الفصل الثاني

الفصل الثاني ....

غرفة مظلمة ماعدا من نقطة مشتعلة يصدر منها دخان خفيف منتشر حوله، فكرة مندسه فى عقله المزدحم بأن تدخينه لتلك "السيجار" سيهدىء من نار قلبه المحترق .
لا يعلم المسكين بأنه بتلك الفعله، آثم لا محاله .
نفث دخان رفيقته المحرمة بتنهيدة حارقة من صدره تذكر فيها معشوقته المدلله، كم من مرة أراد أن يخبرها " ف لترفقى بي يا مدلله فقلبي مشتعل ولا يملك رفاهية الأعتراف " .
يفكر فى ألاف السيناريوهات التى يمكن أن تحدث إذا أخبر رب عمله بأنه يرغب فى الزواج من ابنته، أقلها رفقاً بقلبه أن يطرده من حياتهم ويحرمه من قمره المُطل عليه من شرفته .
تذكر أول مرة رأها، كانت فى الصف الثالث الثانوى، فتاة جميلة ترتدى فستان قصير منفوش أبيض اللون به وردات زهرية اللون تسير بجوار كرسي والدتها وتتحدث معها بشغف، يكاد يقسم حالياً أنها كانت تصف لها كم تعشق "الكمان"، أبتسم حين وصل لتلك النقطة وتمنى أن تراه يوماً ك "كمانها" ف بالفعل أصبح قلبه كأوتاره وهى تحركه بأصابعها كما تشاء فيعزف أعذب الالحان .

قطع سيل أفكاره رسالة وصلت على هاتفه قديم الطراز، الذى طالما أخبرته بأن يحدثه بنوع أفضل فكانت دائماً تحصل على الرفض فى جوابه، فقررت هى أن تهاديه بأحدث نوع من الهواتف المحمولة على أمل إلقاء ذلك الهاتف القديم فى القمامة لكنه فاجئها بالأحتفاظ به أيضاً.
لا تدرى بأن حياته مرهونة بذلك الهاتف البسيط .

فتح رسالته النصية المنتظرة فتجهمت ملامحه وقام مسرعاً نحو دراجته النارية إلى المكان المنشود، تُرى هل هو ذلك البطل الذى تراه هى فى النهار أم مارد يبتلعه ظلام الليل ؟

تململت ورد فى فراشها بعد أن سمعت صوت والدها بجوارها .

_ورد، قومى علشان عايزك .

فتحت عينيها بصعوبة وألتفتت له بيأس .
_بابى، ممكن تسبنى أنام شويه، أنا عارفه أنك زعلان منى بس أنا مش قادره أجادل دلوقت .

أزاح عنها الغطاء بعد أن فتح ستار الغرفة لتتذمر هى بغضب .

_ قومى علشان مسافر وعايزك فى موضوع مهم .

شعرت بأن تلك المرة لن يجادلها بشأن ما فعلته ليلة أمس، فأعتدلت فى فراشها وتحدثت معه بقلق .

_ خير يا بابى حضرتك كويس ؟

جلس بجوارها على الفراش وأبتسم بهدوء مما أثار قلقها أكثر .

_ دلوقت أنا مسافر فى شغل مهم وكل اللى عايزه منك تفضلي جنب مامي، خلى بالك عليها ومتخليش حد يساعدها غيرك، ريحان مش بتحب تحس أنها تقيله على حد علشان كده أنا مش بسمح أن حد يخدمها .

شعرت بقبضة فى قلبها من حديثه، ف تلك المرة الأولى التى يسافر فيها فيحدثها بتلك الطريقة بالرغم من عشرات المرات التى تركهم وغادر فيها البلاد .

_أكيد يا بابي، بس حضرتك بتقولى كده ليه ؟ أنا قلقت عليك .

أبتسم ومسك كف يدها .
_ لأ يا حبيبتى أنا بس خايف عليكم شويه علشان بنتى حبيبتى مش بتسمع كلامى والسفرية هتطول المرادى، ف لو كانت بنتى بتسمع الكلام وبتطيع والدها كان زمانى سافرت وأنا مطمن .

تذمرت بطفولة وعقدت مابين حاجبيها وردت بحنق:
_علشان حضرتك مش حابب أعمل اللى بحبه كأن أحلامى شيء ملوش قيمة .

خبط على مؤخرة رأسها بخفة و رد :
_مش يمكن محتاجك معايا تمسكي شركة ولا أتنين من مجموعة المصطفى ولا أنتى ناسية أننا مجموعة ضخمة ولو سبتك لوحدك عمك وابنه هياكلوكى .

أحتضنته بحب وغمرت رأسه فى كتفه .
_ربنا يخليك ليا يا حبيبي وما يحرمنى منك ابداً، عموماً أنا كنت محضرة لحضرتك مفاجأة وكنت هقولهالك كمان شهر فى عيد ميلادك بس مش خسارة فيك يا صفصف، أنا هبدأ دراسة فى كلية إدارة الأعمال إن شاء الله مع بداية الدراسة وكمان هنزل الفترة الجاية تدريب مع سهير فى الشركة ومش بس كده لاااا أنا هرتب نفسي بين الشغل وبين العزف. إيه رأيك ؟

_ هى دى بنتى حبيبتى اللى كنت بتمناها، المهم معاد الطيارة قرب يدوب أجهز وأمشي . خلى بالك على مامى وعلى نفسك .

_تروح وتيجي بالسلامة يا روحى، هو .. هو ياسين جاى معاك ؟

ألتفت مصطفى بعد أن كان على وشك المغادرة .
_اه هيجي معايا، متقلقيش باقى الحرس موجودين بس أعملى حسابك أن مفيش خروج بعد الساعة ٨ طول فترة غيابنا، مفهوم ؟

_مفهوم.

جلست فى فراشها
تخطط لأمر ما، ثم قامت مسرعة ترتدى ما طالته يدها .

أعد حقيبته التى ستصاحبه للسفر مع سيده، أرتدى حلته السوداء التى تليق بالحارس الشخصى لمصطفى باشا داوود، يقف أمام مرآته لتهذيب لحيته قبل أن يمشط شعره، شرد ثوانى فى مرآته يفكر فى ما سيحدث اليوم .

فجأة وبدون مقدمات وجدها تدخل من باب الغرفة المطل على المسبح بهيئة مبعثرة عكس تلك الفاتنة التى سلبت عقله بالأمس، منامة وردية واسعة غير مرتبة، شعر مشعث، وما هذا ؟ هل هو حذاء أم دعست أرنباً وردياً بالخطىء .

_صبااااح الخيييير .

ترك ماكينة الحلاقة فى يده ونظر لها ببلاهة، ماذا تريد أن تفعل به.

حتى فى حالتها المبعثرة تلك وأثر النوم الواضح عليها أشعلت رغبة قوية فى قلبه بأحتضانها، هنا وفى الحال وعلى هيئتها المذرية تلك .

ألتفت إلى المرآة مرة أخرى يكمل ما بدأه كأنه يريد تشتيت أنتباهه عنها .
_ صباح النور.

وقفت بجواره وتراقب ما يفعله .
_هتسافر كده من غير ما تسلم عليا؟ إيه الندالة دى ؟

أكمل ما يقوم به دون الالتفاف لها و رد :
_ يمكن مش فاضي مثلاً ؟

_أنت غلس جداً على فكرة وأنا غلطانة إنى جيت أشوفك، مستفز .

تحركت من أمامه لتخرج ف ألتفتت له مرة أخرى .
_أنت مش هتنادى عليا تقولى متزعليش .

أبتسم على حماقتها فأقتربت منه ووقفت أمامه وسحبت من يده ماكينة الحلاقة .
_ أنت إنسان بارد بجد .

بعد دقائق ...

يقف مجبراً بنفس وضعية الحلاقة وهى أمامه تقوم بعمله بدلاً منه .
_باااس كده، وبقيت زى القمر .

تأفف بضيق منها.
_ خلاص كده أنبسطى ؟ شوفى بقي كم الوقت اللى ضاع منى بسببك ؟ مصطفى باشا بيرن عليا .

_ ما خلاص بقي يا ياسو كنت بظبطك علشان تجيلنا بعروسة من بلاد بره وأنت جاى .

نظر لها بعضب وسحب حقيبته وغادر فى صمت، وقبل أن يخرج من باب الغرفة .
_أبقي أقفلى الباب قبل ما تتكلى .

_حاضر، ماهو أصلي الشغالة بتاعتك .

لم يجيبها بل أستمر فى طريقه نحو سيارة والدها نحو سفر قد يغير حياة الكل، وقد ينهى بعضها ...

فى إحدى الدول الأوروبية، يجلس بعض الأشخاص فى غرفة مغلقه متحدثين مع مجموعة أخرى على شاشات حولهم .

تحدث أحدهم:
_حسناً سيدى، لقد وردتنا بعض الأخبار بتحركهم نحو المطار .
ف رد فى أحدى الشاشات :
_أهم حاجة التنفيذ يبقي نهائى، مش عايز أى غلطة .
رد أخر :
_ لا تقلق سيد رياض، سننظف الأمر تماماً ولن تجد أى فوضى، ولكن يبقي دورك الان فى مهمتنا .
_متقلقش، أنا مرتب كل حاجة .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي