل الصغيرة التي لا تساوي شيئا تختفي فجأة وكأنها تعاقبك على التذمر بشأنها طيلة الوقت .

هذا الشعور يا رفاقي لا أتمنى أن يشعر به أحد منكم أو يعيشه ، فهو بشع جدا يجعلني أكره العيش و أرغب فقط في ..

الموت ...

هذه أنا رايفن فاقدة الشغف ، أجل أنا فقدت الشغف ، تحولت بين ليلة وضحاها من الفتاة الغنية المتمردة والمدللة إلى فتاة بائسة وهذه حقيقة متفق عليها .

الجزء الوحيد الجميل أنني لا أزال غنية .

لأشرح لكم بشكل أحسن .

أنا رايفن الابنة الكبرى لعائلتي المكونة من أمي كارلا وأبي دايفيد وأخي التوأم الذي يصغرني بسبع دقائق فقط واسمه رايان.

بحكم أن عائلتي ثرية فكلا والديّ جراحان مشهوران في البلاد ، فأنا كنت مستمتعة لأقصى حد بثروتهما وكل ما أفعله هو انفاق أموالهما التي لا يلاحظان حتى أنها تنقص.

علاوة على ذلك كنت متمردة جدا أجلب المشاكل لعائلتي وهي تخرجني منها كالشعرة من العجين .

على الرغم من أنني لم أقل هذا قط بصوت عالٍ تماما كالآن إلا أنني أتمنى حقا قوله لهما ...

أنني فخورة جدا بهما ،فقد نجحا رغم كل الظروف القاسية والتي لابد أنكم تتساءلون عنها الآن لذا دعوني أخبركم  عنها ، كان والدي الابن الأصغر في العائلة ، يعيشون في بلدة صغيرة يسودها الطابع القروي ، كان جدي مايلز من أغنى رجال تلك البلدة ، يملك بيت مزرعة ضخم المساحة يضم كل أولاده تحت سقف واحد .

أراد جدي أن يخلفه أولاده في أعماله التجارية المربحة بالطبع وهذا ما فعله جميعه ما عدا والدي ، الذي كان حلمه منذ صغره أن يكون جراحا متخصصا في جراحة الدماغ .

في البداية حين كان والدي مراهقا ظن جدي أنه مجرد حلم لحظي وسيتلاشى مع مرور الوقت ، وأنه حين يرى والدي كمية النقود التي يجنيها إخوانه من التجارة فسيغار ويسارع للانضمام إليهم .

لكن والدي صدمه حين أصرّ على حلمه بل وحتى طلب من جدي أن يسافر للجامعة خارج البلدة ويكمل دراسته ، حينها تشاجر الاثنان معا وانتهى الأمر بنبذ والدي من العائلة وثرواتها ومنعه من استخدام لقبهم في أي من أعماله .

غادر والدي والذي بالطبع كان متوقع حدوث ذلك، لذلك كان يوفر بعض المال لهذه اللحظة ، غادر للمدينة وبدأ رحلة تعلمه وعمل هناك في عدة وظائف إلى جانب دراسته المكثفة في الطب وكم كان صعبا عليه أن يجد وظائف تتناسب مع أوقات فراغه من الدراسة التي لا تنتهي أبدا .

كانت أيامه تعيسة جدا وصعبة وقد كان مشتاقا بشدة لدفئ العائلة ، وعطف الأم وسهرات الإخوة،  لكنه مع ذلك تحمل كل هذا الشوق وما أصعبه من تحمل .

ما عرفته من أمي أن والدته أي جدتي بعد شهر ونصف تقريبا استطاعت الوصول إليه سرّا عن الجميع وبدأت بإرسال المال إليه خلسة حتى يستطيع تدبير أموره لكنه رفض استخدامه وكان يبقيه في الحساب البنكي الخاص به ولا يصرف منه قرشا  واستمر في عيش حياته الصعبة التي يعيشها من أجل هدف واحد ليس قط .

حينها التقى بوالدتي و شُعْلَتُه التي أنارت حياته المظلمة والتعيسة ، حسب كلام والدتي فقد قالت أنهما التقيا أول مرة في مطعم ما حيث كانت هي تعمل نادلة هناك لوقت طويل جدا ، منذ بداية مرحلتها الثانوية ، حيث أن والدتي يتيمة الأبوين وكانت تعيش مع عمها لكن بعد وفاته هو الآخر تعذر على زوجته أن تصرف عليها لذلك بدأت هي بالعمل لتتكلف بمصاريفها ومصاريف زوجة عمها المتوفي .

تساءلتُ لما لا يهتم بها أولادها أو بناتها ؟ فقالت والدتي حينها بحزن شديد أنها هي ابنتها التي لم تلدها ولن تستطيع أبدا انجابها ، ففهمت أن زوجة عمها كانت عاقرة أي لا تستطيع الإنجاب.

لم أكن أؤمن بالقدر قط ، لم أصدق أي من تلك الصدف الغريبة في المسلسلات ولطالما سخرت منها ، لكن بعد سماع قصة والديّ أدركت أن القدر جمعهما ليخففا عن بعضهما ، وليرتكزا على بعضهم البعض حين يتعبان من أثقال الدنيا وهمومها.

حين كانت والدتي تعمل في المقهى أسقطت القهوة بالخطأ على بحث والدي الذي عمل عليه لمدة طويلة دون انقطاع ، فغضب لكنه تمالك نفسه وقالت والدتي في تلك اللحظة أنه على الرغم من أنه لم يصرخ لم يتذمر ولم يفعل أي شيء سوى الهمس بكلمة " لا عليك" كانت والدتي ترتجف خوفا من شكله ، حيث أن عيونه احمرت وعروقه برزت وحتى نظراته أصبحت أشد قتامة.

حين شرعت بمسح البحث بخوف وهلع وهي تعتذر لاحظت عنوانه فتوقفت للحظة ، ثم ارتفعت عيناها ناحيته ، لتقول أنها تستطيع تعويض ما حصل ، وحينها تجاذب كلاهما أطراف الحديث وعرف والدي أنها تدرس نفس اختصاصه وهي في نفس السنة الدراسية مثله ، فعملا معا ونجحت والدتي فعلا في إصلاح ما فعلته .

في النهاية ، استغرب والدي من كمية المعلومات التي تمتلكها هي والتي غابت عنه ولم يذكرها في بحثه السابق ، فأعلمته أمي أنها لطالما أرادت العمل على هذا المشروع واجتهدت من أجله حتى أنها حفظت كل معلوماته عن ظهر قلب ، لكنها لم تستلم هذه الفكرة بل قام البروفيسور الخاص بها بمنحها موضوعا آخر ، واحزروا ماذا ؟

بالضبط ، كان الموضوع الذي يحفظه والدي عن ظهر قلب ، لذلك أخبرتكم أنني آمنت بالقدر فقط من خلالهما.

بعد فترة زاد تقربهما من بعض وأصبح ذلك المطعم المكان الذي يشهد على بداية قصة حبهما وعلى ترقيها لمرحلة أخرى  ألا وهي الخطوبة ، حيث تقدم أبي لأمي بعد بضع سنوات وطلب يدها في نفس المطعم الذي التقيا فيه ، وبالطبع وافقت واحتفل كلاهما بالأمر .

لكن بعد مدة مرضت زوجة عم والدتي مرضا شديدا ، واضطرت لإجراء جراحة فبدأت والدتي بالاجتهاد أكثر في العمل وعدم الراحة أبدا حتى أنها لم تعد تلتق بوالدي كثيرا وهذا ما أثار استغرابه حيث أنها كانت رغم انشغالها تمنحه وقتا ولو كان بضع دقائق فقط لتطمئن عليه وتوصيه بالاهتمام بنفسه .

لذلك انتظرها ذات مرة أمام المقهى وحين خرجت أسرع ناحيتها ليسأل عن سبب انشغالها هكذا ، وقد تفاجأ من شكلها الذي قد أصبح أضعف ، فقد نمت تلك الهالات تحت جفنيها ، وبرزت عظام وجنتيها بعد أن كانت أمي تمتلك خدودا طرية بارزة يعشق والدي قرصها والاستمتاع بطرواتها،  شحب لون وجهها واختفت الهالة المرحة من حولها فهي بالتأكيد لم تعد قادرة على بثها في كل مكان كالعادة .

سألها عن حالتها بهلع وهو يتفقدها لكنها كالعادة ابتسمت برقة واستعجلته لتذهب لكنه أصر هذه المرة وضغط عليها حتى أخبرته ، تفاجأ والدي أن أمي لهذه الدرجة لم ترد طلب المال من أي شخص مهما كان قريبا منها كخطيبها وزوجها المستقبلي، لكنه مع ذلك تفهم الأمر .

فأخبرها أنه سيدفع ثمن العملية بتلك النقود التي لا يرغب بصرفها علي نفسه وهكذا سيضربان عصفورين بحجر واحد ، ستطمئن والدته أنه بخير وأنه يتقبل عطفها وسينقذون زوجة عمها .

وكما هو واضح ، عارضت أمي في البداية لكنها قبلت في النهاية من أجل أمها التي لم تلدها .

انتهت العملية ، وفرحت أمي بشدة وتخرجت بتقدير ممتاز ، وأخذت تخصصها كوالدي تماما وحينها تزوجا ، وبدآ بالعمل معا كزوجين ، لينشهرا في غضون عدة أشهر فقط لعملهما المتقن والاحترافي،  وبعد مدة قصيرة أيضا توفيت زوجة عمها والتي تدعى غارسيا بالمناسبة ، وحملت أمي بكلينا أنا وأخي .

وعشنا بسعادة بدون أن نحتاج لجدي وثرواته ولم نذهب لمنزل المزرعة المشؤوم ذاك .

الأمر الذي يزعجني هو أن والدي ظلم حقا ، فقد نُبِذ فقط لرغبته في الدراسة خارج البلدة وعدم استلام أعمال والده ، بينما عمي الأكبر بكل بساطة سافر خارج الوطن بأكمله أي أنه خرج من الحدود الدولية ، ومع ذلك فهو المفضل عند الجميع وأطفاله المثقفون والرائعون والمثاليون ولا تشوبهم أي شائبة .

أنا أكره عائلة أبي وأكره ذلك المنزل بشدة ولكن ها أنا ذي أحكي لكم قصتي في غرفتي وأنا أجلس في الشرفة التي تطل على المزرعة التي تحتوي الأبقار والخراف ومختلف الحيوانات في بيت جدي ، وفي بلدته اللعينة ...

تريدون معرفة كيف حصل ذلك ؟؟؟

لنعد للوراء ، قبل أسبوعين تقريبا ...

"بالطبع سنحضر أنتونيو فقط دبّر الأمر لدقائق وسنكون هناك ، رايان أيقظ أختك لقد تأخرتم ، أوه أجل أجل أنا معك أنتونيو ".

دخل رايان غرفة رايفن ليفتح الستائر ثم النافذة ، ويتجه ناحية سريرها .

نبس بصوته الهادئ الذي يساعدك على النوم أكثر من أن يوقظك منه .

"رايفن ، تأخرنا على المدرسة،  استيقظي".

همهمت الأخرى من أسفل أغطيتها الكثيرة والثقيلة ، ليشرع هو في إبعاد الأغطية واحدة تلو الأخرى ثم يمد يده من خلف ظهرها يجعلها تجلس حتى تستفيق، فهذه الطريقة الوحيدة لجعلها تدرك العالم حولها جيدا وتستعيد وعيها .

رمشت عدة مرات بتثاقل ثم رفعت بصرها ناحيته حيث كان لا زال ممسكا بظهرها حتى لا تعود للفراش ويعدل الوسادة خلفها لتنبس بصوت مبحوح إثر النوم .

"ماذا يحصل ؟ ماذا تفعل في غرفتي ؟".

قلب عينيه ثم أبعد الأغطية عن رجليها وأدارها لتصبح قدميها وساقيها خارج السرير ونبس .

"أحاول ايقاظ الأميرة النائمة ".

حقيقة أنه منذ طفولتهما ورايان يوقظها بهذه الطريقة وهي تمنحه نفس رد الفعل ونفس الجملة ولا تتذكر حتى أنها تفعل  تجعله يرغب بالضحك دائما وهذا ما فعله بينما تناظره بخمول .

دفعته واستقامت وهي تتمتم ببضع شتائم له متجهة للحمام بينما هو عدل الأغطية وخرج مقفلا الباب خلفه.

بعد مدة خرجت هي من غرفتها متجهة للأسفل وهي تستمع أثناء نزولها الدرج لصوت والديها وهما يتحادثان بالطبع عن العمل .

"صباح الخير للجميع".

نبست بصراخ تقطع الحديث ليبتسم والديها بدفئ ، وتتجه هي لتقبل والدها الذي رفع حاجبا ينظر لكارلا التي فعلت المثل .

"ما خطب ساحرتي؟، هل ترغبين شيئا مني ؟"

"أبي كم أنك سيء الظنون ، قبّلتك لأنك أبي فقط ، ألا يمكنني فعل هذا ؟".

"إن كنتي رايفن فلا ، لا أظن أنه يمكنك فعل هذا ".

"حسنا حسنا لقد كشفتني، أنا أريد المال يا أبي ، لقد أفلست وانتهى رصيدي ، وخزانتي تصرخ بأنها ملّت مما تحمله كل يوم ترغب بالجديد ، و أغراضي الشخصية إنها ....".

"لا داعي لتكملي عزيزتي هاهي ذي البطاقة حين تنتهي أعيديها ".

صرخت بحماس تعيد تقبيل والدها ثم اتجهت لتجلس جانب رايان الذي يتناول طعامه بهدوء غير مهتم بما يدور حوله كعادته .

"من المحتمل أن نسافر مساءًا عزيزيّ ، سنعلمكم حين تنتهيان من المدرسة ، لذا احرصا على القدوم للمنزل قبل الثامنة ، أسمعتِ رايفن ؟".

"لماذا تنظرين لي هكذا ؟ سأكون هنا ، كالعادة".

ضحكت بتوتر بينما ضيقت كارلا عينيها عليها ترمقها بشك ، ليقاطعها رايان وهو يقف قائلا .

"لا تقلقي أمي ، سنكون هنا "

جذب رايفن من قلنسوة قميصها لتشهق وهي تقف ثم تناظره بغضب تجاهله وأكمل سحبها للخارج رفقة حقيبتها وهو يستمع لتذمراتها وتهديداتها بأن تهرب في المساء ولا تحضر لمعرفة ما إن كان والداها مسافرين حقا أم لا .

هناك شيء يجب أن تعلموه بخصوص رايفن ورايان ، رغم أنهما توأم حقيقي إلا أن شخصياتهما مختلفة تماما كاختلاف الشمس والقمر ، رايفن فتاة متهورة مندفعة مجنونة وغبية قليلا ولا ننسى مزاجيتها التي تثير الأعصاب ، أما رايان فهو شخص هادئ ، كتوم ، مسؤول ، واستراتيجي ، ورغم كل هذا الفرق الشاسع بينهما إلا أنهما منسجمان جدا ، بالطبع سيكونان كذلك ، رايفن تعضب وتصرخ ورايان يتجاهلها وهكذا تنتهي المشكلة .

وصلا المدرسة وبالطبع انفصل كلاهما لقسمه وأصدقاءه،  وفي نهاية الدوام حاولت رايفن الهروب للتسوق مع صديقاتها والاستمتاع بوقتها لكنها وجدت رايان أمامها مباشرة يهددها بأحد المصائب التي افتعلتها لتضطر لإلغاء الموعد والذهاب معه للمنزل .

دلفا المنزل ولازالت رايفن تتذمر حول عدم قدرتها على التسوق اليوم ، وهي تلحق رايان الذي دلف غرفته يضع حقيبته جانبا ويدخل الحمام ليغير ملابسه وعلى الرغم من أنه لا يسمعها أبدا ويغلق باب الحمام إلا أنها استمرت في الكلام وهي تجلس على سريره متكلمة بسرعة فائقة دون أخذ نفس حتى خروج رايان وهو يحمل منشفة صغيرة في يده رماها عليها لتتوقف .

"رايفن ، اخرسي أو أخرجي ".

"كم أنك مراعي يا أخي العزيز ، أشكي لك مشاكلي وأنت تطردني ؟".

"رأسي يؤلمني بسبب كثرة كلامك ألا يتعب فمك؟".

قلبت عيناها ثم وجهتهما بتركيز ناحية الباب ليحين دور رايان لقلب عينيه ، وينبس .

"ماذا الآن ؟".

"أمي قادمة ".

"أتساءل إن كنتي مصاصة دماء في حياتك السابقة ؟ ماخطب سمعك الخارق للطبيعة جديا ؟".

ابتسمت بفخر تزامنا مع فتح الباب و دلوف كارلا وهي تناظر كلاهما باستغراب .

"ما خطبك أمي ؟ لما تبدين كأنك ترين أشخاصا غير أبناءك في غرف أبناءك ؟".

"لما تتفلسف ؟".

"اخرسا، حقا انا مستمتعة كونكما كنتما في غرفة واحدة ولم تتشاجرا ، لم أسمع رايفن تصرخ أبدا".

"نحن لا نتشاجر، هي تصرخ بدون سبب".
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي