كيف أستطعت تركي وحيدة بني

حموده`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-04-24ضع على الرف
  • 22.7K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

1

مصر _ القاهرة
الفصل الأول :

في كل صباح استيقظ باكراً  استعداداً للذهاب للعمل . وكالعادة استيقظ على صوت بائع المعروك المتنقل بعربة خشبية ذات أربع دواليب ،التي يقوم بركنها كل صباح في أول الشارع  وينادي بصوت عالي لتتراكض أقدام أطفال المدارس إليه وهم سعداء بمجيئه لاسمعهم يتهافتون بقول آتى  العم معاذ هيا بسرعه.

كان ذاك الحي تفوح منه رائحة البساطة الممزوجة بعبق الورد الجوري زهري اللون و أشجار الياسمين المتدلية من أغلب المنازل  حيث السكينة والطمئنية التي غلبت عليه  .

في الحقيقة أحب هذا الحي رغم بساطة معيشتنا وبيوتنا العتيقة التي مر عليها الزمن لكنها مازالت تحتفظ بجدرانها  الشامخة ،الصامدة  والتي تحمل  ذكريات الماضي الجميل و ذكريات كل من مر بها  وتلك الابواب الخشبية المتآكلة لكنها مازالت تقوم بعملها جيداً رغم ذلك .

فأبدأ صباحي لأقوم من سريري المتآكل اسفنجه وأرفع جسدي  المحطم  لأمرخه لأذهب باتجاه شرفة غرفتي لرؤية النور و استنشاق هواء نظيف ورؤية مايجول في الحي ،حيث أنني لم أعد أعلم عن أحد شيء منذ فترة بسبب ساعات العمل الطويلة.

واذا بها زوجتي تنادي بي : عزيزي هل استيقظت لقد اعددت القهوة اغتسل بينما اجلب الطاولة والكراسي إلى الشرفة .

سالم : أجل، أنا بانتظار قهوتك التي باتت تفوح باعماق قلبي وليس بأنفي فقط

ذهبت باتجاه حمامنا الصغير حيث هناك تركن مغسلة صغيرة تعلوها مرآة  لأنظر من خلالها كل يوم إلى وجهي المتعب وأسأل نفسي متى سأكون أنا صاحب العمل ولست العامل ؟
وأستطيع تغيير اثاث منزلي المتآكل والمهترأ  وأجعل زوجتي تعيش حياة تستحقها .
آه يالها من صبورة

كان منزلنا صغير وبسيط نعيش فيه حياة متوسطة وهادئة بعيدة عن المشاكل والخلافات حيث تجمعنا المحبة والآلفة،لكننا لم نرزق بطفل إلى الآن رغم العشر سنوات التي مضت من زواجنا .
نحمد الله على أي حال


اتجهت إلى غرفتي لأرى زوجتي تجلس على الكرسي الخشبي  وتنظر ألي بايتسامه جميلة .

سالم:صباح الخير عزيزتي
جميلة :صباح النور  هي قبل أن تبرد قهوتك .

ذهبت باتجاهها وقبلت وجهها المدور التي تعلوه حاجبين فاتحيين وعينان واسعتان ذو لون بني
جلست بجانبها  لتناولني فنجان القهوة الذي أحب أن اشربه من يديها .

وقفت أتأمل المكان واتنهد ،آه من هذا الروتين.
متى ستتغير حياتنا وانتهي من كل هذه المعاناة مع صاحب عمل سيء الطباع ومع ساعات طويلة من العمل ؟

جميلة:عزيزي لما أنت مستأء بهذا الشكل  سيكون كل شيء على مايرام وسنكون بجانب بعض دوماً إلى أن تتغير أحوالنا،لاتقلق لن يدوم شيء بإذن الله .

في كل مرة تهون علي أشعر بأن كلماتها تلامس قلبي لتمسح عن جدرانه غبار التعب والألم .

لم يبقى لي في الحياة سوها بعد موت والداي واخوتي الذين سافروا بعيداً ولم أعد أعرف عنهم شيء ولم يسألو عني بسبب خلافاتنا السابقة .

فأنظر إليها بعيناي السوداوين .
وأقول لها دائماً :بأن حياتي لاتحلو ألا بوجودكي بجانبي .

فابتسمت ابتسامة تخطف القلب  .
لتهون علي متاعب نهاري التي لم تبدأ حتى
وقفت لأتكئ بمعصمي على حافة الشرفة
وذهبت زوجتي إلى المطبخ تحمل فناجين القهوة لتجهيز الفطور .

في هذا الحين لفت انتباهي وجود إمرأة عجوز تجلس على حافة الرصيف في الشارع الرئيسي ،تضع يدها على خدها وتترقب الطريق يمينا ويسارا ،حيث بدا عليها التعب والحزن كما لو أنها تنتظر أحد ما
لم تظهر ملامحها عن كثب من شرفة منزلي كي  اتعرف عليها لعلي اعرفها  .

فكرت في نفسي ملياً هل أسألها أم لا  ؛قد لاتكون تائهة!
حسنا؛سألها عند نزولي لأرى أن كانت بحاجة لشيء

عتدنا من مجمعنا السكني البسيط أن تجمعنا المحبة والبساطة نساعد الفقير ونعطف على الكبير والصغير ،وكان حينا تملئه رائحة الأمان والطمأنينة .لم يكن هناك شيء غير مألوف منذ زمن كما لو أنه لم يتغير حال أحد ولكنني أحب هذه الحي  ،لذا كان وجود تلك العجوز البائسة ذات العباءة السوداء غريباً نوعاً ما .

مشيت وانا أحك بشعري المجعد باتجاه غرفتي لارتدي ملابس العمل وانا  أفكر حيالها

بدأت زوجتي  تتحدث معي بصوت ٍعالي من المطبخ كي أسمعها؛
وهي تقول :ماذا ياسالم هل مازلت واقفاً عند الشرفة ،قد تتأخر عن عملك لا نريدأن يزعجك صاحب العمل مجدداً.

فقلت لها :آه منك ياجميلة  ،تبا للعمل وصاحبه المزعج .
حيث أنه  كان كثير الكلام والبربرة ولايعجبه شيء نعمله بالرغم أنه يعرف في نفسه أننا نعمل بجد وعملنا جيد لكنه شخص طماع وغير قنوع  في رزقه و دوماً يرغب بالمزيدو لايتحمد الله على ماهو عليه الآن، فقد عماه الجشع والغرور.

أتمنى من الله أن يلهمني عمل أفضل من هذا وأتخلص من العناء معه .

وانا اتحدث إلى  نفسي أرى زوجتي من الممر الضيق قادمة نحوي ؛ثم أتكأت بجسدها النحيل على الباب .
وهي تنظر ألي:بماذا تفكر عزيزي؟
سالم :لا لاشيء مهم .
ثم واصلت كلامي ؛عزيزتي انظري من تلك الشرفة وانظري إلى تلك المرأة لعلك تعرفينها فقد بان عليها بأنها تائهة او حزينة لعل ورآءها أمراً ما .

ذهبت لزوجتي لتنظر لتقول:لا أعلم من هي ،يالها من مسكينة حقاً تبدو حزينة
دعها تأتي إلى منزلنا لحين أن تجد طريقها .

ابتسمت وقلت :سأسألها وأخبرها أن ارادت ذلك .

سالم :هل تعلمين أكره بشدة هذه الملابس لايكفي أنهم يكروهوني في العمل بل اخترعوا ملابس موحدة و سخيفة  للعمل اصبحنا نشبه أطفال المدارس في هذا الزي تباً لهم.
جميلة :أمازلت تتملل ومنزعج من هذه الملابس ،عزيزي تبدو أنيقاً بها لاتضع في نفسك كثيراً.

بدت عليي نظرات الدهشة! لأقول لها:هل أبدو أنيقاً فقط بها ،اي أنا لست أنيقاً؟

ضحكت. وقالت:عزيزي أنت تعلم أنني أحبك  وأراك الأجمل دوماً كيف ماكنت لكني أردت أن أهون عليك .
سالم:لاعليكي يبدو أن كرهي لهذا العمل جعلني أكره حتى هذه الملابس

.بات الصمت قليلاً

ثم قلت:أحقاً أبدو أنيقاً بها
تعالت أصوات ضحكاتنا سوياً ونحن نتبادل النظرات

جميلة:  تبدو الاروع والاجمل عزيزي
سالم :آه كم أحبك ياجميلتي الوحيدة .
قبلت رأسها مودعاً
قلت لها:وداعاً عزيزتي أعتني بنفسك ؛أراكي في المسا.
جميلة :أنا دوماً في انتظارك حاول ألا تتأخر
ولاتنسى أن تحضر معك الخبز  والبطيخ عند قدومك
سالم : لن أنسى عزيزتي

نزلت من على الدرج وأنا مطأطأ الرأس متأهب لانتظار يوم شاق وانا أعاني كما لو انني ذاهب لحرب ولبس لعم .
كنا نسكن في الطابق الثالث ،أحببت هذا الطابق لان الاطلالة من شرفة منزلنا جميلة .

خرجت من الباب الخارجي متجهاً نحو الشارع الرئيسي وأنا انظر إلى تلك المرأة فهي مازالت جالسة بنفس الوضعية منذ ساعه تقريباً .

أقتربت منها  كثيراً واذ بها تنظر إلى بعينين ذابلين أرهقهما التعب تضع يدها على خدها الممتلئ كانت ذو صحة جيدة ذات وجه ابيض مدور خالطته تجاعيد تقدم العمر  ،لم يبدو لي مظهرها بأنها من هذا الحي او أنها فقيرة كانت ثيابها توحي بذلك 'كانت ترتدي ثوباً قرمزي وفوقه عباءة سوداء توضع على الرأس خالطت ذيولها التراب لتبدو بيضاء .

دنوت بقربها وقلت :السلام عليكم أماه هل أستطيع مساعدتك  ؟
أعتدت ان اقول ذلك لكل أمرأة كبيرة عمر أحتراماً وتقديراً لها ولسنها

نظرت ألي باستغراب وحزن
وسألتها هل أنت أنت تائهة هنا؟
بات الدمع يلمع بعينيها البائستين لكنها لم تقل شيئاً.

أعدت صياغة سؤالي فقلت :هل تحتاجين لشي ؟
لم استطع أن أسألها أن كانت تستطيع الكلام أو أنها تسمعني ،لم أرغب في أحراجها  وزيادة حزنها .

في هذه الأثناء أتى الباص الذي يقلنا يومياً إلى العمل  حيث أنا آخر راكب يآتي إلي.

ذهبت باتجاه الباص وأنا اتلفت كل حين  نحوها لعلها تنادلي لي أو تخبرني بشي ،لكن دون جدوى .

صعدت الباص
سالم: السلام عليكم جميعاً
وعليكم السلام اهلا ياسالم ،بدا لي أن الجميع اليوم كئيب .
سالم :آه ياله من يوم

بدأت صرخات السائق ليقول:هيا اجمعوا النقود  واعطوني أياها مرة واحدة .

كنت اجلس على الكرسي خلف السائق وبدأت اجمع له النقود وأتحدث لنفسي : لو كان لدي باص لكان الوضع أفضل وتكون مهنتي لي وحدي وأستطيع أن أخذ جميلة إلى أماكن تتنفه عن نفسها  فكان كل مايشغلني جلوسها وحدها طوال النهار لتبقى بانتظاري ولكن الحمدلله على كل حال قد يرزقنا الله احسن منه .

اعطيت السائق النقود وأخذها بأمتعاظ ،جعلني أشعر بأنه يملك شركة ليس باص .

بأت أقول في نفسي :يال هذه البشر هل كل من لديه مصلحة او عمل خاص تصبح نفسيته بهذا السوء .
أرجو من الله أن يثبتنا على خلق جميل و ألا أصبح هكذا يوماً،فالحمدلله اعتدنا التواضع والانسانية شكراً لله .

نزلت من الباص لأرى صديقي يقف  بالقرب من دراجة نارية لم أرآها من قبل  عنده كما لو أنه ينتظر شيء كي يذهب بسرعه .

سالم :السلام عليكم ،كيف حالك ياعمر
عمر :وعليكم السلام أهلا ياسالم بخير ،اربد التحدث معك بأمر.
سالم :هل حدث شيء ،تفضل قل لي.
عمر : كنتُ انتظرك' ،فأنا  أحتاج المساعدة
سالم :ماالامر قلي لي، مابك لما تبدو مرتبكاً هكذا.
عمر:زوجتي في المشفى حان اليوم وقت ولادتها وعلي أن أذهب الآن لاأستطيع تركها وحدها فهي بحاجتي اليوم  ولن أستطيع العودة للغد هل تستطيع  ان تتاخر للمساء اليوم وتبقى هنا عوضاً  عني .

كنا دوماً نقوم بمساندة بعض في مثل تلك الظروف ففي بعض الاحيان كنت اذهب باكراً للمنزل  عندما أمرض أو تتعب زوجتي او عند أي حدث طارئ
يعمل مضاعف من أجلي او في النهار .
أخبرته:أجل لاعليك ياصديقي لاتشغل بالك بشي .

كانت ملامح الذعر تظهر على وجهه ،كان مشغول منهمك من التفكير وكان على عجل  .
أخبرته: ستكون بخير لاعليك،اتصل بي أن حتجت لشيء .
عمر:شكراً لك ياصاحبي ،أراك غداً في الصباح بأذن الله؛ وداعاً

دخلنا أنا والعاملين إلى المطعم لنبدأ بترتيب الطاولات ووضع شراشف نظيفة وعلب المحارم الخشبية ،وسقاية الوردو الحمراء المزروعه خارج المطعم ،في الحقيقة كانت الشيء الوحيد الجميل في هذا المكان ،كنت سعيد لسقايتها يومياً.
ليت كل الاعمال كهذه ههه .

على الرغم من ضغط العمل وانشغالي لكنني مازلت أفكر بتلك العجوز ،هل ياترى ذهبت ؟!
أم ماتزال جالسة بمكانها وتنتظر  أحداً؟

اتصلت بزوجتي .
سالم :الو ،كيف حالك عزيزتي
جميلة:اهلاً ياسالم مابك هل هناك شيء ما.
سالم :لا لا، ليس هناك مايقلق ،لكن أريد منك أن تنظري من الشرفة وتتفقدي اذا مازالت تلك العجوز بمكانها أم لا ، فما زلت  أفكر بها
جميلة : يال قلبك الكبير كم أحبه،انتظر قليلا
بعد ثواني.

جميلة:عزيزي لايوجد أحد يبدو أنها ذهبت
سالم :الحمدلله لعلها وجدت طريقها ،هل تحتاجين لشيء عزيزتي
جميلة :لا عزيزي كن بخير
سالم: عزيزتي قد اتأخر اليوم لاتحزني سأخبرك بالأمر عند عودتي.
جميلة :لاعليك ،سأكون بانتظارك.

عدت إلى عملي مطمئن حتى ظهرت على ملامح وجهي البهجة وانا أتمتم .
الحمدلله ،الحمدلله ،حتماً لم تكن تائهة.

انتهى هذا اليوم آخيراً بعد كل هذا العمل والضغط والتفكير المستمر ،آه كم كان يوماً شاقاً الحمدلله أنه انتهى على خير .

نزلت من الباص مترنحاً متعباً ألوح بيداي  ومشيت بأتجاه شارع منزلي ،وانظر للشرفة .
واذ بزوجتي واقفة تنتظر عودتي وتلوح لي بيدها ،فلوحت لها وانا ابتسم .

يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي